كلمــة العدد
مرحبًا برمضان شهر الصيام والقرآن وتجدد الإيمان، من قِبَل جميع المسلمين، والمؤمنين المُتَعَبِّدِين، الطائعين المنيبين، الأوّبين المختبين؛ حيث إنّه شهر يجدون فيه الفرصة مواتيةً لغفران الذنوب، واستحقاق الجنة بفضل الله ورحمته، ولأن يُربُّوا أنفسَهم على الصبر على المكاره وعن الشهوات والرغبات وعلى صبر الأنفس على الطاعة والعبادة، والذكر والتلاوة، وتطهيرها من جميع اذنوب والآثام.
المسلمون يَفْرَحُون بمقدمه؛ لأنه تنزل فيه الرحمات، وتُضَاعَف الحسنات، وتُكَفَّرُ الخطايا والسَّيِّئَات، وتُزَاد الروحانيَّات، وتَكْثُرُ فيه أعمال الخير والبر والتقوى، والفضلُ الذي لاينقطع «قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» (يونس/58).
يَفْرَحون به لأنّ نبيهم صلى الله عليه وسلم كان يُبَشِّر أصحابَه بقدومه؛ فقد أخرج الإمام أحمد والإمام النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: «لقد جاءكم شهرٌ مباركٌ كتب الله عليكم صيامَه، فيه تُفْتَح أبواب الجنان، وتُغْلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرَه فقد حُرِم».
كيف لا يَفْرَحُون وهم يُقْبِلُون فيه على عبادة عظيمة فريدة، لم يُعْبَد بها غيرُ الله ، وهي الصوم؛ حيث قال الله تعالى – كما جاء في الحديث القدسيّ – «كلُّ عمل ابن آدم له إلاَّ الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به» (متفق عليه: البخاري برقم 4/88، 94؛ مسلم برقم 1151؛ وأخرجه أبوداود برقم 2363؛ والترمذي برقم 764؛ والنسائي برقم 4/162، 165).
وقد صَرَّح عددٌ من العلماء أن سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يُعْبَد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك (فتح الباري 4/188).
إنه لشرفٌ أيُّ شرف للمسلم أن يحظى برمضان الذي لاتُحْصَى فضائله، وحسبه فضلاً أنه من صَامَه بإخلاص النية غُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذنبه، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرله ما تقدم من ذنبه» (البخاري برقم 4/221؛ مسلم برقم 710).
إنّ الله تعالى لحكمة يعلمها ولرحمة منه بعباده الضُّعَفاء المخطئين خَصَّ هذا الشهر الكريم بالفضائل والبركات، حتى يستوفوا الأجرَ، ويستغفروا من الذنوب، ويَتَطَهَّرُوا من جميع الأدران الخلقية، والأرجاس الفكرية، ولوثاث الخطيئات التي تكون كادت تُهْلِكُهم وتُسْقِطُهم في الدرك الأسفل، فإذاهم أطهارٌ مغسولون من الخطايا كلِّها، يستحقّون بفضل من الله جنتَه؛ من ثم كان السلفُ يستعدّون لرمضان، ويدعون الله أن يُبَلِّغَهم رمضانَ، حتى يجتهدوا فيه في العبادات، والسهر والقيام ليلاً، والصيام نهارًا، ويواصلوا الليلَ بالنهار في الذكر والتلاوة، والقيام بأنواع البر والتقوى.
ولذلك كان الذي أَدْرَكَ رمضان ولم يُغْفَر له بعيدًا عن الخير وعن رحمة الله تعالى، ومَأْسُوفًا عليه، وجديرًا بأن يُرْثَى له، فقد روى الحاكم – وقال: صحيح الإسناد – عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اُحْضُروا المنبرَ» فحضرنا، فلما ارتقى درجةً قال: «آمين» فلما ارتقى الدرجة الثانيةَ قال: «آمين» فلما ارتقى الدرجةَ الثالثةَ قال: «آمين» فلما نزل، قلنا: يارسول الله! لقد سمعنا منك اليومَ شيئًا ماكنا نسمعه. قال: «إن جبرئيل عَرَضَ لي، فقال: بَعِـُـدَ من أدرك رمضانَ فلم يُغْفَر له، قلتُ: آمين. فلما رَقِيتُ الثانيةَ قال: بَعِـُـدَ من ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلِّ عليك قلتُ: آمين. فلما رَقِيتُ الثالثةَ قال: بَعِـُـدَ من أدركَ أَبَوَيْه الكبرَ أو أحدَهما فلم يدخلاه الجنّةَ قلتُ آمين».
رمضان كل لحظة من لحظاته جعلها الله مبعثَ خير وبركة، وجَعَلَ كلَّ أوقاته منذ بدايته حتى نهايته مَحْشُوَّةٌ بما يُجَدِّد في المسلم روح الأمل، ويعود به إلى ربّه، ويجعله يستوحش من المعاصي تلقائيًّا. ولا غرو فإنّ الله عزّ وجل حَمِد هذا الشهرَ المباركَ الكريمَ في كتابه الخالد قائلاً:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنٰتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ» (البقرة/185).
قال ابن كثير: «يمدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه». وقد وَرَدَ الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء.
والصيامُ ظلَّ مفروضاً على الأمم السابقة كلّها كما قال تعالى: «يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة/183).
وما يصنعه الصيام في الصائمين من التغيير الجذري، والتزكية البدنية، وتضييق مسالك الشيطان عليهم، جاء التعبير الإلهي الشامل الكامل المختصر عنه بقوله تعالى: «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» وكأنّه يجعلهم يستجمعون ما يَتَّقُون به الله في السرّ والعلن في كل ما يأتونه في حياتهم. والتقوى صفة سحريّة لايتصف بها مسلم إلاّ دخل الجنة؛ لأنها أُعِدَّت للمتقين، وقد وردت آيات كثيرة بأن الله يحب المتقين، وأن الجنة للمتقين، وأن العاقبة لهم، وأنهم في جنات ونعيم، وأنه أُزْلِفَتِ الجنةُ للمتقين، وأن الآخرة للمتقين، وأن الله وَلِيُّ المقتين، وأن الله مع المتقين، وأنها لنعم دارالمتقين، ولهم في الجنة ما يشاؤون، وأن للمتقين لحسن مآب، وأن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون، وأن للمتقين مفازًا، حدائق وأعنابًا. اِقرأ الآية 76 من آل عمران، والآية 133 منها، والآية 127 من الأعراف، والآية 4 من التوبة، والآية 7منها، والآية 36 منها، والآية 123 منها، والآية 49 من هود، والآية 45 من الحجر، والآية 30 من النحل، والآية 31 منها، والآية 90 من الشعراء، والآية 83 من القصص، والآية 49 من ص، والآية 35 من الزخرف، والآية 51 من الدخان، والآية 19 من الجاثية، والآية 31 من ق، والآية 15 من الذاريات، والآية 17 من الطور، والآية 54 من القمر، والآية 34 من القلم، والآية 31 من المرسلات، والآية 31 من النبأ.
كما أَكَّدَ القرآن الكريم أن الأخلاّء يومئذ أي في الآخرة بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتقين، وأن الله إنما يتقبل من المتقين، لأنهم يُخْلِصُون العملَ لله، ولا يقبل الله إلاّ مايكون له خالصاً، ولا يقبل من المُرَائين الذين يعملون لأغراض شتى كثيرة غير إرضاء الله وابتغاء وجهه. ودراسةُ الآيات القرآن تُؤَكِّد مدى ما لهج الله عَزَّ وجَلَّ بذكر المتقين في صياغات مُعْجِزَة وتعبيرات ساحرة رائعة لا قِبَلَ للبشر بها، مهما أُوتُوا من القدرة البيانية والموهبة التعبيريّة. ومَنْ أَصْدَقُ من الله حديثاً، ومن أصدق من الله قِيلاً.
إن شهر رمضان بصيامه وقيامه، وجميع ما أودعه الله تعالى من الروحانيّات، والإكسيريات الإيمانية، مصنع المتقين الذي يقام من قبل الله عز وجل كلّ عام؛ فكلُّ من يَتَقَبَّل بُوْتَقَتَه، وينصهر فيها، يتخرج مُتّقِيًا يحبه الله، ويدخله جنةً عرضها السماوات والأرض.
من هنا يفرح المؤمنون بحلوله، ويستقبلونه برتحاب حارّ، واستعداد خاصّ، وينتظرونه طَـوَالَ شهور السنة انتظارَ العاشق الهيمان لحبيبه، فإذا حَظِيَ بالوصال قَبَّلَه وعَانَقَه، ولاَزَمَه كلَّ وقت، وحَاوَلَ جهده أن لا يفارقه على مدى فرصة الوصال، التي هو يعلم أن أوقاتها محدودة، ولحظاتها معدودة، وهي مُنْقَضِيَةٌ لا مَحَالَةَ. وإذا كانت الدنيا مزرعة الآخرة، فإن رمضان خير فصل للزرع والسقى والتسميد والريّ والتعهد للروح والنفس بإزالة الحشائش الشيطانية والنبتات والشجيرات الطُّفَيْلِيَّة التي تنبت بجنب الزروع الخيرية والمحصولات الإيمانية، إذا بذل فيه زُرَّاع الآخرة قليلاً من الجهد وضئيلاً من كدّ اليمين وعرق الجبين، فإنّه سيأتي بحاصلات كبيرة لم تكن بحسبانه تضمن له صلاحَ الدنيا ونجاة الآخرة.
من هنا يُرَحِّبُون بهذ الشهر العظيم: موسم الخيرات وفصل البركات ومناسبة العمل الصالح، وأيام فتح الجنان، وغلق النيران، وتصفيد الشيطان، ولسانُ حالهم يقول:
أتى رمضانُ مــزرعــةُ العبـادِ
لتطهـير القلــوبِ مـن الفسادِ
فأَدِّ حقـوقَـــه قـولاً وفعــلاً
وزادَك فَاتَّخِـــــذْه للمَعَـــادِ
فمن زَرَعَ الحُبُوبَ وما سقاها
تَأَوَّهَ نَــادِمــاً يــومَ الحصادِ
لقد كان السلف – رحمهم الله تعالى و وَفَّقَنا لاتّباعهم – كانوا يدعون الله ستة شهور أن يُبَلِّغهم رمضان ويدعونه الستة شهور الأخرى أن يتقبل منهم عبادة رَمضان، ويوفقهم لأداء حقوقه، والنزول على مستوى عباده الصالحين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم، في تقديره حقَّ قدره، واستثمار جميع أوقاته، واجتناب إضاعة فرصه الغالية، و أوقاته الذهبيّة الثمينة. وكانوا يحيون لَيَالِيَه بالقيام ومدارسة وتلاوة القرآن، ونهاره بالصيام الذي كانوا يحفظونه عن كل معاني اللغو واللهو، والغيبة والنميمة، والرفث والسباب، وكل شيء يخدشه خدشًا، أو يمسّه بالنقص والشطط. وكانوا يجاهدون في سبيل الله، فحَقَّقوا انتصارات تاريخية رائعة في معارك فاصلة بينهم وبين أعداء الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى؛ فلم يكن شهر رمضان عندهم شهر كسل وخمول، وشهر نوم وجمود، ودعة وراحة، وتقاعد وسمر، وسهرات فارغة آثمة، وأطعمة شهية وأكلات لذيذة، وقطع الأوقات في التسوّق وإعداد ملابس غالية، و وسائل زينات فاخرة.
إنهم كانوا يتنافسون في الخيرات والصدقات وصلة الأرحام، والإحسان وإطعام الطعام، يتعاهدون الفقراءَ والمساكينَ بمسح دموعهم، وقضاء حوائجهم، وتقديم كل دعم لهم؛ حتى لايشعروا بأنهم خُلِقُوا ليذوقوا الحرمانَ والبؤوسَ والشقاءَ، مادام الله خَلَقَ لهم هؤلاء الفاعلين للخير، الذين يشاطرونهم الأخرانَ والآلام، ويقضون حوائجهم قبل حوائجهم هم، قائلين بلسان الحال:
بَنِيَّ أَحَــقُّ أَنْ يَنَـالُــوا سَغابـــةً
وَأَنْ يَشْرَبُوا رَنَقَا لَدَى كُلِّ مَشْرَبِ
كما أنّه لابدّ من استحضار النيّة، وإخلاص العبادة، ولاسيّما في هذا الشهر الكريم الذي نحن فيه أحوج ما نكون إلى البعد عن كل معاني الرياء والتظاهر، والتفاخر والتباهي، واتّباع الشكليّات والمظهريّات، التي لاحَظَّ فيها لله، وإنما الحظُّ كلُّه للنفس وللشيطان، الذي يتربّص بنا كلَّ وقت الدوائرَ وكلَّ البوار؛ لأن الصيام عبادة تتأبى على الرياء؛ ولذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ؛ فإنْ سَابَّه أحد أو قاتله، فَلْيَقُلْ: إني صائم» والرفث: الكلامُ الفاحش، والصَخَبُ: اللَّغَطُ، فكانه صلى الله عليه وسلم كره حتى اللغطَ ورفعَ الصوت الذي لايرى أحدُنا بأسًا به؛ لأن الصيامَ عبادة شريفة نبيلة لاتقبل أيَّ شيء لايتفق وكرامتَه ونبلَه وفضلَه وعظمتَه. وقد كان الصالحون من عباد الله يصونون صيامهم من كل مكروه نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ويتسامَون به عن كل معاني الكذب والبهتان ومعايب اللسان والجوارح؛ فكانت قلوبهم تتزكى، وأرواحهم تعلو، ونفوسهم تسمو. قال الشاعر:
أهلُ الخُصُوصِ مِنَ الصُوَّامِ صَوْمُهُمُ
صَوْنُ اللِّسَانَِ عَــنِ البُهْتَانِ وَالْكَذِبِ
وَالصَّالِحُونَ وَأَهْلُ الصِّـدْقِ صَوْمُهُمُ
صَوْنُ الْقُلُوبِ عَنِ الْأَغْيَارِ وَالْحُجُب
والحقُّ أن الصيامَ مدرسةٌ ربانيَّةٌ فريدة يتخرجَ فيها الصائمون على معانٍ رفيعة من الأخلاق الفاضلة، فلا يحيدون عنها طَوَالَ حياتهم على هذه الأرض بفضل وتوفيق من الله؛ فهم يعودون غيرَ ما كانوا عليه من ذي قبل، وهم نموذج إنساني مثالي يغبط به الملائكة، ويحاكيه السعداء من بني البشر، إذا رآه عامة البشر ظنوه خلقًا ماورائيًّا. ليتعاهد كلٌّ منا أن يتربّي في مدرسة الصيام على تلك الأخلاق النبويّة، فيكون ذاك المخلوق الماورائيّ: الإنسان المثاليّ الذي يظنّه الناس مَلَكاً من الملائكة. إنّه لسهلٌ على من أَرَادَ إرادةَ مؤمن حقٍّ يُنَفِّذُ إرادتَه في كلّ حال، و لا تحول دونه الجبال.
ولابدّ من استحضار أن عبادة الصيامَ لايتحقق بالمظهريّة وإنما تتأدّى بالتجرد من كل الشكليّات، فالصيام عبادة باطنية وليست ظاهريّة، فإذا امتنع أحد عن الأكل والشرب، ولم يجتنب اللغو والرفث والسهر اللاهي والسمر الحرام ومشاهدة الأفلام الماجنة أو التي تظهر فيها الحسناوات، وتُعْرَضُ فيها بَرَامِجُ مثيرةٌ، حتى البرامج التي تُقَدَّم باسم برامج دينية عن طريق الفتياتِ المتثنيات ليناً ونعومةً، لم تتأدّ عبادةُ صيامه، لأنها فقدت روحها وحقيقتها؛ من ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث». وروى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاريّ: «ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظّه من قيامه السهر».
الصيامُ عبادة باطنية تُغَيِّر باطِنَ الإنسان، وتُحْدِث فيه تغييرًا جذريًّا، وتقلبه قلبًا كلِّيًّا، إذا راعى آدابها، وتماشى مع جوهرها، وتعامل مع أخلاقيّاتها، وتكيَّف مع الكيفيّات الإيمانية الروحانيّة التي تتسم بها وتنبعث من المناخ الذي تخلقه. من ثم سَمَّاها – عبادة الصوم – النبيُّ صلى الله عليه وسلم «جُنَّةً» إذ قال: «والصيام جُنَّةٌ» (متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه). اي وقاية – كما قال العلماء والمحدثون الكبار – من كل من المعاصي والنار.
وإذا اسْتَوَتْ هذه العبادةُ على سوقها، وتَحَقَّقَتْ في معناها، وتَأَتَّتْ بجوهرها وحقيقتها، استغنى بها صاحبُها عن كل شيء، لأنه يعود مستحقًا لجنة ربّه. «وَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ عَنِ النّار وأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقدْ فاز» (آل عمران/185) حتى إن صيام يوم واحد يُبْعِده عن النار مدةَ سير سبعين عامًا، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلاّ باعد الله بذلك اليوم وجهَه عن النار سبعين خريفًا» (متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)؛ ولكنه إذا استوفى شرطَ «في سبيل الله» أي إذا تجنب المظهريّة وابتعد عن الشكليّة، ولم يمتنع فقط عن الأكل والشرب؛ بل امتنع عن كل شيء لا يتفق وجوهرَ هذه العبادة الشريفة. وفقكم الله وإيّانا لما يحبه ويرضاه.
(تحريرًا في الساعة 12 من من ضحى يوم السبت 19/رجب 1432هـ = 2/يوليو2011م)
نور عالم خليل الأميني
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان وشوال 1432هـ = أغسطس – سبتمبر 2011م ، العدد : 9-10 ، السنة : 35