الفكر الإسلامي
من وحي رمضان
أكبر مسابقة وأعظم جائزة
بقلم: فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري
صورة الإعلان:
وهذه صورة الإعلان عن المسابقة: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: أيها المسلم العزيز! يا أخي عبد الله ووليه!
هل لي أن أتشرف بإبلاغك؟ هل لي أن أسعد بإعلانك؟
هل يا ابن الإسلام والحسام؟ هل تدري يا حائز المجد ووارث الشرف؟
هل تدري يا وصي الله على البشرية ماذا أبلغك وبم أعلمك؟؟
إنها البشرى السارة، إنها الفرحة الكبرى العميمة، إنها تلك المسابقة الإسلامية التي تبتدئ بأول ليلة من رمضان، ولا تنتهي إلا بآخر ليلة منه.
فاستعد يا سليل المهاجرين والأنصار، وتهيأ يا حفيد الفاتحين، استعد – يا أخي – لأكبر فرصة في عامك، وأبرك موسم في سنتك.
إنها المسابقة العظمى التي أعلن عنها الملك العظيم في كتابه الكريم بقوله الحق المبين: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ﴾. [الحديد/21]
إن جائزة هذه المسابقة لأكبر جائزة والله، إنها الجنة، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والتي فيها من النعيم المقيم ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها من المتع الروحية واللذائذ الجسدية ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر.
وهل بعد الجنة أيها العاقل اللبيب من مطلب لأصحاب السمو الروحي والكمال النفسي؛ من مطلب سوى رضوان الله، والنظر إلى وجهه الكريم؟
واسمح لي الآن أصف لك ميدان المسابقة، وأفصل لك شروط المسابقة حتى يمكنك اللحاق بحلبتها والمشاركة على بصيرة فيها.
ميدان المسابقة:
إن ميدان المسابقة أيها المسلم الكريم هو شهر رمضان المبارك؛ شهر أمة الإسلام الذي تفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب النيران، ويصفّد فيه مردة الجان والشيطان.
شروط المسابقة:
إن من يمن هذه المسابقة وبركتها قلة شروطها، إنها تقام على شرطين اثنين فقط، وهما:
1- أن يتخلى المتسابق عن كل محرم أو مكروه كان يأتيه في حياته قبل دخوله هذه المسابقة، وذلك بأن يرد الحقوق إلى أصحابها، وأن يتجنب الباطل والشر والفساد في أي شكل كان أو صورة، وأن يترك سماع الأغاني والمزامير ودقات الطبول وأن يترك لعب الورق وكل آلات الميسر والقمار، ويبتعد عن مجالسه، كما يبتعد عن سماع الغيبة والكذب والنميمة وقول الزور وشهادته، وأن يطهر لسانه من قول الفحش والبذاء وسماعه مطلقا، وأن يطيب فمه ومجلسه بترك المكيفات من تبغ وشيشة ونحوهما.
2- أن يقبل بعزم وتصميم صادقين على ما يلي:
أ – أن يعلن عن توبته لله تعالى كأن يقول: اللهم إني أستغفرك من كل ذنوبي، وأتوب إليك من كل معتقد وقول وعمل تكرهه ولا يرضيك؛ فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور.
ب- أن يعمل الصالحات الآتية:
(1) أداء الصلوات الخمس في بيوت الله مع جماعة المسلمين بحيث لا تفوته صلاة منها.
(2) قراءة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، طوال شهر رمضان.
(3) الإكثار من نوافل الصلاة في الليل والنهار شهر رمضان كله.
(4) الإكثار من الصدقات بالمال أو الطعام أو الشراب أو اللباس بحسب فقره وغناه.
(5) الإكثار من الدعاء والاستغفار وقت السحر من كل ليلة من رمضان.
وبعد، فهذه هي المسابقة بشروطها قد بينت لك مفصلة؛ فهل لك يا ابن الأبطال في السبق؟
هل لك في الفوز بالحور العين؟
هل لك أن تضيف إلى عمرك عمرًا جديدًا؟ وإلى رأس مالك نصيبًا موفورًا؟
هل لك أن تعلم أنك بدخولك هذه المسابقة الإسلامية الكبرى تعمل على إضافة أعمال ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر صيامًا وقيامًا؟
إذًا فارْمِ أيها المسلم البطل بجواد عزمك في حلبة هذه المسابقة، وسابق واستعن بالله تعالى ثم بما يلي: احفظ سمعك من الغناء والزمر والتطبيل، ومن الغيبة والفحش في القول، وصن يديك من أن تتناول بهما محرما، وقيد رجليك أن تمشي بهما إلى لهوٍ أو باطلٍ، وكف لسانك من أن تقول به غيبة أو نميمة أو كذبًا أو زورًا، واصرف قلبك عما لا يعني، وأخله من التفكير فيما ليس لك فيه ضرورة أو حاجة.
الله أكبر! الله أكبر! أقدم أيها البطل المتسابق، وابسط يديك بالعطاء، وتصدق فهذا أوان الصدقة، اعتكف في بيت ربك راغبًا فيه، راهبًا منه، لازم بيت مولاك لا تخرج منه إلا لحاجة حتى يغفر لك ويتوب عليك.
مكانك يا أخا الإسلام، وبطل السباق، مكانك في الصفوف الأولى، لا تفوتك تكبيرة الإحرام من كل صلاة أبدًا، كتاب الله رتل آيه وتدبر معانيه، إياك أن يمضي رمضان وتنتهي المسابقة ولم تختم قراءته ثلاث مرات، ولتكن قراءتك له محفوفة بالتدبر والدعاء والخشوع والدموع.
وسلام عليك في المتسابقين، وبارك الله فيك وعليك في الفائزين.
وإلى أعظم الجوائز
إنه بسم الله ولي المؤمنين، ومتولي الصالحين، وبسم الله رب العاملين والعالمين، وبسم الله المنعم بأوسمة القبول على السابقين الأولين والآخرين، يعلن لجماهير المتسابقين من المؤمنين والمسلمين، أن غدا توزع فيه جوائز السابقين لقريب جد قريب.
إنه يوم العيد السعيد الذي لم يبق عليه إلا أن تحترق فحمة آخر ليلة من ليالي السباق؛ ليالي رمضان المشرقة العذاب، ليالي الأنس والشوق إلى الحبيب القريب، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
أيتها الجماهير المتسابقة، أيتها الفئات المؤمنة الآملة، أيتها المواكب الراكبة إلى الله الراكضة إلى المشهد، إلى مصلى العيد، هلموا هلموا … خذوا بطاقات الحضور من بيوت إماء الله تعالى وعبيده الفقراء والمساكين بدفع صدقات فطركم إليهم، ثم يمموا المشهد آملين راجين، وبذكر ملككم العظيم لاهجين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
لا تزالوا أيها الفائزون مكبرين مهللين كذلكم حتى ساحة المشهد الفيحاء، خذوا أماكنكم من الساحة الطاهرة مترنمين بتسبيح مليككم، السبوح القدوس، رب الملائكة والروح، قائلين:
سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واسمعوا هذه القائمة تتلى بأسماء الفائزين في هذه المسابقة العظيمة.
أيها الحفل الكريم في المشهد العظيم إليكم هذه الطائفة بأسماء الفائزين في هذه المسابقة العظيمة:
(1) عبد الله الذي كان لا يشهد صلاة الجماعة صبحًا ولا ظهرًا ولا عصرًا، ولا مغربًا ولا عشاء؛ فأصبح يشهدها كلها لا تفوته ركعة منها، بل ولا تكبيرة الإحرام مع الإمام.
(2) عبد الحق الذي كان بينه وبين أحد أقربائه عداوة وشحناء؛ فأزالها وصافى قريبه وبره وأحبه لله في الله.
(3) عبد الرحمن الذي كان يؤذي جيرانه؛ فترك أذاهم وأحسن إليهم تقربًا إلى الله تعالى.
(4) ولي الله تعالى الذي كان يستهويه الطرب فيسمع الأغاني، ويقضي جزءًا كبيرًا من يومه وليله حول المذياع، أو شاشة التلفاز يسمع أصوات الشياطين ومزاميرهم؛ فتاب من ذلك وأصبح إذا سمع صوت طرب أدخل أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع خوفًا من الله وتزلفًا إليه.
(5) عبد الخالق الذي كان يأتي المساجد بيوت الله ورائحة فمه متغيرة بنتن التبغ والشيشة؛ فاستحى من الله تبارك وتعالى، وترك ذلك تطهيرًا لبيت ربه وتطيبًا لفمه الذي يذكر به اسم ربه.
(6) عبد العليم الذي كان بعض أصدقائه يدعونه إلى السمر على لعب (الكريم) والورق، فكان يأتيهم ويلهو ويلعب معهم؛ فترك ذلك نهائيًا خوفًا من الله وطلبا لمرضاته.
نكتفي بذكر هذا الذي ذكرنا من أسماء الفائزين، وذكر الله تعالى قائلين: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولنستمع إلى هذه الهتافات الرفيعة:
* هنيئا لمن سابق فسبق.
* هنيئا لمن تاب وأناب فتيب عليه وقبل.
* هنيئا لمن أحب الله فأحبه، وأحب فيه محبيه إلى أوليائه!
تعزية وتسلية
وأنتم أيها المتخلفون عن ركب الفائزين لا تيأسوا من روح الله، ولا تقنطوا من رحمته؛ إن مليككم جل جلاله وعظم سلطانه يناديكم ويقول: ﴿قُلْ يٰعِبَادِيْ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾. [الزمر/53]
إنه تعالى قد هيأ لكم فرصة أخرى للمسابقة والفوز فاقبلوها ولا تضيعوها، إنها تبتدئ بيومكم هذا ولا تنتهي إلا بسبقكم وفوزكم، فارموا بخيول العزم في ميدان السبق، واستعينوا بالصبر والصلاة، استعينوا على ترك الآثام بخوف المقام، وتقووا على الطاعة بذكر الساعة، وتغلبوا على الرذائل بكرهها وحب الفضائل.
ثم احذروا أيها المتسابقـون الأبطال العائقَ الأكبر، احذروه أن يعيقكم كما أعاق من قبلكم، احذروه؛ إنه حب الدنيا وكراهية الموت، فأحبوا الآخرة بالإكثار من الزكاة والصلاة، واكرهوا الدنيا بتقليل الرغبة فيها، وبالتجافي عن شهواتها وملاذها، إلا ما أذن لكم فيه ولزم.
هذا وإلى اللقاء معكم ساعة توزع الجوائز وتوضع الموائد بعد سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1436 هـ = يونيو – أغسطس 2015م ، العدد : 9-10 ، السنة : 39