دراسات إسلامية

بقلم: الشيخ عبد المنعم بن حسين

1 أ- قال اللَّه تعالى: ﴿يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ – لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ [النور:27- 29] .

       يُستفاد من تفسير هذه الآيات، ومن أحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم- الواردة في هذا الباب ما يلي:

       1- على المؤمن أن يستأذن عند دخول بيت غيره(1).

       2- ينبغي للمؤمن أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع، والرجوع هنا للوجوب.

       3- هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في الاستئذان أنه كان يقول: «السلام عليكم» ثلاث مرات.

       4- ينبغي للمؤمن عند الاستئذان ألا يقف تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليكن الباب عن يمينه أو عن يساره.

       5- على المستأذن أن يفصح عن اسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ولا يقل: «أنا».

       6- على المؤمن أن يستأذن على أمه أو أخته لأنه – كما جاء في التفسير- لا يحب أن يراها عريانة.

       7- لا يجب على الرجل أن يستأذن على امرأته، ولكن يستحب له ذلك، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.

       8- حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد. (كذا في روائع البيان) .

       9- عدم الإذن بالدخول قد يكون صريحًا، وقد يكون ضمنيًا كالسكوت، وينبغي للمؤمن أن لا يغضب من ذلك.

       10- البيوت غير المسكونة التي لا حرج من دخولها مثل الفنادق والخانات ومنازل الأسفار.

       آيات سورة النور – واللهُ أعلم – خاصة قوله تعالى: ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ بيان عظيم لقوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65] .

       ب- قال اللَّه تعالى: ﴿وقُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور:30] .

       قال ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى-: هذا أمر من اللَّه تعالى لعباده المؤمنين، أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا لما أباح لهم النظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع النظر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا، كما روي عن جرير بن عبد اللَّه البجلي رضي اللَّه عنه قال: «سألت النبي –صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري»(2). وقال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك وليس لك الآخرة»(3). وفي «الصحيح» عن أبي سعيد قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والجلوس في الطرقات»، قالوا: يا رسول الله، لا بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه». قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»، ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، لذلك أمر الله بحفظ الفروج، كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ وحفظ الفرج يكون تارة بمنعه من الزنا كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰفِظُونَ﴾ الآية [المؤمنون:5] ، وتارة يكون بحفظه من النظر إليه كما جاء في الحديث: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»(4) ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ أي: أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم. كما قيل: من حفظ بصره أورثه اللهُ نورًا في بصيرته. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر:19] .

       وفي «الصحيح» عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه أنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطى، والنفس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».

       وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحدّ الرجل نظره إلى الأمرد، وقد شدّد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحرمه طائفة من أهل العلم، لما فيه من الافتتان، وشدد آخرون في ذلك كثيرًا جدًّا(5).

فائدة:

       سُئل الجنيد: بما يستعان على غض البصر؟

       قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره.

*  *  *

الهوامش:

(1)        أباح العلماء دخول البيوت بدون إذن في حالات الضرورة كوجود حريق.

(2)        أخرجه مسلم ورواه أبو داود والترمذي والنسائي أيضًا.

(3)        أخرجه أبو داود والترمذي. اهـ. وحسنه الألباني في «صحيح سنن الترمذي».

(4)        أخرجه أحمد وأصحاب السنن. اهـ. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» و «صحيح سنن الترمذي».

(5)        تنطبق أحكام غض البصر على الخيالة خاصة التي – للأسف – في بيوت كثير من المسلمين «التليفزيون».

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند، شعبان  1438 هـ = مايو 2017م ، العدد : 8 ، السنة : 41

Related Posts