الفكرالإسلامي

بقلم:  الدكتور رشيد كهوس (*)

          عن عرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إني عبد الله وخاتم النبيين وأبي منجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي آمنة التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول -صلى الله عليه وسلم- رأت حين وضعته له نورًا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنٰكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (سورة الأحزاب)»(1).

       وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما-: «أن هذه الآية التي في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنٰكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ (سورة الأحزاب:45). قال: في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا، صمًا، وقلوبًا غلفًا»(2).

       وهكذا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يظهر للناس فجأة، بل هو نبي ورسول تمت البشارة به منذ أمد بعيد، ومنذ عصور خلت، وكان العالم بأسره في انتظار انتشار نوره ليندثر الظلام ويندحر الظلم وأهله.

       ولله در القائل:

بمبعثه كل النبيين بشرت

ولا مرسل إلا به كان يخطب

بتوراة موسى نعته وصفاته

وإنجيل عيسى في المدائح يُطْنِبُ

بشير نذير مشفق متعطف

رؤوف رحيم محسن لا يُثَرِّبُ

* بشائر الرهبان بخير الأنام -صلى الله عليه وسلم-:

* قصة بَحِيرَى الراهب:

       «عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ(3). فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَلْتَفِتُ. قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

       فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلاَ حَجَرٌ إِلاَّ خَرَّ سَاجِدًا، وَلاَ يَسْجُدَانِ إِلاَّ لنبي، وإني أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ(4) كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ.

       ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ، وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ(5) قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ.

       قَالَ: فَبَيْنَمَـا هُـوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لاَ يَذْهَبُوا بِــهِ إِلَى الـرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ إِذَا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جاءنا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلاَّ بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ، وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ، بُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِـنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ. قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ، قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا بَكْرٍ وبِلاَلاً وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ»(6).

* خبر الحبران اليهوديان:

       لما أراد تبع أبي كرب ملك اليمن غزو البلد الحرام «جاءه حبران من أحبار اليهود من بني قريظة، عالمان راسخان حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالوا له: أيها الملك! لا تفعل؛ فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك جل  العقوبة، فقال لهما: ولم ذلك؟ قالا: هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان، تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك، ورأى أن لهما علمًا وأعجبه ما سمع منهما، فانصرف عن المدينة وأتبعهما على دينهما»(7).

* سلمان الفارسي وصاحبه النصراني بعمورية:

       لقد ظل سلمان الفارسي – رضي الله عنه – حائرًا يبحث عن كنز النبوة، ينتقل من راهب إلى راهب، حتى التقى براهب نصراني بعمورية قد حضرته الوفاة، فأوصاه النصراني قائلا: «قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم – رضي الله عنه – يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل»(8).

* اليهود تتحدث عن قرب ظهور نبي آخر الزمان:

       وعن عاصم بن عمر بن قتادة، عن رجال من قومه قالوا: «إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لنا، لما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم. فلما بعث الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به، وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة: ﴿وَلَـمَّا جَآءَهُمْ كِتٰبٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكٰفِرِينَ﴾ (سورة البقرة: 89)»(9).

* في عصرنا:

       **- ذكرت مجموعة من التقارير الإخبارية(10) أن جماعة يهودية عثرت على نسخة قديمة من التوراة مكتوبة بالعبرية في مدينة القدس وبالقرب من المسجد الأقصى محتوية على آيات ذكر فيها اسم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، مما تسبب بحالة من الارتباك بين الأوساط السياسية والدينية في الكيان الصهيوني. والنسخة التي عثر عليها والمكتوبة على الجلد يرجح أنها تعود للقرن الثاني الميلادي. وقد تم تسليمها لكبير حاخامات اليهود بعد أن سلمها عمال حفريات هيكل سليمان المزعوم للجهات الأمنية العاملة في القدس المحتلة.

       **- كما ذكرت الكثير من وسائل الإعلام بأنه عُثر في تركيا على نسخة نادرة من الإنجيل مكتوبة باللغة الآرامية وتعود إلى ما قبل 1500 عام، تشير إلى أن المسيح عليه السلام تنبأ بظهور سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من بعده.

       ومازال هذا الحدث يشغل الفاتيكان، فقد طالب البابا بنديكتوس السادس عشر معاينة الكتاب الذي بقي في الخفاء أكثر من 12 عامًا، وفقًا لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية.

       وقال وزير الثقافة والسياحة التركي أرطغول غوناي: «إن قيمة الكتاب تقدر بـ22 مليون دولار، حيث يحوي نبوءة المسيح بظهور النبي محمد، ولكن الكنيسة المسيحية عمدت إلى إخفائه طيلة السنوات الماضية لتشابهه الشديد مع ما جاء في القرآن الكريم بخصوص ذلك».

       ويتوافق مضمون هذه النسخة من الإنجيل مع العقيدة الإسلامية، حيث يصف المسيح عيسى عليه السلام بأنه بشر وليس إلهًا يُعبد، فالإسلام يرفض الثالوث المقدس وصلب المسيح، وأن عيسى تنبأ بظهور النبي محمد من بعده. وجاء في نسخة الإنجيل أن المسيح أخبر كاهنًا سأله عمن يخلفه، فقال: «محمد هو اسمه المبارك، من سلالة إسماعيل أبي العرب».

       وذكر غوناي أن الفاتيكان طلبت رسميًا معاينة الكتاب الذي أصبح بحوزة السلطات التركية، بعد اختفائه عام 2000 بمنطقة البحر المتوسط في «تركيا»، واتهمت حينها عصابة من مهربي الآثار بسرقته خلال الحفريات غير الشرعية وتتم محاكمتهم حاليًا.

       ويقول القرآن الكريم في الآية 6 من سورة الصف: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّـمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنٰتِ قَالُوا هٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾. وقال القس إحسان أوزبك لصحيفة «زمان» التركية: «إن نسخة الإنجيل تعود إلى أحد أتباع القديس برنابا لأنها كتبت في القرن الخامس أو السادس، بينما عاش القس برنابا في القرن الأول للميلاد لكونه أحد رسل المسيح». فيما أوضح أستاذ علم اللاهوت عمر فاروق هرمان: «أن الفحص العلمي سيمكننا قريبًا من كشف العمر الحقيقي للنسخة وستحدد إن كانت كتبت فعلاً عن طريق القديس برنابا أو أحد أتباعه».

بشَرٌ أتت باسم النبي محمد

كالغيث أقبل في الزمان المعجل

نَشرت لواء الإنس وانفرجت بها

كرب النفوس من السقام المعضل

أضحت بها الآمال صدقًا واغتدى

فتحًا بها باب الرجاء المقفل

*  *  *

الهوامش:

(1)        المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(2)        صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب سورة الفتح، ح4558.

(3)        حلوا رحالهم: فتحوها وأنزلوها.

(4)        غضروف: رأس لوح الكتف.

(5)        رعية الإبل: رعايتها.

(6)        سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب ما جاء في بدء نبوة النبي،  ح3620.

(7)        المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(8)        سيرة ابن هشام، 1/217.

(9)        سيرة ابن هشام، 1/211.

(10)      انظر مثلا: جريدة النهار الجديد -الجزائرية-: يونيو 2010م.


(*)  أستاذ ورئيس مجموعة البحث في السنن الإلهية بكلية أصول الدين بـ«تطوان» جامعة القرويين، المغرب.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1437 هـ = فبراير – مارس 2016م ، العدد : 5 ، السنة : 40

Related Posts