الفكر الإسلامي
بقلم : الأستاذ الدكتور حسن محمد باجودة
وما العمل حينما تلوح في الأفق بوادر نشوز الزوجة؟ عن ابن عباس : المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره . الجواب في قول الحق جل وعلا : ﴿وَاللآَّتِيْ تَخَافُوْنَ نُشُوْزَهُنَّ فَعِظُوْهُنَّ وَاهْجُرُوْهُنَّ فِيْ الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوْهُنَّ . فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوْا عَلَيْهِنَّ سَبِيْلاً . إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيْرًا﴾ وأول ما يلاحظ هو أن الآية الكريمة لا يجيء فيها القول : واللاتي نشزن ، إنما الذي يجيء: ﴿وَاللاَّتِيْ تَخَافُوْنَ نُشُوْزَهُنَّ﴾ والذي يلفت النظر مجيء جملة: «تخافون» دليلاً على المودة والرحمة اللتين جعلهما الله تعالى بين الزوجين إلى الحد الذي يخاف الزوج معه ويصيبه الفزع لمجرد الظهور لطلائع النشوز من الزوجة . إن النشوز حينما يكون من الزوجة وتكون قوتها الدافعة عنيفة يكون في المقابل اللجوء إلى القوة الكابحة أو القوامة التي ينبغي على كل زوج يؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر أن يلتزم بحكم الله تعالى فيها وبتنفيذ ماجاء في الآية الكريمة بدقة متناهية من خطوات تبدأ بالأقرب تناولاً وبالوسيلة الأسهل فإذا تأكد للزوج عدم جدوى الخطوة الأولى الأسهل تحول إلى التي تليها وهكذا حتى يتم استنفاد سائر الخطوات . وإذا كان للحكمة دورها في تنفيذ هذه الخطوات وللعقل ، فإن للإيمان دوره كذلك وللعاطفة الإيمانية . ويتجلى كل ذلك بوضوح من ضرب الآية الكريمة بقوة على وتر القوة الإيمانية فليتق الأزواج الله تعالى وليقولوا قولاً سديدًا : ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيْلاً . إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيْرًا﴾ ومن أقوى الأدلة على أن القوة الإيمانية مطلوبة هنا بقدر طلب القوة الكابحة أن الآية الكريمة لا تكتفى بالوقوف الممكن عند لفظة «سبيلاً» من القول ﴿فَلاَ تَبْغُوْا عَلَيْهِنَّ سَبِيْلاً﴾ إنما تضيف هذا القول ﴿إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيْرًا﴾ الذي يفيد أن الله تعالى هو العلي وحده وهو الكبير الأكبر من كل كبير، فعلى كل مسلم أن يعرف ذلك جيدًا وبخاصة الأزواج الذين جعل الله تعالى لهم القوامة فعليهم أن يراقبوا الله تعالى جيدًا ويتقوه تعالى ما استطاعوا في تنفيذ أحكام الله تعالى بشأن القوامة . إن على الزوج الذي يؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر ألا يتجاوز إلى الخطوة التالية حتى يستنفذ الخطوة السابقة كما أمر الله تعالى.
إن ثمة ثلاث خطوات أشار إليها قول الحق جل وعلا : ﴿فَعِظُوْهُنَّ وَاهْجُرُوْهُنَّ فِيْ الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوْهُنَّ﴾ .
ومعنى : «فعظوهن عن ابن عباس يعني عظوهن بكتاب الله . قال : أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله ويعظم حقه عليها(1).
ومعنى : ﴿وَاهْجُرُوْهُنَّ فِيْ الْمَضَاجِعِ﴾ عن ابن عباس : واهجروهن في المضاجع يعني بالهجران أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها(2) وعن ابن عباس أنها لا تترك في الكلام ولكن الهجران في أمر المضجع(3) وعن السدي : يرقد عندها ويوليها ظهره ويطؤها ولا يكلمها(4) والمراد بالمضجع هنا مكان نوم الزوج مع زوجه والمرقد(5) «إن أقل حالات هجر الزوجة في المضجع هو عدم الإقبال عليها بوجه الرضا في حال النوم معها في فراش واحد والاتصال بها جنسيًا .
يلي ذلك عدم الإقبال على الزوجة بوجه الرضا في حال النوم معها في فراش واحد وعدم الاتصال بها.
يلي ذلك عدم الإقبال على الزوجة بوجه الرضا في حال هجرها في المضجع ولكن مع الاتصال بها .
يلي ذلك عدم الإقبال على الزوجة بوجه الرضا في حال هجرها في المضجع وعدم الاتصال بها» (6).
ويصح أن نتبين أن عدم الإقبال على الزوجة بوجه الرضا هو القاسم المشترك بين حالات الهجر في المضجع .
ومعنى : «واضربوهن» عن ابن عباس : ضرباً غير مبرح(7) بمعنى غير مؤثر ولا شائن(8) ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال في حجة الوداع : واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ، ولكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحدًا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح(9) قال بالسواك ونحوه(10) ويلحق بالسواك فرشاة الأسنان وما في حكمها .
والآية الكريمة التالية تتحدث عن الشقاق حينما يشترك فيه الزوجان . قال تعالى : ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوْا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِه وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِنْ يُّرِيْدَا إِصْلاَحًا يُّوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا . إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيْمًا خَبِيْرًا﴾ .
وكما جاء في الآية الكريمة السابقة الإشارة إلى الخوف بين يدي النشوز في القول : ﴿وَاللاَّتِيْ تَخَافُوْنَ نُشُوْزَهُنَّ﴾ جاءت الإشارة إلى الخوف بين يدي الشقاق في بداية الآية الكريمة : ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا﴾ وإذا كان الخوف بشأن النشوز دليلاً على اهتمام الأزواج بالزوجات فإن الخوف هنا بشأن الشقاق بمعنى المخالفة وكونك في شق غير شق صاحبك(11) دليل على اهتمام أولياء الأمور من حكام وقضاة ومن إليهم(12) بالزوجين. وذلك من مظاهر التعاطف والتراحم بين المؤمنين . إن الآية الكريمة تخاطب أولى الأمر وتقول لهم : إنكم إن خفتم شقاق بين الزوجين والمخالفة بينهما إلى الحد الذي يأخذ كل منهما غير شق الآخر في الاتجاه إلى الطلاق فابعثوا حكماً حكيماً معروفاً بالصلاح وبسداد الرأي والحرص على فعل الخيرات من أهل الزوج وحكماً آخر من أهل الزوجة يرتضيه كل من الزوجين . وإن لم يوجد الحكم من الأهل يصح أن يكون من غير الأهل . ويجتهد هذان الحكمان في الإصلاح وتقريب وجهات النظر والأخذ على يد الناشز الظالم منهما . فإن تأكد الحكمان استحالة الاستمرار للحياة الزوجية فُرِّق بينهما : «والفراق في ذلك طلاق بائن» (13).
وإن القول : ﴿إِنْ يُّرِيْدَا إِصْلاَحًا يُّوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا﴾ يعني الحكمين ، في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما . أي إن يريد الحكمان إصلاحاً يوفق الله بين الزوجين . وقيل : المراد الزوجان ، أي إن يريد الزوجان إصلاحًا وصدقاً فيما أخبرا به الحكمين ﴿يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا﴾(14) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيْمًا خَبِيْرًا﴾ يتمشى فيه القول : «عَلِيْمًا» مع العلم الظاهر، ويتمشى القول : «خَبِيْرًا» مع العلم الباطن. إن الله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير.
وبشأن الطلاق ، أبغض الحلال إلى الله تعالى الذي قد يقرره الحكمان والذي قد يقرره الزوج جاء قول الحق جل وعلا(15): ﴿وَإِنْ يَّتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِه وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيْمًا﴾.
وبشأن ما للنساء وما عليهن وبشأن درجة القوامة للرجال جاء قول الحق جل وعلا(16): ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِيْ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوْفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةً . وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾ .
ومما جعله الله تعالى حقاً للنساء المهور التي سبق للأزواج أن أعطوها زوجاتهم مهما تكن المهور كبيرة ولو كانت قنطارًا من الذهب . وفي هذا المعنى جاء قول الحق جل وعلا(17): ﴿وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَّ آتَيْتُمْ إِحَدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوْا مِنْهُ شَيْئًا . أَتَأْخُذُوْنَه بُهْتَانًا وَّإِثْمًا مُّبِيْنًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُوْنَه وَقَدْ أَفْضـٰـى بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَّ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِّيْثَاقًا غَلِيْظاً﴾ وإنما ذهبنا إلى أن المراد بالقنطار الكمية الكبيرة من الذهب بسبب جمع الآية الكريمة الخامسة والسبعين من سورة آل عمران بين القنطار والدينار وهو من الذهب وذلك في قول الحق جل وعلا: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُّؤَدِّه إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِيْنَارٍ لاَ يُؤَدِّه إِلَيْكَ إِلاَّ مَادُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا . ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوْا لَيْسَ عَلَيْنَا فِيْ الأُمِّيِّيْنَ سَبِيْلٌ وَيَقُوْلُوْنَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ﴾ والآية الكريمة : ﴿وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ﴾ كأنها تحت على الزواج وكأن المهم بعد حصول الفراق بين الزوجين أن تحل الزوجة الأخرى محل الأولى .
والآية الكريمة الأخرى تنكر في أسلوب الاستفهام على الأزواج أن يأخذوا المهور التي سبق لهم أن أعطوها زوجاتهم امتثالاً لأمر الله تعالى وقد أفضى بعضهم إلى بعض بعد الزواج ووصل كل من الزوجين إلى أعمق أعماق الطرف الآخر. ثم إن الزوجات قد أخذن من الأزواج ميثاقاً غليظاً . والميثاق الغليظ قوله تعالى : ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوْفٍ أَوْ تَسْرِيْعٌ بِإِحْسَانٍ﴾(18) وإن قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُوْنَه وَقَدْ أَفْضـٰـى بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ﴾ يفيد معنى قول الحق جل وعلا خطابًا للزوجين بعد الطلاق(19): ﴿وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.
وما أكثر مظاهر الفضل بين الزوجين ومنها أن يرعى الزوج زوجته من الوجهة الصحية بامتثال أمرالله تعالى فلا يأتيها في أثناء حيضها ، إنما يأتيها بعد طهرها من حيث أمره الله تعالى في القبل كيف شاء ، ومنها أن يقدما لنفسيهما ذكر الله تعالى عند الجماع والدعاء بأن يجنبهما الله تعالى الشيطان وأن يجنب الشيطان مايرزقهما من الولد(20) لقد جاء في هذه المعاني السامية النبيلة وغيرها قول الحق جل وعلا(21): ﴿وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوْا النِّسَاءَ فِيْ الْمَحِيْضِ وَلاَ تَقْرَبُوْهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ. إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِيْنَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِيْنَ . نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوْا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوْا أَنَّكُمْ مُّلاَقُوْه وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِيْنَ﴾ .
وإن من أكبر الأدلة وألطفها على حرص الإسلام على رأب الصدع بين الزوجين ولـمِّ شتات الأسرة حتى بعد وقوع أبغض الحلال إلى الله تعالى أعني الطلاق وعلى صون الإسلام كرامة المرأة أن الشارع الحكيم لا يسمح بإخراج المطلقات من بيوتهن ولا يخرجن منها حتى تنقضي عدتهن . وفيما يتعلق بالمطلقة بواحدة أو اثنتين ينبه الشارع الحكيم إلى الحكمة من عدم خروج المطلقات من بيوتهن بأن بقاء المطلقة في المنزل بأمر الله تعالى ربما أهاج عواطف الطرفين ، وذكرهما بالفضل الذي كان بينهما ، وربما أحدث الله تعالى أمرًا بسبب بقاء المطلقة في المنزل بأن يراجعها الزوج إذا كان الطلاق بواحدة أو اثنتين . وإليك في هذه المعاني السامية النبيلة وفي الحث على تقوى الله تعالى خاصة حينما يقع أبغض الحلال إلى الله تعالى هذه الآيات الثلاث الأول من سورة الطلاق . قال تعالى : ﴿يَآأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوْهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوْا اللهَ رَبَّكُمْ . لاَ تُخْرِجُوْهُنَّ مِنْ بُيُوْتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَّأتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ. وَتِلْكَ حُدُوْدُ اللهِ. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُوْدَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه . لاَ تَدْرِيْ لَعَلَّ اللهَ يَحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْرًا . فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوْهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ أَوْ فَارِقُوْهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ وَأَشْهِدُوْا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنْكُمْ وَأَقِيْمُوْا الشَّهَادَةَ لِلّهِ . ذٰلِكُمْ يُوْعَظُ بِه مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرْ . وَمَنْ يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه . إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِه . قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكلِّ شَيءٍ قَدْرًا﴾.
(د) حقوق اليتامى :
ومن الفئات التي عُنِي بها الإسلام عنايةً بالغةً اليتامى . فما أكثر الآيات الكريمات والأحاديث النبوية الشريفة التي عنيت باليتامى وأوصت بهم خيرًا. واليتيم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه وفي سائر الحيوانات من قبل أمه(22) واليتامى قد يكونون داخل الأسرة وقد يكونون خارجها . عن سهل بن سعد عن النبي ﷺ قال : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا . وقال بأصبعه السبابة والوسطى(23) وفي رواية : وأشار بأصبعه(24) والسبابة هي الإصبع السباحة التي تلي الإبهام . سميت السباحة لأنها يسبح بها في الصلاة فيشار بها في التشهد لذلك ، وهي السبابة أيضًا لأنها يسب بها الشيطان حينئذ(25) وفي الحديث إشارة إلى أن بين درجة النبي ﷺ وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى . وهو نظير الحديث الآخر: بعثت أنا والساعة كهاتين . الحديث(26) ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى(27) ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حالة دخول الجنة ، لما أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رفعه : أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني فأقول : من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي . ورواته لا بأس بهم. وقوله : تبادرني ، أي لتدخل معي أو تدخل في أثري . ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين ، سرعة الدخول . وعلو المنزلة(28) وقد أخرج أبوداؤد من حديث عوف بن مالك رفعه(29) قال: قال رسول الله ﷺ : أنا وامرأة سفعاء(30) الخدين كهاتين يوم القيامة . وأومأ يزيد بالوسطى والسبابة. امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا(31).
وهذه بعض الآيات الكريمات في إكرام اليتيم ورعاية مشاعره والعناية بمصالحه . قال تعالى في معرض المن على حبيبه ﷺ(32): ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيْمًا فَآوٰى﴾ وقال تعالى(33): ﴿فَأَمَّا الْيَتِيْمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾ وقال تعالى(34): ﴿كَلاَّ بَلاَّ تُكْرِمُوْنَ الْيَتِيْمَ. وَلاَ تَحَاضُّوْنَ عَلىٰ طَعَامِ الْمِسْكِيْن﴾ وقال تعالى(35): ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِيْ يُكَذِّبُ بِالدِّيْنِ. فَذٰلِكَ الَّذِيْ يَدُعُّ الْيَتِيْمَ. وَلاَ يَحُضُّ عَلىٰ طَعَامِ الْمِسْكِيْنِ﴾ والدع الدفع الشديد(36) وقال تعالى(37): ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِيْ يَوْمٍ ذِيْ مَسْغَبَةٍ. يَتِيْمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِيْنًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ وقال تعالى(38): ﴿وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلىٰ حُبِّه مِسْكِيْنًا وَّيَتِيْمًا وَّأَسِيْرًا﴾.
* * *
الهوامش :
- تفسير الطربي 5/40 .
- تفسير الطبري 5/41 وتفسير ابن عطية 4/45 .
- تفسير الطبري 5/41 .
- تفسير الطبري 5/41 .
- أنظر مثلاً الكشاف 1/395 والبحر المحيط 3/241 وتفسير القرطبي 1741 .
- تأملات في سورة النساء 160 (مخطوط) .
- تفسير الطبري 5/44 .
- المرجع السابق 5/44 .
- تفسير ابن كثير 1/492 وأنظر السيرة النبوية لابن هشام 4/251 حلبي تصوير بيروت . وسنن الترمذي 3/467 حديث رقم 1163.
- تفسير الطبري 5/44 وهذا تفسير ابن عباس للقول : «غير مبرح» في خطبته عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع .
- مفردات الراغب الاصفهاني : «شق» 264 .
- أنظر مثلاً تفسير الطبري 5/47 وتفسير ابن كثير 1/492 و 493.
- تفسير القرطبي 1746 . طبعة الشعب القاهرة .
- تفسير القرطبي 1745.
- سورة النساء 130 .
- سورة البقرة 228 .
- سورة النساء 20 و 21 .
- أنظر تفسير القرطبي 1672 .
- سورة البقرة 237 .
- أنظر مثلاً تفسير ابن كثير 1/265 وتفسير القرطبي 904 وفتح الباري 9/228 حديث رقم 5165 .
- سورة البقرة 222 و 223 .
- مفردات الراغب الاصفهاني : «يتم» 550 وانظر تفسير ابن عطية 3/485.
- فتح الباري 10/436 حديث رقم 6005.
- المرجع السابق 10/436.
- أنظر فتح الباري 10/436.
- المصدر السابق 10/436.
- المصدر السابق 10/436.
- المصدر السابق 10/436.
- المصدر السابق 10/436.
- السُّفعة والسُّفع : السواد. وسفعاء الخدين سوداؤهما بسبب المشقة والسهر على اليتامي. وبه سفعة غضب اعتبارا بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب . أنظر مثلاً مفردات الراغب الأصفهاني: «سفع» 234.
- سنن أبي داؤد 4/338 حديث رقم 5149 وتختلف رواية فتح الباري عن هذه الرواية قليلاً .
- سورة الضحى 6.
- سورة الضحى 9.
- سورة الفجر 17 و 18 .
- سورة الماعون 1-3.
- مفردات الراغب الأصفهاني : «دع» 169.
- سورة البلد 12-16.
- سورة الإنسان 8.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب 1426هـ = يوليو – سبتمبر 2005م ، العـدد : 7–6 ، السنـة : 29.