كلمة المحرر
منذ عقدين من الزمان تستمرّ مهزلة محادثات أو مفاوضات السلام فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة؛ ولكن الفلسطينيين لم ينالوا – ولن ينالوا – من ورائها خيرًا؛ لأنّها خطّة صهيوأمريكية لفرض مزيد من الاستعباد على الفلسطينيين، وتثبيت الاحتلال، وتهويد ما بقي من الأراضي، وابتلاع من ما بقي من الديار، وتشريد وجلاء من بقي من الفلسطينيين وتقتيل من بقي من الشباب.
منذ اتفاقيّة «أوسلو» التي وَقَّعَتْها السلطة الفلسطينيّة المزعومة مع الكيان الصهيوني وحتى كتابة هذه السطور، شهدت القضيّة الفلسطينيّة عشرات المؤتمرات وجلسات المحادثات التي تمّ عقدُها، بدءًا من مؤتمر “مدريد” إلى “واي بلانتيشن” مرورًا بـ«خارطة الطريق» وانتهاءً بوعود الرئيس الأمريكيّ الحالي «أوباما» بحلّ عادل للقضيّة يرضاه الطرفان: المُحْتَلُّ – على صيغة اسم الفاعل – الصهيوني، والمُحْتَلّ – على صيغة اسم المفعول – الفلسطينيّ .
ولكن هذه المسلسلات المُمِلَّة من المفاوضات والاتفاقيات، واللقاءات والزيارات والوعود والترتيبات، لم تُسْفر عن خطوة فاعلة في صدد الحلّ الواقعيّ للقضيّة الفلسطينيَّة ، فلم يَحْظَ الفلسطينيون بحق سُلِبُوه، ولم تقم لهم دولة سَرَابِيَّة وُعِدُوْها، ولم يَنْتَهِ شيء من العذاب الذي لايزالون يلاقونه من قبل دولة صهيونية غير شرعيّة زُرِعَتْ على أرضهم وفي ديارهم بمؤامرة صهيونية غربيّة أمريكيّة؛ بل إن هذه المرحلة من المفاوضات والاتفاقيّات شهدت أوسع وأشنع عمليّات لالتهام الأراضي، وتهويد القدس وتدنيسه، والحفريات الكثيرة الخطيرة تحت المسجد الأقصى المبارك، بغيةَ هدمه، وعمليّات تشريد الفلسطينيين، وإقامة الجدار العازل والحواجز العسكريّة، لتحويل المنطقة كلها إلى سجن كبير مؤلم بحقّ الفلسطينيين، وشنّ حرب مجنونة مستمرة على غزة وفرض الحصار الشامل عليها لإماتة أهلها جوعًا وعطشًا ومرضًا وفقـدانًا لجميع وسائـل الحيـــاة، واعتــداءً متــواصلاً في كل مكان، وتحت غطاء جلسات «المفاوضات المباشرة» أو «غير المباشرة».
منذ عدة شهور أخيرة بدؤوا ما سَمَّوْه بـ”المفاوضات غير المباشرة” ومنذ أسابيع بدؤوا ما سَمَّوه “المفاوضات المباشرة” لأن الكيان الصهيوني كان قد تظاهر أنه سيوقف بناء المستوطنات؛ ولكن الأنباء الأخيرة قد قالت: إن إسرائيل عادت تصارح بأنها ستبدأ مباشرةَ بناءِ المستوطنات، وخلال ذلك شدّدت الحصارَ حول المسجد الأقصى، وصبّت الويلات فعلاً على المتظاهرين الفلسطينيين تجاهَ منعهم عن دخول المسجد، وسقط من المتظاهرين عشرات القتلى والجرحى، وتأزّم الموقف للغاية.
إن المفاوضات في الواقع فخّ يتلاعب به الأمريكان والصهاينة بفريق «التطبيع العربي» «المعتدل» المتواطئ مع الأعداء، المتغاضي عن عمد عن كل الجرائم التي تصبّها إسرائيل على أهل الدار. وكلّ ذلك للتغطية على جميع المُخَطَّطَات العدوانيّة التي تنفذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والمنطقة كلَّها .
إنّ المقاومة الفلسطينية هي التي ظلّت تحيي القضية، وتجعلها حيّة ماثلة لدى الرأي العالمي، وتزلزل الصهاينة، وترغمهم على تقبّل بعض الهزائم، وهي التي ستحرر الأرضَ، وتحمي العِرضَ، وتعيد الحق، وتدحر يومًا ما الاجتلالَ من كامل المنطقة بإذن الله تعالى «وَاللهُ غَابٌ عَلَىٰü أَمْرِه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُوْنَ» (يوسف/21) [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 10 من صباح يوم الأحد : 16/شوال1431هـ = 26/ سبتمبر 2010م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1431 هـ = أكتوبر – نوفمبر 2010م ، العدد : 11 ، السنة : 34