دراسات إسلامية

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

خلال القرنين الماضيين تولى رئاسة الولايات  المتحدة الأمريكية ثلاثة وأربعون رئيسًا بداية من “جورج واشنطن” الذي حكمها من عام 1789م وحتى عام 1797م ونهاية بجورج بوش الابن والذي تولى الحكم فيها عام 2001م، وفي خلال النصف الثاني من القرن الماضي على وجه التحديد حكمها عشرة رؤساءهم “هاري ترومان” من عام 1945م إلى عام 1953م، ثم “دوايت إيزنهاور” من عام 1953م إلى عام 1961م، ثم “جون كنيدي” من عام 1961م إلى 1963م، ثم “ليندون جنسون” من عام 1963م إلى 1969م، ثم “ريتشارد نيكسون” من عام 1969م إلى 1974م، ثم “جيرالد فورد” من عام 1974م إلى 1977م، ثم “جيمي كارتر” من عام 1977م إلى 1981م، ثم “رونالد ريجان” من عام 1981م إلى 1989م، ثم “جورج بوش” الأب من عام 1989م إلى 1993م، ثم “بيل كلينتون” والتي استمرت فترة حكمه منذ عام 1993م حتى عام 2001م.

       يُلاحَظ أنه لم يمض أي من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في الحكم أكثر من ثمان سنوات. وباستثناء كل من “جون كنيدي” والدوافع وراء مقتله، و”ريتشارد نيكسون” وسواء كان أقيل أو استقال والملابسات وراء ذلك، لم يتعرض أي من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الثاني من القرن الماضي لحادث قتل أو اغتيال، ولا إعفاء صحي ولا إجبار على الاستقالة ولم يتعرض أي منهم لانقلاب عسكري ولا لغيره من أسباب التنحي عن الحكم بالقوة والاستيلاء عليه من قبل آخرين كما حدث في كثير من الدول العربية؛ بل إن صناديق الانتخابات كانت هي الفيصل بين المرشّحين. كما يلاحظ إن كثرة تغير الرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن له تأثير سلبي على سير الحياة فيها ولا على الاستقرار السياسي والاقتصادي بداخلها، ولم تضطرب فيها أحوال البلاد ولا أحوال العباد، بل الأمور تسير فيها على خير ما يرام ومن الحسن إلى الأحسن.

       كما يُلاحَظ أنه عندما اقتربت مدة رئاسة الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الأب من الانتهاء والتي كانت لمدة أربع سنوات فقط بدأ يقود حملةً انتخابيةً لترشيح نفسه لمدة رئاسة ثانية، فالقانون الأمريكي لا يسمح بأكثر من مدتين متتالين وكل مدة لا تزيد عن أربع سنوات، وأنه لم يستغل وجوده في السلطة على رأس أكبر وأقوى دولة في العالم ليغير الدستور كي يسمح له البقاء في الحكم مدى الحياة أو لكي يسمح لابنه بتولي منصب الرئاسة خلفًا له، ولم تقتصر الساحة على بوش فقط؛ بل كان هناك وقتئذ أكثر من مرشح أكثرهم شعبية بل تفوقًا على بوش هو المرشح الديمقراطية بيل كيلنتون، طرح كل متنافس أفكاره وبرامجه وبذل جهده في كسب ثقة الشعب وإما أن ينجح وإما أن يخفق.

       والحالة العامة التي يعيشها الشعب الأمريكي والمستوى المادي بوجه خاص الذي يعيش فيه الغالبية العظمى منهم بالإضافة إلى أعمال أي رئيس تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والتي لو قام بأبسطها أي من حكامنا لصارت من الخوارق والمعجزات التي لم ولن تتحقق إلا بفضل توجيهات وعناية ورعاية هذا الرئيس الملْهَم دون غيره، ولتغنى بها الشعب في المناسبات، وأضيفت إلى المقرَّرات الدراسية وأصبح الإعجاب بها شرطاً لإنشاء الأحزاب والسماح بالديمقراطية أو أضيفت إلى الدستور إلى غير ذلك من الأمور التي تثير السخرية أكثر مما تثير من الإعجاب. هذه الأعمال وهذا المستوى المعيشي للأمريكان يسمح للمواطن الأمريكي بلا تردد أو تأني في التفكير أن يعيد اختياره لأي رئيس سابق، وعلى الرغم من ذلك فإن الرأي العام الأمريكي لم يسارع إلى مبايعة هذا أو ذلك ولم يقم حلقات ذكر للإنشاد بأعمال الرئيس ولم يسدل عليه آيات المدح وقصائد الغزل ومواويل الثناء ولم يقابله بالخطب الرنانة والتصفيق الحاد والهتافات التي تعلن النفاق لا التأييد من رجال مأجورين لا متطوعين. ينسى الرأي العام الأمريكي إنجازات أي رئيس وينسى خبرته في الحكم ويبدأ يعامله كمرشّح عادي في مواجهة مرشّحين عاديين، عليه أن يسعى إلى الإقناع دون أن يساوره شك بالفوز بالانتخابات لمجرد أنه كان رئيسًا أو نائب رئيس؛ فالرئيس “بيل كيلنتون” وقت أن رشّح نفسه كمنافس لجورج بوش الأب لم يكن قد سبق له تحمل أية مسؤولية ذات بال على المستوى الفيدرالي، وكان من الممكن أن ينافسهما آخر لم يكن له أي نشاط سياسي من قبل، وبعد فترتين انتخابيتين تولاهما “بيل كلينتون” أتت صناديق الانتخاب بجورج بوش الابن.

       وفي فرنسا لوحظ وجودُ أكثر من مرشّح يتنافس كل منهم على منصب الرئاسة، كما لوحظ مرور الانتخابات بأكثر من مرحلة لتحديد الفائز، وفوز هذا أو ذاك لم يقلل من كفاءة الآخر ولم يشكك في ولائه وانتمائه وحبّه لبلده ولم يضف على الآخر تهمة العمالة لدول أجنبية أو غيرها من الاتهامات. كما لوحظ وهو الأهم الاعتراف بنسبة وعدد من حضر الانتخابات وأدلى بصوته ولهذه النسبة مؤشِّرات هامة منها، فهي دليل وعي الشعب واهتمامه بقضايا بلاده واطمئنانه على سير الانتخابات وثقته في نزاهتها وفي الناخبين وفي الساسة ومدى إيجابياتهم وإخلاصهم في خدمة بلادهم، كما أنها دليل عن رضا أو عدم رضا الناخبين عن الأوضاع السائدة في البلاد.

       ففي الانتخابات الرئاسية عام 2002م والتي فاز بها “جاك شيراك” لم يكن هذا بالفوز السهل ولم يكن بنسبة 999و99 في المائة فقد كانت الانتخابات من جولتين أظهرت نتائج الجولة الأولى حصول الرئيس اليميني “جاك شيراك” زعيم حزب التجمع من أجل الجمهورية على نسبة تتراوح بين 7و19 في المائة إلى 20 في المائة ليحتلّ المركز الأول، يليه “جون ماري لوبان” زعيم الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بنسبة تترواح بين 17 إلى 9و17 في المائة، في حين خرج “ليونيل جوسبان” من السباق بحصوله على المركز الثالث بنسبة تتراوح بين 8و15 إلى 16 في المائة، وأشارت النتائج كذلك إلى حصول كل من “فرنسوا بايرو” اليميني على 8و6 في المائة، و”ارلت لاجيه” زعيمة اليسار المتطرف على 9و5 في المائة، و”نوال مامير” زعيم حزب الخضر على نسبة 1و5 في المائة، وهي نفس النسبة التي حصل عليها “جان بيير شوفانمون” زعيم وسط اليسار. وقد شهدت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في فرنسا إقبالاً ضعيفًا من الناخبين فقد بلغت نسبة المشاركين بحسب وزارة الداخلية 61و50 في المائة، وهي أقل من نسبة المشاركة في انتخابات عام 1997م والتي بلغت 51و54 في المائة. وقد خاض الرئيس الفرنسي “جاك شيراك” و”جان مارى لوين” يوم 5 مايو عام 2002م سباق الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية حيث فاز “شيراك”. وفي عام 2007م رفض الرئيس “جاك شيراك” ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية مرةً أخرى، وتسابق على مقعد الرئاسة كل من “نيكولا ساركوزي” مرشح اليمين، و”سيجولين رويال” مرشحة اليسار، و”فرنسوا بايرو” مرشح الوسط، و”جان ماري لوبين” رئيس حزب الجبهة الوطنية مرشح اليمين المتطرف، وقد أظهرت النتائج الجزئية المبنية على استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية الفرنسية تأهل كل من “ساركوزي” و”رويال” إلى الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسية، حيث حاز ساركوزي على 30٪ من أصوات الناخبين، بينما حصدت رويال 25,2٪ من الأصوات، أما “فرنسوا بايرو” فقد حاز على 18,3٪ من الأصوات، بينما حصل “جان ماريَ لوبين” على 11,5٪. وأسفرت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية التي أجريت يوم السادس من مايو عام 2007م عن فوز “نيكولا ساركوزي” على “سيجولين رويال” بحصول على نسبة حوالي 53 بالمئة من الأصوات، وقد بلغت نسبة الاقتراع 85٪.

       وفي بريطانيا وخلال النصف الثاني من القرن الماضي فاز حزب العمال في أول انتخابات عامة أجريت عام 1945م وفي عام 1950م تمكن حزب العمال من الاحتفاظ بالسلطة، وفي الانتخابات الثالثة عام 1951م تمكن “وينستون تشرشل” وحزبه حزب المحافظين من إلحاق هزيمة بحزب العمال، وفي انتخابات عام 1955م تمكن المحافظون من الفوز في الانتخابات مرتين على التوالي وفي الوقت نفسه تخلّىٰ “وينستون تشرشل” عن زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء مفسحًا المجال للسير “أنتوني إيدن”، وفي عام 1959م فاز حزب المحافظين لثالث مرة على التوالي وتزعمه هذه المرة “هارولد ماكميلان”، وفي عام 1964م تمكن حزب العمال من العودة إلى السلطة تحت زعامة “هارولد ويلسون”، وفي عام 1966م أعيد انتخاب رئيس الوزراء العمالي “هارولد ويلسون”، وفي عام 1970م فاز ادوارد هيث. وفي فبراير من عام 1974م واجه البريطانيون أول برلمان متعادل لايتمتع فيه أي حزب بأغلبية حاسمة. وفي ظل زعامة “مارجريت تاتشر” لحزب المحافظين، والتي أصبحت أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، تمكن المحافظون من الفوز بالانتخابات ثلاث مرات متتالية عام 1979م وعام 1983م وعام 1987م، وفي انتخابات عام 1992م تمكن “جور ميجور” من توسيع انتصارات المحافظين الانتخابية إلى أربعة انتخابات متتالية، وفي انتخابات عام 1997م تمكن حزب العمال بقيادة “توني بلير” من العودة إلى السلطة بعد ثمانية عشر عامًا في المعارضة، وفي عام 2001م حقّق رئيس الوزراء “توني بلير” الفوز بفترة ولاية ثانية. تشير أحداث الانتخابات البريطانية إلى أن تداول السلطة في بريطانيا يتم بين حزبي العمال والمحافظين وهذا لم يمنع من وجود تنافس من أحزاب أخرى كالأحرار والديمقراطيين الاجتماعيين، وفي أغلب الانتخابات يكون هامش الفوز ضيقًا، وهذا لم يمنع من وجود برلمان متعادل لايتمتع فيه أي حزب بأغلبية حاسمة كما حدث في فبراير من عام 1974م، وفي المرات التي فاز فيها حزب العمال أو حزب المحافظين لم يتسن لأي من رئيسهما أن يمكثا في الرئاسة أكثر من مرة باستثناء “هارولد ويلسون”، و”توني بلير” في حزب العمال. ومارجريت تاتشر في حزب المحافظين التي مكثت إثنى عشر عامًا في الحكم وهي أطول فترة مكثها رئيس ورزاء بريطاني في الحكم. فيا ليتنا نعتبر!!

المراجع:

http://www.a”jazeera.net/in-depth/power-in-arab-world/2001/8/8-19-1.htm

http://www.suhuf.net.sa/1999jaz/jul/25/ful.htm

http://www.suhuf.netsa/2000jaz/feb9/fe3.htm

http://www.albayan.co.ae/albayan/1999/02/12/sya/30.htm

http://www.alsaha.com/sahat/forum1/html/003053.html

http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/alahadath2000-10/alhadath18.a…

http://www.suhuf.net.sa/2001jaz/jan/20/fu2.htm

http://www.suhuf.net.sa/2000jaz/nov/15wt2.htm

http://www.al-jazeere.net/news/europe/20002/6/6-9-3.htm

http://www.hollvpal.com/artman/publish/printer-378.shtml

http://arabic.com.enn.com/2002/world/4/24/le-pen-europe/

http://www.suhuf.net.sa/2001jaz/jun/8/wt30htm

http://www.bbc.co.uk/arabic/uk-election-arabic/uk-election-battles-arabic/1997.shtr…

Encyclop? Dia Britannica

The country studies

Rulers

World statesmen

Inforplease

موسوعة مقاتل دول ومدن وأماكن مشهورة – بعض المواقع الرسمية للدول العربية

أنماط الاستيلاء على السلطة في الدول العربية دراسة في الأساليب 1950-1985 صلاح سالم زرتوقة الأسر الحاكمة في الإسلام دراسة في التاريخ والأنساب تأليف كليفورد. أ. بوزورث

*  *  *


(*)     6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

     الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

     الجوّال : 0101284614

      Email: ashmon59@yahoo.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند .  صفر – ربيع الأول 1430هـ = فبراير – مارس  2009م ، العـدد : 2-3  ، السنـة : 33

Related Posts