دراسات إسلامية
بقلم: الشيخ عبد الرؤوف خان الغزنوي الأفغاني(*)
إن الجامعة الإسلامية: دارالعلوم ديوبند- الهند قد بُدئت في صورة مدرسة أهلية بسيطة فاقدة الأسباب؛ ولكنها تطوّرت وتقدّمت وازدهرت وانتشرصيتها في صحارى العرب وغابات أفريقيا وجبال سمرقند وبخارىٰ وأفغانستان، واتّجه إليها الطلاب من مشارق الأرض ومغاربها لإرواء ظمئهم العلميّ والتربويّ من منابعها العلمية والتربوية، واشتاق لزيارتها كبارُ أهل العلم والمفكرون والزعماء والصحفيون من شتى نواحي المعمورة، فأذاعوا بعد زيارتهم لها مناقبَها، وأطالوا في الثناء عليها، ونشروا طراز محاسنها في المحافل، وسيّروا ذكرَ محامدها في الآفاق.
فممّن زارها من كبار أهل العلم فضيلةُ الشيخ العلاّمة/رشيد رضا المصري – مدير مجلّة المنار عام 1330هـ- والوفدُ المكوّن من ثلاثة مشايخ من علماء الأزهر عام 1355هـ، وفضيلةُ الشيخ الأستاذ/محمد علي الصابوني – المدرّس بكلية الشريعة بمكة المكرّمة عام 1384هـ- وفضيلةُ الشيخ الدكتور/ محمد محمد الفحام – شيخ الأزهر- عام 1390هـ، وفضيلةُ الشيخ الدكتور/ عبد الحليم محمود – شيخ الأزهر- عام 1395هـ، وفضيلةُ الشيخ المحدّث الفقيه/ عبد الفتاح أبوغدّة الحلبيّ الشاميّ عام 1399هـ، وأئمةُ المسجد الحرام كل من فضيلة الشيخ/محمد بن عبد الله السبيّل – رحمه الله- وفضيلة الشيخ/ عبد الرحمان السديس، وفضيلة الشيخ/سعود الشريم في فترات مختلفة، وقام بزيارتها كلٌّ من وزير الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية معالي الدكتور/صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ووزير الشؤون الإسلامية لجمهورية مالديف معالي الدكتور/محمد شهيم علي سعيد عام 1435هـ، وزارها من الزعماء أنورُ السادات وزير مصر ثم رئيسها عام 1374هـ والملكُ محمد ظاهر شاه ملك أفغانستان عام 1377هـ والشيخُ/أبوالكلام آزاد وزير التعليم بالهند عام 1370هـ، ورئيسُ جمهورية الهند الدكتور/«راجندر برشاد» عام 1376هـ وغيرهم وهم كثيرون، ولايمكن إحصاء جميعهم.
فهؤلاء الزائرون قد أُعجبوا بها أشد الإعجاب، واستحسنوا نظامَها التربويّ ومنهجها التعليميّ، فبعضهم لقّبوها بأزهر الهند، وبعضهم عدُّوها قلعة حصينة للحفاظ على العلوم الشرعية الدينية، وبعضهم سمَّوها منارةً للعلم وموئلاً للعرفان والهداية، كما وصفوا شيوخَها بأنهم أركان العلم والصلاح وطلابَها بأنهم أهل الرضاء والفلاح، ومنهم من قال: «زرت بلاداً كثيرة فوجدت أثر علماء ديوبند فيها من جنوب أفريقيا إلى شمال آسيا إلى شرق آسيا إلى أماكن كثيرة».
فإذا أمعنّا النظر في تأريخ الجامعة وبساطتها البدائية، وتطوّرها الخارق للعادة، ونظامها التعليمي والتربوي، وأسباب تقدّمها الرئيسية، استطعنا أن نقول: إن العوامل الأساسيّة لارتقائها وازدهارها تتلخص في خمسة أمور، وسنذكرها بتوفيق الله تعالى فيما يلي:
الأمر الأوّل: الإخلاص والتوكّل على الله
إن عظماء «دارالعلوم ديوبند» والقائمين بأمورها الإدارية والتعليمية منذ تأسيسها إلى يومنا هذا قد منّ الله عليهم بحظ وافر من الإخلاص في العمل والتوكّل على الله، والنظامُ الموجز المحتوي على ثمانية بنود، الذي وضعه مؤسّس «دارالعلوم ديوبند» الشيخ العلاّمة/ محمد قاسم النانوتوي (المتوفى عام 1297هـ – رحمه الله-) كدستور لهذا المركز العلمي دليلٌ واضح على إخلاصه وتوكُّله على الله عزّ وجلّ، وننقل البند السادس والسابع والثامن من ذاك الدستورفيما يلي على سبيل الأنموذج بعد ترجمتها إلى العربية:
البند السادس: «إذا لم يكن لهذه المدرسة مورد ماليّ محتوم فهي تبقى مستمرّة في العمل بشرط ثقة أصحابها بالله تعالى، وأمّا إذا عُيّن لها موردٌ ماليٌّ ثابت كإقطاعةٍ أو مصنع تجاريّ أو منحةٍ ثابتة مستمرّة من قِبل ثريّ من الأثرياء فيبدو أن كيفية الخوف والرجاء التي هي أساس الرجوع إلى الله تَضِيع، وتتوقف المساعدةُ الغيبيّة وينشَأ النزاع بين أصحاب المدرسة، وخلاصة القول أن يُّهتَمَّ بنوعٍ من فقد الأسباب الظاهريّة في الاستيراد المالي لها ولتعميرها وحاجاتها».
البند السابع: يبدو أن تدخُّلَ الحكومة والأثرياء في شؤون هذه المدرسة يضرّبها ضررًا واضحًا.
البند الثامن: «التبرّع الماليّ لهذه المدرسة ممّن لايريد به السمعةَ تُرجى فيه البركةُ الوافرة، والنيةُ المخلصة للمتبرعين وسيلةٌ لبقاء هذه المدرسة واستمرار نشاطاتها، فليُهتَمَّ بجمع مثل هذا التبرّع إذا أمكن».
فظاهرة الإخلاص والتوكّل في بيئة «دارالعلوم/ ديوبند» هي ميزتها الأساسية الأولى، وهي باقية إلى الآن – ولله الحمد-، وستبقى في المستقبل كما هي بمشيئة الله تعالى، ومن معالم بقاء هذه الظاهرة أن فضيلة الشيخ/مرغوب الرحمان (المتـوفى عام 1432هـ – رحمه الله-) مدير «دارالعلوم ديوبند» سابقًا لم يأخذ خلال مدّة إدارته لها المحتوية على ثلاثين عامًا راتبًا شهريًّا ولا أية مراعاةٍ أخرى منها، ولم يعيِّن ابنه ولاشخصا آخر من أفراد أسرته في «دارالعلوم» نائباً للمدير أو وكيلاً أو مسؤولاً لقسم من أقسامها أو مدرّساً فيها.
الأمر الثاني: التزام العيش البسيط والجهد المستمرّ
لابد لطلب العلوم الدينية والتطوّر فيها من الجهد المستمرّ، والجهدُ المستمرّ لايتيسّر إلاّ لمن اختار البَساطةَ في حياته وعيشه، ولم يتعوّد على اتباع التُّرَف والملذّات، ولم ينهمك في الحصول على الرَّغبَات والشهوات؛ فإن المترفين والمتبعين للشهوات يقضون أوقاتهم في الوصول إلى المناصب، والحصول على الأموال، والوقوع على المآكل الشهيّة، والتزيّن بالملابس الفاخرة، والظفر بالسيارات الجديدة الضخمة، والبحث عن المنازل السكنية المريحة، فأمثال هؤلاء لايتحمّلون الجهد لطلب العلوم؛ فإن مطلوبهم الراحة، ومنشودهم التَّرف.
من ميزات «جامعة ديوبند» منذ تأسيسها إلى يومنا هذا اختيارُ علمائها ومسؤوليها البساطةَ في العيش، والاجتنابَ عن الترف والإسراف، والرغبةَ في تحمّل المتاعب لطلب العلوم الدينية، والاستنكافَ من اتباع الملذّات والشهوات؛ فإن مقاصدهم الدينية جليلة، وأمنيّاتهم الدنيوية ضئيلة، وبذلك قد استطاعوا أن يقوموا بأعمال مجيدة في ميادين دينيّة مختلفة من التدريس، والتأليف، والدعوة إلى الله، ونشر العقيدة الصافية، ومكافحة البدع والخرافات، ومقاومة الفتن والأباطيل.
ويسرُّني أنني قد شاهدت خلال زيارتي لجامعة ديوبند في شهر رجب عام 1435هـ أن ظاهرة البَساطة والجهد في طلب العلوم باقية إلى الآن في بيئتها كما كانت في الماضي وكما كانت قبل 23 عاما حينما كنتُ مقيمًا فيها ومدرسًّا بها، فعلى سبيل المثال: قد شاهدتُ خلالَ هذه الرحلة أن رئيس هيئة التدريس فضيلة الشيخ المحدّث/ سعيد أحمد البالن بوري يعيش في سكن بسيط، والغرفةُ التي يجلس فيها لِـمُراجعة الكتب وعمل التأليف واستقبال الزائرين وفقًا للنظام المحدّد غرفةٌ بسيطة، مفروشة بفِراش بلاستيكيّ ساذج، ومجلسُ الشيخ مجلسٌ أرضيّ، أمامَه طاولة خشبيّة متواضعة، عليها قلمُه وأوراقُه التي يكتب فيها وكتبُه التي يراجعها بالاستمرار، كما كانت خلف مجلسه وعن يمينه عدّة صوانات ساذجة مفتوحة الطرفين لوضع الكتب، وشاهدتُ السذاجةَ نفسها في ملبسه ومأكله ولقائه وعاداته.
الجدير بالذكرأن الطاولة المتواضعة التي ذُكرت هي التي كتب عليها سماحة الشيخ البالن بوري عدّةَ كتب شهيرة منها «تحفة الألمعي شرح سنن الترمذي» في ثماني مجلّدات، و«تحفة القاري شرح صحيح البخاري» في اثني عشر مجلّداً، و«رحمة الله الواسعة» شرح «حجة الله البالغة» لإمام الهند الشيخ المحدّث/ ولي الله الدهلوي في خمس مجلّدات، وغيرها.
وقد عاينتُ خلال رحلتي السالف ذكرُها نفسَ السذاجة والبساطة في العيش والمأكل والملبس وجميع نواحي الحياة عند فضيلة الشيخ/أبوالقاسم النعماني (مدير الجامعة) وفضيلة الشيخ السيد/أرشد المدني، وفضيلة الشيخ/ رئاسة علي البجنوري، وفضيلة الشيخ/قمر الدين الغوركفوري، وفضيلة الشيخ/عبد الحق الأعظمي، وفضيلة الشيخ/نعمة الله الأعظمي وغيرهم من مشايخ الجامعة وعلمائها، وإذا شاهد كلُّ ذي وعيٍ وفهمٍ هذه الظاهرةَ عند هؤلاء المشايخ الكبار اعتقد أنهم قد عرفوا حقيقةَ الدنيا حق المعرفة، وتحقَّق لديهم بوضوح أنها ليست إلا متاع الغرور، وأذعنوا حقّ الإذعان أن الدار الآخرة هي الحَيَوان.
الأمر الثالث: نظام مجلس الشورىٰ وتولّيه السُّلطاتِ الأساسيةَ
من ميزات «جامعة ديوبند الإسلامية» أن نظامها قائم منذ نشأتها على أساس «وأمرهم شورىٰ بينهم»، فلها مجلسٌ مختار مكوّن من كبار أهل العلم والخبرة والتُّقى يُمثّل نواحيَ مختلفة من الهند ويتولّى السلطة لجميع الشؤون الأساسية للجامعة من العزل والنصب وغيرهما.
وقد صرّح السيد محبوب الرضويّ في «تأريخ دارالعلوم ديوبند» (باللغة الأردية) أن مجلس الشورىٰ البدائي لدارالعلوم كان يحتوي على سبعة أعضاء في طليعتهم الشيخ العلاّمة/محمد قاسم النانوتوي والحاج/عابد حسين (رحمهما الله)، وأثبت فضيلة الشيخ/ رئاسة علي البجنوري في كتابه «شورىٰ كي شرعي حيثيت» (باللغة الأردية) أن تشكيل مجلس الشورىٰ لدارالعلوم متقدّم على تأسيسها.
من نتائج نظام مجلس الشورىٰ المختار أن الإيثارَ والترجيحَ في بيئة جامعة ديوبند للأهلية والجَدَارة لا للقرابة والعلاقة، فمدارُ تعيين الأساتذة والموظفين على مواهبهم العلمية ومؤهلاتهم الإدارية وعلى حاجة الجامعة إلى التعيين، لاعلى النسب والصلة وحاجة الأقرباء وأصحاب الصلة إلى التعيين، أما المدارس والمعاهد التي لاتهتم بهذا الأمر فهي تمشي إلى الهبوط والانحطاط، وتضمحلّ نشاطاتها شيئا فشيئا حتى تندثر وتنمحي (ولاسمح الله).
الأمر الرابع: وقوع الاختلاف المثمِر من حين إلى آخر
إن النزاع بين المسلمين إذا كان لأمور شخصيّة وأغراض دنيويّة دنيئة فهو سبب للفشل والرسوب في ضوء الكتاب والسنة، أمّا إذا كان الاختلاف مبنيًّا على الإخلاص وسلامة النية وتثبيت الحق ونصرته كما كان فيما بين الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين- أو كما كان فيما بين الأئمة المجتهدين في المسائل الفرعية فهو محمود ويترتّب عليه آثارٌ طيّبة.
من ميزات «جامعة ديوبند الإسلامية» وقوعُ الاختلاف المنتِج في بيئتها خلال فـترات متقطّعـة، وهذا الاختلاف وإن كان قد تترتّب عليه في البداية خسائرُ جزئية؛ ولكنه ينتِج في الأخير منافعَ كليّةً ومصالحَ شاملة، ويؤدّي ذلك إلى إصلاحها وتقدّمها وتطوّرها.
أُسّست «جامعة ديوبند الإسلامية» في 15/1/1283هـ وبعد مرور نحو واحد وستين عامًا على تأسيسها وقع الاختلاف المبنيّ على سلامة النية في ساحتها عام 1344هـ واستمرّ إلى عام 1347هـ، وترتّب على هذا الاختلاف أن جماعة من علماء الجامعة تحت رئاسة المحدّث الكبير العلاّمة/محمد أنور شاه الكشميري رئيس هيئة التدريس بالجامعة (المتوفى عام 1352هـ -رحمه الله-) ارتحلتْ إلى منطقة قاصية منطقة «غجرات» المليئة بالبدع والخرافات، فأوصلوا رسالةَ الجامعة إليها، وقاموا بنشر العقيدة الصافية وتعليم العلوم الدينية، وظَهرَ بجهودهم هناك معهدٌ دينيٌّ عظيم يستقي من مناهله العلمية آلافٌ من طلاب العلم بالاستمرار.
كما ترتب على هذا الاختلاف أنه قد اختير إثرَه لرئاسة التدريس بالجامعة المحدّثُ العالم المجاهد السيد/حسين أحمد المدني المدرّس سابقا بالمسجد النبوي الشريف (المتوفى عام 1377هـ -رحمه الله-) الذي عمل رئيساً لهيئة التدريس وشيخاً للحديث بالجامعة نحو واحد وثلاثين عامًا، واستفادَ من علومه آلافٌ من الطلاب، كما تربّى على يده آلاف من المسلمين.
وبعد مرور نحو ثلاثة وخمسين عامًا على الاختلاف السالف ذكرُه حَدَث في الجامعة اختلافٌ آخر في بداية القرن الخامس عشر الهجري الجاري، وانتشر صيته في أنحاء المعمورة، وأَثَار ضجّةً واضطراباً وقَلَقاً في الأوساط الدينية، وخافوا لحوق الضرر بوجود الجامعة وبقائها؛ ولكن الله سبحانه وتعالى حفظها من كل مضرّة وخسارة، وقدّر لها التقدّم والتطوّر من جديد تحت إشراف مجلس الشورى المختار، ويسّر لها مديراً مخلصاً ذا خبرةٍ وتجربةٍ وورعٍ أعني فضيلة الشيخ/مرغوب الرحمن – رحمه الله-.
ومن جانب آخر بَرَزتْ إِثرَ هذا الاختلاف المثمِر جامعةٌ أخرى باسم «دارالعلوم (وقف)» على أرض مدينة «ديوبند»، فازداد بها عدد المعاهد الدينية، وهي تقوم بنشاطات دينية ناجحة، وتتقدّم يوماً فيوماً.
الأمرالخامس: تعيين الأساتذة والموظفين على أساس الأهلية والصلاح
من ميزات «جامعة ديوبند الإسلامية» التي لها أثر واضح في تطويرها وتقديمها أن تعيينَ الأساتذة والموظفين وترقِيَتَهم لايكونان إلا على أساس الأهليـة والصلاح والخبرة، لاعلى أســاس العلاقات الشخصية والنَّسَبِيَّة والإقليميّة، والدليل على هذه الميزة وبقائها في جوّ الجامعة إلى الآن أن مدير الجامعة فضيلة الشيخ المفتي/أبوالقاسم النعماني ونائبَيْه فضيلة الشيخ/عبد الخالق المدراسي وفضيلة الشيخ/عبد الخالق السنبهلي، ورئيس هيئة التدريس فضيلة الشيخ المحدّث/سعيد أحمد البالن بوري ليسوا من مدينة «ديوبند»، وليست لأحد منهم علاقة نَسَبيّة بمؤسّس الجامعة وأسرته ولا بأحد من كبار علماء الجامعة أمثال فضيلة الشيخ/محمود الحسن الديوبندي المقّب بـ«شيخ الهند»، وفضيلة الشيخ/محمد أنور الكشميري، وفضيلة الشيخ/حسين أحمد المدني، وفضيلة الشيخ/شبير أحمد العثماني وغيرهم.
وقد علمتُ خلال زيارتي للجامعة أن فضيلة الشيخ/مرغوب الرحمان – المدير سابقا للجامعة- قد قرّر في السنوات الأخيرة من زمن إدارته للجامعة أنه لايُعيَّن في الجامعة ابنٌ من أبناء المدرسين والموظفين مادام أبوه مدرسًا أو موظّفًا فيها؛ لكي لايُفتَح بابُ إيثار القرابة النَّسَبِيّة على الجدارة والأهلية، وأخبرني فضيلة المفتي/أبوالقاسم النعماني – مدير الجامعة بمحضر من نائبَيْه- أن العملَ في جوّ الجامعة مستمرّ على ما قرّره فضيلة الشيخ/مرغوب الرحمان –رحمه الله- وإن لم يعتَبَرْ ذلك قانونا رسميًّا للجامعة حتى الآن.
ينبغي لمسؤولي المعاهد الدينية الأخرىٰ اتباع مبادئ جامعة ديوبند الإسلاميّة
إن مسؤولي المدارس الدينية الأهلية المنتشرة في أنحاء المعمورة يعتبرون جامعةَ ديوبند الإسلامية أمَّ هذه المدارس، ويعتزّون ويفتخرون بالانتماء إليها وإلى علمائها ومشايخها، ويُظهرون حبَّهم العميق لها ولأسلافها، فلابد لهم أن يتبعوها في مبادئها ويعتنقوا أصولَها وقواعدَها، وأن لاينحصر حبُّهم على الحبّ اللساني فحسب، فإذا اهتموا بالإخلاص والتقوى والسذاجة والبساطة في العيش، وبذلِ الجهود في طلب العلم، والتزامِ تعيين مجلس الشورى المختار، وتعيينِ الأساتذة والموظفين على أساس الجدارة والأهلية فهم الديوبنديّون حقيقةً، وسيرون النتائج الإيجابية بتوفيق الله تعالى، وأما إذا لم يهتمّوا بذلك وانهمكوا في الترف والإسراف واكتساب الشهرة وجمع الأموال، وإيثار الأقارب والأولاد الفاقدين للأهليّة والصلاح على غيرهم وإن كانوا مؤهَّلين وخبراء فهم ليسوا بديوبنديّين إلا بالاسم وسيواجهون النتائجَ السلبيةَ من اضمحلالِ النشاطات الدينية في معاهدهم الدينية وفقدانِ ثقةِ عامّة المسلمين بها، وتَجَمُّدِ فعّاليّاتها (ولاسمح الله).
وليعلم هؤلاء المسؤولون أن هذه المعاهد الدينية الأهلية أماناتٌ في أيديهم لاممتَلَكاتهم، فليحذروا اللهَ في شأنها، وليحتفظوا بها وبحقوقها حق الاحتفاظ، وليذكروا قولَ الله عزّ وجلّ: ﴿فَإنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤدِّ الذِيْ اؤتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّه﴾ (البقرة)، وقولَ الله – عزّ وجلّ- ﴿يا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاتَخُوْنُوا اللهَ والرَّسُوْلَ وَتَخُوْنُوا أمَـٰـنَـٰـتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ﴾ (الأنفال/7)، وليذكروا ما روى أنس بن مالك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال «لا إيمان لمن لا أمانة له» (رواه أحمد بسند جيّد) وفقنا الله جميعا لما يحبّه ويرضاه.
***
**
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1436 هـ = يونيو – أغسطس 2015م ، العدد : 9-10 ، السنة : 39
(*) أستاذ سابقًا بالجامعة الإسلامية دارالعلوم ديوبند – الهند
وأستاذ حاليًّا بجامعة العلوم الإسلامية كراتشي – باكستان.