دراسات إسلامية

بقلم : الدكتور عبد الغفار عبد الرحيم

أستاذ التفسير بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة

نقرأ في كتبنا، ونتحدّث في مجالسنا، وندرس لطلابنا ونؤكد في دروسنا أن الصيام هدفه التقوى كما جاء في القرآن الكريم. وإذا كانت التقوى هدفًا لهذه العبادة الجليلة فإنه ينبغي علينا أن نتعرّف على التقوى أمرًا من الله وخلُقًا لمجتمعات المسلمين، وأن نرتاد مجالاتها في كلام النبوة. لنرى أن من الخطأ أن تقصر التقوى على أنها فقط هدف الصيام. وهذه محاولة لبيان معناها الواسع.

       من أخلاق القرآن ومكارم أخلاق الإسلام خُلُق التقوى الذي يعد بيقين معلمًا بارزًا من معالم الإسلام في بناء المسلم وتقويمه وتسديده على طريق الحياة، بغية السعادة والرشاد في الحياة وبعد الممات، لذلك اقترن الأمر بالتقوى بكثير من العبادات والعادات.

       والتقوى في تحليلها اللفظي من الوقاية وحفظ الشيء ممّا يؤذيه.

       يقال وقيت الشيء أقيه وقايةً ووقاءً – فوقاهم الله – ووقاهم عذاب السعير ومالهم من الله من واقٍ.

       والتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف. (أفاده الأصفهاني)(1).

       لقد كرم الله تعالى الأنبياء والمرسلين بأن جعل التقوى أصلاً من أصول أعمالهم وغرضًا بارزًا من أغراض دعوتهم وهدفًا من أهداف تربيتهم.

       فهذا نوحٌ عليه السلام يدعو قومَه إلى التقوى بنصٍّ واضحٍ وصريحٍ في قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الشعراء:105-110)

       ذكر الله تعالى هنا الأمر بالتقوى ثلاث مرات في خمس آيات لما يدل عليه هذا الخلق الكريم من اهتمامٍ وعنايةٍ في الذكر الحكيم بأمر رب العالمين.

       ومثل هذا يقال في شأن هودٍ مع قومه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء:124).

       وفي شأن صالح مع قومه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء:242).

       وفي شأن لوط مع قومه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 161).

       وفي قوم إبراهيم: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت:16).

       كذلك أقوام شعيب وإلياس وغيرهم من الأنبياء والمرسلين لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ (النساء:131).

في الأوامر الربانية

       هذا جانبٌ من الحديث عن هذا الخُلُق القويم كما نطق به القرآن الكريم، ودعت إليه سنّة محمد النبي الأمي الأمين.

       أما جانب الأوامر الربّانية عبادةً وفريضةً كما شرعها الله تعالى، فإننا نجد أنها لاتخلو من الأمر بالتقوى أو العمل لها، والسعي في سبيلها، كهدفٍ من أهداف تلك الأوامر والتشريعات.

       ذلك أن الصلاة كفريضة مكتوبة يقول الله تعالى فيها: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلـٰـوةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (الأنعام:72).

       فنحن واجدون هنا أمرًا ربّانيًا بإقامة الصلاة وبتقواه، فهذا يؤكد العلاقة بين ركنٍ من أركان وفرائض الإسلام وبين خُلُق عظيم من أخلاق القرآن ومكارم أخلاق الإسلام. ومثل ذلك في فريضة الصيام التي قرن بها الأمر بالتقوى لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:183).

       ولنا أن نقف هنيهةً عند إيحاء هذه الآية الكريمة، لنرى أن الغاية التي يتغيّاها الأمر بالصيام إنما هي في التقوى التي توقظ القلوبَ والبصائرَ والأبصارَ بمراقبة الله في كل حالٍ، فهي بذلك إنما تحرس النفوس والأرواح والأعضاء من المعاصي والآثام، لتصلح بذلك من علاقتها بالخالق جلّ وعلا، فهي إعدادٌ للنفوس، وضبط لها عن هواها، فتكون بذلك أقرب ما تكون مع المتَّقين المراقبين لاِطّلاع رب العالمين على أحوالِ وأقوال جميع المخلوقات من إنس وجن.

       فتراه في يقظة دائمة، وانتباه دائم لكل المغريات، ولجميع الشهوات والنزعات لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف:201).

       هذا البصر وهذه البصيرة يؤديان غرضًا أساسيًا في حياة وخلُق المسلم؛ لأنه بذلك يحمي نفسه مغبة الضلال والضياع بتقواه التي هي ثمرةٌ دانيةٌ من ثمار الصيام.

       مثل هذا يقال في شأن اقتران التقوى بالزكاة في قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف:156).

       وقوله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ (الليل: 17، 18).

       كذلك ارتباط التقوى بالحج وما فيه من أعمال وأقوال يُرتجى فيها تقوى الله. قوله تعالى: ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللهِ فَإِنَّها مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج:32).

       ولا يقتصر أمر علاقة التقوى بفرائض الإسلام؛ بل يتعدّاه إلى غيره من جوانب التشريع الإسلامي كله لقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:179).

       وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 130).

       هذه بعض نماذج توضح بجلاء طبيعة العلاقة بين الأوامر الربانية.

       والتقوى علاقة تقيم مجتمعًا خلص عمله لله وابتغى به تقواه، مجتمعًا تكاملت أخلاقه مع أعماله التشريعية، فإذا بنا أمام صرح حضاري متميز أقامه الإسلام وطبقه رجاله في صدر الإسلام، وضيعه خلفه من أبناء الإسلام لنرى ما وصل إليه حال الأمة في حاضرها، والله أعلم بما هو في مستقبلها.

       وإذا فتشنا عن العيب فلا ريب أن العيب في المسلمين لا في الإِسلام يقول (مصطفى صادق الرافعي) في كتابه إعجاز القرآن:

       “التقوى هي فضيلة أراد بها القرآن إحكام ما بين الإنسان والخلُق، وإحكام ما بين الإنسان وخالقه، ولذلك تدور هذه الكلمة ومشتقاتها في أكثر آياته الأخلاقية والاجتماعية . والمراد أن يتقي الإنسان كل ما كان فيه ضرر لنفسه أو ضرار لغيره لتكون حدود المساواة قائمةً في الاجتماع لاتصاب فيها ثلمةٌ، ولايعتريها وهن. وكل ما أصاب الاجتماع من ذلك فإنما يصيب الدين؛ لأن هذه التقوى هي مصدر النية في المؤمنين، فإذا اعتدوا ظالمين ولم يحتجزوا من أهوائهم وشهواتهم التي لا تألوهم خبالاً ولا تنفك متطلعةً منازعةً، فإنما ينصرفون بذلك عن الله، ويُغمضون في تقواه، ويترخصون في زجره ووعيده، فكأنهم لايبالونه ما بالوا أمر أنفسهم، وكأن ضمير أحدهم إذا لم يحفل بتقوى الله لايحفل بالله نفسه.. الخ. كلام الرافعي(2).

       ونحن على يقين من أن الزمان لايثبت على حال، فالسعيد من لازم فيه خُلُق التقوى التي إذا استغنى بها المسلم زانته وأغنته، وإن افتقر دعته إلى الصبر، فهي أمل السلامة في الخير والشر على السواء، وفي النعمة والضَّرَّاء. كما أنها باب من أبواب الجنة إن شاء الله تعالى.

       سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يُدخل الجنة قال: “تقوى الله وحسن الخلق” وما أكثر ما يدخل النار قال: “الأجْوَفانِ الفَمُ والفَرَح” (رواه البخاري ومسلم)(3).

       وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أولى الناس بي المتّقون مَن كانوا وحيث كانوا” (رواه أحمد وبمثل هذا السنة الصحيحة)(4).

       هذا لمن أراد دوام السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة؛ لأنه ما من عبدٍ مسلمٍ أطلق لنفسه العنان فيما يتنافى مع تقوى الله إلا وجد عقوبة ذلك عاجلاً أو آجلاً.

       ومن الغرور والفجور أن يسيء العبد فيرى إحسانًا عقب إساءته فيظن أنه قد سومح وذهبت إساءته مع النسيان، والله عز وجل يقول: ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ (سورة النساء الآية: 123).

       ويقول سبحانه: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف:49).

       وما أبلغ وأروع وأجمع هذا الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم من جاءه يسأل الوصية والموعظة، فقد روى أبوسعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوصني، قال: “عليك بتقوى الله؛ فإنها جماع كل خير، وعليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية المسلمين، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه نورٌ لك في الأرض وذِكرٌ في السماء، وأخزن لسانك إلا من خير؛ فإنك بذلك تغلب الشيطان”(5).

       والمسلم الذي يتخلّق بهذا الخلق الكريم على هذا النحو إنما يسمو بنفسه ويرضى بعمله من حيث عظّم الشارع أمر هذا الخلق، وجعله أصلاً من أصول الخير والبرّ والنجاة.

       لكن لايكون هذا إلا على أساس من فقه في الدين، ورغبة في مكارم أخلاقه، بحيث يجد الحافز والدافع إلى ملازمة أخلاق المتقين الذين تجعلهم التقوى على حذرٍ شديد وخوفٍ عميقٍ من الوقوع فيما لايُرْضِي الله، حتى يصل إلى أن يدع ما لا بأس به حذرًا مما به البأس، لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “لن يبلغ أحدكم أن يكون من المتّقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به البأس”(6).

الألفاظ والمعاني

       وتتوالى الآيات التي تحثّ وتدعو إلى التخلّق بخلُق التقوى كما مَرَّ بنا.

       من ذلك أيضًا ما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:21).

       فهذا نداء إلى التوحيد وعدم الإِشراك بالله شيئًا، وإفراده تعالى بالعبادة، والاعتراف بفضله وخيره. وكل ذلك يؤهل إلى التخلق بهذا الخلق الكريم “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ”.

       وهنا ملحظ لا ينبغي إغفاله في السياق – ذلك أنه ليس المراد من قوله تعالى “لَعَلَّ” الترجى كما قد يتبادر إلى الأذهان خصوصًا في الاصطلاح اللغوي. إنما المراد أن هذه الألفاظ وأمثالها تتغير معانيها المصطلح عليها إذا جاءت في جانب الله تعالى بما يتفق مع جلاله وعظمته وكماله، كما في (كان) من قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرًا﴾ (سورة الفتح – آية: 21).

       فليس المراد أنها فعل ماض؛ ولكنها تدل على الدوام والاستمرار. كذلك (لعل) فهي تعني هنا لكي تتقوا أيها المؤمنون.

       وهذا الفهم المتفق مع ما يجب لله تعالى هو الذي يرفع المؤمن، ويضع الكافر، ويجعل المتّقين فوق الكافرين، من حيث زُيِّن للكافرين في الحياة ما يدعوهم بجهلهم وضلالهم إلى السُّخرية من المؤمنين المتّقين، وذلك قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيـٰـوةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (البقرة:212).

       هذه الفوقية التي جعلها الله تعالى للمتقين تتضح أكمل وضوحٍ في قوله تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ﴾ (آل عمران:198).

       فهي جنة بهذا الوصف وهم أبرار بتقواهم.

في معية الله

       إننا أمام آيات الذكر الحكيم التي تتحدث عن التقوى نجد العلاقة الأكيدة بين الإيمان بالله تعالى والتقوى في آيات عدة.

       أخص بالذكر منها ما يحث على الإيمان بالله مع التخلق بهذا الخلق الكريم، بغية الوصول إلى حياة اجتماعية متكاملة الأخلاق، متناسبة الصفات، متسامية الأغراض، متباعدة عن المهالك والبوار والضلال. وذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف:96).

       وهؤلاء الذين اتقوا لاتقتصر سعادتهم على الدنيا وما فيها؛ ولكنها تمتد لتشمل الآخرة كذلك وما أعد لهم فيها حيث يقال لهم: ماذا أنزل ربكم فيكون الجواب جواب السعادة الغامرة والفرحة الشاملة:

       ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ (النحل:30).

       أي أنزل من الخير والرحمة والبركات ما يدعو كل مؤمن إلى الاستمساك بهذا الخُلق الكريم بل بكلِّ أخلاق هذا الدين.

       فإذا سألهم وما هي دار المتقين التي تتحدّثون عنها وماذا أعدّ فيها لهم حتى يعمل الناس من أجلها ويسعوا لها سعيها قالوا: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ (النحل:31).

       ولقد كان الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما يدعو بهذا الدعاء: “اللهم آتِ نَفْسي تقواها وزكّها أنت خيرُ من زكّاها أنت وليّها ومولاها”.

       لكن هؤلاء لايحرمون من هذا الخير العظيم في هذه الدار خاصّةً عند الوفاة، حيث تبشّرهم الملائكة بخير الجزاء لقاء خير العمل، كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النحل:32).

       وهناك شرفٌ دونه أي شرف، وعزٌ لا يدانيه عز، ذلكم هو أن الله تعالى من فضله وكرمه وبرّه يكون معهم بنصره وتأييده وتوفيقه، لقاء تقواهم وإخلاصهم وعملهم في طاعة ربهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (النحل:128).

       ذلك لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “من اتقى الله كفاه الله مؤنة الناس، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن تكره الموت وأنا أكره مساءته. ومن اتقى الناس ولم يتّق الله سلّط الله عليه الناس وخذله”(7).

       ولعل أجمع ما يفسر هذا الكلام من معية الله تعالى ومن كفايته ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل”(8).

أهل الجنة .. وأهل النار

       أما عن الموقف العظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. فهذا موقف مقارنة لو تأمله الناس مارضي إنسان مسلم بالتقوى بديلاً، ولا عن طاعة ربه تحويلاً، ذلك أن الناس يومئذٍ فريقان: فريقٌ يُساق إلى جهنّم سوقًا. وهؤلاء تُفتح لهم أبواب جهنم بدون تأخيرٍ تعجيلاً لهم، فبينما هم يدفعون ويساقون إذا بأبواب جهنم تُفتح لهم: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ (سورة الزمر – آية: 71).

       هذا هو الفريق الأول.

       أما الفريق الثاني فهم المتقون حيث يتّجهون إلى الجنة بأكرم استقبالٍ واحتفاءٍ، وذلك قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ (سورة الزمر – آية: 73).

       وعندما يأخذ أهل الجنة مكانهم فيها يكون حديثهم وكلامهم التحميد والتكبير والتهليل والتحدّث بنعم الله عليهم. ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (سورة الزمر – آية:74).

       حسبهم أنهم أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر. لايبولون، ولايتغوطون، ولايتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوَّة (أى عود البخور) وأزواجهم الحورالعين أخلاقهم على خلق رجل واحد. ولسائل أن يسأل هنا فيقول كيف يعيش هؤلاء في الجنة وكيف يكون نومهم وجلوسهم، يقول عنهم القرآن الكريم: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ (الزمر:20).

       عندما يأمر الله جل وعلا بالتقوى ويحض عليها إنما يكون هذا منه سبحانه لكي نصل إلى ما يصلحنا وينفعنا ويرفعنا.

       ولعل من أشل المواقف وأصعبها موقف القيامة وما فيه من أهوال وأحوال، هنا يربط الأمر بالتقوى وبالموقف العظيم برباط أكيد من شأنه أن يحفظ علينا أمننا وطمأنينتنا، ويذهب عنا الفزع الأكبر بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ سورة الحج آية:1).

       والذي يعنينا من هذا الربط بين التقوى وزلزلة الساعة أن تخفيف هذا الموقف على الناس إنما يتم بتقوى الله وما يتصل به من حسن المقال وصالح الأعمال، وهو الذي تعنيه الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (٧٠)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: 70، 71).

       وليس هناك من بيان في توضيح هذه الآية أوفى من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه القويم، فقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فلما انصرف أومأ إلينا بيده فجلسنا فقال: “إن الله تعالى أمرني أن آمركم أن تتّقوا الله وتقولوا قولاً سديدًا”. ثم أتى النساء فقال: “إن الله تعالى أمرني أن آمركنّ أن تتّقينالله وتقُلْنَ قولاً سديدًا”.

       وعن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا: من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله.

       قال عكرمة: القول السديد: لا إله إلا الله.

       وقال غيره: السديد الصدق.

       وقال مجاهد: هوالسداد.

       وقال غيره: الصواب.

       والكل حق. (هكذا ذكره ابن كثير في شرحه)(9).

       ولا إله إلا الله هي كلمة التقوى التي جاءت في قوله تعالى: ﴿وأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ﴾ (الفتح:26).

في كلام النبوة

       إن من جوامع الكلم ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة حين خطب الناس قائلاً: الحمد الله الذي أذهب عنكم عُتية الجاهلية، يعني كبرها وفخرها. الناس رجلان رجل تَقِيٌّ كريم على الله، وفاجر شقيٌ هيّنٌ على الله، ثم تلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (سورة الحجرات – آية: 13).

       ثم قال أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم (متفق عليه)(10).

       وجاء أعرابيٌ ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيما يغنيه في الدنيا والآخــرة، وكان السؤال الأول: أريد أن أكون أعلم الناس فقال صلى الله عليه وسلم: “اتّق الله تكن أعلَم الناس”(11).

       هكذا يضع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أصول هذا الخُلق في بيان يوضح الآيات التي وردت في الذكر الحكيم، ويفصل للناس ما يَعنُّ لهم من سؤالٍ أو نصيحةٍ أو موعظةٍ تدلّ على طريق المتقين وتبشّر المهتدين وتدعو الضالّين وتنذر الفاجرين الفاسقين.

       ونحن في رحتلنا مع الآيات الكريمات المتعلقة بهذا الخلق الكريم لانزال على الطريق نقطف من رياض القرآن ما يحيى القلوب والنفوس. يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحشر:18).

       فهذا تأكيد للآيات التي تحدثت عن يوم القيامة وعن المتقين، وكيف تكون نجاتهم في هذا اليوم العسير الذي يُحبس فيه الناس فلا يفوز هنالك إلا المتقون، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: “يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد فينادي منادٍ أين المتّقون فيقومون في كنف من الرحمن لايحتجب الله منهم ولا يستتر، فيمرون إلى الجنة لأنهم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة.

       فتقوى الله إذن من أعظم الأبواب إلى دار الكرامة والسعادة والقرار.

في الأدب الرباني

       إن الأدب الرباني الذي أدّب الله تعالى به عباده المؤمنين الصادقين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبقى أدبًا واجب الالتزام حيث هو خلق قرآني يعلم الأدب بالتقوى، ويجعلها من أعظم ثمراته وبركاته.

       فقد أنزل الله تعالى قرآنًا يتلى قال فيه أهل العلم: إنه أدبٌ أدَّبَ الله به عباده المؤمنين وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الحجرات:1-3).

       والآيات الكريمات تشير إلى وقائع ذكرت في الصحيح من رفع بعض الصحابة الكرام أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكنهم عندما نزلت هذه الآيات تأدّبوا بأدبها، والتزموا أمرها، وانتهوا عن رفع أصواتهم، حتى أنزل الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (سورة الحجرات – آية:3).

       أي أخلص الله قلوبهم، وجعلها أهلاً ومحلاًّ لتقواه، فهو امتحان وابتلاء، لا يفوز فيه إلا من تخلَّق بهذا الخلُق، أو سعى في الوصول إليه بكل عملٍ كريمٍ وأدبٍ مستقيم.

       أما الذين خابوا وخسروا بارتكاب ما لا يرضى ولا يكون به من المتقين، فقد جعل القرآن لهم وصفًا مناقضًا للتقوى وهو وصف الفجور. وذلك قوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 7-10).

       أما من رغب بنفسه عن هذا الطريق، واتجه إلى طريق المتقين، فهؤلاء هم المهتدون الذين بهدايتهم آتاهم الله تقواهم، وذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ (سورة محمد:17).

       وهنا نصل إلى حسن الثواب والنجاة من العذاب الذي أعده الله للمتقين ووعدهم به في دار اليقين وذلك في قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ (سورة محمد – الآية:15).

       هذا هو الجزاء الذي أعدّه الله للمتقين ولكل مَن تخلَّق بأخلاق هذا الدين وهو جزاء يستحق كل مسارعة إلى عمل الصالحين والاهتداء بهدي رب العالمين واتباع سنة أكرم المرسلين وخير خلق الله أجمعين.

       هذه المسارعة التي أعنيها قد وضحها القرآن الكريم وتوضيحًا حيث قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (سورة آل عمران – الآية: 133).

       وكأن سائلاً قد سأل هنا فقال: من هم المتقون وما هو عملهم الذي ينبغي المسارعة إليه وكيف نالوا هذا الجزاء العظيم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (سورة آل عمران – الآية: 134).

       والعاملون الذين قدموا من عملهم ما يؤهلهم إلى هذه الجنة يعلمون علم اليقين أنهم مجزيون بعملهم وسعيهم، وأن لهم في الجنة خيرًا وحالاً ومقالاً. قال تعالى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ (سورة النحل – الآية: 30-31).

       إن من يطمئن قلبه إلى حقيقة هذه المكارم، وهذه المعالم، لا يتردد لحظةً في الأخذ بهذه الأخلاق طلبًا لهذه الدرجات، وعملاً على إرضاء رب الأرض والسماوات، حيث يجلس أهل الجنة في الجنة في ظلالٍ وعيونٍ وفواكهَ ممّا يَشْتهون: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (سورة المرسلات – آية: 43، 44).

       فهل هناك كرامةٌ أعلى من هذه الكرامة بعد أن رفعالله قدرَ المتقين وجعلهم أكرم الناس عند الله.

       ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (سورة الحجرات – الآية:13).

       اتفقَ أهل العلم على أن آخر ما نزل من القرآن قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة – الآية: 281).

       تُرى هل أدّينا هذا الخلق الكريم حقّه من التفصيل والبيان لما له من أهمية كبيرة وصلة وثيقة بأعمال الناس جميعًا، وحاجتهم الماسة إلى تشرُّب أخلاقه في كل أحوالهم وفي ليلهم ونهارهم.

       إنها محاولة يفيد منها كل مسلم ويعمل بها كل متخلّق بأخلاق القرآن الكريم.

*  *  *

الهوامش:

معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ص 568.

ص 108-109 إعجاز القرآن ط 5 الاستقامة.

الترمذي بنحوه 4/524.

مسند أحمد ج5 رقم 235، وأبوداؤود – كتاب الفتن باب1.

مسند أحمد ج3 رقم 82.

الترمذي 4/547.

انظر: جامع الترمذي 4/478.

المصدر السابق 5/278.

انظر: تفسير ابن كثير – المختصر 3/117.

انظر: السيرة النبوية لابن هشام 4/413-414 مؤسسة علوم القرآن.

انظر: جامع الترمذي 4/478.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1430 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2009 م ، العدد : 10-9 ، السنة : 33

Related Posts