كلمة المحرر

        استبشر العالم الإسلاميّ كلُّه من الشرق إلى الغرب باتفاق مكة التاريخي بين >فتح< و>حماس< الذي تمّ بمساعي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله وتحت رعايته ، والذي صدر البيان النهائي عنه يوم الجمعة 9/ فبراير 2007م الموافق 20/ محرم 1428هـ بالتقويم الهندي .

        وهذا الاتفاق البنّاء يُعَدُّ بحق في الأوساط الإسلاميّة كلّها حدثاً تاريخيًّا ؛ لأنّه قطع الطريق على حرب أهلية مدمرة بين الفلسطينيين ، كان يخاف المسلمون عواقبها الهائلة في العالم كلّه . إنَّ الاشتباكات التي تَبَادَلَها رجال >فتح< و رجال >حماس< فيما بينهم ، وأسفرت عن قتلى وجرحى ، كان مبعثها دونما شكّ صنيع كل من إسرائيل وأمريكا اللتين حرَّشتا بين الإخوان بأكثر من حيلة مارستاها لتأجيج النار وإشعال الأوار .

        وكان من المفارقات الغريبة أن أمريكا التي تُطَبِّل دائمًا للديموقراطيّة المزعومة حاربت الديموقراطية التي مارسها الفلسطينيون فانتخبوا الحماسيين لإدارة الحكم والسلطة ، فلم ترضهم أمريكا ولا إسرائيل اللتان لا ولن يرضيهما أن يمثل الفلسطينيين من يُعْرَفُونَ بالإسلاميّة ويتبنّون نظرية تحرير فلسطين بالجهاد والنضال ولا يعترفون بدولة إسرائيل التي زُرِعَتْ في داخل فلسطين بمؤامرة من القوى الغربيّة .

        كانت أمريكا وإسرائيل تودّان أن تنجح في الانتخابات >فتح< العلمانية الرافضة لإسلامية القدس وعربيتها ، الخاضعة دائمًا ومنذ اليوم الأوّل لإملاءات أمريكا وضغوط إسرائيل ؛ لأنها لا ترى قضية فلسطين إلاّ قضية التراب والطين ، ولا تراها قضية العقيدة والدين . بينما >حماس< تعتبرها قضية الإيمان والعقيدة .

        من هنا ظلّت أمريكا تفرض عليها الحصار الاقتصادي الشديد الذي جعل الشعب الفلسطيني يئنّ تحته جوعًا، ومرضًا ، وفقرًا في سائل الحياة اللازمة . حتى تضطرّ حماس للتخلي عن الحكم لصالح >فتح< . حتى أعلنت فتح إعادة إجراء الانتخابات ، مما أثار الاشتباك بين الفريقين وأيقظ السخط العامّ بين الشباب المنتمي إلى حماس .

        وبعد ما تمّ إعلان اتّفاق مكة لم تزل ولا تزال كل من إسرائيل وأمريكا مُصِرَّة على أنها لن تتعامل أبدًا مع حكومة فلسطينية ائتلافية تشارك فيها >حماس< الإرهابيّة .

        فامتحانُ الشعب الفلسطينيّ لم ينتهِ بعدُ ، لأن أمريكا وإسرائيل مستمرتان في ممارسة ضغوط شديدة على محمود عباس – الرئيس الفلسطيني الفتحي العلمانيّ – لإفشال الاتفاق وتفريغه من معنويته وتحويله مُلْغىً حتى لايتوصّل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع >حماس< .

        إن الأيام القادمة لحظة اختبار لكل من الفريقين الفلسطينيين ولاسيّما لأبي مازن محمود عباس ؛ حيث إن الشعوب المسلمة في العالم يترقب بفارغ الصبر أن يتمّ تشكيل هذه الحكومة التي تم الاتفاق عليها بمكة المكرمة ، حتى يتأتّى حقن الدماء الفلسطينية ، بينما الأمريكان والإسرائيليون يتمنّون للفريقين الإخفاق في تحقيق هذا الغرض النبيل .

        اللهم اخذل الأعداء الكفرة الفجرة ، واجعل كيدهم في نحورهم ، ووفّق الإخوان الفلسطينيين ما تحبه وترضاه من الاتحاد والاتفاق والوئام ليغيظ بهم الأعداء الخبثاء .

[التحرير]

(تحريرًا في الساعة 11 من يوم الأحد : 13/ صفر 1428هـ = 4/ مارس 2007م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول 1428هـ = أبريل  2007م ، العـدد : 3 ، السنـة : 31.

Related Posts