كلمة العدد
الحرب الأمريكية على الإرهاب ، حرب صهيونية مسيحية على الإسلام بكل تأكيد . ومن يشكّ في هذه الحقيقة بشكل ، يخادع نفسه ويحاول أن يخادع غيره ، ويؤكّد للعالم كونَه أبله وأجهل بواقع الأمر وأجرأ على تجاهل الحقائق الصارخة . إنّ هذه الحرب تخوضها أمريكا نيابة عن إسرائيل ، لصالح إسرائيل ، على نفقتها هي الباهظة ، وبالتضحية بأبنائها وقواتها ، وبإساءة سمعتها في العالم عمومًا ولدى المسلمين : عربًا وعجمًا خصوصًا ، وبشراء كراهيةِ المسلمين وعدائهم اللذين لن ينتهيا أبدًا . فلماذا تصنع ذلك ؟ ، أهي مجنونة ، أم هي مصابة بداء الأنانية الزائدة والشعور بالعلو ؟ أم هي متورطة في فخ منصوب من قبل من تراه صديقًا وهو عدوّ حنق ، أم هي مبتلاة بكل ذلك وغيره في وقت واحد ؟ إن الإجابة عن ذلك التساءل والاستغراب سيقرؤها القارئ في السطور التالية :
الذين يعلمون مكرَ اليهود ؛ وقدرتَهم على نسج الدسائس والمؤامرات من أجل السيطرة على العالم ؛ وتفنّنَهم في ترخيض دماء البشر ولاسيّما المسلمين بشكل أكثر من ترخيص الماء ، ويعلمون – إلى جانب ذلك – تحكمهم في إدارة الحكم والسلطة في أمريكا عن طريق تسلطهم على وسائل الإعلام ومصادر الثروة والإنتاج ، يعلمون الحقيقة المذكورة علمًا مؤكّدًا ؛ ولا يستغربونها ؛ ولكن الاستغراب «يستعبد» الجاهلين بالحقيقة ولاسيما قادة بلادنا وحكّامنا المخدوعين الذين يعملون دائمًا على مخادعة شعوبهم ، والذين يحسبون هذه الحقيقة هذيانًا من العلماء والمفكرين والكتاب المسلمين «الأصوليين» «المتشدّدين» الذين يُسْكِرون رجال الشارع المسلمين المعجبين بهم بأفكارهم المتطرفة التي لاتماشي العصرَ الحاضر المتنوّر المتقدم الذي يرفض الإسلام الرجعيَّ المُدَوَّن في الكتاب والسنة كل الرفض !.
مصدر الشر والبلاء في أمريكا «الصهيونية المسيحية» التي وَلَّدتها الصهيونية اليهودية . إن الصهاينة اليهود الذين سيطروا في أمريكا على مقاليد الحكم ومفاتيح السياسة بحيث إن أي رئيس أمريكي وأي مسؤول عن موقع حساس في أمريكا لايسعه أن يتجاهل إملاءاتهم ، قد تحكّموا في عقول العدد الكبير من الأمريكان ، حتى جعلوه يتصهين مثلَهم ، ويرضى بالإيمان بمعتقداتهم الخرافية ، وأكّدوا له أن المسيحيين واليهود أشقاء في العقيدة والهدف والمصير ، وأنهم جميعًا شعب الله المختار ، وأنهم جميعًا رضيهم الله لتحقيق مشيئته على الأرض ؛ فهم جميعًا – اليهود والنصارى – أرفع من جميع البشر سواهم ، وغيرهم تفاهة وخواء بالنسبة إليهم ؛ فمن أجل تحقيق مشيئة الله على الأرض يجوز لهم أن يخدعوا غيرهم ، ويستغلّوهم ، ويستهزؤوا بهم ، ويسيؤوا إليهم ، ويقتّلوهم تقتيلاً ، ويسخروهم تسخيرًا . إن الصهاينة المسيحيين تشبّعوا بأفكار ومعتقدات الصهاينة اليهود ؛ فهم جميعًا يؤمنون أنه يجب عليهم أن ينصروا الله ، فيصبحوا عضوًا سياسيًّا واجتماعيًّا لإسرائيل ، فيكوا يدًا واحدةً على تحقيق رسالات الله ، ولا يكتفوا بتحقيق المشروع الإنجيلي عن طريق جسم المسيح .
يقول القل ًا واجتماعيًّا لإسرائيل ، فيكوا يدًا واحدةً على تحقيق رسالات الله ، ولا يكتفوا بتحقيق المشروع الإنجيلي عن طريق جسم المسيح .س الكبير «والتر ريغانس» (Walter Reggans) وهو من المفكرين الكبار لدى الصهيونية المسيحيّة :
«إن الصهيونية التوراتية التي هي بالتأكيد أمنيةُ كل مسيحيّ ، تتعلّق بشكل أساسيّ بالله وبأهدافه . ولذلك تُفْهَمُ الصهيونية من خلال الرؤية المسيحية ، على أنها جزء من اللاهوت الديني ، وليست جزءًا من السياسة .. وأن دولة إسرائيل هي مجرّدُ البداية لما يفعله الله من أجل الشعب اليهودي ومن خلال الشعب اليهودي» (الدين في القرار الأمريكي ، تأليف الأستاذ محمد السمّاك ، ص: 17 ، ط: 1424/2003م ، دارالنفائس بيروت – لبنان) .
ويقول :
«إن من واجب المسيحيين ليس دعمُ إسرائيل فقط ، وإنّما عليهم دعمُ سياستها أيضًا . وهذا يعني أنّ عليهم من حيث المبدأ ، دعمُ إسرائيل باعتبارها إشارةً إلهية لرحمة الله واستجابة لإرادته، وعلى أنّها تشكّل إشارة توراتية بأن الله منشغل جدًّا في قضايا هذا العالم» (المصدر نفسه) .
وتلتقي الحركتان : الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية حول مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى . فيقول الحاخام شلومو أفينري:
«علينا أن لاننسى أنّ الهدف الأسمى من تجميع اليهود من المنافي ومن إقامة دولتنا (إسرائيل) هو بناء الهيكل . إن الهيكل يقع في رأس الهرم» (يد الله للكاتبة «غريس هالسيل» بالإنجليزية . ترجمة الأستاذ محمد السماك بالعربية، ص 71، ط: 1 ، دارالشروق ، القاهرة 2000م) .
وقد كشفت الكاتبة الكبيرة الراحلة «غريس هالسيل» (Grace Halsel) عن الصهيونية المسيحية وويلاتها وشرورها ، وفعلها الأفاعيل في عقول وقلوب الأمريكان . وألّفت كتابين عن ذلك : «النبوءة والسياسة» (Prophecy and Politics) و«يد الله» (Forcing God’s hand) وكانت قد عملت في البيت الأبيض كاتبة لخطابات الرئيس الأسبق «ليندون جونسون» . وحسبما كتبت إن الحركة الصهيونية المسيحية في أمريكا تتمتع بحضور إعلامي قويّ لا يُقَاوَم ؛ حيث تمتلك وتشرف على 100 محطة تلفزة ، وعلى 1000 محطة إذاعية، وأنها تتمتع بانتشار واسع النطاق ، حتى تبدو أكثر الكنائس الأمريكية توسّعًا ؛ إذ يعمل في ميدان التبشير 80 ألف قسيس ، وفي حقبة الثمانينات وحدها تمّ إنشاء 250 مؤسسة وجمعية دينية أمريكية مؤيدة لإسرائيل في إطار برامج الصهيونية المسيحية . (يد الله ، ص 158) .
وقد أكّدت الكاتبة أن للحركة حضورًا قويًّا في بريطانيا أيضًا . كما صرّحت في ضوء الوثائق أن معظم الأساقفة الكبار في أمريكا منضمون للحركة ومؤيدون لها ، وأن قراءة خاطفة لعناوين بعض الكتب الواسعة الانتشار، التي ألّفها هؤلاء القساوسة ، تعطي فكرة عن مدى تشدّدهم في ربط الفكر الديني بالموقف السياسي من إسرائيل ومن القضية الفلسطينية .
وقد قال بعض قادة الحركة إن أتباعها في الولايات المتحدة وحدها يبلغ 100 مليون . ومن بين الجمعيات والمنظمات ذات الفعّاليّات الواسعة : «الائتلاف الوطني الموحّد من أجل إسرائيل» ، «السفارة الدولية المسيحية» ، «أصدقاء إسرائيل المسيحيون» ، «جسور السلام». وهذه المنظمات والجمعيات عددُ المنتمين إليها يبلغ 40 مليون شخص .
الصهيونية المسيحية تعمل ليلَ نهارَ على ترويج نظرية «اليهود شعب الله المختار» وأنهم سوف يتحوّلون إلى المسيحية لدى عودة المسيح. لقد كان «وليم بلاكستون» (William Blackstone) اللاهوتي الأوّل في الولا الأوّلone)إلى المسيحية لدى عودة المسيح. يات المتحدة الذي عمل على تفسير الأحداث السياسية الراهنة في زمانه في ضوء التأويلات التوراتية ، وأكّد على نظريّة حق اليهود التوراتي في فلسطين وأنهم سوف يزدهرون هناك . وكان الصهيوني المسيحي الأول الذي عمل من أجل القضيّة الصهيونية اليهودية . وذلك من خلال إيمانه بأن الحركة الصهيونية هي إشارة العودة الحتمية للمسيح . وكان هذا القسّ هو الذي تمكّن لأول مرة من جمع تواقيع 413 شخصية مسيحيّة ويهوديّة أمريكية – كان من بينها جون و وليم روكفلر (John and William Rockefeller) – على مذكرة رُفِعَتْ إلى الرئيس الأميريكي آنذاك «بنجامين هاريسون» (Benjamin Harrison) تطالب بعقد مؤتمر دولي من أجل إعادة اليهود إلى فلسطين (American Messianic International, 1978).
وزاد الطينَ بلّةً انضمامُ الساسة الأمريكان وعلى رأسهم رؤساء الولايات المتحدة إلى هذه الحركة . وكان الرئيس «ليندون بى جونسون» (Lyndon B. Johnson) مواليًا أشدّ الولاء لهذه الحركة ، حتى قال في خطابه عام 1968م أمام منظمة يهودية أميريكية :
«إن لأكثركم – إن لم يكن لجميعكم – روابط عميقة مع أرض وشعب إسرائيل ، كما هو الأمر بالنسبة إليّ . ذلك لأن إيماني المسيحي انطلق من إيمانكم . إن القصص التوراتية محبوكة مع ذكريات طفولتي ، كما أن الكفاح الشجاع الذي قام به اليهود المعاصرون من أجل التحرر من الإبادة منغمس في نفوسنا».
أما الرئيس «جيمي كارتر» (Jimmy Carter) – الذي كان يعتنق عقيدة الولادة الثانية (Born Again) – فقد اعترف بأن مشاعره المؤيدة للصهيونية كانت الحافز الذي صاغ سياسته في الشرق الأوسط . ووصف دولة إسرائيل بأنها العودة إلى أرض التوراة التي أخرج منها اليهود منذ مئات السنين ، وإن إقامة الأمة الإسرائيلية في أرضها هو تحقيق لنبوءة توراتية ، وهي تشكّ إلى أرض التوراة التي أخرج منها اليهود منذ مئات السنين ، وإن إقامة الأمة الإسرائيلية في أرضها هو تل جوهر هذه النبوة .
وكان الرئيس «رونالد ريغان» (Ronald Reagan) من أشدّ الرؤساء الأمريكيين المتأخرين التزامًا بعقيدة الصهيونية المسيحية . واعْتُبِرَتْ فترة رئاسته «الفترةَ الذهبيةَ» للصهيونية المسيحية وانتشارها ورسوخ جذورها في أمريكا؛ فقد قامت في عهده إدارة أمريكية أشدّ تأييدًا لإسرائيل في تاريخ أمريكا . وكانت عناصر الإدارة مكونة من غلاة الصهاينة المسيحيين . وعلى عهده لَعِبَ القسّ «بات روبرتسون» (Pat Robertson) دورًا فعّالاً للغاية في جذب الساسة كلهم أو جلهم إلى الصهيونية المسيحية .
ويرى بعض المعلقين الخبراء أن الرئيسين «جورج بوش الأب» (George Bush – Snr.) و«بيل كلنتون» (Bill Clinton) كانا يتصفان بنوع من الاعتدال فيما يتعلق بالالتزام بالصهيونية المسيحية ؛ حيث ظلّ قادة الحركة قلقين جدّا على خفة ولائهما لها ؛ ولكنّ دورَها عاد فعّالاً جدًّا في عهد الرئيس «جورج بوش الابن» بشكل انفجاريّ. وعاهد سدنةُ الحركة على تسوية الحساب الماضي ، وعلى تسخير المسيحية لليهودية تسخيرًا يجعل الأولى جارية ذلولاً للثانية للأبد ، وتتخذ عقيدتها عقيدةَ اليهود تمامًا ، وتتعبّد بتنفيذ مشاريعها الخرافية بشأن تسخير الإسلام والمسلمين، وإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات ، وتحقيق ما يُنْسَب إلى الله – كما ورد في التوراة المحرفة في الجزء 33 منها – من قوله لموسى إنه «أعطى بني إسرائيل حقّ وراثة أرض كنعان» ومن قوله له أيضًا: «عليك بطرد كل سكان هذه الأرض .. وإذا لم تخرجهم جميعًا أمامك ، فإنّ الذين يبقون منهم سيكونون كالقش في عيونكم ، وكالأشواك في خواصركم ، وإنهم سوف ينغصون عليكم صفو حياتكم في الأرض التي تعيشون فيها».
إن هؤلاء المسيحيين يعتقدون أن تهويد مدينة القدس كاملة ، وتطهير فلسطين كلها من المسلمين العرب ، واجبان لعودة المسيح عاجلاً. وعندما يتمّ ذلك ، يتمُّ عودةُ المسيحِ عاجلاً . ويمكن تقديرُ إعجابهم بالنظرية الصهيونيّة بأن أحد القساوسة وهو «هال ليندسي» Hall Lindsay ألّف عن أدبيّاتها كتابًا بعنوان «the Last Great Earth» صار أكثر الكتب غير الأدبيّة مبيعًا ؛ حيث صدرت منه 108 طبعات، وبلغ عدد النسخ التي بيعت منه باللغة الإنجليزيّة فقط عام 1993م ، 18 مليون نسخة ، وترجم الكتاب إلى 54 لغة ، وبيع منه بهذه اللغات 20 مليون نسخة أخرى .
وقد أكّدت وسائل الإعلام أن الحركة الصهيونية المسيحية عملت جاهدة على إنجاح بوش الابن في انتخابات الرئاسة عام 2000م .
وبمجرد وصول جورج بوش الابن إلى منصب الرئاسة في البيت الأبيض تجمّع – من حسن حظّ إسرائيل والصهيونية المسيحية ، ومن سوء جدّ العالم ، ومن أجل ما يكون الله تعالى قد قدّر في علمه الغيبَ ابتلاء المسلمين الذي يمرّون به حالاً –عاملان أساسيّان قويّان تَبَلْوَرَ بهما بشكل عاجل انفجاريّ كلُّ ما نراه الآن واقعًا ماثلاً ويراه العالم .
* كان العامل الأوّل أن بوش الابن ظهر كشخصية قويّة حارسة لإسرائيل واليهود الصهاينة وكرجل أمريكا الأوّل . وأثبتت بجميع تصرفاته السياسيّة والإداريّة والرئاسيّة أنه خادم وفيّ «وعبد» طَيّع للصهيونية المسيحية ، وافتخر مرارًا وتكرارًا – ولايزال – بجرائمه البشعة التي اقترفها ضد الإسلام والمسلمين والعرب والفلسطينيين ؛ بل اعتبرها وسيلةَ نجاةٍ له في الآخرة وسعادة له في الدنيا ، وذريعة عزّ وفخار لأمريكا في الداخل والخارج ، وللأمة الغربية المتمدنة المتحضرة المتنورة !.
ولكون بوش الابن جنديًّا وفيًّا وداعيًا مخلصًا إلى هذه العقيدة والعمل بها ، انجذب إليه وتجمع حوله جميعُ قادة الحركة الصهيونية المسيحية والعاملون من أجل ترويجها وبلورتها في كل ناحية من نواحي أمريكا والعالم ، انجذابَ القطع الحديدية إلى المغناطيس ، مما زاد بوش حماسًا على حماس ؛ فيومَ العيد الكبير للمسيحيين عام 2003م بينما أشاد بوش بأحد قساوسة هذه الحركة المتطرفين «فرانكلين غراهام» (Franklin Graham) بقوله: «لقد غرس في قلبي بذور الإيمان ؛ فتوقّفتُ عن تعاطي المسكرات ، واعتنقتُ المسيح» إذ هجم «غراهام» بهذه المناسبة الدينية الكبيرة على الإسلام، قائلاً: «إن الفرق بين الإسلام والمسيحية كالفرق بين الظلام والنور» (الدين في القرار الأمريكي ص:59) .
* أما العامل الثاني – الذي غذّاه العامل الأوّل – تَبَلْوَرَ في أن جميع المنظمات والجمعيّات النابعة من الحركة ، صارت أكثر تنظيمًا وتنسيقًا وقوّة وفعّاليّة ، ولم تكتف بالعمل المتصل على المستوى الإعلامي والسياسي والديني؛ بل عادت تُشكِّل قوةً انتخابيّة ، حتى لم يكن بوسع أيّ من الرئيس والحكام والمسؤولين أولي الثقل والأهمية، أن يخطو خطوة على الصعيدين : الداخلي والخارجي في غنى عن تأييدها .
وعلم قادة الحركة ومُخَطِّطوها أن عهد الرئيس بوش الابن فترة ذهبية وفرصة ذات أكبر قيمة ممكنة لتحقيق المصالح الصهيونية الأمريكية المشتركة من خلال إثارة عواطف العداء ضد العرب والمسلمين، فلا بدّ من استغلال الفرصة والاحتراز من فوتها . وبعد تفكير دقيق عميق وتبييت جدّي أوجدوا فرصة مناسبة لذلك متمثلة في إيقاع حادث 11/ سبتمبر 2001م في نيويورك وواشنطن ، الذي كان بالتأكيد مُخَطَّطًا و مُنَفَّذًا من قبل الصهاينة اليهود والمسيحيين ؛ ولكنهم بمكرهم الفريد ، ودهائهم المنطقع النظير اللذين امتازوا بهما بين جميع أفراد الجنس البشري حَمَّلُوا مسؤوليتَه الشبابَ العربيَّ . والغريبُ أن هذه الدعوي لم تثبت مصداقيتُها بعدُ بشكل يزيل كل اللبس والغموض ، ويؤكد للعالم أن التفجيرات قام بها حقًّا الشبابُ العربي دون غيره ، كما أن الدعوى لم تُفَنَّد في شأنها التناقضات والتضاربات الكثيرة التي نشأت بشكل منطقي مباشر عن تحميل المسؤولية تجاه الحادث الشبابَ العربيَّ . ورغم ذلك نهض الأمريكان والغربُ «المتحضرون» والمبتلعون للعجائب والملتقمون للتضاربات و«المواسون» «المتعاطفون مع الإنسانية» في الشرق والغرب كليهما ، ليتناولوا بالملام والشتائم واللعنات المسلمين ولاسيما العرب ، ويهتفوا بأخذ الثأر وتصفية الحساب مع المسلمين بشكل ترك الحليمَ حيرانَ في كل مكان . واغتنم الصهاينة اليهود والمسيحيون الفرصة للإشادة بصلاح إسرائيل وبراءة اليهود وتقوى الصهاينة ، ومقابل ذلك للتشنيع على شيطنة المسلمين وضراوتهم وتلذذهـم بإراقـة دماء أبناء آدم ، وعدائهم للإنسانية، وجهلهم بالمدنية والحضارة. وذلك بكل لغات العالم ، وبجميع الوسائل الإعلامية ، وعلى مدى الأيام والشهور ، ومن ثم مَهَّدُوا الطريق للانقضاض على المسلمين وبلادهم، وملاحقتهم في ديارهم ، وتقتيلهم بشكل عشوائي، وتدمير كل من تاريخهم وحضارتهم ، ونهب كل من ثرواتهم ومقومات حياتهم ، وتبديد كل من قدراتهم العسكرية المتبقية ؛ وانتصروا لإله اليهود والمسيحيين ، وهتفوا بعلوه وجلاله وسبّحوا بحمده، مما أطار لبَّ كل مسلم في العالم ، وعضّ بنانَ الأسف كلُّ من يرى القضايا والمواقف في سيناريوهات واقعيّة تجاه ما صنعه «محبو العدل» من الوقوف الظالم بجانب الصهاينة والصليبيين !.
إن العاملين المشار إليهما ، عَمَّقَا ووَسَّعَا جذور ثقافة الكراهية والعداء ضد المسلمين ، التي تقوم عليها الصهيونية المسيحية ، واتُّخِذت هذه الثقافة مدارًا لجميع القرارات الأمريكية السياسية والعسكرية . حتى استنفر القس «هال ليندسي» (Hall Lindsay) الصهاينةَ الأمريكان بقوله : «إنّ المسلمين لايريدون فقط تدمير دولة إسرائيل ؛ ولكنهم يريدون تدمير الثقافة اليهودية – المسيحية التي تُشَكِّلُ أساسَ الحضارة الغربيّة . إنهم كالشيوعيين ، في أعماق فلسفتهم توق شديد لدفننا جميعًا» H. Lindsay: The Final Barthe. P.45) .
و وصف القسّ «بات روبرتسون» (Rat Robertson) الإسلام بأنه «دين الإرهاب» .. وأنه «يهدف إلى السيطرة على العالم» .. واتهم المسلمين في أمريكا بأنهم «ينظمون خلايا إرهابية لتدمير الولايات المتحدة» ونُشِرَت هذه الاتهامات من خلال برنامج القس التلفزيوني الواسع الانتشار «نادي السبعة» . بينما وصف القس «جيري فاين» (Jerry vine) سيدنا النبيّ محمدًا ﷺ بأنّه الشيطان نفسه . وقال القسّ «فرانكلين غراهام» (Franklin Graham) الذي ترأس الصلاة الخاصّة بمناسبة أداء القسم الدستوري للرئيس جورج بوش الابن عن الإسلام نفسه : إنه دين شيطاني شرير (Washington Post, Vol 18, 2001) .
على كل فإنّ هذه العوامل وغيرها إنما أُوجِدَت ، لكي تُشَنَّ ضد الإسلام والمسلمين في ديارهم وخارجها حربٌ شاملة مدمرة ،كثيرة الجبهات ، حديثة الإدارة ، بعيدة المدى ، سريعة الإبادة ، لايطيقها المسلمون – كما زعموا – لأنّها تدار على كل من الأصعدة العسكرية ، والفكرية ، والثقافية ، والحضارية ، والسياسية ، والاقتصادية وغيرها التي حسبوها مبيدةً للمسلمين إبادة جماعيّة.
إن الصهيونية بشطريها اليهودي والمسيحي جعلت بوش الابن فيلاً هائجًا ، يحاول أن يدوس كلَّ شيء يعترض سبيلَه من حضارة المسلمين وتاريخهم ، وثقافتهم ومـدنيتهم ، وموارد اقتصادهم ، ومناهج تعليمهم ، وشعارات دينهم. وتركه هيجانُه لا يراجع نفسه ولاعقله ولم يدع مجالاً لثوران أي عاطفة في قلبه للتفريق بين الخير والشر، وأضحى مستعبدًا بيد المشاعر السلبية بشكل جعله يعلن إعلانًا واضحًا، وعاه العالم كله، أنه عزم على شن حرب صليبية ضد الإسلام والعالم الإسلامي ، وأفتى بأن العالم يتوزعه المجتمعان : مجتمع الخير الذي يمثله الغرب وأمريكا ، ومجتمع الشر الذي يمثله الشرق بعالميه الإسلامي والعربي ، وأن من لايكون معه يعتبر ضدّه ، فهو جدير بعقابه الذي سيكون ملقنًا الدرسَ كلَّ إنسان . وها هو ذا يُنْزِل العقاب على العالمين العربي والإسلامي وعلى الإسلام والمسلمين .
إن بوش في تحركاته السياسيّة والعسكرية ضد الإسلام والمسلمين ينطلق دائمًا من المنطلق الديني الأصولي ، ويري ويعتقد – كما قال كاتب العمود في «نيويورك تايمز» جاكسون ليرز يوم 11/3/2003م – أن الأحداث التاريخية تتم على «يد إله عادل ومخلّص» .. وأن «رئاسته جزء من خطّة مقدسة» وقد قال بوش الابن لصديق له عندما كان حاكمًا لولاية «تكساس» : «إن الله يريده أن يترشّح للرئاسة .. وأوعز للولايات المتحدة بأن تقود حملةً صليبية تحريرية في الشرق الأوسط» (نيويورك تايمز 8/4/2003م) . وصرّح «جاكسون ليرز» في مقالته المشار إليها أن بوش الابن وأنصاره يؤمنون بأنهم «يعملون بإرشاد إلهي وينفذون إرادة الله». وأكد الخبراء في العالم كله أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ، لم تكن في أي وقت منذ عام 1948م الوجهَ الآخر للسياسة الإسرائيلية كما هي اليوم .
وكانت إذاعة «البي بي سي – لندن» قالت يوم الخميس 6/ أكتوبر 2005م (غرة رمضان 1426هـ) في برنامج وثائقي أن بوش الابن قال في يونيو 2003م (ربيع الثاني 1424هـ) في لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس و وزير إعلامها نبيل شعث : «إن تحركاته العسكرية ترجمة عملية لرسالة الرب .. إن الرب هو الذي أوعز إليه بأن يقضي على الحكومة العراقية ، ويزيل الإدارة الأفغانية ، وفعلاً صنع ذلك .. والآن بشعر بأن الرب يقول له : أقم للفلسطينيين إمارة ، ولإسرائيل أمنًا . وسيصنع ذلك حالاً» .
تأكّد مما كتبتُه إلى ههنا أن تدمير الحكومة الإسلامية في أفغانستان ، وتخريب أفغانستان بشكل شامل لاتزال حلقاته متصلة ؛ وأن الحرب على العراق واحتلاله ، والعمل فيه بـ «فَرِّق تَسُدْ» والتحريش بين السنة والشيعة ، ونسج المؤامرة لتقسيمه إلى ثلاث دويلات ، وتقلّب اليهود الصهاينة والمسيحين الصهاينة في شرقه وغربه، وأن قصف الفلسطينيين بالنار والحديد والقنابل المدمرة تدميرًا شاملاً ، وتقتيلهم بالتطويق والحصار والتجويع والتعطيش ؛ وتطويق كل من السعودية ، والكويت ، وقطر، وعمان ، والبحرين وغيرها عسكريًّا ، وإقامة مسرحية العمليات الإرهابية المتصلة في مدن وقرى المملكة العربية السعودية ، والأمر بتعديل المناهج الدراسية الدينية في دول المسلمين وتحجيم حصصها ، وتدمير الرصيد التاريخي والثقافي الإسلامي العربي، وفرض الحظر على الأعمال الخيرية والمؤسسات الخيرية ، والعمل على تجفيف المنابع الدينية ، والتحامل على الشعائر الإسلامية ، والإساءة إلى نبينا محمد ﷺ واستهداف دولة إسلامية وعربية بعد أخرى بالهجوم العسكري والاحتلال ، فإقامة حكومة وطنية عميلة فيها .. كل ذلك وغيره . عملٌ من قبل بوش وأنصاره والصهاينة اليهود والمسيحيين بإرشاد إلهي وتنفيذٌ لإرادة الله ، وتحقيقٌ للأمن لصالح إسرائيل . ومن هنا نرى الرئيس الأمريكي لايبالى بالرأي العام العالمي ، وبقرارات الأمم المتحدة ؛ بل إن مواقفه كلها تتماشى مع مواقف رئيس دولة إسرائيل «إيريل شارون» .
فموقف بوش الابن – كما قال الأستاذ محمد السماك وكثير من الكتاب الخبراء الغربيين والأمريكان – من الأمم المتحدة وشرعتها ومن مجلس الأمن الدولي وقراراته ، موقف رئيس دولة إسرائيل .
وموقف بوش الابن من مبدأ اللجوء إلى الحرب ومن توظيف التفوّق العسكري لفرض الأمر الواقع على الطرف الآخر، هو موقف إيريل شارون .
وموقف بوش الابن من رفض المساعي الدبلوماسية ومن محاولة إملاء التسوية بالقوة العسكرية والشروط التي تحددها هو موقف شارون لاغير .
وموقف بوش الابن من الرأي العامّ العالمي استخفافًا وتجاهلاً واحتقارًا هو موقف شارون تمامًا .
ذلك أن معظم فريق العمل في البيت الأبيض، وفي وزارة الدفاع الأمريكية يتكوّن من يهود وأمريكيين عمل بعضهم مستشارين لحكومات إسرائيلية سابقة .. إن إدارة بوش تَجْمَع بين الأصوليين الإنجليليين المتصهينين وغلاة المحافظين السياسيين المرتبطين بإسرائيل وبالحركة الصهيونية العالمية . وذلك بشكل ظاهرة فريدة يتميز بها بوش . ومن هنا صار بوش وإدارته دمويين للغاية التي لا توصف .
إن هناك دلائل لا تحصى تؤكد كون الحرب الأمريكية الحالية على العالمين العربي والإسلامي ، حربًا على الإسلام ، وليست حربًا على الإرهاب الذي هو أيضًا من صنع أمريكا ليس إلاّ . إن «الإرهاب» جُعِلَ غطاءً للحرب على الإسلام .
وبقي أن نقول : إن نجاح اليهود في ضربنا وتدميرنا مباشرةً وغير مباشرة – مثلاً عن طريق أمريكا والغرب اللذين صارا اليوم جُنَّةً لليهود في العالم كلّه – لايرجع إلى أنهم أذكياء بشكل أكثر منّا ؛ ولكن المصيبة تكمن في قادتنا وساستنا الذين صاروا متغربين متأمركين ، وقل إذا شئت: «متصهينين» في إطار العمل ، فيقومون في داخل أوطاننا في الأغلب بدور العملاء الأوفياء بل الخدم المطيعين بل العبيد المسخرين للصهاينة اليهود المسيحيين . ويومَ يتخلّى القادة والساسة في ديارنا عن دور العمالة والعبوديّة والخدمة ، ستتجلى قدرمة الأمة على مجابهة كل الأعداء بالإعداد المستطاع ، وباستخدام الذكاء ، وبإعمال جميع المواهب والمؤهلات التي تتمتع بها الأمة حالاً ؛ ولكنها تتبخّر من الضربات التدميرية الداخلية التي يقوم بها القادة والحكام ومن بيده الحل والعقد . اللهم اهدِهم فإنهم لا يعلمون .
(تحريرًا في الساعة 11 من يوم الثلاثاء : 22/ شوال 1427هـ الموافق 14/ نوفمبر 2006م)
نور عالم خليل الأميني
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالقعدة 1427هـ = ديسمبر 2006م ، العـدد : 11 ، السنـة : 30.