دراسات إسلامية

بقلم:  الأستاذ أسامة  نور/ القاسمي (*)

       أمر القرآن الكريم في كثير من آياته بحفظ الصحة أمرًا مُؤَكَّدًا ونهى عن كل ما يُؤَدِّي إلى هلاك النفس أو إلى تضرّرها، ونصح بأخذر الحذر من كل شيء يُسَبِّب سوءًا أو مكروهًا بالنسبة إلى صحة الجسم والنفس، فقال تعالى:

       ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ (النساء:29)

       وقال تعالى:

       ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195)

       وأَمَرَ باجتناب كل نوع من المدمرات والمهلكات من المُخَدِّرَات وغيرها التي تُدَمِّرَ الصحة الإنسانية، وتُفْسِد على الإنسان معنويته، وتسلبه المروءةَ والآدميةَ، وتُحَوِّله بهيمة من البهائم التي لا تُمَيِّز بين الخير والشرّ، فقال تعالى:

       ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ (المائدة: 90-91).

       كما حَرَّمَ اللهُ الفاحشةَ بأنواعها؛ لأنها تجرّ الإنسانَ إلى ويلات لا أوّلَ لها ولا آخرَ. قال تعالى:

       ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ (الأنعام:151).

       وقال تعالى:

       ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(الأعراف:33).

       وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:

       «لم تظهر الفاحشةُ في قوم قطُّ حتى يُعْلِنُوا بها، إلّا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاع التي لم تكن مَضَتْ في أسلافهم الذين مَضَوْا» (الحاكم:8623؛ ابن ماجه: 4019؛ البزّار: 6175).

       إن الفاحشة التي عاد يمارسها الإنسان اليوم خارجًا على الفطرة التي فطره اللهُ عليها، أصابته بأمراض مُدَمِّرَة حار الأطباء النِّطَاسِيُّون في التوصّل إلى أسبابها، ثم علموا أن السبب الـمُؤَدِّي إليها هو الزنا والـمِثْلِيَّة التي سمحت بها كثير من الدول والأمم؛ بل قَنَّنَتْها وضمن للمثليين جميع الحقوق التي تمنحها الزوج والزوجة من الرجل والمرأة. وكل ذلك تعمل به خارقة للقوانين الإلهية والأوامر والنواهي الربّانيّة مُتَحَدِّيَة به ما شرعه الله عن طريق نبيه الأعظم محمد –صلى الله عليه وسلم-.

       يعترف قرار لمنظمة الصحة العالمية (WHO) في اجتماعها الثامن والعشرين، والمنعقد في مايو 1975م بـ«أن الأمراض الجنسيّة هي أكثر الأمراض المعدية انتشارًا، التي تشكل تهديدًا خطيرًا على الصحة العامة في العالم اليوم، والمُؤْسِف أن كثيرًا من الدول لم تدرك بعدُ أبعادَ هذه المشكلة».

       وقال من عشرات السنين رئيس دائرة الثقافة الصحية ووكيل وزارة الصحة في الولايات المتحدة: «إِنّ السلوكُ الإنساني هو حجر الزوية في الأمراض الجنسية وانتشارها».

       وانتشارُ الفاحشةِ هذا الانتشارَ المُرَوِّعَ أَدَّىٰ إلى ظهور أمراض خطيرة لم يعهدها الإنسانُ في الماضي، منها مرض الأيدز – مرض فقدان المناعة المكتسبة – وهو المرض الذي حار الأطباء كثيرًا في علاجها، وأخيرًا اكتشفوا له بعض الأدوية التي لا تعطي مفعولاً مُؤَكَّدًا في كل وقت، وإنما تنفع بعضَ الأحيان، ولا تنفع إلا جزئيًّا، ولا يزال المتخصصون عاكفين على البحث والتحليل والدراسة في سبيل علاج مُؤَكَّد ودواء نافع نفعًا مُحَتَّمًا في هذا المرض الخبيث الذي يُلَقَّب في المجتمع الطبي بـ«طاعون العصر». وقد حَذَّرَ النبي الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلم- أن الفاحشة فشوُّها يُسَبِّب الطاعون والأوجاع غير المعهودة في الماضي. وهذا المرضُ لم يُعْرَفْ إلّا في عام 1981م. ونسبة الإصابة به ترتفع مع الأيّام، والخطرُ يكمُن في أن المضادّات الحيوية المعروفة لحد اليوم لدى الأطباء ليس بوسعها القضاء على هذا الطاعون والوباء المستشري.

       والأفضح أن هذا المرض يُعْرَفُ مرضًا واصمًا للمصاب به، ينفضّ حتى الأقارب من حوله؛ لأنهم يظنّون أنه قد فقد إلى جانب فقد الصحة وهناء الحياة، الدينَ والمروءةَ.

       كما سَبَّبتِ الفاحشة – التي عاد الإنسان البهيمي اليوم لا يظنّها عيبًا، وإنما يراها مُوضَة حديثة ورمزًا على التحضّر والتنوّر وحرية الإنسان بالنصاب الذي هو مطلوب لديها – كثيرًا من الأمراض التي تلحق الأجهزة التناسلية للرجل والمرأة والمثليين من الرجل والمرأة.

       وبالمناسبة أودّ أن أقول: إن الطاعون يُطْلَق على كل وباء على سبيل المجاز، وهو أصلًا وباء خاصّ تؤدي إليه ميكروبات معينة.

       والإيدز هو مرض يصيب الزُّنَاة والمِثْلِيِّين والشاذّين جنسيًّا واللوطيِّين والمُدْمِنِين للمُخَدِّرات. وربما ينتقل من إنسان لآخر عن طريق عمليّات نقل الدم والعمليات الجراحية واللمس. وقد يصيب أطفالَ الأُسَر التي يوجد فيها مصابٌ بالإيدز. وقد يصيب الأَجِنَّةَ في بطون الأمهات أو أثناء الولادة.

       وبما أن المجتمع الإسلامي المتمسك بالدين يجتنب كل شيء يجوز أن يُصَنَّف ضمن الفاحشة، يكون بإذن الله على نجوة من هذا المرض العضال الذي يفتك بالمجتمعات التي لا تلتزم الدين ولا تقيم حدود الله؛ بل تتحداها وتعلن الخروجَ عليها.

       وبذلك عُلِمَ يقينًا أن سبل الوقاية منه ابتداء وعلاجه بعد الإصابة به انتهاء إنما هي تمرّ بتجنّب أسبابه وهي الزنا والمثلية والفاحشة بأنواعها التي لا تُحْصَىٰ والتي سَمَّاها المتحررون المحاربون لدين الله والقيم الإسلامية بأسماء كثيرة برّاقة تسترًا على جرائمهم الجنسية التي روّجوها كإحدى القيم الغربية المُثْلَىٰ التي تُشَكِّل هويةً للحضارة الغربيّة.

       والقيام بأوامر الله ونواهيه والحدود التي حَدَّدَها خير طريق إلى الوقاية التي تَتَمَثَّلُ في الإحصان الذي يتحقق بالزواج من ذوات الدين والأخلاق.

       قال الله تعالى:

       ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ (النور:32).

       وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة، فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ» (البخاري: 1905؛ مسلم: 1400؛ أبوداود: 2046؛ الترمذي: 1081؛ النسائي: 2239)

       والزواج الشرعي يُسْعِد الإنسانَ، ويحافظ على صحته إلى جانب الحفاظ على كرامته ومروءته وشرفه وحسن ذكره وإحسان الظن به. وقد أقام الله خالق الكون والإنسان سلسلة لاتصال الرجل بالمرأة في الإطار الزواجي منذ خلق أول إنسان، فقال:

       ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ (البقرة:35).

       وتأصيلاً لقواعد الصحة النفسية والجسمية دعا الإسلام إلى التزوّج مع الصالحات العفيفات المتدينات، وأَكَّدَ نبيه – عليه الصلاة والسلام – فيما يتعلق بالزواج على مراعاة الدين والاهتمام بجانب الصلاح والعفة وعلى التغاضي عن الجوانب الأخرى التي هي التي يحرص عليها المادّيون الذين لا يهمهم الدين والمروءة؛ فقال –صلى الله عليه وسلم-:

       «تُنْكَحُ المرأةُ لأربع: لدينها وحسبها وجمالها ومالها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» (البخاري:5090؛ مسلم:1466).

       وقال –صلى الله عليه وسلم-:

       «لا تَزَوَّجُوا النساءَ لحسنهن؛ فعسى حسنُهن أن يُرْدِيَهِنّ، ولا تَزَوَّجُوهُنَّ لأموالهنّ؛ فعسى أموالُهن أن تُطْغِيَهُنَّ؛ ولكن تَزَوَّجُوهُنَّ على الدين. ولَأَمَةٌ سَوْدَاءُ ذاتُ دين أَفْضَلُ» (ابن ماجه:1859).

       الحضارة الغربية المعاصرة حاربت الزواج الشرعي عن طريق التشجيع على المثلية والفواحش التي وَفَّرَتْ أسبابها، ونَوَّعَتْها، وجَعَلَتْها مُتَنَاوَلَةً للجميع، ودعت إليها بالدعاية لها في الصحف والمجلات، ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة، والإعلانات التجارية، وإخراج المرأة من خدرها، من بيتها الهادئ إلى الشوارع والطرقات، والمكاتب والدواوين، والمحلات التجارية، ومصانع إنتاج الأفلام، والاختلاط الحرام، ومجالس البرلمان، وإدارات الحكم والسلطة، والتنافس المحموم مع الرجل في جميع مجالات الحياة.

       وبذلك فهي حَرَّضَت الإنسان على الخروج على جميع القيود وتخطّى جميع الحدود التي كانت لتُسَهِّل له سبلَ العفة والنزاهة والإحصان، وتقيه الفواحشَ بأنواعها، وتحفظ عليه صحتَه وإنسانيتَه وكرامتَه.

       الزواجُ الشرعي هو وحده الذي يحصل به الإحصان والعفة وبالتالي تسلم به الصحةُ وتتوافر به النعم التي لا تُحْصَىٰ. منها المساهمة في السعي للإبقاء على الجنس البشري، التي يُثَاب عليها العبدُ، كما أنه يُخَلِّد العملَ الصالح عن طريق الأولاد الصالحين الذين ستُقْبَل عند الله شفاعتُهم لصالح آبائهم يوم القيامة.

*  *  *


(*)     المتخرج من الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ ديوبند والحامل لشهادة الماجستير في الفلسفة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دهلي.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة  1437 هـ = سبتمبر 2016م ، العدد : 12 ، السنة : 40

Related Posts