كلمة المحرر
الأمن ضرورة إنسانية ومقصد شرعي أساسي، ركز الإسلام عليه ودعا إليه، وسنَّ من الأحكام والشرائع ما يؤدي الأخذ به إلى الأمن والسلام، وحذَّر مـن كل ما يؤدي إلى ارتفاع الأمـن، وفشو الفساد، وسيادة الفوضى. وقد منَّ الله تعالى في كتابه على أهل مكة بهذه النعمة العظيمة؛ حيث قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرٰتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص/57]، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت/67]؛ فقد خوَّف الله تعالى قريشًا من سوء مغبة أمم كانت على ما عليه قريش من الأمن ورغد العيش، فقابلت النعمة بالبطر، وغمطتها، وكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. والأمنُ أساس العمران وبه تطمئن النفس، وينشرح الصدر، ويتفرغ العبد لمصالح دينه ودنياه، ويعمل العامل على كل ما يحقق له سعادة الدارين.
هذا أبونا إبراهيم – عليه السلام – عند ما فرغ من بناء البيت دعا لسكانه بتلك الدعوات، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيْمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرٰتِ﴾ [البقرة/126]، فبدأ بنعمة الأمن؛ لأنه بحصوله يتحقق الخير بتوفيق من الله سبحانه.
هذا صالح – عليه السلام – يحذر قومه من رفع الأمن عنهم والاستخفاف به، فيقول – كما حكاه الله عنه – : ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هٰهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنّٰتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فٰرِهِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْـمُسْرِفِيْنَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء/146-152).
ولن يستتب الأمن في العالم البشري إلا بإخلاص العبادة لرب العالمين، والانصياع التام للشريعة التي نزَّلها لصالح عباده وبلاده، والقيام بها حق القيام، قال الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلٰئِكَ هُمُ الفٰسِقُوْن﴾ [النور/55]. فالشريعة الإسلامية هي الدواء الناجع والترياق الشافي من الأمراض والعلل، الظاهرة منها والباطنة، والمزمنة منها والموقتة، وهي الكفيلة بتخليص العالم الحائر القلق المضطرب من مخالب الحروب والكروب، والدمار والاستعباد، وإخراجه من ظلمات الجهل والأمية؛ وهي المرسية لمبادئ الأخوة الإنسانية والمثل العليا في تحقيق السلام العالمي والأمن الدولي، على أساس الاحترام المتبادل لمشاعر وأحاسيس الناس أجمعين. اللهم اهد قومي؛ فإنهم لا يعلمون. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة الثانية ظهرًا يوم الأحد: 13/ربيع الآخر 1437هـ = 24/يناير 2016م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الآخرة 1437 هـ = مارس – أبريل 2016م ، العدد : 6 ، السنة : 40