كلمة العدد
المسلمون اليوم يُحَاصَرُوْنَ في كل مكان، وتُصَبُّ عليهم التهمُ من كل نوع، ويُصَنَّفُوْنَ “إرهابيين” .. لا لذنب اقترفوه؛ وإنما لأنهم يكافحون من أجل استرداد حقوقهم . ولايقتصر الأمر على هذا الحدّ، بل تُزْرَعُ عراقيل ومتاريس لا تُزَال في السبيل الذي يسلكونه لطلب حقوقهم؛ فإن انزعجوا وفكّروا – مُجَرَّدَ تفكير – للانتصار لمشاعرهم التي جُرِحَتْ وتُجْرَحُ باستمرار؛ فضلاً عن أن يثأروا وينتصروا؛ فإنهم يُعْتَبَرُوْنَ “متطرفين” و “متشددين” و “عاملين بالعنف” و “متعاملين بالظلم”.
في هذه الدنيا الواسعة، وفي نواحي الأرض الكثيرة يُمَارِسُ المنتمون إلى غير الإسلام مع المنتمين للإسلام وغيره من الأديان من الظلم ما يُحَطِّمُوْنَ به الرقمَ القياسيَّ؛ ومن الوحشية ما لم يشهد العالم نظيرَه؛ ومن الاعتداءات ما يبتكرون له أساليب جديدة؛ لكن المجتمع الإنسانيّ لا يُسَمِّيهم باسم شائن؛ بل يسكت تجاه ذلك سكوتًا مُطْبـِقًا، أو يقعد بعد ما يلفظ ببعض الهراء الذي لايسمن ولايغنى من جوع، وكأنّ شيئًا لم يحدث.
فقد صنع بالأمس المنتمون إلى المسيحية المزعومة – التي تزعم أنها أحنّ على الخلق من الأمّ الحنون على وحيدها – ما تقشعر من ذكره جلود المتحدثين عنه، فضلاً عن جلود الذين شاهدوه بأمّ أعينهم؛ فقد قتَّلوا آلافًا مؤَلَّفَةً من المسلمين في البوسنه والهرسك، بعدما تناولوهم بكل نوع من الإيذاء والتعذيب الجسدي والروحي، ووَرَّوْهُمْ في خنادق بشكل جماعيّ، واغتصبوا آلافًا من الفتيات، ثم قتلوهن شرّ قِتْلَة، أو أَبْقَوْهُنَّ ليُرَبِّيْنَ في بطونهنّ أجنّة من نُطَف المسيحيين الخبثاء هؤلاء الذين هتكوا حرماتهنّ لمجرد أنهن مسلمات، فظنوا أنهم يثابون من ربهم على جرائمهم التي مارسوها معهن (!!) فظلن يتسكّعن على شارع الحياةَ يَتَجَرَّعْنَ الشعور بالعار والشنار . وما صنعه الأمريكان الفراعنة في زنزانات – أقفاص – “غوانتانامو” المظلمة الضيّقة المُزَوَّدَة بكل نوع من وسائل وأساليب التعذيب “المُبْتَكَرَةِ” التي لم تكن قد خطرت على قلب فرعون المتكبر الجبار الذي وَاجَهَ موسى عليه السلام بكبره وجبروته .. ما صنعوه لم يُطِقْ أن يصبر عليه ويتحمّله ويسكت عنه هذا العالم الذي تَعَوَّدَ أن يتعاطى بالنفاق والازدواجية في كل قضيّة تمس الإسلام والمسلمين، حتى إن اليهود المرابين والصهاينة المتفنين في الظلم والمكر والخديعة وأساليب استعباد العالم، لم يقدروا على أن يظلّوا صامتين؛ بل سمحوا لوسائل الإعلام التي يسيطرون عليها، أن تنطق ببعض الحق والصدق الذي لم يكن في صالحهم ولا صالح المسيحيّة المتصهينة .
وقد صَرَّح عدد من المسؤولين الأمريكان أنفسهم أن المسجونين في “غوانتانامو” كانوا أبرياءَ ولم يكن لهم ذنب وإنّما سُجِنُوا ظلمًا وعدونًا على أمر من “بوش” الابن الرئيس الأمريكي السابق الذي صنع ما لم يصنعه رئيس أمريكيّ .
وما حدث من تعذيب وتقتيل الأسرى من الطالبان في مقارّ التعذيب التي اتخذتها القوات الأمريكية بالتواطؤ مع “التحالف الشمالي” عميل الأمريكان الذي أفرزته الشيوعية والإلحاد، اللذان باضا وفرّخا في رؤوس كثير من الأفغانيين المنتمين إلى أعراق دخيلة على أفغانستان المسلمة .. ما حدث من ذلك بشكل “مُبْتَكَر” هو حديث أمس، يعرفه كل إنسان في العالم ويرثي لحالة الأمريكان العقليّة والنفسيّة، التي تشهد بخروجهم من حدود الإنسانية إلى حدود البهيميّة .
وما صنعته أمريكا في العراق باسم زرع الديموقراطية، ونشر العدل، ومكافحة الاستبداد، وتدمير أسلحة ذات دمار شامل، وإطلاق الحريات، واستعادة الحقوق الإنسانية .. ما صنعته باسم ذلك كله من الأفاعيل مع المسلمين العراقيين عبر سجن “أبوغريب” وغيره من السجون خصوصًا وعبرالسجن الكبير المتمثل في العراق كله عمومًا؛ من تقتيل الأبرياء، وتكسير عظام الشباب، وتعذيب السجناء والمعتقلين، وإهانة المناوئين في الرأي، وهتك حرمات المسلمات، وممارسة أشكال الأعمال الجنسية بأسلوب لا يعرفه إلاّ الشيطان الرجيم؛ وبالتالي عبر التقاط صور هذه المناظر البشعة، ثم الإعلان بها عبر أنظار العالم؛ حتى تتفرّج هي والعالمُ على إهانة أبناء الإسلام لهذا الحدّ المتناهي، وحتى “يتعظ” العرب كلهم أبناء المنطقة الواسعة بذلك، ويذعنوا لأمريكا المتصهينة في جميع ما تأمرهم به وتنهاهم عنه من أجل تحقيق مصالحها ومصالح الصهاينة، وإلاّ فإنّ مصيرهم هو مصير العراقيين و – من قبل – مصير الأفغان الأُبَاة .. ما صنعته من ذلك كلّه إنما يدلّ على شيء واحد ، وهو أن أبناء الثالوث والصهيونية لا يحسدون إلاّ أبناء الإسلام، ولا يكرهون إلاّ المسلمين، ولا يحنقون إلاّ على كرامتهم، ولا يحقدون إلاّ على حضارتهم، و لايشمئزّون إلاّ من ثقافتهم، ولايستهدفون إلاّ انتهاب مقدراتهم وثرواتهم الواسعة . إن ذلك هو المطلب الوحيد الذي من أجله يختلقون الحجج، ويتعلّلون بالأعذار؛ لكي يتمكّنوا من سحق المسلمين تحت رحى الظلم الوحشي والعدوان الفرعوني .
ولكنه ما أَدْعَىٰ للعجب أن أحدًا لا يتّهمهم بـ”الإرهاب” بل لايفكر في إطلاق هذا الاسم عليهم، فضلاً عن أن يسمّيهم بذلك فعلاً !.. إنّه لحديث أمس أنه حدث على هذه الأرض أن أبناء ديانة – يزعم أبناؤها أنّها أرأف الديانات وأرحمها – هجموا على مسجد أثري للمسلمين بحشد كبير وسَوَّوْه بالأرض على مرأى ومسمع من العالم كله ثم أقاموا مكانه، معبدًا موقتًا – مُتَحَيِّنِيْنَ الفرصةَ المناسبةَ التي يتمكنون فيها من إنشاء معبد مستقل شامخ مكانه يستعدّون له منذ سنوات عديدة، ولا يزالون – ونصبوا فيه تماثيل إلـٰـههم “راما” الذين يزعمون أنه وُلِدَ في هذا المكان بالذات ولاسيما في موقع المحراب المركزي للمسجد ومقصورة الإمام فيه!. وقد شارك في هدم المسجد كل من زعمائهم الكبار وقادتهم اللامعين – الذكور والإناث، وربما كانت بعض الزعيمات أسبق إلى اقتراف الشر وإثارة النار من الزعماء – مشاركة فعّالة، وقادوا وراقبوا و وجّهوا ركب المشاغبين المقتحمين المسجدَ الذين باشروا الهدمَ لآخر المطاف؛ ولكن أحدًا من أعضاء المجتمع العالميّ لم يفكّر في تسميتهم بـ”الإرهابيين” على حين إنهم “إرهابيّون” فعلاً بكل تفسير من تفسيرات الإرهاب التي تتخذها الدول والأمم لكلمة “الإرهاب” . إن وسائل الإعلام العالمية تابعت الحدثَ المؤلَم لحظةً بلحظة؛ ولكنها لم تتخذ لهم أيّ لائحة بالتهم الواقعيّة الصارخة التي لم تكن هي – وسائل الإعلام – بحاجة إلى كبير عناء للحصــول على الأدلّــة تجــاهها – التهم –. وكذلك لم تُدِنْهُمْ المحاكم الداخلية لحدّ الآن إدانةً واضحةً تكون عبرة لغيرهم من أكابر المجرمين الذين لا يزالون يُزَلْزِلُوْنَ البلادَ كلَّها بعمليّاتهم الطائفية الإرهابية التي تهدّد أمن البلاد وسيادتها .
بل إنهم ركبوا مطيّة الطائفية هذه إلى حكم البلاد من على منبر البرلمان المركزي ومن على منابر المجالس الإقليمية في عدد من الولايات . وكأن الطائفية المُطَعَّمة بالإرهاب جعلتهم مستحقين أن ينالوا جائزةً غاليةً تَمَثَّلَتْ في تكريمهم بإتاحة فرصة اعتلاء كراسي الحكم والسلطة في البلاد؛ فعاثوا فسادًا أكثر من ذي قبل وأفسدوا ودمّروا البلاد من جميع النواحي، وقلّدوا أكابر مجرميهم الوزارات الهامّة الحسّاسة في الحكومة المركزية؛ ليستغلّوها لتعذيب الأقلية المسلمة، ولزرع عراقيل في سبيل عيشهم كمواطنين متساوين مع أبناء البلاد من ذوي الديانات الأخرى . بل إن كبير وزراء ولاية كبيرة بالبلاد، وهي ولاية “غوجرات” قام بتفجير الاضطرابات الطائفية في فبراير 2002م وأشرف عليها ووجّه بشأنها، وأصدر تعليمات واضحة بتقتيل المسلمين وتدمير أحيائهم السكنية وقراهم وإحراق دكاكينهم ومصانعهم وإحراق شبابهم وفتياتهم بعد الاغتصاب الجماعي . فتمّ تشريد كثير من المسلمين من قراهم وقطاعاتهم السكنية في المدن والقرى الجامعة، ونُزِغَتْ منهم أراضيهم وممتلكاتهم، الأمر الذي صرخت له وسائل الإعلام المحلية والعالمية بشكل منظم أثبت جديَّتها في المتابعة ومصداقيَّتها في التعامل مع الأحداث . وبذلك كرّر الهندوس المتطرفون تجربة “البوسنه والهرسك” في غوجرات الهندية؛ إلاّ أن حَمَلَة لواء حقوق الإنسان في الداخل أو الخارج لم يدينوهم بشكل مُجْدٍ، ولم يعتبروهم “إرهابيين” ولم يوصوا بوضعهم في “غوانتانامو” هنديّة، حتى إنهم لم يقترحوا له لحد اليوم عقابًا لمدة سنوات “يليق بشأنهم” بل إن بعض زعمائهم الذي شغل منصب رئيس الوزراء بالأمس عندما أبدى بعضَ ندمه على ما ارتكبه كبيرُ وزرائهم المذكور من المجازر الوحشية ضد المسلمين، لم يألُ زعماؤهم العدوانيون جهدًا في تناوله بكل نوع من الإهانة، واتخذوا خطة صارمة لزحزحة رئيس الوزراء السابق عن المسرح؛ لأنّه نال من كرامة بطل “غوجرات” الذي أعلى من شأن الهندوس المتطرفين!!
غنيٌّ عن القول أن وسائل الإعلام تسيطر عليها الصهيونية العالميّة، فما يتسرّب عن طريقها إلى المجموعة البشريّة من أنباء الظلم الوحشي والاعتداء السافر الذي يُمَارَسُ مع المسلمين في العالم، إنما هو غيض من فيض. أي العالم لا يعلم من هذه الأنباء إلا تلك التي تطفح اتفاقًا و ينكشف عنها اللثام بشكل غير مُتَعَمَّد رغم تعمّد وسائل الإعلام السكوت عنها والتستّر عليها، وهنا لا يسعها أن تغضّ النظر عنها؛ لأنّ ذلك قد يقدح في موضوعيتها ومصداقيتها وحياديتها التي تطبّل لها كثيرًا وتحرص على أن تُعْرَف بها دائمًا، حتى تظلّ سارية المفعول في تحقيق الخدمات الثمينة التي تؤديها لصالح الصهيونية العالمية التي تتحكم فيها من أجل تحقيق أهدافها وحدها وتنفق عليها بلايين البلايين من الدولارات .
فلو أنّ الظلم الواقع على المسلمين اليوم في أرجاء المعمورة اطّلع عليه العالم بحجمه الصحيح ونوعيته الأصيلة، لما بقي أحد من قساة القلوب إلاّ رقّ ، ولما بقي أحد من غلاظ الطبع إلاّ بكى ، ولما بقي ظالم من الظلمة الطغاة إلاّ تفطّر قلبه وجرت الدموع من عينيه منهمرة، وهنا لايسع طبيبًا نطاسيًّا أن يجبر جروحَ وكسورَ أي مسلم مجروح ومكسور فضلاً عن العدد العريض من المسلمين المجروحين المكسورين الذين يتجرعون الأنّاث والآهات التي أصبحت هي غذاءهم ودواءهم معًا .
ما يحدث منذ الستين عامًا على أرض الإسراء والمعراج : أرض فلسطين المباركة من الظلم الذي لم يعرفه العالم مثالاً له منذ أن وُجِدَتِ الخليقةُ من قبل الصهاينة الغاشمين قتلة الأنبياء وأعداء الحق والإنسانية، لهو دليل صارخ على التناقضات العجيبة التي يمارسها المجتمع الدولي في شأن القضايا العالمية، كما أنه دليل صادق على الكيل بمكيالين ، الذي يمارسه هو: كيل لغير المسلمين وكيل للمسلمين . لم يترك الصهاينة أي طـريق مــن طــرق الاعتداء إلاّ جــرّبوه مع المسلمين، وصـار الاعتداء هو الغــذاء والدواء والهواء الذي يتعاطاه الفلسطينيون على أيدي الصهاينــة الذين يضــربون جهارًا ونهارًا وفي إهانة أيّ إهانة عرضَ الحائط جميعَ القرارات الأممية والتوصيات الدوليـة التي تُتَّخَذُ باستمرار ؛ فتبقى حبرًا على ورق طيَ الملفّات التي قــد لا تُفْتَحُ للأبد إلاّ لأجل تعداد القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة التي ظلت هي الأخرى تتسارع دائمًا إلى تنفيذ القرارات التي تكون على المسلمين، وتتباطأ أو تقعد عن تنفيذ القرارات التي تكون للمسلمين؛ لأنّها كما يعلم الجميع أيضًا منبر من منابر الصهاينة والصليبيين، ولم يَجْنِ منها العالم الإسلامي والعالم العربي إلاّ الشرّ والويل بشهادة التاريخ .
وفي داخل العالمين العربي والإسلامي أيضًا الوضعُ لايختلف كثيرًا بالنسبة للمسلمين عمّا في خارجهما؛ ففيهما أيضًا تتحكم الصهاينة والصليبيّون عن طريق عملائهما العلمانيين المتغرّبين المتنوّرين الداعين إلى الإسلام الأمريكي الغربي غير العربي المحمدي ، الذي ينسجم مع المصالح الصهيونية الصليبية والمواقف الغربيّة . وهو الإسلام الذي يسمونه “الإسلام المتزن” و “الإسلام المتسامح” و “الإسلام الطيب” و “الإسلام المنفتح” و”الإسلام المتفاهم مع الغير” ويعنون به الإسلام المائع الذي يمرق من أصوله ومن جذوره، ويكون خليطاً من قليل من الإسلام ومن كثير من غير الإسلام، ويرضى لأبنائه بالسجود لغير الله مع السجود لله، وبممارسة العبادة في معابد غيرالمسلمين مع أداء بعض العبادات في المساجد .
وهؤلاء العملاء هم الذين يحكمون اليوم معظمَ البلاد الإسلامية والعربية ، وهم أشدّ عداوة للمسلمين من اليهود والنصارى . وإذا خفّفنا الحدّةَ في التعبير، قلنا : إنهم لايقلّون عداوة للمسلمين عن اليهود والنصارى والذين أشركوا . ألا ترى أنهم جعلوا أرض بلادهم تضيق على المسلمين بمارحبت، إنهم اعتقلوا الإسلاميين وأسلموهم للأمريكان المتصهينين ليضعوهم في “غوانتانامو”، إنهم مهّدوا الطريق لتعذيبهم أشدّ العذاب، لا لشيء إلاّ لأنهم سجّلوا أي احتجاج قوليّ أو فعليّ ضد العدوان الصهيوني الصليبي على المسلمين في فلسطين وفي أفغانستان وفي العراق وفي غيره من أرض الله، أو طلبوا أن تُتَاحَ لهم الفرصةُ لأن يعيشوا حياة الإسلام في البلاد “الإسلامية” والعربية؛ فلا يُمْنَعوا – حسبما تأمر الصهاينة والصليبيون – عن الحجاب ولاعن التعليم الديني ولا عن بناء المساجد ولا عن الأعمال الخيرية، ولا عن إطلاق اللحى وقصّ الشوارب ، ولا عن الشارات الإسلامية . وهو وضعٌ أصبح اليوم عاديًّا ومُطّرِدًا في العالمين العربي والإسلامي، ويعلمه المجتمع العالميّ؛ فيفرح ويضحك من دهائه وسذاجة المسلمين الذين يقعون فريسة لمكره كل وقت!
إنّ هذا الوضع جعل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يتألّمون حقًّا ، ويزدادون سخطاً على الأعداء في خارج الصفّ وداخله معًا ، ويستشيطون عاطفةَ ثأر وانتصار للإسلام، ولاسيّما لأنهم يدركون أن المجتمع العالمي – الذي ينادى بالعدل والحق دونما سآمة – يتفرج مجرد تفرج ولايتحرك لتغيير هذا الوضع المزري الفاضح بل إنّه هو الآخر يتبادر إلى تصنيف المسلمين الذين يُبْدُوْنَ ايَّ احتجاج مشروع ضد الأمريكان والصهاينة وعملائهما “إرهابيين” و “من أعضاء القاعدة” ويوصى بمواجهتهم بكل نوع من الظلم والتعذيب والعقاب .
إن الوضع أصبح متفجرًا للغاية . ومن الواضح أن هذه الدنيا ليست ملكاً أو إرثًا للصهاينة والصليبيين أو عملائهما ورثوه أبًا عن جدّ، وإنما هي لله يورثها من يشاء من عباده ؛ ولكن هؤلاء الظلمة مغرورون بأنهم يرون أنهم الآن مُهْمَلُوْن لايُؤَاخَذون؛ غير أن الواجب الأوجب أن يدركوا أن أجل مؤاخذة الله إذا جاء لا يُؤَخَّرُ ولا يُنْجِيْهِم منها أيُّ نوع متطوّر من الأباتشي أو الدبابة الأمريكية أو القنبلة الصليبية الحسّاسة أو أي نوع من الأسلحة الفتاكة ذات الدمار الشامل التي يودّون أن يمتلكوها هم وحدهم ولا يمتلكها مسلم على وجه الأرض؛ لأنهم أبناء الملائكة المعصومين، فلا يستخدمونها إلاّ لنشر العدل وتحقيق الحق، أما المسلمون وهم أبنا البشر فلا يستخدمونها إلاّ لزرع الشر والدمار!!.
لايزال الظلمة طموحين متشجعين ، تتفاقم جراءتهم على الله وعلى كل من يدين لله ويعمل على إعلاء كلمته ، ولايُرَىٰ لحد الآن أيُّ أثر لأيّ انخفاض في جراءتهم على ارتكاب الوحشيّة ضدّ من يقول: ربنا الله . وما يزيدهم جراءةً بشكل أكثر هو أنهم يرون أن المسلمين رغم كل هذا الدمار والخراب والتضرر، لايزالون مُوَزَّعين في الرأي والفعل، لاتجمعهم رابطة، ولا توحّدهم آصرة، ولا يضمهم الشعور بالألم وعظم المسؤولية وضخامة المأساة وخطورة الموقف، وإنما يظلّون محتفظين بالمصالح الحزبية، والمكاسب الجماعية، والهوايات الفكرية، حتى في أحرج الساعات ومواقف الصراع بين الحياة والموت . وقـد يحدث أنه يُوْجَدُ فيهم بفضل من الله وحــده رجل عمــلاق ذكيّ يقــدر على التعامل مع قضايا الوقت ومشكلات العصر وعلى أداء الامتحان الناجح كلَّ النجاح للذكاء القومي ، فيدعو بقوة وحكمة وتعقّل إلى التضامن والاتحاد، ويكاد يكسب النجاح في ذلك ؛ ولكنه يُزَالُ عن الساحة إبّان ريعان سعيه، كما حدث للملك الصالح فيصل بن عبدالعزيز آل سعود (ش 13/3/1395هـ = 25/3/1975م) والجنرال محمد ضياء الحق (ش 3/1/1409هـ = 17/8/1988م) .
عادت الأبصار حسيرة حقًا في انتظار من يقول “لبيك” لمن يستصرخ ويستغيث من المسلمين في العالم كله بـ”يا معتصماه”. فإذا كانت صرخة امرأة مُعْتَدىً عليها قد هزّت كيان المعتصم باللهِ الخليفة العباسي المسلم الذي لم يكن قد شابَ إيمانَه شيءٌ كإيمان ملوك المسلمين اليوم في الأغلب إلاّ من رحمه ربّك؛ فإن مئات الآلاف من الفتيات المسلمات المُغْتَصَبَات هنا وهناك بأيدي الصهاينة والصليبيين والمشركين لاتهزّ اليوم أحدًا من الملوك المسلمين والقادة المُتَضَخِّمين صرخاتُهن المتتابعة الأليمة التي قد تجعل بعض الأعداء يرقّون لهن رغم قسوتهم . الشعوب الإسلامية سَئِمت الوضعَ، وعِيْلَ صبرُها، وضاقت صدورها، وسالت عيونها، وتحطّمت جسومها جروحًا، وتأذّت أرواحها بشكل لايقبل وصفًا ولا تعبيرًا . وهي – الشعوب الإسلامية – ضائعة تائهة على طريق الحياة تبحث عن قائد حكيم يتفق ومستوى الوقت ، وتتحسّس الجادة المستقيمة أو المسارَ الصحيح في شارع الحياة المظلم بدون دليل يهديها.
أمّا القادة والحكام المسلمون، فهم في الأغلب عملاء للغرب، يعيشون تبعيّة ذليلة له، ويعملون في إمعان وانقطاع تام وإخلاص كامل على تعهّد بذرته الاستعمارية الخبيثة بالسقي والريّ والتسميد ؛ حتى تعود شجرة باسقة فارعة الساق مترامية الأغصان، تؤتي أكلها كل حين . وبذلك كل مؤامرة من مؤامرات الصهيونية العالمية تتحقق تعود شجرة باسقة فارعة الساق مترامية الأغصان، تؤتي أكلها كل حين. على تهد بذرفي العالم كله عمومًا وفي ديارنا المسلمة خصوصًا بالكم والكيف اللذين تريدهما، وفي الوقت الذي يعنيها. وإلى جانب ذلك إنّ القادة والحكام يهرعون مسرعين في الجهة المعاكسة لمصالح الإسلام والمسلمين، ويمارسون صراعًا شديدًا مع العلماء والمتدينين ورموز الدين. وكلُّ ذلك قضى على كل ثقة بين القادة والشعب؛ لأن الشعب – خطأ أوصحيحًا – أيقنوا أن القادة عقلِيّتُهم معاديةٌ للإسلام بل تعمل على محاربة الإسلام، وأنهم يبدون مسلمين بالاسم والرسم، و ربّما ليسوا مسلمين في الحقيقة، وأن موقفهم من الإسلام والمسلمين يصدّق ذلك ؛ حيث إنهم يسبقون الأعداءَ في استئصال شافة الإسلام ومنع المسلمين عن مقتضيات الدين . على كلّ فالمسلمون لايجنون من هذا الموقف المؤلم إلاّ الخمولَ والجمودَ، والتخلفَ والتراجعَ، والشعورَ المتناهي بالشقاء والضياع؛ وإن الوضع لن يتغيّر إلاّ إذا تغيّر المسلمون، وتحوّلوا من موقف الضعف إلى موقف القوة والتضامن .
نور عالم خليل الأميني
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رجب 1431 هـ = يونيو – يوليو 2010م ، العدد : 7 ، السنة : 34