كلمــــة العــــــدد
تدريسُ الجيش الأمريكيّ موادَّ مسمومةً مثيرةً للكراهية والحقد ضدَّ الإسلام والمسلمين، من شأنها أن تُدَرِّب المنسوبين إلى الجيش على غاية من العصبيّة والعداء لكل شيء يتّصل بالإسلام وأبنائه، وتُخَرِّجَهم على عاطفةٍ جيَّاشةٍ للانتقام منهم ومن دينهم الإسلام، هل هو حدث عابر، وتصرّف شخصيّ أخرق من فرد من ضباط الجيش خرج على عادة مُتَّبَعَة مألوفة ومبادئ عسكرية «نبيلة» معمول بها في القطاعات العسكريّة الأمريكية، أو هو منهج «مُبارَكٌ» مُشَجَّع عليه في المجتمع العسكريّ الأمريكي، ينال التكريم والتقدير من ينتهجه.
تَعَامُلُ المجتمع العسكريّ الأمريكيّ العامّ يُؤَكِّد أنّ ذلك هو السلوك السائد فيه – في المجتمع العسكريّ الأمريكيّ – لأن الفريق العقيد الأمريكي «ميثو آي دولي» الذي همس في أذن الجيش الأمريكي بنسف كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة في أي وقت لاحق إذا اضْطُرَّ لذلك، أُكْرِمَ بأكبر جائزة رابعة في الجيش الأمريكي لقاءَ قيامه بالمهمات العسكرية السرّيّة، بالإضافة إلى نيله سبعَ ميداليات عسكرية أخرى، واحتلاله مكانة مرموقة في الجيش الأمريكي بصفته أولَ ضابط رفيع المستوى ألقى محاضرات مثيرةً للعداء ضدّ الإسلام وأهله أمام أكثر من 600 ضابط عسكري؛ حيث تَدَرَّبَ في أكبر كلية عسكرية في العالم معروفة باسم «النقطة الشرقية» (East Point) وعُيِّن في كل من العراق والكويت لدراسة نفسيّة الضباط العسكريين المسلمين وإدراك نقطة التحرّك لديهم لدى القيام بأي عمليّة عسكريّة. وظلّت دراسة الشؤون العسكرية في البلاد الإسلامية واختبارُ مدى قدراتها وطاقاتها العسكرية هوايتَه المحببة.
إثر تفجيرات أمريكا عام 2001م التي كان قد خَطَّطَ لها ونَفَّذَها الصهاينةُ بتعاون من المسؤولين الأمريكيين الكبار – حسبما أَكَّدَ ذلك الخبراءُ في العالم وعلى رأسهم الأمريكيّون والغربيّون – ظلَّ الرجل يعمل مع مشاطريه في الرأي والفكر من الضبّاط العسكريين الأمريكيين، على التوصّل إلى الأسرار العسكرية الاستراتيجية لدى شتى البلاد الإسلامية، عن طريق نظرائه من الضباط العسكريين المسلمين، بجانب الإشراف على أغوار نفسيّاتهم. وبالنظر إلى عقليته المعجونة بالحقد الصهيوني ضد الإسلام وأبنائه يجوز القولُ بأنه ليس عسكريًّا مُؤَهَّلاً بقدر ما هو صهيوني متطرف يتحرق ضغينةً على الدين الإسلامي وأبنائه، وذلك هو الذي دفعه إلى تحضير منهج دراسيّ عسكريّ باسم Prespectives on Islam and Islamic extremism يشتمل على 867 مقتطفاً معادياً للإسلام. وقد حاضر الرجل 392 مرة في عدد من الكليات العسكريّة في شتى أرجاء الولايات المتحدة. وما انكشف اللثام عنه من أجزاء المنهج الدراسي العسكري، يقول بصراحة: إنّ الإسلام لايُفَرِّق بين «الاعتدال» و«التطرف» حيث إن أمثال هذين المصطلحين صياغةٌ سياسيّةٌ، تستخدمها القوى العالميّة لدى حاجتها لمصالحها السياسيّة. والضبّاطُ العسكريون الذين يدرسون المنهج، يُلَقِّنهم – المنهجُ – أنهم في حالة حرب مع الإسلام تستهدف رأساً القضاء عليه – الإسلام – في العالم، مما يُحْوِج أن يُمْحَىٰ من الأرض مكان تجمهرالمسلمين في العالم وهو مكة والمدينة؛ ومهما أدّت الحرب إلى إبادة جماعيّة للإنسان على غرار «هيروشيما» و«ناغاساكي» فلا بأس بذلك؛ وللهجوم النووي على مراكز الإسلام لابدّ من استعداد كبير، وفي سبيل ذلك لاحاجة إلى مراعاة اتفاقية «جنيف» فيما يتعلق بالمواثيق الحربية والمبادئ العسكرية والقرارات الأمميّة، وكذلك لم تَعُدْ هناك حاجة إلى إعفاء السكان المدنيين من الهجمات العسكرية، بل إن خرق هذه المبادي والتعهدات الدولية هو ضمان أكيد للانتصار الأمريكي العسكري.
وحسب ما نشرته وكالات الأنباء – وعلى رأسها «الدرس» الإلكترونية السعودية – من التقرير خطّةُ «ميثو إي دولي» ذات أربع مراحل، وعلى رأسها تجويع وإفقار دول الشرق الأوسط – وعلى رأسها المملكة العربية السعودية – بحيث تصبح عالة على غيرها ولاسيما الغرب وأمريكا، حتى تتمكن هي – أمريكا – من امتصاص الثمالة الباقية لديها من الدم، وتستعبدها لحد الإذلال السافر، ومرحلتُها الثالثة تتضمن إزالةَ كل من مكة والمدينة وغيرهما من مراكز الإسلام من سطح الأرض. ونصّ التقريرُ على أن عدد الضباط المشاركين في تلقي هذه الدروس المسمومة التي أعدّها هذا العقيد الأمريكي يتجاوز ست مائة، وهي تعاد عليهم خمس مرات في السنة حتى يعوها ويضبطوها جيدًا، ولا يُسْمَح بتلقي هذه الدروس إلا عشرون ضابطاً من كل وحدة، وللتسترّ على من يحضرون الدوسُ أُسْمِيَت بـ«دروس عسكرية اختياريّة». ورغم ما أذيع من صدور الأمر بالتحقيق حول الدروس، إنها لا تزال تُلْقَىٰ في كثير من وحدت الكليات العسكريّة؛ لأن التقرير يقول: إن الأمر لايشمل الدروس المُعَدَّة من قبل العقيد، وإنما يشمل الدروس العسكرية الأخرى التي تُثير الكراهية ضد الديانات بما فيها الإسلام.
والمتلقون من المسؤولين والضباط العسكريين لهذه الدروس لم يُتَّخَذْ ضدهم أيُّ إجراء رادع؛ حيث إنّهم لايزالون يعملون في وظائفهم العسكرية، وهم على تواصل دائم مع العقيد «ميثو إي دولي». وما نُشِرَ من الأنباء بأن الأمر الرسمي الصارم صدر بالتحقيق حول الدروس، إنّما الغرضُ منه تقليلُ الكراهية المتزايدة ضدّ القوات الأمريكية في العالم كلِّه بصفة عامّة وفي أفغانستان بصفة خاصّة؛ حيث إن الخبراء العسكريين الأمريكيين يبذلون جهدَهم محاولاتٍ نفسيّةً مُكَثَّفَةً ليُؤَكِّدوا للعالم أن البنتاغون – وزارة الحرب الأمريكية – لاتتفق والإجراءاتِ المُضَادَّةَ للإسلام، التي قامت بها القوات الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق وفي باكستان وغيرها، ولا تزال.
الجدير بالذكر أن منظمة LCAREM الناطقة بلسان حال المسلمين الأمريكيين، قالت في رسالة إلكترونية أرسلتها إلى صحفيي العالم: إن الموادّ المضادّة للإسلام لاتُدَرَّس فقط في الكليّات العسكريّة الأمريكيّة، وإنما تُدَرَّس كذلك في شتى المدارس والمؤسسات التعليميّة الأمريكيّة. صَرَّحت جريدة «الديلي ميل» (The Daily mail) البريطانيّة أنّ الأوساط الأمريكية رفيعة المستوى اعترفت بأنّ حركة المقاومـة الإسلاميّة الفلسطينية «حماس» تمكنت من التسرب إلى شتى المؤسسات الأمريكية عن طـريق عمـلائها النشيطين، وهي التي تمكنت من اقتناء المعلـومات عن المنهج الدراسي المعنيّ الذي يجري تدريسُه في شتى الكليات العسكرية الأمريكية، وخططت لنشرها على المستوى العالمي. وذكـرت الجـريدة أن «حماس» – كما صَرَّح السلطات الأمـريكيــة رفيعــة المستوى – عن طريق منظمة «CARE» و«اتحاد العمال المدنيين» (Civil laborites union) توصلت إلى هذه المعلومات وإلى المؤسسات الأمريكية رفيعة المستوى التي لايمكن التوصّل إليها بسهولة عن الطرق العاديّة، وبذلك تمكنت من كشف اللثام عن الخطة الأمريكية الشنيعة الماكرة.
وليس بخاف أن إثارة الكراهية ضدّ الإسلام، صارت مبــدءًا ثابتاً لدى الصهاينة والصليبيين الذين يـرون أنّ الحرب الشاملة ضدّ الإسلام لايمكن شنّها إلاّ عن طريق إثارة الكراهية ضده على المستوى العالمي وعلى المستويات كافة، حتى تعود قلوبُ المجتمعات البشرية مُتَقَرِّزَة منه، كارهةً له، حاقدةً عليه.
ومن جانبها صَرَّحت «الجزيرة» أن المنهج الـدراسي العسكـري الذي احتدم النقاش حوله الآن على المستوى العالمي، لم يُعدّه ضابط أمريكي عسكريّ صادرًا عـن عاطفتـه الفـرديــة أو عن دافع شخصيّ، وإنما جــرى إعــدادُه من قبل مؤسسة اســتراتيجيــة هامة تابعة للقوات الأمريكية بهدف تطوير مُؤَهِّلات التعامل مع الإسلام لدى الجيش الأمريكي. وقالت المؤسسة في تصريحاتها: إنها تعمل ضمن الدستور الأمريكي، والغرض من نشاطاتها إدراكُ التحديات القائمة في سبيل الأمريكيين.
والمنهج الدراسي العسكري الأمريكي الخاصّ بإثارة الكراهية ضدّ الإسلام، أثمر على المستوى الواسع؛ حيث إن كثيرًا من أفراد القوات الأمريكية قد جُنَّ جنونُه بشأن الكراهية ضد الإسلام، وما صنعته القوات الأمريكية في معتقل «غوانتانامو» وفي سجن «أبي غريب» وفي سجن «بغرام» وفي غيره من السجون والمعتقلات من الأفاعيل التي مجردُ تصورها يجعل الجلودَ تقشعر، والقلوب تُمْلَأُ منه مخافة ورهبة، لم تكن لتصنعه لو لم تكن مدفوعة بكراهية غير عاديّة ضد الإسلام وأبنائه، ولم تكن لتثور هذه الكراهية إلاّ عن طريق التلقين المتصل المُكَثَّف، والعمليّة المتتابعة المستمرة للإثارة، عن طريق خبراء متعصبين متخرجين على الكراهية والحقد والعصبية المنتنة.
إن هذه المواد المسمومة المثيرة الحقدَ الأسودَ ضد الإسلام هي التي خَرَّجَتْ قطاعاً واسعاً من الجيش الأمريكي وعامة المدنيين الأمريكيين على البغض للإسلام، والقرآن، ونبي الإسلام؛ من ثم ينهض من حين لآخر قوات أمريكية فتتبول على أوراق القرآن، وتمزقها، وينهض أساقفة كبار فتحرقها على مرأى ومسمع من العالم، فلا تصنع الإدارة الأمريكية المسؤولة ضدّهم شيئًا، سوى التأويل البارد، والتماس العذر، والتسويف والمماطلة، والقول بأن ذلك كان عمليةً أقدم عليها أناس أمريكيون بدافع شخصي، ولم يصدروا فيها عن توجيه أمريكي إداريّ. ولإحجام الإدارة الأمريكية عن اتخاذ أي إجراء ضد مرتكبي هذه الجرائم الكبيرة ضد الشعائر الإسلامية، يتشجّع المدفوعون بالكراهية المتناهية ضد الإسلام من الأمريكيين – عسكريين ومدنيين – ويعودون لارتكاب ما ارتكبوه مرات دون رادع من قانون أو رادع من ضمير إنساني.
إنّ المتخرجين من القوات الأمريكية على مثل هذا المنهج الدراسي العسكري المثير للكراهية ضدَّ الإسلام، هم الذين أحرقوا جثث القتلى من الطالبان في أفغانستان بعد ما مثلوا بها أسوأ تمثيل، وهم الذين قصفوا حفلةَ الزواج في أفغانستان قصفاً أدّى إلى موت عدد كبير من الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال، وهم الذين خرجوا من مُعَسْكَرهم ليلاً وأطلقوا الرصاص على كثير من المدنيين الأفغان: الأطفال والنساء والشيوخ دونما ذنب يكون قد صدر منهم سوى الذنب الذي يرتكبه كل مسلم في العالم، وهو الإيمان بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً.
إنّ عميل «السي آئي إي» الأمريكية المدعو بـ«ريماند ديفس» الذي قتـل شابـين مسلمين في وسط الطريق بمدينة «لاهور» الباكستانية دونما ذنب يكونان قد ارتكباه، كان متخرجاً على هذا المنهج الدراسي المضاد للإسلام، وقد خلصته أمريكا من مخالب القانون الباكستاني قبل أن يعطي معفوله فيه بثمن كبير أدته إلى باكستان مادّيّاً، وقبلته السلطات الباكستانية في ذلّ يعرفه القراء لأسباب اضطرته إلى ذلك لذنب الضعف العسكري والاقتصادي الذي ظلت ترتكبه – ولاتزال – كثير من الدول الإسلامية بما فيها باكستان.
إن إثارة الكراهية المتناهية الواسعة ضد الإسلام هي الهدف الكبير الأساسي الذي تبنته الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة منذ وقت طويل، ولكنهماعادتا تعملان على تحقيقه بكل قوة، وبكل جهد ممكن، وبإعمال كل حيلة بعد تفجيرات 11/9/2001م التي قامتا بها متكاتفتين في أمريكا، لإيجاد مبرر للانتقام من الإسلام وتصفية الحساب معه. وصدورًا عن ذلك مارست الإدارة الأمريكية ضغوطها وأرغمت كثيرًا من الدول العربية والإسلامية لتحجيم حصص تعليم القرآن الكريم في المـدارس والكتاتيب، وإخراج السور القرآنية التي فيها ذكر الجهاد من المنهج الدراسي الديني، وتطهير المنهج من كل المواد التي تشتمل على حبّ الرسول والإشادة بالجهاد والتضحية بالنفس في سبيل الله، كما ضغطت على المؤسسات العالميّة للنشر والتوزيع أن لاتنشر في كتبها الدراسيّة مواد تضم قصص حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وتشيد بالجهاد وبالإسلام وتعاليمه.
على كل فما نشرته وسائل الإعلام من أنباء حول المنهج الدراسي العسكري الأمريكي المُجَهَّز لإثارة الكراهية ضد الدين الإسلامي، ليس خطوةً شخصية كما أوهمت الأنباء، وإنما هو المبدأ الثابت الذي تعمل به الإدارة الأمريكية التي تديرها الصهيونية والصليبية متعاونتين متكاتفتين، لأنهما تريان الإسلام عدّوهما المشترك الذي لن تعلوا عليه – كما تزعمان – ما لم تعلوا على الإسلام الذي ظلّ يعلو ولا يُعْلَىٰ عليه.
وذلك العداء ضد الإسلام، يَتَبَدَّىٰ من كل سلوك تسلكانه، وكلّ عملية تقومان بها، ولا يبقى مستـورًا رغـم كل محــاولــة تبذلانها لإخفائه والتستّر عليه.
نور عالم خليل الأميني
(تحريراً في الساعة 12 من ضحى يوم الأحد: 19/ رجب 1433هـ = 10/يونيو 2012م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1433هـ = يوليو – سبتمبر 2012م ، العدد : 9-10 ، السنة : 36