الأدب الإسلامي

بقلم : أديب العربية الكبير معالي  الدكتور عبد العزيز عبد الله الخويطر

الرياض ، المملكة العربية السعودية

       إن في الاستماع للغيبة والنميمة جاذبية في المجتمعات، تشجع المغتاب والنمَّام على الإِتيان منها بما يجلب الاستماع. والإِقبال من المستمع يجعل المغتاب يحاول أن يحافظ على «زبائنه»، فإذا لم يستطع أن ينقل ما قيل، زاد فيه، وحَرَّف، وإن لم يجد أساسًا يبني عليه اختلق أساسًا، وادعى قولاً لم يُقل، ولا يلام المغتاب أو النمام مادام رديئًا، ويجد «جمهورًا»!

       والثقة بالنفس قوة، ومن هذه الثقة تأتي فضائل إذا كان صاحبها خيّرًا، وتكون له سندًا يدفعه إلى الاستفادة منها في طرق الخير؛ ومن طرق الخير التي تؤدي إليها الثقة بالنفس الصدق، فالواثق من نفسه لا يقدم على شيء إلا ولديه المبرر المقبول، المبني على أساس سليم في عرف المجتمع، فإذا ما قصر الأمر عن الهدف، لعامل خارج عن تخطيط المرء، أو جاء فوق قدرته، فإنه لا يلوذ بالكذب، ليعذر لنفسه، وإنما يعمد إلى الصدق، فيتخذه وجاءًا، ويقف خلفه، متترسًا باطمئنان، تملؤه الثقة التي تعود عليها، فلم تخنه في يوم من الأيام، وقد يدهش من حوله لهذه الصراحة، ويعجبون من هذا الإقرار، فيكون حديث المجتمع، يتناقل بغرابة، ويروى باندهاش، حتى يأتي آت، فيقيده بقيد التسجيل، ويتلقاه زمن، فيسلمه إلى زمن آخر، والنص التالي يصور موقفًا فيه هذه الصفة:

       «صعد عثمان بن عفان المنبر، فارتج عليه، فقال: إن أبابكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالاً، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب، وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون، إن شاء الله»(1).

       لقد نقل عثمان – رضي الله عنه – الناس إلى داخل رأسه، فأطلعهم على ما دار فيه، عندما وقف موقف المحرج، ولم يحاول أن يُموِّه، أو أن يدعي؛ ونعم المخرج الصدق.

       وتتبين عظمة هذا الفعل عندما نقارنه بخطيب وقع في مأزق مماثل، فانقاد وراء كلماته عبدًا ذليلاً لها، وقال ما أملت عليه، ولم يحاول أن يقول الصدق مثل عثمان، فينجو كما نجا، وقد أورده هذا التصرف المضحك موردًا مشينًا، ولكن التاريخ سجله، لأنه يحتل الجانب الأيسر من الصورة، خلافًا للمكان الذي احتله عثمان – رضي الله عنه –. والنص الذي يتحدث عن هذا هو كما يلي:

       «صعد رجل المنبر، فلما استوى قائمًا، وقابل بوجهه وجوه الناس، وقعت عينه على صلعة رجل فقال:

       اللهم العن هذه الصلعة»(2).

       ليس للصلعة ذنب، فليست هي التي سببت له العيّ في خطبته، ولكنها كانت أقرب مشحب يعلق عليه الخطأ، ويصب عليه جام غضبه، إلى حد اللعن، وهو أقصى درجات الشتم.

       والحزم قوة، لأنه فعل يضع الأمر في نصابه، أو قول يصيب كبد الحقيقة، ولا يكون الفعل والقول حزمًا إلا لأن صاحبهما يقدم على ما لا يقدم عليه إلا القليلون، لأنه يحتاج إلى شجاعة أدبية، لا تتوافر إلا عند ذي العزم والقوة. وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أحد القلائل الذين اتصفوا بصفة الحزم، وهي صفة تحكم كل عمل يقوم به، وكل قول يتلفظ به، وكان ذلك مصدر هيبة له؛ وعمر مع هذا لا يحيد عن الحق، ولا يبعد عن العدل، أعماله توزن بميزان دقيق، فهو ليس بخب والخب لا يخدعه. والقول الآتي يري جَانبًا من القوة في حكم عمر:

       «قال عبد الرحمن بن عوف:

       قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – :

       لقد لنتُ للناس حتى خشيت الله في اللين، ثم شددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المحرج؟

       فقام عبد الرحمن يجر رداءه، ويقول:

       أُفٍّ لهم بعدك.

       وقال عمر: اللهم تعلم أني منك فيهم أشدُّ فرقًا منهم مني»(3).

       ولين عمر، والمطالبة به، همّ بعض الناس، ولعل ما دعاهم إلى ذلك ما رأوا من ميله عن عدم التغاضي عن الخطأ، ولم يدركوا ما أدركه، ولم يعرفوا ما خشي منه. فعمر في حكمه رأى خطرًا بمجتمع المدينة، بعد أن كثر الرقيق، وامتلأت المدينة بغير أهلها، وبدأت تتفشى فيها عوارض أمراض اجتماعية، لابد من الحذر منها، والاستعداد لها، وعدم التساهل فيها، ورأى أنها تزحف بشدة، وتتقدم بسرعة، فأدرك ببصيرته أنه لابد أن يكون هو الطبيب الذي يعالج بعقل، وألا تطغى العاطفة على علاجه، وإلا طغى السيل، واجتاح الطوفان ما أمامه. وكثير ممن يبدي الملاحظة على عدم لين عمر لا يدركون ما أدركه، ولهذا فهم عندما يتحدثون معه عن شدته، يغلبهم بحجته، كما فعل مع أحد قريش، والقصة كما يلي:

       «حكى عمرو بن مرة أن رجلا من قريش قال لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – :

       لِنْ لنا، فقد ملأت قلوبنا هيبة.

       فقال: أفي ذلك ظلم؟

       قال: لا.

       قال: فزادني الله في صدوركم مهابة»(4).

       وعمر في داخل نفسه ليّن لرعيته، ولكنه يتقن إخفاء هذا، وإن كان في رعايتهم عطفه واضح، ولكن حزمه تجاه الخطأ هو الذي يبقى أمامهم، ولا يذكرون غيره، وإذا كان الناس يثقون في صلة عبد الرحمن بن عوف بعمر، ويعتقدون أنهم عن طريقه يستطيعون أن يطلبوا من عمر ما لم يستطيعوا طلبه منه مباشرة، كما رأينا في القصة السابقة، فإنه يبدو أنهم لا ييأسون، فقد يعيدون الطلب مرة ومرة، وقد يكون الموقف واحدًا؛ ولكن الرواة اختلفوا في نقله. على كل حال، النص الآتي فيه من الكلمات ما يدل على معان تحدد منطلق القوة عند عمر:

       قال صاحب كتاب «عيون الأخبار» فيما يرويه:

       «حدثني أبو حاتم، قال:

       حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا سُران، وسُران عم الأصمعي، قال:

       كلّم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم، فإنه قد أخافهم، حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهن.

       فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي»(5).

       وهكذا عمر إنما يؤكد قول الشاعر:

قسا ليزدجروا ومن يك حازمًا

فليقس أحيانًا على من يرحم

       وليس هذا الجانب هو الجانب الوحيد الذي يظهر قوة عمر، فجوانب القوة فيه تكاد لا تحصى، وهي بِعَدَدِ ما يمر عليه في حكمه، من أمور تحتاج إلى معالجة، والقصة التالية تري قوته، ويمكن أن تقارن بما قيل أن عبد الرحمن بن عوف فاتحه فيه:

       «قال رجل لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه– :

       اتق الله، يا أمير المؤمنين.

       فقال له رجل: لا تَأْلِتْ أمير المؤمنين.

       فقال عمر: دعهم، فلا خير فيهم إذا لم يقولوها، ولا خير فينا إن لم تقل لنا»(6).

       وعمر كله قوة، لأنه ينطلق من قوة في قوله وعمله، وهو يستقيهما من مبدأ مبني على الإِسلام، فكل عمله لله.

       والعقدة النفسية ضعف، وخلو الإِنسان منها قوة، ومقاومة العقد ليست بالأمر الهيّن، وتحتاج إلى شجاعة وقوة إرادة، ومما يساعد على القوة أمام العقدة ثقة الإِنسان بنفسه، ورضاه بالواقع، واكتفاؤه به، وعدم انتحاله شخصية غير شخصيته، أو ادعاؤه إنجازًا لم ينجزه، أو تقمص بطولة هو في الحقيقة يعجز عنها؛ وموقف القوة أن تقبل العاطفة تأتيك من مخلص، والإِحسان من صاحب النية الصافية، وفي الموقف الآتي شيء من هذا:

       «دخل على أبي عبد الله ثوابه صديق له، ومجلسه غاص بأهله، فقال ابن ثوابه:

       ما زادك بعدك عني إلا قربًا من قلبي فقعد بعيدًا»(7).

       والتغلب على النفس، وردها عن هواها، عندما يتبين أن فيه ضررًا لها، قوة، وأي قوة، فالإِنسان قد يسهل عليه أن يغلب الآخرين، ولكنه قد لا يستطيع أن يغلب نفسه، لأنه مع الآخرين قد يختلق الحجج، وقد يبتدع الأعذار، وقد يزيف المبرر، فيخدع بهذا غيره، ويغلب الناس بالباطل، أما نفسه فتعرف منه الصحيح من الكذب، والحقيق من المزيف، فلا يستطيع أن يخدعها، ولكنه إذا عدم الشجاعة، وتغلب عليه الضعف كابرًا، وسلك طريق الباطل عاصيًا.

       والقصة الآتية يطفح إناؤها بالقوة من جميع الجوانب:

       «كان أبو الطيب الطاهري يهجو بني سامان، ويمزق أعراضهم، ودخل إلى نصر مسلما، فقال له نصر:

       يا أبا الطيب، حتى متى تأكل خبزك بلحوم الناس»؟

       فسقط في يديه، وأمسك بلسانه، ونصر يضحك في وجهه.

       فقبل الأرض، وقام يجر ذيله خجلاً، وحين وصل إلى منزله تصدق بمال، وتاب من الهجاء توبة نصوحًا، ولم يعد إلى عادته.

       فتعجب الناس من كرم نصر وظرفه وتصوّبه من استعصار مثله، وكف عادية لسانه بتلك اللفظة»(8).

       لقد كان موقف كل من الرجلين قويًا، نصر في نيته، في إزالة منكر، واختيار الكلمات المرشدة، وأبو الطيب كانت نفسه أرضاً خصبة، إزدهرت فيها ثمار البذرة التي بذرت، وإذا كان نصر بذر بذرة واحدة فقد جاء منها ثلاث سنابل: الأولى الخجل الذي طغى على أبي الطيب، والحياء الذي تغشاه، ثم الاقلاع عما عوتب عليه، مما كان يديم ارتكابه، ويجد لذة في ذلك، ثم الصدقة التي تؤكد التوبة الصادقة، التي لا رجعة عنها، فقد أبدل اللذة بلذة، والقول بقول، غير نادم، بل باعتراف للجميل، فقد جاء النص هادئًا، من وجه منشرح، وثغر باسم، فوجد القبول.

       لم يكابر أبوالطيب، ولم تأخذه العزة بالإِثم، ولم يستجب بالتدريج، بل سارع إلى الإِستجابة، وكأنه ينتظر من يساعده على نفسه، وكأنه أرض طيبة، احتجب عنها المطر، ثم عاد إليها، فأعطت أكلها دفعة واحدة، وكأنها تبدي امتنانها، وتؤكد اعترافها بالجميل.

       هذه بعض مظاهر القوة التي تبدو أحيانًا عند بعض الناس، فتلفت النظر، وتوجب التدوين.

       وتأتي القوة في الصراحة، وفي إبداء ما في النفس، وقد يثير هذا قوة مقابلة لم تخطر ببال صاحب القوة الأولى، وينسى أن الشيء إذا ألقي بقوة، يعود بعد الارتطام بقوة، إذا تساوت القوتان، وأحيانًا يغفل الإِنسان عما يمكن أن يكون عليه الرد من القوة، لأنه يكون مأخوذًا يمنطق قوته، وثقته فيها، فيفاجأ كما في النص التالي بقوة تعادل قوته؛ بل تزيد:

       «ذكروا أن امرأة عقيل، وهي فاطمة ابنة عتبة بن ربيعة، قالت:

       يا بني هاشم، لا يحبّكم قلبي أبدًا، أين أبي؟ أين عمّي؟ أين أخي؟ كأن أعناقهم أباريق الفضة، ترد أُنفهم قبل شفاههم.

       قال لها عقيل:

       إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك»(9).

       فاطمة بنت عتبة انطلقت من موقف قوي، تتأسف على أقاربها، وتمدحهم، وتصفهم بأوصاف جميلة، وتتوجد عليهم، ولابد أنها، في داخل نفسها، تتمنى أنهم أحياء، مسلمون، تنعم بقربهم، وتفخر بوجودهم، ولم تخف عدم حبها للذين كانوا السبب في فقدهم، وبشجاعة، لم تراع فيها روح الإِسلام، أخذت تلوم المسلمين على قتلهم في جاهليتهم، ولو فكرت لأدركت أن المسلمين لو لم يقتلوهم لقتلوا هم المسلمين، ونسيت في فورة العاطفة ما يعتقد أنهم آلوا إليه، فذكرها عقيل بمكانهم في النار، ورد قوة الصراحة، والمجاهرة بالعداء، بقوة التذكير بالمصير المظلم الذي آل إليه أحباؤها.

       ولا نكادُ نبعد عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وعن قوته، حتى يأتي نص يعيدنا قسرًا إليه، وكل ما يأتي عن عمر فيه مصدر قوة، لأن إيمانه قوي، وروحه قوية، وحرصه على مصلحة الرعية قوية، وقوته عميقة، تذهب متغلغلة في داخل الأمر، فيفاجئ بما يأتي به منها من حوله، والقصة الآتية مثل على ذلك:

       «شرب أبو جندل الخمر بالشام، فحبس عنه أبو عبيدة بن الجراح عطاءه، فكتب إليه عمر:

       أما بعد، فإني لا أخالك إلا وقد كنت عونًا للشيطان على أخيك، فإذا أتاك كتابي هذا فرد عليه عطاءه.

       وكتب إلى أبي جندل: ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتٰبِ مِنَ اللهِ الْعَزِيْزِ الْعَلِيمِ * غَافِر الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِ لَآ إِلٰهَ إِلاَّ هُوَ إلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾(10).

       عرف عمر – رضي الله عنه – بقوة البصيرة أن الشيطان قد غلب على أبي جندل، ورأى أن عمل أبي عبيدة سوف يسرّ الشيطان الذي سيجد مع ضعف أبي جندل السابق ضعفًا جديدًا، قد يضطره إلى ولوجٍ آخر من الآثام، فأمر برد رزقه إليه.

       ثم انبرى لأبي جندل يذكره بقول الله سبحانه وتعالى، وأنه يغفر الذنب إذا عاد المذنب عنه، وتاب إلى الله متابا، وذكره بأن الله شديد العقاب لمن أصر على العصيان، وجانب سبيل الله.

       فعمر أعطى أبا جندل حقه، وطالبه بحق الله، ولا إخال أبا جندل إلا منصاعًا لإِرشاد عمر ونصحه، والحر تكفيه الإِشارة، ويقتله المعروف، وقد قتل المعروف أبا محجن الثقفي، أحد أبطال القادسية في القصة التي لا يكاد يجهلها أحد. فسعد بن أبي وقاص عندما علم بشجاعة أبي محجن، وبسالته، وما قام به في ذلك اليوم المشهور، الفاصل في تاريخ حروب المسلمين مع الفرس، حلف من «منطلق قوة» ألا يجلد ابا محجن على الخمر، ومن «منطلق القوة» حلف أبو محجن أن لا يقربها(11).

       وينطلق من موقف قوة وبأس شخص لم يكن يتوقع منه ذلك، لغفلة الناس عنه، واعتقادهم أنه لا يأتي منه مثل ذلك، فيفاجئهم بما لم يكن لهم بحساب، وهذا ما حدث من نبطي تحدى الفرزدق، والسبب أنه لا يقف على أرض هشة يخاف عليها، بل لا أرض له، وهذا مصدر القوة التي انطلق منه، ليغيظ الفرزدق، إغاظة أذهلته، والقصة تجري هكذا:

       «قال الفرزدق:

       ما استقبلني أحد بمثل ما استقبلني به نبطي، قال:

       أأنت الفرزدق الذي يمدح الناس ويهجوهم، ويأخذ أموالهم؟

       قلت: نعم.

       قال: أنت في الكنيف من قدمك إلى أنفك.

       قلت: لِمَ حاشيت العينين؟

       قال: حتى ترى هوان نفسك.

       فبهتُّ»(12).

       هذا الفرزدق الذي يخيف الناس بهجائه، ويمنحونه لمدحه، يضعف أمام قوة ضعيف، لأنه لا يجد في جسمه مطعنًا لخنجره، فيقف مكتوف الأيدي يتلقى الإهانة بتفصيلها!

*  *  *

الهوامش:

البيان والتبيين: 1/345.

البيان والتبيين: 2/251.

البصائر: 5/171.

قوانين الوزارة: 54.

عيون الأخبار: 1/66.

البصائر: 1/19.

لطائف اللطف: 51.

لطائف اللطف: 49.

البيان والتبيين: 2/327.

سورة غافر، الآيات: 1-3. ربيع الأبرار: 1/390.

كتاب «التوابين»: 129.

ربيع الأبرار: 1/711.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، رمضان – شوال 1434 هـ = يوليو – سبتمبر 2013م ، العدد : 9-10 ، السنة : 37

Related Posts