الملك فهد إلي رحمة الله
إعداد : التحرير
شهدت المملكة العربية السعودية على عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – إنجازات كثيرة شملت النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي . وحفل سجل أعماله رحمه الله بالعديد من المناقب والمنجزات ، على الصعيد المحلي والدولي ، ومقدمتها العناية بالحرمين الشريفين وقاصديهما من حجاج ومعتمرين وزوار، وتقف أعمال التوسعة في الحرمين الشريفين ، والمشاعر المقدسة شاهدًا على منجزاته إلى جانب أياديه البيضاء في خدمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . ونثبت فيما يلي قصة أعمال توسعة الحرمين الشريفين وإنشاء وإنجاز مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف باعتبارهما أعظم مأثرة من مآثره الخالدة .
توسعة الحرم المكي
(أنا ارتحت لاتخاذ القرار، وإن كان فيه ألف تفكير، ولو سمعت كلام بعض الناس ، لما تمّ شيء، فقد قيل إن مشروعًا مثل هذا يحتاج إلى عشرين أو ثلاثين سنة ، وتكاليفه باهظة ، وأن المفروض أن يُنفّذ بطريقة تدريجيّة ، (أي على مراحل) ، لكنني بحمد الله اتخذت القرار، وتحملت مسؤوليته ، والحمد لله تمّ الإنجاز في بضع سنوات تُعد على الأصابع ، والسبب الأوّل والأخير الذي ساعدنا عليه ، أنّه عمل لوجه الله ولصالح المسلمين ، فعندما يُراد لأي عمل أن يكون عملاً لله ، ثمّ للمصلحة العامّة ولفائدة المسلمين عمومًا ، لا أعتقد إلاّ أن الله سيُبارك فيه) . بهذه الكلمة الصادقة عبّر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – عن فخره واعتزازه باتخاذه قرار اعتماد مشروع توسعة الحرم المكيّ الشريف التاريخيّ ، الذي وضع – رحمه الله – حجر أساسه في يوم الثلاثاء 2/2/1409هـ . الموافق 13/9/1988م ، وبدأ العمل فيها في جمادى الآخرة من نفس العام ، وذلك بعد أربع سنوات من انطلاق العمل في توسعة المسجد النبوي ، ليجري العمل في التوسعتين في وقت واحد . والقرار لم يكن وليد اللحظة وإنما هو قرار مدروس أخذ وقته في الدراسة ، بدليل أنّ هنالك آراء قيلت أشار إليها خادم الحرمين الشريفين كما أنّ هذه الآراء لم تكن من مصدر واحد وإنما من عدّة مصادر متخصّصة ، لأن العقبات التي عُرِضت تُتعلق بنواح إداريّة وفنيّة وماليّة، وهي آراء لها قيمتها بكل تأكيد ، لأنها مبنيّة على معلومات ومقارنات وأرقام خاصّة في ظلِّ ظروفٍ اقتصاديّة عالميّة لا تُساعد على اتخاذ قرار سريع ؛ ولكن مواصفات القائد هنا تتجلّى في النظر في الخيارات المطروحة واتخاذ القرار من منطلق الإحساس النادر بالمسؤولية ، الذي يتسم به خادم الحرمين الشريفين – رحمه الله – خاصة فيما يتعلّق بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدّسة .
بدايات مشروع التوسعة
يقع مشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد الحرام في المنطقة التي كانت تضم السوق الصغير الممتد ما بين باب العمرة ، وباب الملك عبد العزيز في الجهة الغربيّة من المسجد الحرام ، ويتكوّن المشروع من ثلاثة طوابق : القبو، والطابق الأرضي، والطابق الأوّل، إضافة إلى السطح وبعد اكتمال عمل التصميمات اللازمة للمشروع، ورسم خطط التنفيذ التفصيليّة، انطلق العمل بمشروع التوسعة على بركة الله، بمتابعة وإشراف شخصيّ من لدن خادم الحرمين الشريفين – رحمه الله – فقد بلغ اهتمامه بالمشروع حدّاً جعله يتابع أدقّ التفاصيل في المشروع، ويناقش الخبراء والفنيين في نوعية الحجر المستخدم ، وصنف الرخام الأنسب، وتصاميم الأبواب، ونوعيّة النجف، ويوجه – رحمه الله – بنفسه باختيار أفضل موادّ البناء، وأجمل العناصر الفنيّة للمشروع، وينصح بتقديم أفضل ما يتطلبه المشروع من وسائل مهما بلغت كلفتها .
وحرصًا على إتمام المشروع وإنجازه في أقلّ مدّة، أمر خادم الحرمين الشريفين – رحمه الله – بتكوين لجنة تتولى الإشراف الدائم على المشروع برئاسة صاحب السمو الملكيّ الأمير ماجد بن عبد العزيز – يرحمه الله – أمير منطقة مكّة المكرّمة سابقًا، وعضويّة كل من أمين العاصمة المقدّسة سابقًا المهندس عمر بن عبد الله قاضي، والمهندس بكر بن لادن. وقد تمّ وضع جداول زمنيّة مُحدّدة لكل مرحلة من مراحل المشروع .
وبدأ العمل في إنشاء القبو بعد تحديد مسارات أنابيب المياه والصرف الصحيّ ، وتعيين تمديدات شبكات التهوية ، والتكييف ، والإنارة ، ومُكافحة الحريق، وغيرها من الأنظمة، وعُملت فتحات في أعلى الأعمدة المربعة، حيث يتم ضخ الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزيّة للتكييف في أجياد، وبلغت مساحة القبو (18,000)م2، وارتفاعه (4,30) متر كما شُرع في بناء الدور الأرضي، الذي بلغت مساحته (20,000)م2، وارتفاعه (9,80) متر. ثم شرع في بناء الطابق الأوّل على نحو مُماثل للطابق الأرضيّ في الشكل والصفة، وتبلغ مساحته (19,000)م2، وارتفاعه (9,64)م، وعند سقفه جُعلت له ثلاث قباب في الجزء الأوسط من التوسعة، وبُلِّط سطح التوسعة برخام أبيض عاكس لأشعة الشمس، وبهذه التوسعة تصبح المساحة الإجماليّة للحرم المكي الشريف (356,000) متر مربع بما في ذلك المساحات المُحيطة به، والمُخصّصة للصلاة، وكذلك السطح، بعد أن كانت قبل ذلك (153,000) متر مربع، وتتسع هذه التوسعة لحوالي (152,000) مصل ليتسع الحرم لـ (770,000) مصل، تبلغ في أوقات الذروة (مليون) مصل، بعد أن كانت طاقته الأستيعابيّة قبل ذلك في حدود (340,000) مصل.
تفاصيل التوسعة
روعي أن يكون مبنى التوسعة الجديدة منسجمًا تمامًا في شكله العام مع مبنى التوسعة السعوديّة الأولى، وتمّ ربط التوسعتين بمداخل واسعة تُسهّل الحركة بينهما. وبعد الانتهاء من الجانب الإنشائيّ والمعماريّ للتوسعة، شُرع في الجانب الفنيّ والجماليّ، حيث كُسيت الأعمدة بالرخام، والحجر الصناعيّ، وأما الجدران فكُسيت من الخارج بالرخام الأسود المموّج والحجر الصناعيّ، وزُيِّنت بطاناتها بزخارف مُستوحاة من فنّ العمارة الإسلاميّة الأصيلة . ويبلغ عدد الأعمدة للطابق الواحد (530) عمودًا دائريًا ومربعًا . وقد ازدانت توسعة خادم الحرمين الشريفين بمئذنتين وثلاث قباب وبوابة رئيسيّة كبيرة، سُميت بباب «الملك فهد»، عرفانًا لدور خادم الحرمين الشريفين – رحمه الله – وجُهده . وجُعل في هذه التوسعة (18) مدخلاً فرعيًّا، بالإضافة إلى مداخل المسجد الحرام السابقة البالغ عددها (3) مداخل رئيسيّة هي: باب الملك عبد العزيز، وباب العُمرة، وباب السلام، و(61) مدخلاً فرعيًّا، وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للبدروم، إضافة إلى المداخل (الأربعة) السابقة، فبذلك صارت أبواب المسجد الحرام (112) بابًا، وصنعت الأبواب من أجود أنواع الخشب، وكُسيت بمعدن مصقول ضبط بحليات نحاسيّة، وصُنعت النوافذ والشبابيك من الألمونيوم الأصفر المخروط، وزينت بمعدن مصقول بحليات نحاسيّة كما عُمل لهذه التوسعة مبنيان للسلالم الكهربائيّة في شماله وجنوبه، وسُلّمان داخليان؛ وبذلك يصبح مجموع السلالم الكهربائيّة في المسجد الحرام تسعة سلالم، هذا عدا السلالم الثابتة الموزعة في أنحاء مبنى المسجد الحرام .
إنجازات أخرى
في سنة (1411هـ/1991م) أُحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام وهُيئت للصلاة – لاسيما في أوقات الزحام – بتبليطها برخام بارد ومقاوم للحرارة، وإنارتها وفرشها، وتبلغ المساحة الإجماليّة لهذه الساحات (88,000) متر مربع .
وفي سنة (1415هـ/1994م) تمّ في المسجد الحرام توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلاً للساعين، وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا .
وفي سنة 1417هـ/1996م) تمّ أيضًا إعادة تهيئة منطقة المروة لغرض القضاء على الزحام في هً للساعين، وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة ذا الموقع، حتى صارت مساحة المنطقة (375) مترًا مربعًا بدلاً من المساحة السابقة وهي (245) مترًا مربعًا .
وفي سنة 1417هـ/1996م) حصلت أيضًا توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأوّل، وأُحدثت أبواب جديدة في الطابق الأرضيّ والأوّل للدخول والخروج من جهة المروة.
كما تم في سنة (1418هـ/1997م) إنشاء جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام. ويبلغ طول الجسر (72,5) متر، ويتراوح عرضه من عشرة أمتار ونصف إلى أحد عشر مترًا ونصف المتر، وتمّ تنفيذه وفق أحدث التصاميم الإنشائيّة، وبما يتناسق مع الشكل الخارجيّ للمسجد الحرام .
وتم في سنة (1418هـ/1997م) أيضًا توسعة الممر الملاصق للمسعى الذي يستعمل للطواف بالطابق الأوّل في أوقات الزحام من منطقة الصفا إلى ما يقابل منتصف المسعى، حيث تمّت توسعته، فأصبح عرضه تسعة أمتار وعشرين سنتيمترًا، ويبلغ طوله 70 مترًا .
وفي 22 شوال سنة 1418هـ/ الموافق 19 فبراير 1998م، تمّ تجديد غطاء مقام إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – من النحاس المُغطى بشرائح الذهب والكريستال والزجاج المزخرف، وتمّ وضع غطاء من الزجاج البلوريّ القويّ الجميل المقاوم للحرارة والكسر، على مقام إبراهيم – عليه السلام- وشكله مثل القبة نصف الكرة ووزنه (1,750) كجم، وارتفاعه (1,30)م، وقطره من الأسفل (40) سم، وسمكه (20) سم من كل الجهات، وقطره من الخارج من أسفله (80) سم، ومحيط دائرته من أسفله (2,51) م.
توسعة الحرم المدني
إنّ معايشة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – لكل الظروف والمعاناة التي تمر بالمسلمين عند أداء نسكهم وصلواتهم في الحرمين الشريفين كانت وراء هذا الإنجاز، فقد لاحظ – رحمه الله – في إحدى زياراته للمدينة المنوّرة التفاوت الكبير بين مساحة الحرم المكيّ الشريف والحرم النبويّ الشريف، فأمر بإجراء دراسات لتوسعة كبرى للحرم النبويّ تُعدُّ الأكبر من نوعها في التاريخ الإسلاميّ كله، وعني رحمه الله بالإشراف بنفسه على مشروع توسعته، وحدد الخطوط العريضة للمشروع بما يحقق زيادة في مساحة الحرم الشريف يستوعب الأعداد الهائلة للمصلين وخاصة في المواسم .
وفي يوم الجمعة 9/2/1405هـ، الموافق 2/11/1984م، وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – حجر الأساس لأكبر مشروع توسعة تتم للمسجد النبويّ الشريف عبر التاريخ، وبوشر في تنفيذ المشروع في اليوم التاسع من المحرم عام 1406هـ . وكلف – رحمه الله – صاحب السموّ الملكيّ الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنوّرة – آنذاك – بالإشراف على المشروع ومتابعته . فلقد كانت عمليّة مُعايشة كاملة لكل مراحل العمل منذ اللحظة الأولى، وهي التي كانت وراء هذا المستوى من الجودة التي لا تعادلها جودة آخرى في أي مكان. مُعايشة كاملة لكل مراحل العمل منذ اللحظة الأولى، وهي التي كانت وراء هذا المستوى من الجودة التي لا تعادلها جودة آخرى فكما يروي أهل المدينة المنوّرة، فقد أمضى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – بينهم شهرًا ونصف الشهر، يواصل الليل بالنهار للإشراف على كل دقائق العمل في التوسعة الشاملة للمسجد النبويّ الشريف. وقد حرص على أن تتوافر لتوسعة المسجد النبويّ الشريف مواصفات على مستوى رفيع من الجمال والجلال، وتصاميم بالغة الدقة، تُنفذ على أفضل المعايير الهندسيّة والفنيّة، وتستخدم أجود الخامات، لتكون النتيجة قمّة أدائيّة ليس لها نظير. ولم يقتصر الأمر على المتابعة، وإنما التداخل مع كل تفصيلات الأعمال، وأبعادها، وتأثيراتها، فكانت نظراته الثاقبة، وبعد نظره يستدعي أحيانًا إجراء تعديلات علىالمشروع، فمثلاً: في إحدى زياراته – رحمه الله – لمشروع توسعة المسجد النبويّ الشريف، عُرضت عليه مخططات مواقف السيّارات، وكانت الترتيبات التي أُجريت – حسب الدراسة الموضوعة – أن تكون المواقف مكوّنة من دور واحد، وأن تستوعب ألفي سيّارة، وبمجرد اطلاعه – يرحمه الله – على المخططات، رغب أن تكون هذه المواقف من دورين لتستوعب ضعف العدد – أي (4200) سيّارة – مع ما يتبع ذلك من خدمات ، وقد تطلب هذا التوجيه إعادة النظر في المخططات ، وعمل مخططات أخرى. وفي زيارة أخرى، وببعد نظره الصائب، أصدر أمره الكريم أن يتم تطوير المنطقة المركزية حول الحرم من جميع الجهات، بحيث يُحاط المسجد بمساحات كبيرة، ليبدو المسجد في القلب رائعًا باهرًا، وكانت ثمرة هذا الأمر الكريم أن اتسعت هذه الساحات لاستيعاب ما يزيد على (400) ألف مصلٍّ .
الخصائص المعماريّة والإنشائيّة
لضمان أفضل المعايير الهندسيّة والإنشائيّة والمعماريّة، تمّ وضع قواعد أساسيّة لمشروع التوسعة، كالدراسة التفصيليّة التي تتناول كل عناصر التربة والأحمال، وأنواع الموادّ المُستخدمة، وأنواع الخرسانات، وحاجة كل موقع لهذا النوع أو ذاك. كما روعي أن تكون التصاميم مُعبّرة بدقة بالغة عن كل الدراسات التي أُجريت من قبل، وترجمة دقيقة لكل تفصيلاتها، ووضوح بين لا يؤدّي إلى احتمال للخطأ، وحتى يكون التداخل طبيعيًّا ومتألقًا في الشكل والموضوع، فقد روعي أن تُعبِّر التوسعة معماريًّا عن التجانس بينها والحرم القائم في كل العناصر كما تمّ استخدام أفضل ما وصلت إليه التقنية الحديثة من آليات ومعدات وخامات، لتوفير أداء وتنفيذ مميزين يحققان الجودة المطلوبة، والعمر الأطول – بإذن الله .
المراحل التنفيذيّة
بدأت المراحل التنفيذيّة لمبنى التوسعة بإزالة المباني القائمة في مُخطّط التوسعة، وتعويض مالكيها تعويضًا عادلاً، واستغرق العمل في هذه المرحلة ثلاث سنوات – ما بين عام (1405- 1408هـ)، وسبب استمرار المرحلة هذه السنوات الطوال، أنّ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – أمر بإتاحة الفرصة للسكان ليتدبروا أمرهم، ويجدوا البدائل المناسبة لهم، وعدم قطع خطوط الخدمات عنهم إلاّ بعد أن ينتقل الجميع. وبلغ إجمالي مساحات الدور المنزوعة لصالح المشروع (100,000)م2، شملت حارة الأغوات، وشارع الملك عبد العزيز، وشارع السنبلية، وجميع ما حولها من البيوت والمحلات، وتمتد من الجنوب إلى الشمال حتى شارع السحيمي والشارع الجديد الذي على امتداده ، كما تمتد من حدود الحرم الشرقيّ الذي به باب جبريل، وباب النساء، وباب عبد العزيز حتى تصل إلى شارع أبي ذر الغفاريّ، فالبقيع .
بدئ بتنفيذ التوسعة من جهتها الشرقيّة والغربيّة في يوم السبت 17/1/1406هـ، وتضمّن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة وعمارة المسجد النبويّ الشريف، إضافة مبنى جديد بجانب المسجد القديم، يُحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب، بمساحة قدرها (82,000)م2، لتستوعب (167,000) مصلٍّ، وبذلك تصبح المساحة الإجماليّة للمسجد النبويّ الشريف (98,500)م2، كما أنّ سطح التوسعة والمقدّرة مساحته بـ(67,000)م2، يستوعب (90,000) مصلّ، وبذلك يكون استيعاب المسجد النبويّ الشريف بعد التوسعة لأكثر من (257,000) مصلٍّ، ضمن مساحة إجمالية تبلغ (165,500) متر مربع. كما تتضمّن أعمال التوسعة إنشاء دور سفليّ (بدروم) بمساحة الدور الأرضي للتوسعة وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى .
كما يشتمل المشروع كذلك على إحاطة المسجد النبويّ الشريف بساحات تبلغ مساحاتها (23,000) متر مربع، تُغطى أرضيتها بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسيّة بطرز إسلاميّة متعدِّدة جميلة، خُصِّص منها (135,000) متر مربع للصلاة، تستوعب (250,000) مصلٍّ. ويمكن أن يزيد عدد المصلين إلى (400,000) مصلٍّ في حالة استخدام كامل مساحة الساحات المحيطة بالحرم النبويّ الشريف، ممّا يجعل الطاقة الاستيعابيّة لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد على (650,000) مصلٍّ، لتصل إلى مليون مصلٍّ في أوقات الذروة، وتضم هذه الساحات مداخل للمواضئ، وأماكن لاستراحة الزوّار، تتصل بمواقف السيّارات التي توجد في دورين تحت الأرض. هذه الساحات مخصصة للمشاة فقط وتضاء بوحدات إضاءة خاصّة مُثبتة على مائة وعشرين عمودًا رخاميًّا .
أما الحصوات المكشوفة التي تقع بين المسجد القديم والتوسعة السعوديّة الأولى، فقد تمّ إقامة اثنتي عشرة مظلة ضخمة بنفس ارتفاع السقف، يتم فتحها وغلقها أوتوماتيكيًّا، وذلك لحماية المصلين من وهج الشمس ومياه الأمطار، والاستفادة من الجو الطبيعيّ حينما تسمح الظروف المناخية بذلك.
ضُمَّ الطابق الأرضيّ للتوسعة بارتفاع (12,55)م، والدور السفليّ للخدمات بارتفاع (4)م، ويبلغ عدد الأعمدة (2104)م لتشكّل أروقة وأقبية داخليّة تنسجم مع الإطار العام للتوسعة.
قباب ومآذن ومنارات
زوِّد المسجد كذلك بـ(27) قبة متحرِّكة، تتوافر لها خاصيّة الانزلاق على مجار حديديّة مثبتة فوق سطح التوسعة، ويتم فتحها وغلقها بطريقة كهربائيّة عن طريق التحكم عن بُعد، مما يُتيح الاستفادة من التهويّة الطبيعيّة في الفترات التي تسمح فيها الأحوال الجويّة بذلك كما تمّ زيادة عدد المآذن من (4) في التوسعة الأولى، إلى (10) في التوسعة الحالية، ارتفاع كل منها من مستوى الأرض إلى هلالها (104)م، وذلك لأن الشكل الذي استقر عليه المشروع، احتضن العمارة القديمة للمسجد بجزئيها «المجيديّ والسعوديّ» من ثلاث جهات، الأمر الذي حتّم بناء مآذن في أركانه الأربعة، بالإضافة إلى المدخل الرئيسيّ للمشروع «باب الملك فهد»، الذي يقع في منتصف الضلع الشماليّ منه، وقد جاء كبيرًا وضخمًا ممّا أوجب بناء منارتين على جانبيه لتكونا في محاذاة منارتيّ الحرم القديم. وتضمن المشروع زيادة (16) مدخلاً جديدًا للحرم الشريف، بحيث يصبح إجمالي مجموع المداخل ثلاثة وعشرين مدخلاً .. أما أبواب المسجد فكانت (16) بابًا، أُضيف إليها في المشروع (65) بابًا، فيصبح مجموع الأبواب (81) بابًا. كما أُنشئ في المشروع ثمانية عشر سلمًا تؤدي إلى السطح المخصص للصلاة. وتضمن المشروع أيضًا (450) صنبورًا للشرب .
روعي في المشروع تطويرالمساحات المحيطة بالحرم الشريف، وإيجاد جميع المرافق اللازمة مثل إنشاء مساحات من الجهات الشماليّة والغربيّة والجنوبيّة، وإقامة مواقف للسيّارات تحتها، مع المواضئ ومناهل الشرب ودورات المياه، وتركيب سلالم كهربائيّة للصعود والنزول من وإلى المواقف، «ويبلغ عدد أبنية هذه السلالم خمسة»، وتأمين خدمات التهوية والإنارة والسقيا، وتخصيص مناطق للنساء، واستخدام الرخام الأبيض «البارد» غير الحافظ للحرارة .
وممّا يلفت النظر ويسترعي الانتباه، أنّ توسعة خادم الحرمين الشريفين – رحمه الله – رغم كونها حافظت في شكلها العام على التقيد بالمستخدم في التوسعة الأولى، من أشكال العقود، والأعمدة، وأشكال المداخل، ومستوى الارتفاع، وأشكال المآذن – فإنها تتميز عنها ، وعن غيرها من العمائر السابقة، بخصائص ومميزات عديدة يمكن ذكر أبرزها فيما يلي:
- تلطيف الجو من خلال ما يصل من الهواء البارد عبر الفتحات المُعدّة بإحكام في قواعد أعمدة الدور الأرضيّ، وقد أُنشئ لهذا الغرض مبنى جُهز بالمبردات خارج الخدمات، بطاقة تُبرِّد (819,000)م3 في الساعة، تُمد في مواسير عبر النفق لتصل إلى البدروم، حيث يتم توزيعها على (144) وحدة تلطيف لتغذية مناطق الصلاة بالهواء البارد.
- نفق الخدمات، ويصل بين البدروم في التوسعة الجديدة وبين مدينة حجّاج البر بطول (7) كم، لتوصيل الماء البارد من محطة التبريد المذكورة سابقًا، والكهرباء الاحتياطية من المولدات المنشأة بطاقة (125,000) كيلووات لخدمة المسجد النبويّ الشريف، وهو إنجاز ضخم ومفيد جدًا في مجال تقديم الخدمات المذكورة لمبنى المسجد النبويّ الشريف .
- مواقف السيّارات، فقد تمّ تزويد المشروع بثلاثة مواقف من دورين تحت الأرض، أحدهما في الشرق، والآخر في الغرب، والثالث في الجنوب، وتتسع جميعًا لـ (4,000) سيّارة، وطمعًا في توفير الراحة لمستخدميها، زوِّدت بدورات مياه، ومغاسل للوضوء، وسلالم كهربائيّة، ومداخل ومخارج متعدِّدة.
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى بركة الله العلي القدير.. إننا نرجو أن يكون هذا المشروع خيرًا وبركة لخدمة القرآن الكريم أولاً، ولخدمة الإسلام والمسلمين ثانيًا. هذه الكلمات كانت الانطلاقة الأولى لصرح عظيم، ضرب بقواعده في أرض طيبة الطيبة لينشر نور القرآن في مشارق الأرض ومغاربها، كانت هذه كلمات من فم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – إبان وضع حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. إن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ليس مجرد مطبعة تنتج العديد من المصاحف، وتوزعها على المسلمين كافة فحسب، بل هو مركز من مراكز الحضارة الإسلامية، وواجهة من واجهات العلم الشرعي، وقلعة من قلاع المعرفة القرآنية، ولذلك أثرت الحج والعمرة، أن تسيح في ردهاته، وأن تنقل هذا الجانب المشع من الجوانب التي شرقها الله بخدمة كلامه .
إنشاء المجمع وافتتاحه
إن الغيرة على كتاب الله من أكبر المشاعر التي تفيض بها نفوس أبناء هذه البلاد، واستشعارًا من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله بأهمية خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من خلال جهاز متخصص ومتفرغ لذلك العمل الجليل، وضع – رحمه الله – حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في السادس عشر من المحرم سنة 1403هـ (1982م)، وافتتحه بعد ذلك بفترة قياسية، نسبة إلى ضخامة المشروع، فكان الافتتاح في السادس من صفر سنة 1405هـ (1984م) مبدوءًا بقوله: «لقد كنت قبل سنتين في هذا المكان لوضع الحجر الأساسي لهذا المشروع العظيم، وفي هذه المدينة التي كانت أعظم مدينة فرح أهلها بقدوم رسول الله ﷺ وكانوا خير عون له في شدائد الأمور، وانطلقت منها الدعوة، دعوة الخير والبركة للعالم أجمع، وفي هذا اليوم أجد أن ما كان حلمًا يتحقق على أفضل مستوى : ولذلك يجب على كل مواطن في المملكة العربية السعودية أن يشكر الله على هذه النعمة الكبرى، وأرجو أن يوفقني الله أن أقوم بخدمة ديني ثم وطني وجميع المسلمين، وأرجو من الله التوفيق.
ويُعدُّ إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة من أجلّ صور العناية بالقرآن الكريم حفظاً، وطباعة وتوزيعًا على المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة، وينظر المسلمين – وهذا واقع ملموس – إلى المجمع على أنه من أبرز الصور المشرقة والمشرفة الدالة على تمسك المملكة العربية السعودية بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ اعتقادًا ومنهاجًا، وقولاً وتطبيقًا .
مساحة المجمع ومرافقه
تقدر مساحة المجمع بمئتين وخمسين ألف متر مربع، ويُعد المجمع وحدة عمرانية متكاملة في مرافقها، إذ يضم مسجدًا، ومبانيّ للإدارة، والصيانة، والمطبعة، والمستودعات، والنقل، والتسويق، والسكن، والترفيه، والمستوصف، والمكتبة، والمطاعم وغيرها. ونال تصميم مبنى المجمع – ذو الطابع الإسلامي الأصيل – جائزة المدينة المنورة في رجب 1416هـ (ديسمبر1995م)
أهداف المجمع
لاشك أن مشروعًا كهذا المجمع بني على أهداف سامية، لعل من أبرزها طباعة المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي، وتسجيل تلاوة القرآن الكريم وبالروايات المشهورة كذلك في العالم الإسلامي، ونظرًا لتعدد الألسن اللاهجة بذكر الله فقد اُهتم بترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره إلى لغات عالمية كثيرة جدًا، ولا يشمل المجمع فقط القرآن، بل إنه يولي العناية بعلوم القرآن الكريم أهمية كبيرة، والعناية بالسنة والسيرة النبوية مثل ذلك، كما أن من أهداف المجمع العناية بالبحوث والدراسات الإسلامية، والوفاء باحتياجات المسلمين في داخل المملكة وخارجها من إصدارات المجمع المختلفة، وكون العالم بأسره اليوم، والمتقدم خاصة، يتجه نحو الإنتاج الرقمي، فإن المجمع يهدف أيضًا إلى نشر إصداراته على الشبكات العالمية .
تطور خدمات الحج في عهد خادم الحرمين الشريفين
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – صدر مرسوم ملكي بتاريخ 22/1/1414هـ يفصل وزارة الحج عن الأوقاف لتصبح بمسمى وزارة الحج ومن ذلك التاريخ أصبح عمل هذه الوزارة مقتصرًا على شؤون الحج والعمرة، وخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار. والإشراف الكامل على المؤسسات الأهلية التجريبية للطوافة والعمل على تطوير المهنة، والمشاركة في وضع الخطط التشغيلية السنوية لمؤسسات أرباب الطوائف وتطويرها، والإشراف العام على خدمة الحاج منذ وصوله إلى منافذ المملكة وحتى مغادرته، والتنسيق في كل ما يخص خدمة الحاج وتسهيل مهمته مع بعثات الحج.
ونظرًا لتعدد الجهات المسؤولة عن خدمات الحجاج وتشابك علاقاتها، فقد تم تطبيق مشروع الحاسب الآلي ليشمل جميع مرافق الخدمات، خاصة عند معابر الدخول، لتنظيم عملية قدوم الحجاج وسهولة نقل معلوماتهم بين جميع الجهات ذات الاختصاص .
وكانت الطوافة شرفًا يحظى به العلماء والأعيان والوجهاء من أهل مكة المكرمة، وكانت بيوتهم مفتوحة طوال العام لمن يرغب في الإقامة جوار بيت الله الحرام. ومع مرور الزمن توسعت قاعدة المطوفين الذين يقومون بخدمة الحجاج، وعرف الحجاج في بلادهم أنه يوجد بمكة المكرمة كثير من المطوفين الذين ينتظرون قدومهم، وكان اختيار المطوف يتم من قبل الحاج نفسه .
المؤسسات الأهلية
بداية المؤسسات الأهلية لأرباب الطوائف كانت منذ صدور المرسوم الملكي في عام 1398هـ، الذي حول مهنة الطوافة من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، ليكون عمل الطوافة بأيدي قيادة جماعية تواكب الخدمات التي تقدمها الدولة من أجل رعاية الحجيج، ثم صدر الأمر السامي الكريم بتاريخ 13/6/1399هـ بالموافقة على إقامة مؤسسات تجريبية لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج، وتم إنشاء ست مؤسسات تجريبية للطوافة – أنشئت جميعها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله .
أما دور وزارة الحج في تحسين وتطوير أداء مؤسسات الطوافة منذ أن أصبحت وزارة الحج وزارة مستقلة سنة 1414هـ وحتى يومنا هذا، فشملت العديد من النواحي من أهمها : الاستمرار في التطوير الشامل لهذه المهنة لتحقيق الأداء الجيد المتميز، والتنسيق الجيد بين وزارة الحج وبعثات الحج والمؤسسات وجميع الأجهزة المعنية بالحج. وإنشاء حاسب آلي للوزارة وربطة بالمؤسسات الأهلية لأرباب الطوائف والجهات ذات العلاقة وعمل استمارة استفتاء للمطوفين بهدف التعرف على رغباتهم وما لديهم من مقترحات وآراء. وعقد دورات تدريبية للمطوفين في مكة وللأدلاء في المدينة ودورات تثقيفية للقيادات العليا بمؤسسات الطوافة . وإنشاء مركز تدريب لأرباب الطوائف وهيئة إشرافية له بهدف التوسع في العمليات التدريبية لأرباب الطوائف والعاملين في إطارها.
ثم جاء صدور الأمر السامي بتاريخ 9/10/1365هـ بالموافقة على نظام وكلاء المطوفين، وبدأ العمل بهذا التنظيم، ومع مرور الوقت ظهرت سلبيات عديدة لهذا النظام من بينها تعدد الوكلاء الذين ارتبطت بهم الخدمة وانفراد كل واحد منهم بنظام خاص وغياب التنظيم الموحد لأداء كل خدمة، حيث يضطلع بخدمة الوافد أكثر من وكيل. إلى أن صدر القرار الوزاري بتاريخ 7/8/1395هـ بتنظيم مكتب وكلاء المطوفين والقاضي بإنشاء مكتب واحد باسم طائفة الوكلاء للقيام بنفس الخدمات التي كان يؤديها أفراد الطائفة متفرقين، ولكن بصورة موحدة، مما أدى إلى تحقيق الكثير من الإيجابيات .
أما الأدلاء فهم فئة من المجتمع لخدمة ضيوف الرحمن زوار مسجد الرسول ﷺ ، وقد صدر نظام لهيئة الأدلاء في المدينة المنورة بالأمر السامي بتاريخ 25/12/1356هـ .
ونظرًا لازدياد عدد الحجاج والتطور في مختلف خدمات قطاع النقل ، صدر الأمر السامي الكريم بتاريخ 13/6/1399هـ بالموافقة على إقامة مؤسسات لخدمات الحجاج بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وتوالت قرارات إنشاء المؤسسات في ضوء القرار الوزاري بتاريخ 5/8/1405هـ الذي حول العمل الفردي إلى عمل جماعي لمهنة الأدلاء، حيث بلغ عدد المكاتب في قرار الإنشاء 12 مكتبًا يخدم كل منها فئة أو فئات معينة من الحجاج، ومع التطور والزيادة في عدد الحجاج زاد عدد مكاتب الخدمات الميدانية لتصل إلى 26 مكتبًا ميدانيًا، تؤدي خدماتها لزوار المسجد النبوي الشريف. وفي عام 1407هـ بدأت المؤسسة في ممارسة إسكان الحجاج حتى صدور الأمر السامي الكريم في 11/7/1410هـ والخاص بضوابط إسكان الحجاج.
ثم تأتي مهنة الزمازمة، وهي من المهن التي ظهرت قبل الإسلام، واستمرت إلى يومنا هذا. وقد ظهرت عدة تنظيمات لعمل الزمازمة عرفت بالتقارير، ولهم طائفة مستقلة، لهم شيخ ينصب من قبل أمير مكة المكرمة، ووظيفتهم سقي الحجاج في المسجد الحرام من ماء زمزم وإيصاله إلى بيوت بعضهم، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين صدر قرار معالي وزير الحج والأوقاف بتاريخ 21/9/1403هـ بإنشاء مكتب الزمازمة الموحد، ليمثل طائفة الزمازمة وفق لائحة إدارية ومالية وضعت من قبل وزارة الحج، وأصبح الزمازمة الذين يقدر عددهم بنحو سبعمائة زمزمي أعضاء مساهمين ولهم مجلس إدارة يتولى مهام الطائفة .
النقل والطرق في خدمة الحجيج
تتنوع الجهات المشرفة على النقل في موسم الحج، إذ تشمل: الهيئة العليا للنقل ولجانها التنفيذية ووزارة الحج ووزارة المواصلات والنقابة العامة للسيارات والإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية، ولأهمية وسائط النقل في الحج، فإنها أصبحت حديث الساعة بين جميع فئات المجتمع من الحجاج أو المطوفين أو المسؤولين في الدولة .
إن ما أنجزته المملكة العربية السعودية من مشروعات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – في مجال النقل بين المدن والمشاعر المقدسة يعتبر من المشاريع الضخمة والمذهلة، إذ بلغت حصيلة ما أنفقته الدولة على الشبكة الكاملة من الطرق والأنفاق والجسور في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة أكثر من 7,6 مليار ريال، ولا تزال هناك مشاريع تطويرية عديدة قيد الدراسة والإنشاء .
الخدمات المساندة للحجاج
وهي المشاريع التي نفذت لخدمة حجاج بيت الله الحرام وتسهيل أداء نسكهم، مثل المشاريع الخدمية في المشاعر المقدسة، مثل مرافق الوضوء، ووسائل النقل والإنارة ليلاً وإجراءات السلامة والطوارئ ومشاريع التوسعة في المشاعر والمجزرة الحديثة لذبح الهدي والأضاحي، وكذلك التوسع في المساجد التي يرتادها الحجاج، مثل مسجد نمرة ومسجد الخيف .
وقد تم إنشاء خزانات خرسانية ضخمة لحفظ المياه في المشاعر المقدسة، وتنفيذ شبكة مياه في منى يصل طولها إلى 82 كم، غطت كامل المشعر في عام 1403هـ بتكلفة إجمالية بلغت 55 مليون ريال، وتم استبدال بعض خطوط المياه بتكلفة 5,9 مليون، وتبلغ أطوال شبكات المياه في عرفة 290كم .
مبرة خادم الحرمين الشريفين
أنشئت هذه المبرة على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – وذلك لتعبئة مياه الشرب داخل أكياس من البلاستيك الشفاف سعة لتر واحد وتوزيعها هدية منه لزوار وحجاج بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف. وتقع المبرة في وادي الرهجان جنوب شرق خط الطائف الكر، وبلغ إنتاجها 5,2 مليون عبوة عام 1404هـ، وزاد إنتاجها إلى أن وصل إلى 80 مليون عبوة عام 1412هـ، و 90 مليون عبوة عام 1415هـ. ويتم تبريد هذه العبوات بعد عملية الإنتاج من خلال أسطول من الشاحنات المبردة ومن ثم توزيعها على الحجاج والزوار في شهر رمضان حول الحرم المكي والمسجد النبوي ومطار الملك عبد العزيز ومواقف حجز السيارات، وفي موسم الحج تغطي جميع المشاعر المقدسة وأماكن تواجد الحجاج .
وصدر الأمر السامي الكريم في شهر صفر من عام 1418هـ بتكليف وزير الأشغال العامة والإسكان بمهمة التوصل إلى إيجاد السبل لاستيعاب أعداد الحجاج بمشعر منى في خيام تكون مقاومة للحريق، ولا ينتج عن اشتعالها غازات سامة. من حينها بدأ العمل في مشروع الخيام في منى والذي تم على ثلاث مراحل، تمت الاستفادة منها في مواسم حج 1418هـ، و 1419هـ، و 1420هـ، وما تلاها من أعوام، حيث تم تركيب 43,200 خيمة بعد انتهاء المرحلة الثالثة من المشروع، حيث تبلغ مساحة الخيمة الواحدة على الغالب 8م×8م أو 8م×12م. بلغت التكلفة الإجمالية لكامل المشروع 2400 مليون ريال .
وفي عام 1403هـ تمت الإفادة من 63,000 رأس من الأغنام، وتوالت نجاحات المشروع سنة بعد أخرى إلى أن وصلت الطاقة الإنتاجية للمشروع إلى 525,000 رأس غنم في موسم حج 1412هـ، كما تم تشييد مجزرة الجمال والأبقار في عام 1411هـ بطاقة استيعابية لـ 15,000 رأس من الجمال والأبقار. وإقامة العديد من المجازر الحديثة بغرض زيادة الطاقة التصميمية، لتصل إلى أكثر من نصف مليون رأس من الأغنام، وتزويد المجازر بمستودعات تجميد لأكثر من 300 ألف ذبيحة، وبلغت تكلفة إقامة تلك المجازر بتجهيزاتها حوالي 448 مليون ريال .
وفي عام 1420هـ أنشئت مجزرة حديثة تعد من أكبر المجازر في العالم بتكلفة حوالي 660 مليون ريال، لتوفير المكان الصحي والملائم لمن يرغب من الحجاج في شراء هديه أو أضحيته بنفسه ومشاهدة عملية الذبح بنفسه، وأخذ جزء من ذبيحته، وتبلغ طاقة هذه المجزرة 600,000 رأس. ويتم توزيع لحوم الهدي والأضاحي على فقراء الحرم والفقراء المحتاجين واللاجئين من المسلمين في العديد من الدول، حيث يتم نقلها إليهم برًا وبحرًا وجوًا، وقد بلغت الكميات التي تمت الإفادة منها منذ قيام المشروع حتى عام 1421هـ حوالي 2,8 مليون رأس من الأغنام. وتمت في عهده توسعة لجسر الجمرات، ذلك الحلم الذي أصبح واقعًا على أرض الواقع .
هذا إضافة إلى ما تم من تطوير في خدمات الاتصالات، وترميم مصنع كسوة الكعبة المشرفة وأضيفت إليه العديد من الآلات والمعدات الحديثة، كذلك صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – عام 1421هـ بتشكيل هيئة عليا لتطوير مكة المكرمة برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة.. وغيرها الكثير من الأعمال التي تقف شاهدًا على منجزاته.. يرحمه الله ويجعل هذه الأعمال في ميزان حسناته .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.