دراسات إسلامية
بقلم: الدكتور فاروق محمود ساهل
يقول الله – سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِاَزْوَاجِكَ وَبَنٰتِكَ وَنِسَاءِ الْـمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُّعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب/59].
يأمر الله نبيه الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين عامة إذا خرجن لحاجتهم أن يغطين أجسامهن ورءوسهن وجيوبهن – وهي فتحة الصدر من الثوب – بجلباب كاسٍ فيميزهن هذا الزي ويجعلهن في مأمن من معابثة الفساق أو ممن في قلوبهم مرض فلا يتعرضون لهن بأذى أو ريبة.
والزي الإسلامي للمرأة هو أن تلبس ما يستر جسدها جميعه بملابس واسعة غير ضيقة ولا شفافة حتى لا تظهر ثنيات الجسم وتفاصيله مع السماح لها بكشف الوجه واليدين حتى الرسغين.
ولا يخفى ما يبلغه مجتمع من العفة والطهارة إذا خرجت فيه النساء لقضاء حاجتهن حيث سمح لهن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قال لعائشة – رضي الله عنها-: «إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن»على أن تكن محتشمات الملبس.
ولقد عزى كثير من المصلحين والباحثين فساد كثير من شباب العصر إلى تعمد المرأة الخروج كاشفةً أجزاء من عورتها ظلت تزيد وتزيد فلم يبق إلا القليل المستور من جسدها. وانبرى هدامون عديدون يفسرون ظاهرة كشف المرأة لعورتها وربطوها بنفسية المرأة وحبها للظهور والتبرج وعرض أجزاء من جسدها ثم استمتاعها بما يقع على سمعها من كلمات الغزل والإطراء من العابثين والفاسقين. ووجدت المرأة من يقوم على تشجيعها بعدم ستر عورتها بجهاز ضخم منظم يشتمل على مصممين للأزياء الحديثة ودور للملبوسات الخليعة ومجلات ومسابقات وعروض وأفانين، وكلها تخضع لتمويل وإشراف اليهود طبقًا لما ورد في بروتو كولاتهم من إفساد العباد وملء أوقاتهم بالفارغ من القول وجذب انتباههم بالتافة من العمل باسم التطور والرقي والمدنية و(آخر خطوط الموضة) ليظلوا بعيدين عن أمورهم الهامة ومشاكلهم الملحة، فضلا عن امتصاص الأموال الطائلة.
والغريب أن تكاليف الثياب القصيرة أغلى بكثير من تكاليف الثياب المحتشمة البسيطة. ولكن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال/٣٦].
وصدق الله العظيم. ثم تكون عليهم حسرة.
فبالإضافة إلى مجتمع يسيطر عليه الفساد والانحلال حين تتخلى المرأة عن ثياب العفة والنظافة، وما يخسره هذا المجتمع نتيجة سلوك نسائه ثم شبابه، بالإضافة إلى ذلك فإن الإحصائيات الحالية تشير إلى انتشار مرض السرطان الخبيث في الأجزاء العارية من أجساد الفتيات اللائي يلبسن الملابس القصيرة. وقبل أن أذكر تفاصيل ذلك أود أن أقدم له بأن الله – جلت قدرته- خلقنا وهو أعلم بخلقه وأمرنا باتباع أمور، تجلب لنا النفع ونهانا عن أشياء تجر علينا الخراب والعذاب، وفوق نفعها أو ضررها لنافهي اختبار لمدى طاعتنا لله – سبحانه وتعالى-. قد لا يبدو لنا من الوهلة الأولى مدى النفع أو الضرر من أمر إلهي؛ ولكن المؤمن الحق يؤمن به ويتبعه دون جدل أو نقاش، وبمرور السنين أو الدهور تتجلى الحكمة الإلهية فيما أمرنا باتباعه أو اجتنابه، ذلك هو الإيمان بالغيب ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنٰهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة/3]. ﴿لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَّخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ [المائدة/94] فالمعروف أن العقل يعتمد على الحواس التي هي محدودة مقيدة ومالا تدركه الحواس لا يدركه العقل. وليس معنى ذلك أن نلغي نعمة العقل والتفكير فلم نؤمر بذلك؛ بل على النقيض أمرنا بالتدبر والتفكر واستعمال عقلنا في غير ما شطط أو ضلال، وتلزم العقل الأصول والقواعد خشية التردي في الهاوية (كما يحدث الآن للحضارات الأجنبية في أوروبا وأمريكا وآسيا).
(ومع ذلك كله تجد فينا من لا يصيخون السمع إلى صوت الدين، وهم يلحدون في آيات الله فيميلون بها عن وجهها حينًا، ويجادلون فيها أشد الجدال حينًا آخر. ولكنهم يخضعون لهذه المزاعم الداعرة ويرونها فوق النقاش والمراء. هؤلاء قوم لا تقوم عندهم الحجة بالقرآن، ولكنها تقوم بهذه الظنون والأوهام فإذا عارضتهم بالثابت من قول الله – سبحانه وتعالى – وهم يزعمون أنهم مسلمون – لووا رؤوسهم وقالوا: نحدثك في العلم فتحدثنا في الدين؟ كأن هذه الأوهام أثبت عندهم من القرآن) وعلى كل فسنحدثهم بالعلم لعل فيه عبرة لهم وهداية، فلقد نشر في المجلة الطبية البريطانية أن السرطان الخبيث (الميلانوما) الخبيثة، والذي كان من أندر أنواع السرطان أصبح الآن في تزايد. وإن عدد الإصابات في الفتيات في مقتبل العمر يتضاعف حاليًا حيث يصبن به في أرجلهن، وأن السبب الرئيسي لشيوع هذا السرطان الخبيث هو انتشار الأزياء القصيرة التي تعرض جسد النساء لأشعة الشمس فترات طويلة على مر السنة، ولا تفيد الجوارب الشفافة أو (النايلون) في الوقاية منه، وناشدت المجلة أطباء الأوبئة أن يشاركوا في جمع المعلومات عن هذا المرض وكأنه يقترب من كونه وباء.
﴿وَإِذْ قَالُوا اللّٰهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال/32].
ولقد حل العذاب الأليم – أو جزء منه – في صورة السرطان الخبيث؛ بل أخبث أنواع السرطان. وهذا المرض ينتج من تعرض الجسم لأشعة الشمس وأشعة فوق البنفسجية فترات طويلة وهو ما توفره الملابس القصيرة في الحياة العادية أو أزياء البحر على الشواطئ، ويصيب كافة الأجناس بنسب متفاوتة ويظهر أولًا كبقعة صغيرة سوداء وقد تكون متناهية الصغر غالبا في القدم أو الساق (وأحيانا بالعين) ثم يبدأ بالانتشار في كل مكان واتجاه بينهما هو يزيد وينمو في مكان ظهوره الأول، فيهاجم العقد الليمفاوية بأعلى الفخذ ويغزو الدم ويستقر في الكبد ويدمرها، وقد يستقر في كافة الأعضاء ومنها العظام والأحشاء بما فيها الكليتان ولربما يعقب غزو الكليتين البول الأسود نتيجة لتهتك الكلي بالسرطان الخبيث الغازي. وقد ينتقل للجنين في بطن أمه.
ولنا أن نتصور حالة إنسان مصاب بكل هذا يتمنى الموت فيه خلاصًا من الآلام والدمار. ولا يمهل هذا المرض صاحبه طويلًا ولا يمثل العلاج بالجراحة فرصة للنجاة كباقي أنواع السرطان الخبيث، علمًا بأن هذا السرطان الخبيث لا يستجيب إطلاقًا للعلاج بجلسات الأشعة.
وبعد، فعلى الرغم من أن التدخين يسبب سرطان الرئة وسرطان المثانة وأمراض القلب والتهاب الشعيبات الهوائية المزمن إلا أن نسبة المدخنين ثابتة؛ بل لربما في تزايد وأقصى ما فعلته الجهات الصحية في أوروبا أن أجبرت شركات الدخان أن تكتب عبارة (التدخين قد يضر بالصحة!) وذلك على كل علبة من الدخان.
وعلى الرغم من أن أمراض الخمر كثيرة جدًا وقاتلة فأقصى ما فعلته الجهات الصحية المسؤولة في بعض البلدان أن حذرت الناشئة من تعاطيها.
وعلى الرغم من أن أمراض الزنا (الأمراض السرية) أبادت ملايين الناس رجالًا ونساء عبر السنين إلا أن الزنا منتشر.
وعليه فلا نتوقع أن يبدأ المسؤولون في نصح الفتيات بعدم ارتداء الملابس القصيرة إلا بعد أن تسقط الضحايا منهن بالآلاف. ضحايا للاستغلال والمصالح الخاصة والكسب الحرام على حساب أرواح البشر.
فإلى فتياتنا ولمن يشجعهن على التخلي عن زيهن الإسلامي محاكاةً وتقليدًا ها قد تبين لنا أن التقليد ضار؛ بل يؤدي للهلاك في الدنيا وفي الآخرة. فسواء من الناحية المادية فالأثمان باهظة ومرتفعة. أم من الناحية الاجتماعية فتفكك وميوعة وضلال.
أم من الناحية الصحية فالعذاب البدني والموت المحقق. ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّٰتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهٰرُ خٰلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء/13-14].
وعلى فتياتنا المسلمات أن يفوتن الفرصة على دعاة الفساد، وأن يتمسكن بتعاليم دينهن الحنيف يكسبن رضاء الله ويسلمن دنيا وينجين آخرة.
***
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى 1437 هـ = فبراير – مارس 2016م ، العدد : 5 ، السنة : 40