إلى رحمة الله
بقلم: الأستاذ محمد ساجد القاسمي([i])
لقد فُجِعت أسرة فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني والأوساط الدينية المتصلة بها بوفاة أمه السيدة «وكيل النساء» بنت بشيرأحمد الفيض آبادي. وذلك في الساعة الثانية عشرة والنصف من الليلة المتخللة بين الثالث عشر والرابع عشر من شعبان 1433هـ الموافق 5/يوليو2012م. فإِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (البقرة/156).
ما إن بلغ النعي المناطق القريبة حتى توجَّه جمع غفيرمن العلماء وأولي الصلة بهذه الأسرة للصلاة عليها. فصلى بهم عليها فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني في دائرة «مولسري» في الساعة الحادية عشرة والنصف نهارًا، وحملوا جنازتها إلى المقبرة القاسمية، حيث دفنوها بالقرب من قبرزوجها العظيم شيخ الإسلام حسين أحمد المدني رحمه الله.
ثم أقيمت حفلة تأبين في قاعة الحديث في دارالعلوم ديوبند، بعد صلاة الظهر، حضرها رئيس الجامعة فضيلة الشيخ المفتي أبوالقاسم النعماني وأساتذتها وطلابها، وألقى رئيس الجامعة كلمة موجزة سلط خلالها ضوءًا خاطفًا على حياتها، ومواقفها و تضحياتها. وانتهت الحفلة بدعائه.
كانت السيدة تعاني من تداعيات الهرم المنهك والشيخوخة المتناهية منذ سنوات، فقد عمرها الله طويلاً، حيث بلغت من عمرها نحو مأة سنة. وكانت حياتها الطويلة مليئة بالتضحيات وجسام الأمور وصالح الأعمال التي قلما يوفق لها النساء.
وكانت من مواليد سنة 1332هـ الموافق 1914م، وكانت السيدة زوج البطل الجليل والمجاهد الباسل شيخ الإسلام حسين أحمد المدني. وكان الشيخ نذر نفسه وحياته لخدمة العلم الشرعي، وتخليص الهند من براثن الاستعمار الإنجليزي، وإصلاح الأمة الإسلامية و دعوتها إلى تبني الحياة الإسلامية. فدرَّس في المسجد النبوي بالمدينة المنورة وفي دارالعلوم ديوبند بالهند، وحارب الإنجليز؛ فزج به في السجون، وطوَّف في أقطار البلاد لإصلاح المسلمين وإرشادهم. وقفت السيدة بجانب زوجها العظيم، وساعدته في جميع مهامه العلمية والحركية والدعوية.
وإذا كان الشيخ بعيدًا عن ديوبند، أو في معتقل، كتب إليها الرسائل يوجهها ويرشدها في شؤون الأسرة حتى زواج أولاده في مواعيده، فكانت تقوم هي وحدها بجميع هذه الأمور خير قيام.
رافقت زوجها، فأخذت منه خلال الخير، وصفات الكرم، وخصال العظمة، فعاشت عليها حياتها كلها. وقد تجلت عظمتها في مواقف عديدة، منها أنه كان من دأب الشيخ أن يأخذ راتبًا من دارالعلوم للأيام التي يدرس فيها، وأما الأيام التي كان فيها على سفر، أو في اعتقال، أو مريضًا لا يأخذ راتبها. فلما مرض الشيخ مرضَ وفاته لم يأخذ راتب الأيام التي لم يدرس فيها، فأتى الشيخ المقرئ محمد طيب- رحمه الله- رئيس الجامعة سابقًا براتب تلك الأيام، فرفض الشيخ أن يأخذه قائلا: «إني لم أدرس في تلك الأيام فكيف آخذ راتبها؟».
فلما توفي الشيخ ذهب الشيخ المقرئ محمد طيب – رحمه الله – بهذا الراتب إلى السيدة، وكانت على معرفة أن الشيخ كان قد رفض أن يأخذه، ورجاها أن تأخذه، فردته قائلة: «إن لم يأخذه الشيخ فلن آخذه».
عاشت بعد ما توفي الشيخ نحو55عامًا، سلكت بأسرتها على الحياة الإسلامية التي كان يتبعها الشيخ في الزواج والاجتماع والسكن واللباس وتربية الأولا وتعليمهم. كما حافظت على تقاليد الأسرة في الضيافة وإسداء المعروف إلى الفقراء والمساكين، وكفالة الأيتام والأرامل، وتربية بنات المسلمين وتخريجهن على الأخلاق الفاضلة والآداب النبيلة.
كانت السيدة تحتل مكانة محترمة في الأسرة المدنية ذات الأعضاء الكثيرة لمكانها من الشيخ، فكان لايقطع أمرذوبال دونها، وكانت لها كلمة مسموعة بين أفراد الأسرة، فكان أفراد الأسرة كلهم يجلونها، ولايعصون لها أمرًا، حتى إدارة دارالعلوم ديوبند كانت تسمع كلمتها وتقبل شفاعتها في قبول الطلاب.
كانت نساء الحي وبناته قد استأسرهن حسن سيرتها ومرضي أخلاقها، فكن يختلفن إليها يتعلمن منها الأدب، ويأخذن الخلق، ويستهدين السلوك السوي، ويسألن المعروف، فكانت لهن المفزع في مختلف شؤونهن وأمورهن.
لقد كان المصاب عظيماً والخطب جللاً للأسرة المدنية وتلاميذ شيخ الإسلام حسين أحمد المدني، وتلاميذ نجله فضيلة الشيخ أرشد المدني، ولجميع من يمتون بصلة إلى هذه الأسرة، وأسرة دارالعلوم ديوبند مسؤولين وأساتذة وطلابًا، فغفرها الله، ورفع درجاتها في أعلى عليين، وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان.
(1) أستاذ الأدب العربي بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم ديوبند، الهند.
Email- sajidqasmideoband@gmail.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذو القعدة 1433 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2012م ، العدد : 11 ، السنة : 36