الفكر الإسلامي
بقلم : الأستاذ الدكتور حسن محمد باجودة
وفي هذه الآية الكريمة من سورة النساء(1) أمرت بالإحسان إلى الوالدين وبذي القربى واليتامى وآخرين. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوْا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوْا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبـٰـى وَاليَتَامىٰ وَالمَسَاكِيْنِ وَالجَارِ ذِي القُرْبـٰـى وَالْجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيْلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوْرًا﴾ ويصح أن نقول إن ترتيب حبات عقد المعاني في الآية الكريمة قد راعى الأهمية من ناحية وكثرة الحدوث من ناحية أخرى . إن الآية الكريمة تبدأ بالأمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وأمرت وراء ذلك بالإحسان إلى الوالدين ، وبذي القربى وباليتامى ، وهؤلاء اليتامى قد يكونون من ذوي القربى وبذلك يكون لهم حقان بسبب القرابة وبسبب اليتم . ويأتي بعد اليتامى الذين يجمعون عادة بين الحاجة وعدم القدرة على العمل، المساكين: جمع مسكين ، وهو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة فتمسكن لذلك(2) وقد يجمع المسكين بين الحاجة وبين عدم القدرة على العمل، وقد لا يجد فرصة العمل القادر عليه ، ومن هنا يتقدم اليتيم المسكين في الحاجة وفي الترتيب في الآية الكريمة. ثم يأتي الأمر بالإحسان إلى الجار ذي القربى . عن ابن عباس : يعني الذي بينك وبينه قرابة(3) وبالإحسان إلى الجار الجنب : عن ابن عباس: يعني الذي ليس بينك وبينه قرابة(4) أخرج الطبراني من حديث جابر رفعه : الجيران ثلاثة : جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم ، له حق الجوار والإسلام والرحم(5) عن عائشة قالت : قلت يارسول الله إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال: إلى أقربهما منك بابا(6) وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال : مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه(7) ثم يأتي الأمر بالإحسان إلى الصاحب بالجنب . عن ابن عباس : الرفيق(8) وعن سعيد بن جبير وآخرين : الرفيق في السفر(9) وقيل: امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه(10) ويقول الطبري(11): (وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر والمرأة والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه . وقد أوصى الله تعالى بجميعهم لوجوب حق الصاحب على المصحوب) ثم يأتي الأمر بالإحسان إلى ابن السبيل وهو المسافر المنقطع والذي يمر عليك وهو مسافر(12) وما أقل أبناء السبيل بالقياس إلى الفئات السابقة . أما آخر الفئات التي أوصت الآية الكريمة بالإحسان إليها فإنهم الذين ملكت إيماننا . وهؤلاء غير موجودين الآن . ويصح أن يوجدوا مستقبلاً وذلك إذا استرق أعداؤنا أسرانا فإن من حقنا أن نسترق أسراهم .
وقد يكون لليتيم مال ولكنه بسبب صغره لا يحسن التصرف في ماله ومن ثم يكون له ولي أو وصي . وما أكثر عناية القرآن الكريم بأموال اليتامى والتحذير من التفريط فيها أو أكلها ظلمًا وعدوانًا ، والحث على رعايتها وتنميتها وتسليمها لليتامى إذا آنس الأوصياء والأولياء منهم رشدًا وعقلاً ، والحث على رعاية مصلحة اليتامى من جميع النواحي . ومن الآيات الكريمات مانهى عن مجرد الاقتراب من مال اليتيم إلا بالطريقة التي هي أحسن قال عز من قائل(13): ﴿ولاَ تَقْرَبُوْا مَالَ اليَتِيْمِ إِلاَّ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَن حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوْا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُوْلاً﴾ وقال تعالى(14): ﴿وَلاَ تَقْرَبُوْا مَالَ اليَتِيْمِ إِلاَّ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَن حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوْا الكَيْلَ وَالمِيْزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوْا وَلَوْ كَاْنَ ذّا قُرْبىٰ وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوْا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾.
على أن أكثر سور القرآن الكريم حديثا عن اليتامى سورة النساء المدنية . وتكثر العناية باليتامى في أثناء الآيات العشر الأول من السورة الكريمة . فلندون تلك الآيات العشر ولنتحدث عن الآيات الكريمات التي تعنى باليتامى مما لم نتحدث عنه من ذي قبل . قال تعالى(15):
﴿يَأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ منهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُوْنَ بِه وَالأرحامَ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا(1) وَءَاتُوا اليَتَامَى أموَالَهُم وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الخَبِيْثَ بِالطَّيب وَلاَ تَأكُلُوا أموالَهُم إِلَى أموَالكُم إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيْرًا(2) وَإِن خِفْتُمْ ألا تُقسطُوا في اليتَامَى فَانكِحُوا مَاطَابَ لَكُم مِّنَ النسَآء مَثْنَى وثلاث وَرُبَاعَ فَأِن خِفْتُمْ ألا تَعدلُواْ فَوَاحدَةً أو مَامَلَكَت أيمَانُكُمْ ذَلِكَ أدنَى ألا تَعُوْلُوا(3) وَءَاتُوْا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نحلَةً فَإن طبنَ لَكُم عَن شيء منهُ نَفسًا فكُلُوهُ هَنِيْئًا مَّرِيئًا(4) وَلاَ تُؤتُوْا السِّفَهَآءَ أموالكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُم قِيَامًا وَأرزُقُوْهُمْ فِيهَا وَأكسُوهُم وَقُولُوْا لَهُمْ قَولاً مَّعرُوفًا(5) وَابتَلُوْا اليَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوْا النِّكَاحَ فَإِن ءَانَستُم مِنهُم رُشدًا فَادفَعُواْ إلَيْهِم أموَالَهُم وَلاَ تَأكُلُوهَآ إسرَافًا وَبدَارًا أن يكبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَليَستَعفف وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَليَأكُل بِالمَعرُوف فَإذَا دَفَعتُم إِلَيهِم أموَالَهُم فَأشْهَدُوا عَلَيهِم وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا(6) للرّجَال نَصيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالدَانِ وَالأَقرَبُونَ وللنسَآء نَصيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالدَانِ وَالأقرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنهُ أو كَثُرَ نَصيبًا مَّفرُوضًا(7) وَإذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أوْلُوْا القُربَىٰ وَاليَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ فَارزُقُوهُم مِنهُ وَقُولُوْا لَهُم قَولاً مَّعرُوفًا(8) وَليَخْشَ الَّذِيْنَ لَو تَرَكُوْا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَّةً ضعَافًا خَافُوْا عَلَيهِم فَليَتَّقُوْا اللهَ وَليَقُولُواْ قَولاً سَدِيْدًا(9) إنَّ الَّذِين يَأْكُلُونَ أموَالَ اليَتَامَى ظُلمًا إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسيَصلَونَ سَعِيْرًا(10).
ومن البين أن الآيات الكريمات التي تتحدث عن اليتامى هي الآيات 2. 3. 5. 6. 8. 9. 10 ومن البين كذلك أنّه سبق لنا أن تحدّثنا عن الآية الكريمة الثّالثة في أثناء الحديث عما يجب لليتيمة من حقوق المثل إذا أراد وليّها أن يتزوّجها وأعجبه جمالها . ونعتقد أنّه ليس ثمّة مايمنع أن نتحدّث عن جميع الآيات العشر بسبب الترابط المتين بينها على أن يكون ثمّة توضيح أكبر لما له من الآيات الكريمات علاقة مباشرة باليتامى .
إن الآية الكريمة الأولى تأمر النّاس جميعًا في هذه السورة الكريمة المدنية بأن يتقوا ربهم جل وعلا الذي خلقهم من نفس واحدة والمراد آدم عليه السلام وخلق منها زوجها والمراد حواء عليها السلام التي خلقها الله تعالى من أحد أضلاعه عليه السلام ونشر جل وعلا منهما بالتزاوج رجالاً كثيرًا ونساء . كما تأمر الآية الكريمة بتقوى الله تعالى الذي نتساءل به والذي إذا سأل بعضنا بعضا سأل به كأن نقول : نسألك بالله . وبأن نتقي الأرحام أن نقطعها(16) إن الله تعالى كان علينا رقيباً وحفيظاً(17).
وإن الآية الكريمة الثانية تأمرنا بأن نعطي اليتامى أموالهم وألا نتبدل الخبيث الحرام القليل من أموالنا بالطيب الحلال الكثير من أموال اليتامى، كما تأمرنا بألا نأكل أموالهم وألا نضمها إلى أموالنا وبذلك ضمّن حرف الجرّ «إلى» جملة لا تأكلوا معنى جملة لا تضموا(18) إن ذلك الأكل لأموال اليتامى ظلمًا كان إثمًا عظيمًا(19).
وإن الآية الكريمة الثالثة التي درسناها في غير هذا الموضع بالتفصيل تخبرنا بإنّا إن خفنا أن نظلم اليتامى اللاتي نرغب في الزواج بهن وخشينا ألا نعطيهن مهور المثل في إمكاننا أن نتجاوزهنّ فننكح حتّى الأربع شريطة العدل وإلا فإنه ينبغي علينا الاكتفاء بزوجة واحدة أو ماملكت ايماننا . ذلك أدنى ألا نجور ولا نميل(20) عن الحق(21).
وإن الآية الكريمة الرابعة التي درسناها في غير هذا الموضع كذلك تأمر الأزواج بأن يعطوا الزوجات صدقاتهن ومهورهن(22) نحلة وعن طيب نفس(23) فإن طاب الزوجات عن شيء من المهر نفسا فليأكل الأزواج ذلك هنيئاً لا مشقة في الحصول عليه(24) مريئا لا داء فيه(25).
وإن الآية الكريمة الخامسة تنهى الأوصياء والأولياء عن أن يعطوا السفهاء غير كاملي العقول وغير المحسنين التصرف في أموالهم وإداراتها ، عن أن يعطوهم أموالهم التي جعلها الله تعالى للأولياء وللأوصياء وللأمة جمعاء قياما تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها(26) إن الآية الكريمة يجيء فيها القول: «أموالكم» وليس : أموالهم، والقول: «لكم» وليس : لهم . وذلك دليل على أن المال مال الأمة ويجب أن يبقى في أيدي المصلحين وليس في أيدي المفسدين السفهاء وإن كان في الحقيقة مالا للسفهاء ولكنهم لا يتسلمونه حتى يثبت رشدهم . وهذا المال مادام في أيدي الأولياء والأوصياء فإن الواجب عليهم أن يحافظوا عليه وأن ينموه كما لو كان مالهم ولذلك جاء القول في الآية: «أموالكم» و: «لكم» .
ومادام المال في أيدي الأولياء والأوصياء فإن عليهم أن يرزقوا السفهاء منه ويكسوهم وأن يقولوا لهم قولا معروفا بأن المال مالهم وسوف يتسلمونه مستقبلا وفي الوقت المناسب . وفي الآية الكريمة يجيء الجار والمجرور «فيها» من القول: «وارزقوهم فيها» ولا يجئ القول: وارزقوهم منها ، دليلا على وجوب تنمية أموال اليتامى بحيث إن رزقهم وكسوتهم لا يكونان من رأس المال وإنما من الربح الذي أومأ إليه الجارّ والمجرور: «فيها» .
وإن الآية الكريمة السادسة تأمر الأولياء والأوصياء بأن يختبروا اليتامى ويمتحنوا قواهم العقلية ويعرفوا مدى قدراتهم على التصرف في أموالهم . حتى إذا بلغوا النكاح وناهزوا الحلم واستكمل الواحد منهم خمس عشر سنة(27) فإن آنس الأولياء والأوصياء منهم رشدا، ووجدوا منهم وعرفوا(28) عقلا وصلاحا في الدين(29) وإصلاحا للمال وحفظا(30) فعلى الأولياء والأوصياء أن يدفعوا إلى اليتامى أموالهم، وعليهم ألا يأكلوا أموال اليتامى إسرافا بغير ما أباحه الله تعالى لهم(31) ومبادرة(32) منهم إلى انتهابها قبل أن يكبر اليتامى ويبلغوا الرشد ويطلبوا أموالهم . إن تبذير أموال اليتامى حرام . وإن أكل أموالهم بالباطل قبل أن يفطن اليتامى لأموالهم ويطلبوها حرام أيضًا. وتعطي الآية الكريمة الأوصياء على أموالهم الاهتمام الذي يستحقون وتسمح لهم أن يأخذوا من مال اليتيم بالمعروف مقابل المجهود الذي يبذلون وتحثهم على أن يفعلوا الخير ويحتسبوا عند الله تعالى ما يبذلون من مجهود في رعاية مصالح اليتامى . إن الآية الكريمة تسمح لمن كان من الأوصياء فقيرا أن يأكل من أموال اليتامى بالمعروف . قال الفقهاء : له أن يأكل أقل الأمرين ، أجرة مثله أو قدر حاجته(33) أما من كان من الأوصياء غنيا فإن عليه أن يستعفف عن مديده إلى مال اليتيم عند الله تعالى . فإذا دفع الأوصياء إلى اليتامى أموالهم فعلى الأوصياء أن يشهدوا على اليتامى بأنهم قد أخذوا أموالهم كاملة غير منقوصة ، وحقوقهم تامة غير مبخوسة . ولما كانت الآية الكريمة تدور حول الأموال والحسابات فقد ختمت بالقول: ﴿وكفى بالله حسيبًا﴾ وفي ذلك تنبيه إلى أن هذه الحسابات البشرية بشأن أموال اليتامى وغير أموال اليتامى لا يعلمها على حقيقتها إلا الله تعالى فعلى الأوصياء بخاصة الناس بعامة أن يتقوا الله تعالى وأن يقولوا قولا سديدا .
وإن الآية الكريمة السابعة تومئ إلى الميراث الذي جاءت آياته في سورة النساء وحدها وإلى أن الله سبحانه وتعالى قد خص كل وارث بحقه .
وإن الآية الكريمة الثامنة تقرر أنه إذا حضر قسمة الميراث أولو القربى واليتامى والمساكين والذين لا يرثون فإن على الورثة أن يعطوا هذه الفئات شيئا مما تجود به نفوسهم وأن يقولوا لهم قولاً معروفًا تطيب به نفوس أولئك المحتاجين .
وإن الآية الكريمة التاسعة تأمر الورثة بأن يخشوا الله تعالى(34) في ضعاف اليتامى وتأمرهم بأن ينزلوا اليتامى منزلة ذراريهم وبأن ينزلوا أنفسهم منزلة الأوصياء على ذراريهم . فكما أنهم يريدون للأوصياء على ذراريهم الضعفاء أن يراقبوا الله تعالى ويتقوه جل وعلا ، كذلك يجب على هؤلاء الأوصياء أن يراقبوا الله تعالى في ضعاف اليتامى وأن يتقوا الله تعالى فيهم وأن يقولوا قولاً سديدًا يرضى الله تعالى أولا وتطيب به نفوس اليتامى أخيرًا .
وإن الآية الكريمة العاشرة تقرر أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون نار جهنم وسعيرها بمعنى شدة حرها(35).
وإنما عبرت الآية الكريمة بالأكل عن تبذير أموال اليتامى لأن الأكل أكثر ماتنفق فيه الأموال التي يتم الحصول عليها بالحق وبالباطل . ولما كان أكل أموال اليتامى بالباطل يفضي بالآكلين إلى النار وبئس المصير والعياذ بالله ، فكأن آكلي أموال اليتامى بالباطل إنما يأكلون في بطونهم نارًا . وإمعانا في التحذير من أكل اموال اليتامى بالباطل لا تستغني الآية الكريمة عن القول «في بطونهم» مع إمكان الاستغناء عنه ، وصحة الكلام بدونه ، خاصة وأن الطعام إنما يصير إلى البطن .
عن ابن عباس قال : لما نزلت : ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيْمِ إِلاَّ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَن﴾ و: ﴿إنَّ الَّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ أَمْوَالَ اليَتَامىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُوْنَ فِي بُطُوْنِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيْرًا﴾ انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله عز وجل(36) : ﴿وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الْيَتَامىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ. وَإِنْ تُخَالِطُوْهُمْ فَإخْوَانُكُمْ . وَاللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِح . وَلَو شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ . إنَّ اللهَ عَزِيْزٌ حَكِيْم﴾ فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم(37).
إن رب العزة يقول لحبيبه المصطفى ﷺ إن أصحابك يسألونك عن اليتامى قل لهم يا محمد إصلاح لهم في كل الشؤون خير. وإن تخالطوهم فإنهم إخوانكم في الدين . وتشمل هذه المخالطة المال سبب نزول الآية الكريمة ، كما تشمل المخالطة العمل على تنمية ذلك المال والعشرة والنكاح وما إلى ذلك . وتقرر الآية الكريمة أن الله تعالى يعلم المفسد من المصلح فاحذروه جل وعلا، ولو شاء الله تعالى إعناتكم(38) وايقاع المشقة بكم بمنعكم عن المخالطة لفعل ولكن الله تعالى يريد بكم اليسر ولا العسر. إن الله سبحانه وتعالى هو العزيز في ملكه الحكيم في صنعه(39).
ومن أحاديث المصطفى ﷺ في اليتامى مايلي:
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : اللهم إني أحرِّج(40) حق الضعيفين: اليتيم والمرأة(41).
وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه . وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه(42).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : اجتنبوا السبع الموبقات . قيل: يارسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات(43).
* * *
الهوامش :
- الآية 36 .
- تفسير الطبري 5/50 .
- المرجع السابق 5/50 .
- المرجع السابق 5/50 .
- فتح الباري 10/442 .
- المرجع السابق 10/447 حديث رقم 6020 .
- المرجع السابق 10/441 حديث رقم 6014 .
- تفسير الطبري 5/52 .
- أنظر تفسير الطبري 5/52 وتفسير ابن كثير 1/495 .
- أنظر تفسير الطبري 5/52 .
- المرجع السابق 5/53 .
- المرجع السابق 5/53 .
- سورة الإسراء 34 .
- سورة الانعام 152 .
- سورة النساء 1-10 .
- تفسير الطبري 4/152 .
- المرجع السابق 4/152 .
- أنظر هنا مثلا تفسير القرطبي 1580 والبحر المحيط 3/160.
- تفسير القرطبي 4/154 .
- المرجع السابق 4/160 .
- المرجع السابق 1590 .
- المرجع السابق 1593 .
- المرجع السابق 1594 .
- تفسير القرطبي 1597 .
- المرجع السابق 1597 .
- تفسير ابن كثير 1/452 .
- أنظر مثلا تفسير ابن كثير 1/452 .
- تفسير الطبري 4/169 .
- المرجع السابق 4/169 .
- المرجع السابق 4/169 .
- المرجع السابق 4/170 .
- المرجع السابق 4/170 .
- تفسير ابن كثير 1/453 .
- أنظر هنا مثلا البحر المحيط 3/177 بشأن مفعول جملة : «وليخش» المحذوف . وتفسير ابن عطية 3/506 .
- تفسير الطبري 4/185 .
- سورة البقرة 220 .
- أنظر تفسير الطبري 2/217 وأسباب النزول 103 .
- البحر المحيط 2/163 .
- درسنا الآية الكريمة في : تأملات في سورة البقرة 1261-1265 .
- أحرج عن هذا الإثم : احذر من ذلك تحذيرا بليغا وأزجر عنه زجرا أكيدا .
- سنن ابن ماجه 2/1313 حديث رقم 3678 .
- سنن ابن ماجه 2/1213 حديث رقم 3679 واختلف العلماء في درجة صحة هذا الحديث .
- تفسير ابن كثير 1/356 .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.