تعريف بكتاب “فتح الملهم” شرح صحيح مسلم وصاحبه العلامة شبير أحمد العثماني – رحمه الله – مع تنويه بخدمات العلماء الهنود لعلوم الحديث (3)

دراسات إسلامية

بقلم: العلامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبي غدة – رحمه الله – (1336-1417هـ)

نسعد فيما يلي بنشر تعريف بكتاب «فتح الملهم» شرح صحيح الإمام مسلم رحمه الله ، الذي وضعه أحد أبناء الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند: العلامة شبير أحمد العثماني الديوبندي ثم الباكستاني رحمه الله   (1305-1369هـ) وهو ممزوج بتنويه لائق بخدمات وجهود علماء الهند في مجال التأليف في موضوع الحديث وعلومه، قام به العلامة المحدث العالم الصالح الزاهد الأوّاب الشيخ عبد الفتاح أبوغدة الحلبي الشامي رحمه الله (1336-1417هـ) في مقدمة كتاب «مبادئ علم الحديث وأصوله» الذي هو في الأصل مقدمة وضعها العلامة شبير أحمد العثماني لكتابه «فتح الملهم» أفردها العلامة أبوغدة رحمه الله، وتناوله بالشرح والتعليق، وسمّاها «مبادئ علم الحديث وأصوله» و وضع لها بقلمه مقدمة قيمة عَرَّف فيها بالكتاب وأهميته البالغة، وبصاحبه العلامة شبير أحمد العثماني، وبخدمات العلماء الهنود في مجال الحديث وعلومه. واعتنى بإخراج هذا الكتاب: «مبادئ علم الحديث وأصوله» نجل الشيخ أبي غدة، الشيخ سلمان عبد الفتاح أبوغدة حفظه الله .

وقد تكرم بإرسال صورة من مقدمة الشيخ أبي غدة لهذا الكتاب إلى كاتب السطور: نور عالم خليل الأميني عالمُ غجرات الكبير في عصره فضيلة الشيخ عبد الله بتيل الكافودروي حفظه الله ، فله الشكر الجزيل والجزاء الأوفى من الله. (رئيس التحرير)

=============================================================================================

كلماتٌ من ثناء العلماء الأكابرِ عليه:

       قال حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التَّهانَوِي، المولود سنة 1282هـ والمتوفى سنة 1362هـ – رحمه الله تعالى – لـمَّا سَمِعَ خطبتَه البليغة العلمية عن (الدار الآخرة) إثباتِها ودَفْعِ شبهاتِ مُنكريها، في مؤتمر الأنصار بمِيْرتْهْ سنة 1330هـ، قال رحمه الله تعالى أمام الملأ مُشيرًا إلى الشيخ شَبِّيْرْ أحمد: «هذا أصغرُ مني سنًّا ولكني أعتقدُه أكبرَ مني…»، وكان وقتئذٍ ابنَ 25 سنة!

       ووصفه إمامُ العصر الشيخ محمد أنور شاه الكشميري، المولود سنة 1292هـ والمتوفى سنة 1352هـ في مكتوبِه الفارسي لتقريظ «فتح الملهم» وطُبِعَ مُلخَّصُه في آخر المجلّد الأول من «فتح الملهم» في طبعة الهند، وَصَفَه بأنه علاّمةُ عصرِه ومحدِّثُه ومفسِّرُه ومتكلِّمُهُ.

       وقال تلميذُه شيخُنا العلامةُ الألمعي اللوذعي الشيخ محمد بَدْر عالَم المِيْرْتهي – رحمه الله تعالى – في مقدِّمة «فيض الباري شرح صحيح البخاري» 70:1، وهو يتحدِّث عن شدَّة حاجته إلى من يَعرِضُ عليه ما جمعه من أمالي الشيخ الكشميري وإفاداته عند درسِه «صحيح البخاري»:

       «فكنتُ أحوجَ إلى من يقُودني إذا تعِبتُ، ويأخذُ بيدي إذا عثرتُ، ويُذكِّرني إذا نسيتُ، ويُسَدِّدني إذا ضَلَلْتُ، فقدَّر الله شيخاً كان صِنواً لشيخي – رحمه الله تعالى – نَبَعا من عينٍ واحدة، وارتضعا العلومَ من ثَدْي واحد، أعني به: محقِّق العصرالشيخَ العلامةَ شَبِّيْرْ أحمد، نَظِيرَ نفسِهِ ونَسيجَ وَحْدِه، مَلِكَ دَرْسَ البخاري بعد وفاة الشيخ الكشميري رحمه الله تعالى، فأبرزَ علوماً مُعْجِبَة، وأفكارًا رائقةً، ونقولاً مَخْبِيَّة، صاحبَ التصانيف الجليلة، والـمَلَكاتِ الباهرة، متعنا الله تعالى بطول بقائه…».

       قال: «ومن أبدع تصانيفِه «الفوائدُ على القرآن» – المعروف بتفسير عثماني – نَمَّقَها باللغة الهندية – الأردية – قدتداولَهَا الجماهير حتى طُبِعَتْ في برهةٍ قليلةٍ ثلاثَ مرات – وهذا إلى حين كتابته هذه السطور وهي سنة 1357هـ – وطارَتْ إلى الآفاق، ومن تصانيفه: شرحُه على «صحيح مسلم»، وهو أعزّ شرح بَرَزَ على وجه الأرض، دَقَّتْ مبانيه، وجَمَّتْ معانيه، فهو نفسُه ثناؤُهُ، وقد أَكبَّ عليه العلماء في ديار الهند، وطُبِع منه إلى أول كتاب الرضاع في ثلاثة مجلّداتٍ ضخامٍ، ونحن ندعو الله أن نرى باقيه في أعجلِ مدَّةٍ». انتهى.

       وقال تلميذُه أيضاً شيخُنا العلامة المحدّث الجليل، الشيخ الأديبُ الأريب، السيِّد أبو المحاسن محمد يوسف البَنُّوري في رسالةٍ له إلى شيخنا الإِمام الكوثري، يُخبرُهُ فيها بوفاة العلامة العثماني – رحمهم الله تعالى-:

       إن وفاتَه – لا ريب – رَزِيةٌ فادحةٌ غَشِيتْ العلمَ والإِسلامَ والمسلمين في وقت واحد، فقد كان ذا علمٍ راسخٍ صحيحٍ، وكان محقِّقَ عصرِه، وكان مُفكِّرَ الأمةِ وخطيبَ الإِسلام، ولِخطابته الفائقة خوارقُ في تسخير الألباب، وكان وحيدًا في الأمة في تفهيم الحقائق الدينية ببلاغةٍ بديعةٍ في خطاباتِه وتقريبها إلى أذهان المُنكِرين، من غير أيِّ تبديلٍ يَدخُل جوهرَها الصميمَ أو تأويلٍ يَلجأُ إليه كثيرٌ من العلماء، وكانت هذه ميزاتِه الخاصةَ، وله خدماتٌ جليلة في هذا الصدد، وكان جِدَّ مُوفَّقٍ في هذه الخدمةِ.

       وكان غَيُورًا على صيانة سِيَاجِ الدين وحَقائِقِه، وأمامكم كتابُه «فتح الملهم» ولكنه يَكشِفُ ناحيةً من علمِه وكمالِه، وربما تكون ضَئيلةً بالقياسِ إلى غيره من مَفاخَرِه السائرةِ في «بسيط الهندِ» والسند.

       وكان عضوًا في هذه الأيام في بارلمان الدولة الجديدة الإِسلامية الشرقية الكبرى، وله خدماتٌ مشكورة في إنهاض أرباب الدولة إلى وضع دستور البالمان الباكستاني على أساس الشريعة الإِسلامية، ونجح في بعض نواحيها، و وَصَل إلى عزةٍ ودرجةٍ من مسند الرفعة على عرشِ الدولة الجديدة، وعامةِ الرَّعيَّةِ، وخاصَّةِ الحكومةِ، وأهلِ العلم.

       وليس اليوم في الهند والسند من مشاهير أهلِ العلم إلَّا وله تَلْمَذَةٌ على فضيلتِه، ماعدا كوكبين في الهند، حضرة العارف بالله شيخ العصر مولانا السيد حسين أحمد، صدرِ المدرسين بدارالعلوم الديوبندية، ومفتي الهند الأكبر الشيخ كفاية الله الدهلوي، وهم أفراسُ رهانٍ واحد، ورُضَعاءُ لِبَان واحد.

       سيدي ومولاي كان – رحمه الله وأفاضَ عليه سِجالَ كرمِه – كوكباً للعلم والدين في هذه البلاد لامعًا ساطعاً، غَرَبَ على غِرَّةٍ منا، وغَادَرنا في ظُلمةٍ لا يُرجَى من يَخلُفه ويَقشَعُ بنوره هذه الظلمةُ المُسبَلة المُحيطة.

       كان ذا قولٍ نافذٍ في أرباب الدولة والعامة والخاصة، ووُضِع له القبولُ في سائر الطبقات، فلا شك أن موتَه خَطْبٌ كبيرٌ ألَمَّ على أمة الإِسلام، كان عُيِّن شيخاً ومديرًا للإشراف العام على شؤون الجامعة العبَّاسية في حكومة (بهاول بور) في الباكستان، وكان سَافَرَ من كراتشي إلى بهاول بور للعناية ببعضِ شؤونها، فوقع هناك موتُه فجأةً بانقطاع نَفَسِه وحركة قلبِه.

       ورَثَيتُهُ بقصيدةٍ في نحو خمسين بيتاً، وأرسِلُ إلى فضيلتِكم أبياتاً منها:

يا عين جودي بعقد الدمع كالدررِ

جودي بدمع فلا تُبْقِي ولا تَذَرِ

جودي بدمعٍ غزيرٍ هامرٍ هَطِلٍ

يُزري بمُزْنٍ هَمَى من صَيِّب المطرِ

جودي بدمع شجيٍّ هائمٍ قَلِقٍ

جودي بفتع شؤونٍ غيرَ مدَّخَرِ

أحرى العيون بأن تُزري مدامِعَها

عين بكت خَطْبَها من غير مصطبرِ

أنعَى إليكَ إماماً عالماً فطِناً

شيخاً كبيرًا جليلَ القدر والفَخَرِ

أنعَى إليكَ وحيدَ الدهر عالِـمَهُ

بحرًا مُحيطاً ملِيءَ القعر بالدُّررِ

لَبَّى إلهاً كريماً إذ دعاه ضُحاً

ضيفاً نزيلاً غريباً راح في سَفَرِ

شَبِّيرَ أحمد شيخَ القوم قدوتَهم

دعاه ربٌّ كريم واسعُ القَدَرِ

محدِّثٌ بارعٌ مفسِّرُ نَدُسٌ

حَبْرٌ كبير دقيقُ البحث والفِكَرِ

محققُ العصر في علم وفي حِكَم

مُحنَّكُ الدَّهر في مستشكل عسِرِ

في قلبه عِلمُ قرآن وحِكمتُهُ

يُبدي معارفَه في كل محتَضَرِ

كم من مشاكلِ علمٍ غاصَ لُجَّتَها

وحَلَّها بدقيق الفكر غيرَ مقتصرِ

كم من دقائقِ بحثٍ قام يَكشِفُها

كم من حقائق أبدَتْ دقةَ النظرِ

إذا ارتقى في أعالي الرأي لاح له

ما في الغيوب هنا من كل مستَتِرِ

تُريك نورَ الذَّكا سيماءُ غُـــرَّتِه

إذا تبلَّج في مُسْتَصْعَب الخَـــبَرِ

مفكرٌ طالما أشجت بدائعــــه

أولي النهى ببديع الرأي كالزَّهَرِ

مُدَبِّرٌ طالما أبــدت محــاسِنُـــه

في كل معــترك من كل مستعِرِ

حِلمٌ وقـــارٌ إناة تزينـــــــهُ

خِطابـــةٌ منطِقٌ كاللؤلؤ النَّثَرِ

أضحت لخطبته الألبابُ حائرةً

تَرى سُكارى رَحِيقَ النطقِ مِن سكَرِ

يموجُ موجاً كوجهِ البحر ملتطماً

إذا قام حَبْرًا خطيباً ناشِرَ الحِبَرِ

سل أرض هندٍ فسِندٍ عن مفاخره

جاءتك ناطقة من كل مُفتَخَرِ

ترثيه جامعةٌ تَبكيه عاصمةٌ

جديدة كَمَداً في صَيِّبِ العِبَرِ

يَرثيه مِنْبرُهم يَبكيه جامِعهم

ترثيه حَفْلَتُهم في البَدْوِ والحَضَرِ

ترثيـــه أقلامُ علم ثم محــــبرةٌ

مدارسٌ كُتُبٌ مكاتب الزجَـــرِ

فالقلب في غَمَدٍ والروحُ في كمَدٍ

والنفس في كَبَدٍ والعين في هِمَــرِ

يا رَبِّ أنزل عليه مُزْنَ مرحمةٍ

يَسقي ثراه هنا من فائضِ الدُّرَرِ

وارفعه عندك في الفردوس منزلةً

يأوي إلى كَنَفٍ في غايةِ الحَضَرِ(1)

تآليفُه ومقالاتُه وخُطَبُه:

       وأجلُّ تآليفه «الفوائدُ التفسيرية» المعروف بـ«تفسير عثماني» و«فتحُ المُلهِم بشرح صحيح مسلم»، وسَبَق ثناءُ شيخِنا الإِمام الكوثري والعلامةِ بدرعالم المِيرتهي على «فتح الملهم»، وسبقت الإِشارةُ أيضاً إلى مكتوب إمام العصر الكشميري في تقريظه.

       وأما «الفوائدُ التفسيرية» – هي بلغة أردو – فهي حواشٍ علميةٌ متينةٌ على ترجمة القرآن الكريم لشيخِهِ شيخِ الهند محمود حسَن رحمه الله تعالى المتوفى سنة 1339هـ، قال شيخنا البنوري رحمه الله تعالى في كتابه «تتمة البيان في شيء من علوم القرآن»(2) بعد أن ذَكَر مزايا ترجمة شيخ الهند وأنه أَلَّفها حينما كان أسيرًا في جزيرة «مَالطَةْ» من جهة الإِنجليز الظالمين الغاشمين، قال: «فشرع – اي شيخُ الهِند – في الترجمة حتى استوفاها وأوفاها حقَّها…، ثم شَرَح عليها في «فوائدَ تفسيرية» فوصَلَ فيها إلى تمام سورة النساء، وأتى فيها بكلِّ ما يحتاج إليه نظمُ التنزيل العزيز في تنقيح مرادِه وإبداء غرضِه، بنهجٍ بديعٍ ولفظٍ نَصِيعٍ.

       فأُطلِقَ من السجن ووصل إلى الهند، وهاجمَهُ المرضُ، ولم يُمْهِلْه الأجلُ المحتوم، حتى حان القضاءُ وضاق الفضاء، ووصَلَ إلى الرفيق الأعلى سنة 1339هـ – رحمه الله تعالى-.

       ثم أضاعَتْ يدُ الطـوارق بعضاً من فوائد سورة آل عمران، ومَضَتْ بُرهــةٌ عليها ولم يكن عبقـريٌّ يفري فَرِيَّه – يعني يأتي مثلَه بالعجيب الفريد – ، فيُكمِلَ الفوائــدَ ويُتِمَّ ما يريـــدُه الشيخُ – رحمـه الله – حتى بَــدَتْ هــذه السعـادةُ الأزليــةُ في حقِّ من هو من أرشدِ تلامذتِه وأخصِّ أصحابه، شيخِنا محقِّق العصرِ الحاضــر، مولانا شَبِّيْر أحمد العثماني صاحب «فتح الملهم» – رحمه الله – فأكمل فوائدَ سائر القرآن مُراعياً أصولَ شيخه بكلماتٍ كلُّها دُرَرٌ وغُرَرٌ، في نحو ثلاث سنين، وأتى فيه بما يحتاجُ إليه أهلُ العصرِ من تزييفِ أقوالٍ سخيفةٍ مردودةٍ من بعض ملاحدة أهل العصر، مثلِ محمد علي القادياني اللاهوري صاحب «بيان القرآن» في الأردية والإِنكليزية، وغيرِه من أهل البِدَع والأهواء».

       وقال شيخنا البنوري أيضاً: «ومن أراد حَلَّ نظم القرآن الكريم في لغةٍ أردية هندية بأبدعِ أسلوبٍ وأفصح تعبــيرٍ في أقصــرِ وقتٍ، فعليه بمطالعة «الفوائد التفسيرية» على القرآن لشيخِ مشايخنا شيخِ العصر العارف مولانا محمود حَسَن الديوبَنْدي، المتوفى سنة 1339هـ المدعوّ بـ(شيخ الهند) – رحمه الله تعالى – ومحقِّق العصرِ الحاضر شيخنا ومولانا شبِّيْر أحمد العثماني – رحمه الله تعالى – فإنهما أتيا فيها بعَجَب العُجاب في حلِّ نظم الكتاب وإفصاح غَرَض التنزيل بكلماتٍ كلُّها دُرَرٌ ذاتُ بَهَاء، وغُرَرٌ ذاتُ سَنَاءٍ.

       وربما لا تُحَلُّ عُقدةٌ مِن تصفُّح هذه المجلّدات الكبيرة وتفقُّد هذه المادة الزاهرة – من كتب التفسير – وتراها قد حُلَّتْ فيها بأخصرِ عبَارة أو ألطفِ إشارةٍ، فشكر الله مَسْعاهما الجميلَ، وهي مما لا يستغني عنه الفضلاءُ بحالٍ، فضلاً عن طلبةِ العلم في عهد التحصيل، فإنه ليس في العربية في كتب التفاسير المطبوعة التي بأيدينا ما يَحِلُّ محلَّها أو ينوبُ مَنَابَها أو يُعتاضُ عنها، لا أقولُ: إنها غَنِيَّةٌ عن مراجعة تفاسير القوم، بل أقول: كما أنها ليسَتْ غنيةً عنها كذلك التفاسيرُ ليسَتْ غنيةً عنها». انتهى كلامُ شيخنا البنوري رحمه الله تعالى.

       وقد تُرجِمَتْ هذه «الفوائدُ التفسيريةُ» إلى اللغة الفارسية، وطبِعت في ثلاثة مجلّدات في «كابُل» عاصمة أفغانستان، كما نُقِلَتْ إلى الإِنكليزية أيضاً، وقيل: تُرجمَتْ إلى الـمَدْرَاسِيَّة وبُشْتُو أيضاً، والله أعلم.

       وله – رحمه الله تعالى – مقالاتٌ علميةٌ رفيعةٌ كتبها في مناسَبتاتٍ شتَّى، وقد نُشِرتْ في مجلاَّت مختلفةٍ ثم طُبِعَ جُلُّ تلك المقالات في مجموعةٍ باسم «تأليفات عثماني»، وهي تشتمل على المقالات التالية:

       1– الإِسلام. 2- العقلُ والنَّقْلُ. 3- خوارقُ العادات ومعجــزاتُ الإِسـلام. 4- إعجاز القرآن. 5- المعراجُ في القرآن. 6- الروح في القرآن. 7- سجودُ الشمس. 8- تحقيـق خطبــة الجمعــة، وأنها تُسَنُّ باللغــة العربيــة لا غير. 9- الهدية السنية، في أن الحق في الخلافيات واحدٌ أم متعدِّدٌ أو فيه تفصيل. 10-الشهاب.

       تكلّم فيه – أي في الشهاب – بأدلة المنقولِ والمعقول عن حكم الارتداد في الإِسلام، وكان سببُ تأليفه أن ملك «أفغانستان» أمان الله خان رَجَم نعمةَ الله خان القادياني ورفيقَه عبد اللطيف بحكم الارتداد على رؤوس الأشهاد، وكانت الطائفةُ القاديانيةُ الكافرة قامت باحتجاجاتٍ ومظاهراتٍ ضدّ هذا الحكم، وقالت: إن هذا العقاب ليس من الشرع، فأثبت العلامة العثماني – رحمه الله – على ضوء الكتاب والسنَّة والإِجماع والقياس أن حكم الارتداد القتلُ لا غير.

       وحبَّذا لو قام أحدُ الأفاضل من أهلِ العلم من تلك الدِّيار بترجمة هذه البحوث والمقالاتِ وغيرِها للشيخ المؤلِّف وغيره من أجلّة علماءِ الهند إلى اللغة العربية لكان إتحافاً جديدًا منهم لعلماءِ العرب، ولعلَّ أحدًا من أفاضل الهند أو الباكستان ممن يقرأُ كلمتي هذه يتوجَّه إلى هذا العملِ الكثيرِ الجَدْوى.

       وطُبِعَ بعضُ خُطَبِه المهمة باسم «خطباتِ عثماني» رتَّبَها تلميذُهُ الشيخ العلامة الأستاذ محمد أنوار الحسن الشِّيْرْكُوتِي، وله أيضاً كتابُ «أنوار عثماني» جمع فيه مكاتيبَ الشيخ العثماني التي رَاسَلَ بها مشاهيرَ أهل العلم والسياسةِ، مما أمكن له الحصولُ عليها منهم، وقد احتوَتْ تلك المكاتيبُ على فوائدَ علميةٍ، فقهيةٍ، حديثيةٍ، وسياسيّة.

       وألّف الشيخ الشِّيْرْكوتي أيضاً كتاباً آخر كبيرًا في 704 صفحة سماه «تجلّيات عثماني»، تكلَّم فيه طويلاً عن حياة الشيخ العثماني العلمية، وجَلَّى عن مكانته السَّامية في علوم التفسير، والحديث، والفقه، والكلام، والفلسفة، والمنطق، والجدل، وضمَّنَه كثيرًا من خطبات الشيخ العثماني العلمية باللغة الأردية والعربية، وعلَّقَ على حياتِه السياسيةِ بكلِّ قصدٍ واعتدال.

       وقد جَمع غيرُ واحدٍ من تلامذتِه العباقرة أماليه في درس «صحيح البخاري»، بلغة أردو، وأجمعُ وأحسنُ تلك المجاميع: «فضلُ الباري شرح صحيح البخاري»، ضبطَه تلميذُه الفاضل الألمعي الشيخ العلامة الجليل المحدِّث المفسِّر مولانا عزيز الحق الداكوي البنغلاديشي، شيخُ الحديث اليوم بالجامعة الرَّحْمانِيَّة بدَكَّا، ومؤسِّسُها ورئيسُها، حفظه الله تعالى ورعاه، وكان الشيخُ العثماني صحَّح ما كتبه الشيخ عزيز الحق.

       ثم هَذَّب هذا المجموعَ بعضُ العلماء المعاصرين ووَسَّعه وخرَّجَ بحوثَه عن مصادِره المحال إليه، فجاءَ كتاباً جليلاً في بابه يُعدُّ من أهمِّ شروح «صحيح البخاري»، ولكنّه بلغة أردو، ثم إنه لم يَكمُلْ تهذيبُه ولا طبعُه، فلم يُطبَعْ إلَّا مجلّدان منه.

بعضُ أخباره المنثورة وذكرُ وفاتِه:

       وقد تزوّج رحمه الله تعالى عامَ 1323هـ = 1905م وهو ابن 18 سنة، ولكنّه لم يولد له مولودٌ، فلم يُخَلِّف عَقِباً، وإنما خلَّف تصانيفَ ممتعةً هي أولادُهُ المخلَّدةُ، وخَلَّف أولادًا روحانيين هم تلامذتُه والمستفيدون منه، فرحمه الله تعال ورضي عنه.

       وأكرمـه الله تعالى بزيارةِ بيته الحرام، وحَرَمِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، سنة 1337هـ أو في سنة 1328هـ، وكان باعَ دارَهُ وأرضَه لمؤنةِ هذا السفرِ المبارك، ثم سافر إلى الحجاز المقدّس ثانياً في آخر شوَّال من سنة 1344هـ، مندوباً من جمعيـة العلماء بالهند، في وفدٍ يشتمل على نخبةٍ من علماء الهند، وكان ذلك للاشتراك في المؤتمر الذي عَقَده الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله تعالى، ودعا فيه العلماءَ من أنحاء العالمَ الإِسلامي ليَسْتَشيرهم في مسائلَ دينيــةٍ، وقد تأثَّر بــه كثيرٌ من علماء العرب ممن سمعوا خُطَبَــه أمامَ الملك، وبحوثَــه مع علماء العالمِ الإِسلامي، وأقرُّوا بفضلِهِ وجلالتِهِ، وسُرَّ الملكُ ابنُ سعود رحمه الله تعالى بكلامِه العلمي الدقيق وأثنى عليه خيرًا.

       وقد سبق ذكرُ أن الشيخ رحمه الله تعالى هاجر إلى باكستان سنة 1366هـ، وبعد هجرته أقام بكراتشي – عاصمة باكستان آنذاك  يَبذُلُ جُهودَه في تشييد نظام باكستان، ويُفيد الواردين عليه والزائرين له بما مَنَحه الله تعالى من العلومِ والمواهبِ، إلى أن وافَتْه المَنِيَّة يوم الثلاثاء 21 من صفر سنة 1369هـ الموافق 13 من ديسمبر عام 1949م في بلدة بَهاوَلْفُور، وكان سافر إليها لافتتاح الجامعة العباسية هناك.

       ثم نُقِلَ نعشُه إلى كراتشي، وصَلَّى عليه عددٌ كثيرٌ يُنيفُ على عَشَرَات الآلاف، وأمَّهم تلميذُه شيخُنا العلامة المفتي محمد شفيع – رحمه الله تعالى – ودُفِنَ في جَمْشيْدْ رُودْ كراتشي، وبقُربه قبرُ الشيخ الأفِيْق العلامة النابغة السيِّد سليمان النَّدْوِي – رحمه الله تعالى – ثم أُسِّسَتْ بقرب قبريهما كُلِّيةٌ تُسَمَّى (إسلامية كالج)، وقد زرتُ قبريهما غيرَ مرةٍ في زياراتي لمدينة كراتشي، رحمهما الله تعالى وأسبغ عليهما الرضوانَ والإِحسانَ.

*  *  *

*  *


(1)      طُبِع جُلُّ هذه الرسالةِ في (مجلة الإِسلام) بمصر، في العدد 14 من السنة التاسعة عشرة.

(2)      ص 52-53.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الثاني 1434 هـ = فبراير ، مارس 2013م ، العدد : 4 ، السنة : 37

Related Posts