كلمة العدد
تسارعتِ الثورة الشعبية من تونس الخضراء إلى عدد من الدول العربيّة بخطى حثيثة لم تكن بحسبان أذكى وأفطن كَهَنَةِ المُعَلِّقِين والمحللين السياسيين المتابعين بعيون ساهرة وحدس متيقظ للأوضاع المتطورة والملابسات المتقلبة في العالم المعاصر.. كانت على رأس هذه الدول مصر الإسلام والعروبة، التي عاش فيها الشعب المصري الشقيق أجمل لحظة في حياته المعاصرة؛ حيث نجح لأوّل مرة في إقصاء رئيس الدولة من خلال الثورة الحكيمة التي خاضها على مدى 18 يومًا في الفترة ما بين الثلاثاء 20/2/1432هـ الموافق 25/يناير 2011م وبين مساء يوم الجمعة 7/ربيع الأول 1432هـ الموافق 11/فبراير 2011م .
نجاحُ الشعبِ المصري في إقصاء الرئيس المصري بعد ثلاثة عقود من تسلطه على القيادة بهذه الحكمة التي لم يستند فيها إلى ممارسة أي نوع من العنف، وتقيّد فيها بكامل السلميّة والتحمّل والالتزام بمظاهر الدين والأخلاق والمروءة؛ حيث لم يحدث في التجمعات المليونيّة المستمرة تحرشٌ بفتاة، أو حادثٌ يُخِلّ بالمروءة؛ بل تقيدت السيدات والفتيات باللثام والحجاب، وأدى المتظاهرون الصلوات خلال المسيرات والاعتصامات.. نجاحُ الشعب في هذا المطلب الكبير النبيل بهذا التعقّل العملي يؤكّد أن الشعب إذا اتّحد، وتماسك، وتعاضد، وتكاتف؛ فإنّ ذلك يُشَكِّل قوّةً لايمكن أن يُسْتَهَان بها، ويكون بوسعه أن يُسَجِّل سابقةً مهمةً، هي عزلُ الرئيس المعتمد على أجهزة الدولة القوية من الشرطة والجيش وجميع مُؤَسَّسَاتها. هذه الخطوة غيرُ المسبوقة من ذي قبل، التي سُجِّلت في كل من تونس ومصر، وتكاد تُسَجَّل في عدد من البلاد العربيّة المجاورة المتشاركة في الدين والعقيدة واللغة والمصير والتأريخ، لها أهميّة كبرى؛ لأنّها ستظل واضحة مُسْتَحْضَرة في ضمير كل رئيس قادم أن الشعب بوسعه أن يعزله لو انحرف بالسلطة وشذّ بالولاية، ولم ينزل على مستوى إرادة الشعب. وذلك التحذيرُ الأكيد الماثل كلَّ وقت في مخيلة القادة والحكام، أحد الضمانات القوية ضدّ الانحراف الخطير الذي أدّى إلى الإطاحة بكل من زين العابدين بن علي الرئيس التونسي وحسني مبارك الرئيس المصري، والنوبةُ تنتظر الباقين من الرؤساء الشاذِّين عن الخط المستقيم الباطشين برقاب الشعب.
الشعب المصريّ في ثورته ضدَّ رئيسه عَلَّمنا بصفة خاصّة: كيف يكون التعبيرُ عن الرأي بأسلوب حضاريّ راقٍ؛ حيث لم تحدث على مدى أيام الثورة الثمانية عشرة حادثةُ تخريب واحدة، ولا شكوى ضُبِطَتْ من التحرش – كما قلنا آنفًا – ولا فَقَدَ الصبرَ في مواجهة الرصاص، وقنابل الغاز، والعصيّ لمُكَهْرَبَة، وخراطيم المياه، وهجمات جحافل المقربين من الرئيس.
* * *
وكمثل الرئيس الليبيّ العقيد معمر القذافي الذي يخوض اليومَ مع شعبه معركةً حاسمةً من خلال مذابح علنيّة، والذي يُصَرِّح لخلق مُبَرِّرَات لإبادته الجماعية لشعبه، أن المشاغبين كلهم مندسّون من رجال القاعدة، حتى يظلّ متمتعًا بالتعاطف الأمريكي الذي كسبه من بعد الإطاحة الأمريكية الإمبريالية الاستعماريّة العدوانيّة بصدام حسين، من خلال النزول المطلق على مستوى أوامر وتعليمات الرئيس الأمريكي السابق «بوش الابن» الذي شنّ الحرب الصليبيّة ضد العالم العربي والإسلامي باسم الحرب على الإرهاب، التي لاتزال أمريكا بتحالف من الغرب يخوضها ضدّه – العالمين العربي والإسلامي – وذلك حماية لنفسه من المصير الذي لقيه صدام على يد «بوش الابن» الصليبي المتصهين.. كمثل الرئيس اللِّيبي اليوم ظلّ حسني مبارك وزمرته يقولون أيام الثورة ضدهم: إن الشباب المصري الذين خرجوا إلى ميدان التحرير أيام الثورة في تظاهرة سلميّة أبرياء مخلصون؛ ولكن جماعات لها أجنداتُها الخاصّة احتطفت الثورة، واستولت على الميدان، وراحت تُوَجِّه التظاهرة وجهة أخرى مشبوهة وغير وطنيّة.
أرادوا بذلك الإيحاءُ بأنّ السلطَة تُرَحِّب بالمتظاهرين؛ ولكنها تتصدّى لعمليّة الاختطاف لإجهاض المُخَطَّطَات المشبوهة وغير الوطنيّة التي حملها الخاطفون الوافدون معهم للإضرار بمصالح البلاد وسلامتها و وحدتها!.
ومن هنا كان العالم يُتَابِع كلَّ يوم أخبارًا مُسَرَّبة عن إلقاء القبض على فلسطينيين تابعين لـ«حماس» وإيرانيين وعناصر من حزب الله، و وجوه لها سمات أفغانيّة، وأجانب كثيرون من أعراق وجنسيّات مختلفة، وظلّ بثُّ هذه الأنباء يهدف إلى إقناع المصريين بأنّ ما حدث في ميدان التحرير ليس ثورة شعبيّة؛ ولكنه مؤامرة دَبَّرَها أجانب استهدفوا أمن مصر وسلامتها واستقرارها.
ولايشكّ إلاّ الأبله أن أمريكا وإسرائيل والغرب ثالوث العداء مع الإسلام هو الذي كان يملي على حسني مبارك وزمرته هذه التوجيهات لإقناع الشعب بأن وجود حسني مبارك لازمٌ لوحدة البلاد واستقرارها. إن عملية اختطاف الثورة من قبل أحزاب ذات أجندات خاصّة تستهدف هدمَ البلاد كانت الإشارة منها واضحة إلى «الإخوان المسلمين»؛ لأن فَزَّاعة الإخوان ظلّ يستخدمها مبارك ومن سبقوه من جمال عبد الناصر والسادات، وهي الفَزَّاعَة التي بات يَتّكئ عليها مبارك خلال ما قبل الثورة وخلالها في تبرير استمراره رغمَ سوءاته غير المحدودة التي جعلتِ الشعبَ يفقد صبره ويسأم الليل البهيم من المصائب والأزمات وخرج على بَكْرَةِ أبيه يستقبل صباحَ غد مشرق بإذن الله؛ وكأنّه كان يقول للشعب أن البديل المُتَمَثِّل في «الإخوان» هو أسوأُ وأخطرُ. وقد شهدت مصرُ الإسلاميّة العربية استخدام الفزّاعة ذاتها في تبرير عمليّات القمع التي تَعَرَّضَ لها المعارضون لمبارك عامّةً و«الإخوان» خاصّة أثناء ما سُمِّي من قبل أمريكا والغرب بـ«الحرب على الإرهاب». إنّ فزّاعة «الإخوان» والإسلاميين ظلّت الشيءَ الوحيد الذي يستند إليه السلطةُ المصريّةُ من خلال التقارير الأمنية المزورة والوشايات المخابراتية المشوهة، التي ظلت تستسهل اعتبارَ الإسلاميين ولاسيّما الإخوان مصدرًا لكل الشرور والآفات في داخل مصرو رخارجها. كما استند إليها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي؛ حيث لَوَّح دائمًا أن مصدر الشرور والمفاسد كلها الإسلاميّون، وكما يستند إليها الآن الرئيس الليبي العقيد معمر القذّافي؛ حيث يصرخ بأعلى مكان في حنجرته أن رجال القاعدة هم الذين اندسّوا فيما بين الشعب الليبي، وأن الإسلاميين هم الذين أشعلوا الثورة ضدّنا.
* * *
لماذا ثارت الثورةُ في كل من تونس، ومصر، وليبيا، وعدد من الدول العربيّة، ولاسيّما التي تأتي في إطار ما يُسَمَّى بالشرق الأوسط؟ الرأي العام العالميّ الذي تُشَكِّله وسائلُ الإعلام العالميّة التي تديرها بل تقودها اليوم الصهيونيّةُ العالميّةُ، يؤكد أن العامل الوحيد فيها هو الفقر والبطالة والأمّية المستشرية التي لم تُبْذَلْ من قبل النظام محاولة مطلوبة لمكافحتها والأزمة الاقتصادية واللاعدل الاجتماعي وحالة الطوارئ التي يستند إليها القادة في مُعْظَم هذه الدول الديموقراطيّة اسمًا والمحكومة بالدكتاتوريّة حقيقةً، والقيود الحكوميّة الظالمة التي لاتقبل الحصر تفرض على الشعب فيئنّ تحتها، وما إلى ذلك من العوامل التي اختمرت وتفاعلت، حتى تفجرت متمثلة في الثورة الشعبية العارمة التي لم تقدر حكومات هؤلاء الديكتاتوريين على الوقوف أمامها.
ولكن الحقّ أن الثورة الشعبيّة تستهدف الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، التي لاتعني فقط استبدالَ الحكومات بالحكومات القائمة فيها؛ وإنما تعني استبدال الأنظمة بأسرها بالأنظمة القائمة فيها حالاً، التي تعمل جهدَها عميلةً وفيّة لأمريكا وإسرائيل وأروبّا: ثالوث العداء الحنق للإسلام والمسلمين، وتُكَرِّس جهودهَا لخدمة المصالح الصهيونيّة والصليبيّة والوثنيّة، وللإضرار البعيد المدى – والقصير المدى أيضًا – بالمصالح الإسلامية في الداخل والخارج، حمايةً للمصالح الشخصيّة.
العامل الثاني الأخير – أي الغضبة الشديدة على الأنظمة القائمة الوفية للغرب – تَفَاعَل مع العامل الأوّل – أي الفقر والبطالة والأمية والأزمة الاقتصادية والفساد المالي والإداري والاعتداءات الرسمية على الشعوب – الذي كان قائمًا على أرض الواقع فعلاً، وهو الذي دفع الشعب إلى الثورة الجارفة العارمة الهادرة التي جرفت رئيسي الدولتين العربيتين الإسلاميتين، ونظراؤُهما ينتظرون دورَهم في اللحاق بهما. والدليلُ على ما نقول ما يأتي:
1 – الأفاعيل التي فَعَلَتْ أمريكا الصليبية بقيادة الصهيونيّة العالميّة مع العالمين العربي والإسلامي بعد أحداث 11/سبتمبر 2001م التي قامت بها الصهيونية العالميّة تنفيذًا لمخططاتها في العالمين العربي والإسلامي بصفة خاصّة والعالم كله بصفة عامّة، وما صنعه القادة والحكام في هذه الدول العربية والإسلاميّة مع شعوبهم المسلمة من صنوف العذاب التي اقشعرت لهولها الجلود. ذلك العاملُ جعلَ الشعوبَ المسلمة في هذه البلاد تستيشط عضبًا وتتفجر حنقًا على القادة والحكام، الذين فرضوا الحظر على الحجاب الإسلامي، واعتقلوا الإسلاميين، وتناولوهم بالتعذيب الذي لايمكن تصوُّره إلاّ من المتنكرين للإسلام، الفاقدين لكل ذرة من الرأفة. كما فرضوا الحظر على الجمعيات الإسلاميّة، وحَجَّمُوا الحصص الدراسيّة بالنسبة إلى التعليم الديني أو ألغوها تمامًا، وفرضوا قيودًا على النشاطات الإسلاميّة العامّة، وعينوا في سفاراتهم خارج البلاد سفراء متقززين من الإسلام ورموزه من العلماء والملتزمين بالشارات الإسلاميّة، محبين للعلمانية ومُغْرَمِين بالملحدين والعلمانيين، وإلى جانب ذلك شجّعوا في داخل البلاد الفجورَ والسفور، والرقص والموسيقي، وسمحوا بالانتشار للأغاني الخليعة، والكتب الماجنة، والأفلام الهابطة، والثقافات الجنسيّة الوافدة، والتعليم المختلط، حتى فصلوا المحتجبات من الفتيات المحتشمات من المدارس والجامعات. وكلُّ ذلك لإرضاء أمريكا والغرب وإسرائيل، لكي يظلّوا متحكمين في رقاب الشعوب المسلمة، ويحققوا الأغراض الدنيوية العاجلة، ويتحدَّوا بذلك بالتالي قدرةَ الله المُطْلَقَة، فألحقوا بالإسلام والمسلمين ضررًا لم يقدر عليه حتى الأعداءُ، فكانوا بجلودهم وسحناتهم وألوانهم وأسمائهم عرباً مسلمين، وكانوا بسلوكهم وسيرتهم وأعمالهم – التي هي وحدها تُقَدِّرُ قيمةً حقيقية للإنسان – أجانب غير مسلمين، أمريكيين، إسرائيليين، أوروبيين، ومن إليهم.
2 – بعد ما فعلت وتفعل أمريكا مع المسلمين في العالم عمومًا وفي داخل البلاد العربية والإسلاميّة خصوصًا، ساءت سمعتُها، واسمُها ورسمُها في العالمين العربي والإسلاميّ، لأنّ تبنّيها للمصالح الصهيونية، و وقوفها بجانب الدولة الصهيونية بقلبها وقالبها، ودفاعها وتبريرها لجميع الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية ضدّ الفلسطينيين بشكل علنيّ ومتحدية جميع المحافل الدوليّة والرأي الأممي – حتى استخدمت مؤخرًا حق النقض في مجلس الأمن ضد مشروع قرار التنديد الذي قدمه الفلسطينيون بمشروع إسرائيل لإنشاء مستوطنات على أراضي الفلسطينيين، مما جعل المملكة العربية السعودية هي الأخرى تندد بالموقف الأمريكي المتمثل في استخدام الفيتو – وتوغّلَها (أمريكا) في داخل البلاد الإسلاميّة وتقتيلها عشوائيًا الشباب المسلم ولاسيّما الملتزم بالدين، واستخفافها بسيادة البلاد الإسلاميّة، وجعلها لها بقرةً حلوبًا وناقة رطوبًا، مواقف أمريكا هذه وغيرها جعلت الشعوب الإسلامية تتقلب على أحرّ من الجمر، وكلُّ ذلك شَكَّلَ عاملاً قويًّا لسوء سمعة أمريكا لحدّ أن الشعوب الإسلاميّة لكالت لها الصاعَ صاعين، ولتشفّت منها وأشبعت عاطفةَ ثأرها منها؛ ولكنها لاتقدر على ذلك؛ لأنها – أولاً – تعلم أن قادتها رحماء لأمريكا وإسرائيل وأوربّا، وأشداء عليهم؛ ولأنها – ثانيًا – تعلم أن قادتها تعمّدوا أن تبقى الدول الإسلامية ضعيفةً مُسْتَضْعَفَةً في الجانب العسكريّ، فلم يهتموا عن إرادةٍ بجانب الإعداد المستطاع للقوة المرهبة لأعداء الله ورسوله؛ لأن هؤلاء الأعداء كلهم كانوا لهم – للقادة – أحباء، فتشاغلوا بتحقيق مصالحهم الفردية عن تحقيق المصالح الجماعيّة الإسلاميّة.
3 – إنّ غضب الشعوب الإسلاميّة على أمريكا انقلب غضبًا ثائرًا على القادة والحكام في هاتي الدول، إن الهدف الأصلي لديها هو أمريكا؛ ولكن مواجهتها – الشعوب الإسلاميّة – رأسًا لأمريكا، وصدامها معها توًّا، مُسْتَبْعَدٌ تمامًا في الواقع المعاصر، ولذلك فإن الوضع الحاليّ لايزعج القادة والحكام فقط، وإنما يزعج ينحو أشد أمريكا وإسرائيل وأوربّا بدورها؛ لأنها ترى أن مصالحها مُعَرَّضَة لخطر أكيد، وقد أعربت إسرائيل عن قلقها بأسلوب أكثر وضوحاً؛ حيث صَرَّحت أن مصر مقبلة على انتصار «الثورة الإيرانية» لديها، لو نجحت «الإخوان» في الوصول إلى السلطة.
* * *
الثورة الشعبية في مصر إنما استغرقت ثلاثة أسابيع في تنحية الرئيس مبارك؛ لأن أمريكا وإسرائيل وأوربّا حاولت لحد مستطاع أن يبقى عميلُها في منصبه يسخر إمكانيات مصر لتحقيق مصالحها، من خلال السيطرة على الشعب المصري وإجهاض ثورته، وبالتالي من خلال قمعه في وقت لاحق مناسب بشكل يدع لاشعبَ مصر وحده، بل الشعوبَ كلها في الدول العربية والإسلامية الديموقراطية بالاسم لاتفكر أبدًا في النهوض ضدّ عملاء أمريكا وإسرائيل وأوربّا: القادة هؤلاء؛ ولكن أمريكا لما أدركت أن الغضبة الشعبية هذه لايمكن إخمادها بشكل أو بآخر، رضيت بتفويض السلطة إلى عمر سليمان الذي كان بطانة خاصّة لحسني مبارك؛ ولكن الشعب ظلّ رافضًا له، فرضيت بتفويضها للجيش المصري، تأكدًا منها أن مصالحها الصليبية الصهيونية ستظل مضمونة بيد الجيش الذي معظمُ أفراده تربَّتْ على العلمانية، وتلقت التدريب العسكري بيد الخبراء العسكريين الأمريكيين، وبُذِلت المحاولاتُ باستمرار من أجل تفريغها عن الشحنة الإيمانية، والغيرة الإسلاميّة، والإباء العربي، والنخوة الكنانيّة.
والجيش المصري رئيسُ الأركان فيه اليوم المشير محمد حسين طنطاوي الذي تثق به أمريكا وإسرائيل، والذي حلَّ البرلمان، وألغى الدستور، وقالت الأنباء الأخيرة قبل اليوم: الأحد: 23/3/1432هـ = 27/2/2011م بأيام أنه بدأ في صياغة الدستور الذي سيتم إقرارُه فيما بعد الانتخابات العامّة، التي لم يتم الإعلان عن تأريخ انعقادها، ولم يتم إنهاءُ حالة الطواري التي كان قد فرضها حسني مبارك. وكانت مطالب الشعب تتمثل في الإلغاء الفوري لحالة الطوارئ والإفراج عن جميع المُعْتَقَلِيْن السياسين، وإلغاء الدستور الحالي وإعادة صياغته، وحلّ مجلس الشعب والشورى والمجالس المحلية وإنشاء مجلس حكم رئاسي انتقالي يضمّ خمسة أعضاء بينهم شخصية عسكريّة واحدة وأربعة رموز مدنية، على أن لايحقّ لأي عضو منهم الترسّح لأول انتخابات رئاسيّة قادمة، وكذلك إلغاء جميع المحاكم العسكرية الاستثنائية، وكل الأحكام التي صدرت بحق مدنيين من خلال هذه المحاكم، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب، على أسس مدنية ديمقراطية سلميّة، وإطلاق حرية الإعلام وما إلى ذلك.
ولم يتحقق من مطالب الشعب إلاّ تنحى مبارك، وبدء صياغة الدستور، من ثم المخاوف والهواجس تسيطر على الجميع من استمرار الجيش في الحكم لمدة أطول، وبذلك فتكون مصر قد انتقلت من الدكتاتورية إلى دكتاتورية أخرى ترضاها أمريكا وإسرائيل وأوربّا. إن الشعب المصري لم يرد ولن يريد تغيير الوجوه، وتغيير حكومة بحكومة أخرى، وإنما يريد أن يحلّ نظام نزيه عادل حرّ مكان نظام سابق مشبوه جائر مُسْتَعْبَدٍ بيد أمريكا، عميل للصهاينة والصليبيين.
لو جرت في مصر أو في تونس أو في ليبيا أو في دولة أخرى تقوم فيها الثورة ضدّ القادة العملاء الأوفياء لأمريكا وإسرائيل وأوربا، انتخابات نزيهة، لكان للإسلاميين الذين تخافهم أمريكا وإسرائيل مخافة السعالي، نصيبٌ غير منقوص، ولكان لهم في البلاد ثقل كبير. بالنسبة إلى مصر يتأكد الرأي الحرّ النابع من أرض الواقع أن «الإخوان» وغيرهم من الإسلاميين سيفوزون بأغلبية لابأس بها إذا أُجريت الانتخابات نزيهة عادلة بنحو صحيح.
ولكن أمريكا وإسرائيل وأوربا تحاول جهدها اختطاف الثورة من أيدي الشعوب الإسلامية، لكي تنصب عملاءها في هذه البلاد من جديد، ولكي تسير البلاد على وتيرتها السابقة، ولايكون فيها للإسلام والعروبة دور، ولكنّ الوضع ليس بسائر إلى الجهة التي تودها أمريكا وحليفاها إسرائيل والغرب؛ وإنما هو سائر بإذن الله إلى جهة أخرى لن ترضيها. «وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُوْنَ» (يوسف/21)
(تحريرًا في الساعة 12:30 من ظهر يوم الأحد: 23/3/ 1432هـ = 27/2/2011م)
نور عالم خليل الأميني
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الثاني – جمادى الأولى 1432هـ = مارس – أبريل 2011م ، العدد : 4 – 5 ، السنة : 35