كلمة المحرر
في الأيام الأخيرة ضرب زلزال بلغت قوته 7.9 درجة على مقياس ريختر «نيبال» مما أدى إلى تدميرعدد كبير من المباني في «كاتمندو»، والمناطق المحيطة بها، وشهدت شوارع رئيسية فيها تصدعات ضخمة، وكانت هناك أكوام من الخرسانة ومشاهد من الدمار. وشعر السكان أيضا بهزات قوية في مناطق واسعة في شمال وشرق «الهند» و «بنجلاديش»، وأسفر عن عدد كبير من الضحايا، ولا يزال السكان يشعرون بهزات ارتدادية في المنطقة بأسرها حتى في «الهند» و«بنغلاديش» لحد كتابة هذه السطور، ودفعهم الزلزال إلى الخروج من منازلهم، والمبيت خارجها في ظل تخوفات من أن تعود الهزات مرة أخرى.
والزلزلة نوع من الخسف،والخسف آية من آيات الله وعذاب منه، ودليل على قدرته سبحانه، وكثرتُه علامة من علامات الساعة؛ كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ – وَهُوَ شدة القتل وكثرته- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْـمَالُ فيفيض» رواه البخاري، وأخبر الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلم- أن من علامات الساعة الكبرى: (ثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْـمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْـمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه مسلم
وما أدق وصفًا لما يقع من الزلزال في هذه الدنياما جاء في قول الله تعالى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: 26]، فإن الزلزلة تهز قواعد البنيان، فتخر السُقُفُ على أهلها، ويكون ذلك في حال غفلة منهم. والآية الكريمة تصور بأبدع أسلوب وأبلغه كيف حصن هؤلاء الماكرون أنفسهم بالبناء المحكم المرصوص ليتقوا ما يؤذيهم غير أن هذه التحصينات والاحتياطات انهارت وسقطت على رؤوسهم، ولم تقم لحظةً من اللحظات أمام قوة الله الجبار القهار وبأسه الذي لايرد، فإذا بالبناء الذي بنوه ليحتموا به، قد صار مقبرة لهم.
لقد كثرت في العالم الزلازل المروّعة التي تدمر العمران وتهلك الحرث والنسل، وتأكل الأخضر واليابس، فإنها – حسب إفادة المهتمين بالتغيرات الكونية على الأرض – في السنوات القريبة الماضية أكثر منها أربع مرّات مما لم يحصل مثلُه سوى مرّة واحدة طوال عشرين سنة أو أكثر في أوائل القرنِ الماضي، وهو ما يصدق عليه خبر من لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وإن مما يُؤسَف له ويدعو إلى العجب: ما تعودته وسائل الإعلام من إظهار هذه الكوارث على أنها ظواهر طبيعية، وأنّ سببها تصدّعٌ في باطن الأرض أدّى إلى ضعف القشرة عن تحمّله، فترتّب من جَرّاء ذلك حدوث تلك الهزّات المُزلزِلة. والسؤال الذي يوجّه إلى هؤلاء وأمثالهم: مَن الذي قدّر لهذا الصدع أن يحدث؟ ومَن الذي أضعف قشرة الأرض أن تتحمّله؟ أليس هو الله؟! إن هذه الزلازل ترجع إلى فشوّ المنكرات، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، والغفلة عن مكر الله.
فما أجدر بالمسلم أن يحذر الوقوف عند التفسيرات المادية لها، وما أحوجه أن يخاف أن يحل ببلده – لا قدّر الله- ما حل بغيره من البلاد، فإننا رغم ما نرى من الأحداث المروعة والعقوبات الإلهية الشديدة لايزال كثير منا على ماهو عليه من ترك الصلاة و هجر المساجد وفعل المنكرات والعكوف على الرذيلة ومواقع الفحش والمجون. ألم يأن للمسلم أن يتوب إلى الله توبةً نصوحًا، ويستغفره ويتضرع إليه، وأن يدرك أن هذه المصائب من العواصف والأعاصير والزلازل التي يجريها علينا رب العزة والكمال ما هي إلا تنبيه وإنذار إلى الناس ليستيقظوا من سباتهم ويفيقوا من غفلتهم، وليعلموا علم اليقين أن الله تعالى يرينا بها قدرته القاهرة الباهرة، و أنها من غضب الله، وأن لله جنود السماوات والأرض، والزلازل منها؛ وليتذكروا بها زلزال يوم القيامة، الذي سيضرب الأرض كلها لابلدةً وحدها ولا قارةً وحدها، الزلزال الأكبر الذي سيضرب الأرض من قاعها لا قشرها فحسب. ما أحوج المسلم أن يتذكر الآخرة، أن يتذكر أن هناك يومًا بانتظاره، يومًا لا تخفى فيه خافية، يومًا سيقف فيه المظلوم والظالم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. [التحرير]
(تحريراً في الساعة السابعة من صباح يوم الأحد: 27/رجب 1436هـ = 17/مايو2015م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1436 هـ = يونيو – أغسطس 2015م ، العدد : 9-10 ، السنة : 39