كلمة المحرر
طبيعيًّا كان ما شهده العالم كله – ولايزال – من أقصاه إلى أقصاه من الاحتجاجات والتظاهرات والمسيرات المكثفة المتصلة الغاضبة التي قامت بها الأمة الإسلاميّة ضدّ الإساءة الصارخة إلى النبيّ الأعظم سيدنا ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – من خلال الرسوم الكاريكاتورية التي صنعها رسّام دنماركيّ مهين ونشرتها صحيفة دنماركيّة وأعادت نشرها عدد من الصحف الغربية وعدد من أبواقها الشرقيّة . مما دلّ على الحبّ الغامر الذي خالط شغاف قلب الأمّة الإسلاميّة، التي قد تتحمل كل أذى ينالها في أنفسها وممتلكاتها ؛ ولكنها لن تتحمل أيّ شوكة تُشَاكُ عرضَ نبيّها – ﷺ – الذي حبّه هو رأس مال إيمانها ودينها وعزّها وفخارها ونجاتها وسعادتها في الدنيا والآخرة ؛ فليس لها بعد الله ملجأ تلجأ إليه إلاّ هذا الملجأ الوحيد الأخير الذي لو انقطعت عنه انقطعت عن كل رصيد من العقيدة والدين .
وكأن الغرب المغرور بتقدمه المادي ، الثائر على ديانته المشوهة ورمزها: الكنيسة، الفاقد لكل رصيد من أرصدته العقدية والقيمية ، يودّ أن يختبر مدى الغيرة الدينية والحمية الإيمانية لدى المسلمين ؛ فمن حين لآخر يطلق بالونات الاختبار. قد يصدر «بديلاً» عن القرآن باسم «الفرقان الحق» وقد يسيء إلى النبي الخاتم محمد ﷺ عن طريق الكتب والمؤلفات والكتابات، والصحف والمجلات ، والخطابات والتصريحات. وها هو اليوم ينشر رسومًا كاريكاتوريّة ويعيد نشرها مرات وفي عدد من الصحف، متستّرة بحرية الكلمة وحرية الرأي وحريّة الصحافة .
والعبرةُ في صنيع الدنمارك وعددٍ من دول الغرب التي نَحَتْ نَحْوَها أن الأولى بدأت تعاني خسائر اقتصادية ملموسة بالمقاطعة التي قامت بها عدد من الدول الإسلاميّة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تجاه منتجاتها؛ ولكنّها بصفتها دولةً لم تُقْدِم على تقديم اعتذار إلى الأمة الإسلامية، رغم مطالبتها بذلك باستمرار وإصرار عبر كل مسيرة احتجاج وحفلة استنكار تقيمها في كل من مدن وقرى كل دولة من دول العالم . وإنّما تلح الدنمارك على السكوت تجاه هذه الإساءة بحجة أنّها لاتريد أن تخلّ بحرية الرأي والكلمة!!.
وإنما قامت الصحيفة الدنماركية المجرمة بتقديم اعتذار على كره منها بإيعاز من حكومتها لكي تمتصّ الغضبَ الصارخ الذي يسود العالمَ من قبل الشارع الإسلاميّ في كل مكان في العالم؛ ولكنها ما نجحت في ذلك لأنّ الأمة الإسلاميّة لم تقتنع باعتذار الصحيفة فيما لايزال رئيس وزراء الدولة مُصِرًّا على السكوت . كما أن الرسّام الوقح الخبيث – لعنه الله في الدنيا قبل الآخرة – رفض بقوة أن يقدم اعتذارًا ما؛ بل قال – بكل وقاحة – : إنّه لايؤسفه ولايجعله يندم على ما أقدم عليه من صنع الرسوم مدفوعًا بما يلاحظه من تنامي المدّ الإرهابي في العالم كله، وهو يعتقد جازمًا أن الإسلام هو الذي يصنع و يغذّي الإرهاب!
وموضعُ العبرة في موقف الدنمارك والغرب أن الغرب يتحمّل كلَّ خسارة تلحقه تجاه الدفاع عن باطله ومبادئه الخرافيّة . ويتولّى كبر ذلك قادتُه وحكّامُه؛ فأين قادة المسلمين وحكامهم من هذا الموقف؟. إنّ قادة الدول الإسلامية وحكامها في الأغلب ينهارون لدى أي ضغط من قبل أمريكا والغرب، ويرضون بالتنازل عن أوجب حق وأقدس حرمة إسلاميّة .
إنّ حادثًا أخيرًا فائض بالعبرة الكبيرة: قالت «البي بي سي/ لندن» في إذاعتها الأرديّة في الساعة :308 – :309 من الليلة المتخللة بين السبت والأحد 18-19/ فبراير 2006م (19-20/ محرم 1427هـ) إن وزيرًا إيطاليًّا استقال من منصبه على ضغط من حكومته إثر ارتدائه لقميص يحمل الرسومَ المذكورة المسيئة إلى النبي – ﷺ – مصرًا على الالتزام بمبدأ حريّة الرأي ومدافعًا عنه!. أ لسيت العبرة في هذه القصة التي تنطق بإصرار المبطل الوقح على باطله بحيث يضحّي بمنصبه ولكن لايتنازل عن مبدئه المزعوم المذموم ؟!.
وعبرة أكبر كامنة في موقف الرسّام الدنماركي اللعين المدعو بـ«كارت فيست جارد» الذي آثر أن يعيش مختفيًا إثر إعلان الشعب الباكستاني وغيره من الشعوب الإسلامية برصد ملايين الدولارات لمن يقتله لقاءَ إساءته إلى نبي الإسلام – ﷺ – ولكنه لم يرضَ أن يتنازل عن فكرته القائلة بأن نبي الإسلام هو الذي علّم الإرهاب أتباعه، التي مَثَّلَها في رسومه؛ ليقدم اعتذارًا ولو في الظاهر إلى أمّة الإسلام !.
وعبرة مثلها تتبلور في موقف دول الغرب التي أعلنت أنها تقف بجانب الدنمارك في موقفها من حريّة الرأي!.
لو أنّ قادتنا وحكامنا استوعبوا درسًا ما من قادة وحكام الغرب، لانتهت في لحظة واحدة المسرحيةُ التي تقوم بها أمريكا والغرب في أفغانستان والعراق وإيران والشام وجميع الدول العربية والإسلاميّة . فهل يعون ولو جزءًا من هذا الدرس الشامل؟!. [التحرير]
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم – صفر 1427هـ = فبراير – مارس 2006م ، العـدد : 1–2 ، السنـة : 30.