محليات
بقلم : الشيخ أسرار الحق القاسمي حفظه الله
كاتب إسلامي بارزعضو البرلمان الهندي
تعريب: أبوعاصم القاسمي المباركفوري
أما آن لرئيس الوزراء الهندي أن يقطع صمته؟ ويتساءل الناس في مثل هذا العمود الصحفي عما تقوم به الجماعات القريبة من الحزب الحاكم (بهاراتيا جاناتا B.J.P.) من إدلاء تصريحات استفزازية مستمرة ضد الأقليات في الهند منذ ثمانية شهور، وتعدى ذلك الهندَ إلى الدول الأجنبية فأصبحت تتساءل إحدى الصحف الأمريكية الهامة وهي «نيويورك تايمز» (The New York Times) في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي في كلمة تحريرها عن ذلك. وضربت الصحيفة عدة أمثلة على تصاعد وتيرة العنف وعدم التسامح الديني ضد الأقليات في الهند، وأكدت على ضرورة قطع الرئيس الهندي صمته تجاهه. وأضافت الصحيفة قائلةً: إن الذي انتُخِبَ لتمثيل الشعب كله والحفاظ عليه لم يلتفت إلى الهجمات المتتالية على الكنائس كما لم يتخذ أي إجراءات تضمن للمسيحيين والمسلمين الأمنَ من الخوف وتحويلهم إلى الهندوسية قسرًا مما يوحي إلى أنه لايريد أن يتحكم في العناصر الهندوسية المتطرفة اليمينية أو لايتحكم فيهم عن عمدٍ.
ظلت الهند منذ تمتعها بالحرية بلداً علمانيًّا وجمهوريًّا. ودستورُ البلاد علماني، مما يعني أن الحكومة لادين لها بصفتها حكومةً تدير دفة البلاد. والهنود كلهم سواسية كأسنان المشط في نظر الدستور، مهما كان انتماؤهم الديني واللغوي والعرقي والإقليمي. ويخولهم جميعا حريةَ العمل بدينهم من غير تفريق بين دين وتين. وهذه التعددية هي من محاسن الهند، ومفخرة للهنود كلهم. وإن عائلة «سانغ» والمنظمات الخاضعة لها وقياداتها – التي تعارض علمانيةَ البلاد – تسعى حثيثةً إلى تحويل الهند إلى بلدٍ هندوسيّ، كل من فيه هندوسي، ولا مقام لأتباع الديانات الأخرى فيه، ولامناص لهم إلا إلى أن يتحولوا إلى الهندوسية، أو يرضوا بالعيش في الهند بصفتهم أمةً مغلوبةً على أمرها، ويكونوا مواطنيها من الدرجة الثانية. والمنظمات الهندوسية التي تحلم بمثل ذلك يشكل حزبُ «بهاراتيا جاناتا» (B.J.P) جناحَها السياسي، الذي كسب الأغلبية الساحقة في الانتخابات التي أجريت في السنة السالفة والتي ظهر فيها الحزب مترديًّا رداء العلمانية، وسحر الهنودَ بالوعود المعسولة بجلب أيام النعيم والرخاء عليهم فيما إذا صوَّتُوا لصالحه، واستولى على الحكومة المركزية بقوةٍ لاتتزعزع ولاتتزلزل.
ولم تحظَ هذه المنظماتُ بثقةِ الأغلبية الساحقة من الهندوس الحريصين على الأمن والسلم والذين يؤمنون بالتعددية في البلاد – فضلاً عن المسلمين والمسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية التي تعيش في هذه البلاد-؛ لاعتناقها أفكارًا هندوسية متطرفة وإيمانها بها. وحاول العلمانيون في البلاد إقصاءها – المنظمات- عن السلطة فيها على مرور الأيام، إلا أن ضعف الأحزاب السياسية المعارضة لهذه المنظمات كان من شأنه أن يمهد الطريق أمامها – المنظمات المتطرفة – إلى الاستواء على عرش البلاد في الانتخابات الأخيرة. ورشحت هذه المنظمات «ناريندرا مودي» – المعروف بموقفه المعادي الصريح من المسلمين في الاضطرابات الطائفية التي شهدتها ولايةُ «غجرات» عام 2002م – رئيسًا للوزراء في الانتخابات، ولم تدخر جهدًا لتحقيق أهدافها من وراء الستار. هذا في جانب، وفي جانب آخر وخاض «نريندرا مودي»- رئيس الوزراء حالياً – حملته الانتخابيةَ بدعوة «معًا لهندٍ متطورة وشاملة» معرضاً عن إجندة «هندوتفا»، وقد تسربل سربال العلمانية، فتمكن من إحراز الفوز الكاسح في الانتخابات، وبالتالي تمكن من تشكيل الحكومة المركزية. وما إن تولى حزب «بهاراتيا جاناتا» الحكم في البلاد حتى استيقنت المنظمات القومية الهندوسية أن الهند استسلمت للهندوسية وبإمكانها أن تحولها إلى بلاد ذات سمة هندوسية، وتحول الأقليات الدينية فيها إلى مواطنين من الدرجة الثانية. فأغرق زعماؤها الفاقد والبصيرة من داخل الحكومة وخارجها ممن غرَّهم تولي زمام الحكم وغلبهم خمار الانتصار – في إدلاء تصريحات متتالية أثارث ضجةً وخلافاً في محاولةٍ إلى العبث بأمن البلاد و انسجامها الطائفي. فبدأت الراهبة «نرنجن جيوتي»-وزيرة في الحكومة المركزية – تجعل الأقليات مَدَبَّ عقاربها وغرض سهام سبابها وشتامها، ومن هذا الحزب من نصح المسلمين بهجرة الهند إلى باكستان، ومنهم من أثار قضية «جهاد الحب» المزعومة، ومنهم من أقضَّ مضاجعَه تصاعدُ عدد المسلمين، ومنهم من سوَّلت له نفسه أن يجعل «جوتسي» – قاتل «مهاتما غاندي» (Mohandas Karamchand Gandhi) السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند– محبًّا مخلصاً للبلاد، فلم تدع هذه المنظمات المتطرفة حيلةً لتأجيج نار الطائفية والعبث بالانسجام الطائفي بين مختلف شرائح المجتمع إلا أتَتْها ومارسَتْها.
وأحرِ بأن يُتَرقَّب – في مثل هذه المواقف – من رئيس الوزراء الهندي: «ناريندرا مودي» أن يكبح جماح العناصر المتطرفة، ويتخذ إجراءات تحُدّ منها، و يقطع صمته الرهيب ليصون الأوضاع من أن تتردى أكثر إلا أنها تحولت من سيء إلى أسوأ. وتفشت ظاهرة تحويل المسلمين والمسيحيين إلى الهندوسية بالقوة، وتتابعت الهجمات على الكنائس. فقد تعرضت «دهلي» وحدها لخمس هجمات على الكنائس خلال شهر واحدٍ، ورئيس الوزراء الهندي ملازم للصمت. وفي جانب آخر ازداد ت العناصر الطائفية تحمساً ونشاطاً وتماديًا، وكان رئيس الوزراء على علمٍ تامٍ بأن الضالعين في هذه الأعمال هم من شيعته وليسوا غرباء عنه، وأنهم الذين ذلَّلوا له الطريق إلى رئاسة الوزراء فلا يسعه أن يغضبهم، غير أنه خفي عليه أن العالم قد تحول قريةً بعد ما دخل في عهد التكنولوجية الإعلامية (Information Technology) وأن الأحدث التي تشهدها البلاد لايقتصر دويُّها على الهند؛ بل يطلع عليها العالم كله. وربما كان أول مرةٍ شعر فيها رئيس الورزء الهندي بذلك حين لم يتمالك الرئيس الأمريكي: باراك حسين أوباما – الذي استضافه رئيس الورزاء الهندي: «ناريندرا مودي» للمشاركة في فعاليات يوم الجهمورية- عن القول بأنه عليه أن يستصحب – بما في الكلمة من معنى – الشعب جميعًا في مسيرته للرقي والازدهار فيما إذا كان حقاً راغبًا في النهوض بالبلاد وتطويرها؛ فقد قال الرئيس الأمريكي: «من المستحيل أن تقطع الهند أشواط التقدم والرقي مادامت تشهد الخلافات الدينية».
إن نصائح الرئيس الأمريكي هذه باتباع طريق التسامح الديني ليس من شأنها أن توجه إلى شخص بعينه فما يقوله حزب «بهاراتيا جاناتا» من أن هذه النصائح لم تستهدف سلوكَ رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي»، إنما خاطب بها الناس عامةً. فكان مصير هذه النصائح الأخوية ما يصير إليه الماء حين ينصب على الكوز مجخيا لا يمسك ماءً. ثم إن «البيت الأبيض» أصدر بيانًا يفيد بأن ما قاله الرئيس الأمريكي في الهند في خصوص التسامح الديني لم يكن متوجهاً إلى حزب «بهاراتيا جاناتا» ولا إلى سلوك رئيس الورزاء الهندي: «ناريندرا مودي» إلا أنه لم يلبث أن عاد الرئيس الأمريكي من غده – وهويخاطب جمعًا يضمُّ ثلاث مئة قائدٍ عالمي بمن فيهم «دلائي لاما»- القيادي الروحي في «تبت»- عاد إلى القول بما ينطبق على حكومة «ناريندرا مودي» تماماً، حيث قال: «لقد عدت أنا و «مشيل» في الأيام الأخيرة من الهند التي تشكل بلادًا في منتهى الجمال، تتمتع بالتعددية الرائعة، إلا أنها تشهد في الفترة الأخيرة هجوماً على أصحاب بعض الديانات والمعتقدات، ولو أن «مهاتما غاندي» كان حيا لبعثت هذه الفعلات- التي تشع عن فقدان التسامح الديني -القلقَ والأسى في قلبه».
وهذه هي المرة الثانية خلال عشر سنوات تحدَّث فيها الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» عن التسامح الديني في الهند، إلا أن أنصار حزب «بهاراتيا جاناتا» أولوه تأويلات شتى وقالوا: لم يوجه الرئيس الأمريكي كلامه إلى الهند فحسب، وإنما كان يتحدث عن الشؤون الدينية التي يعيشها العالم كله. فلم يحدد جماعةً أو بلداً أو شخصًا بعينه. وذهبت حكومة «مودي» تنفض يدها من هذه النصائح هي الأخري؛ إذ عنونت صحيفة «نيويورك تايمز» (The New York Times) كلمة تحريرها بـ«مودي يلزم الصمت الرهيب»، التي لم تدع – كما هو جلي – مجالاً لحكومة «مودي» أن تنآى بجانبها من تهمة «عدم التسامح الديني». ومن المؤسف جداً ومما يبعث على الندم أن تتوجه صحيفة أجنبية إلى محاكمة حكومة بلادنا الهند أو رئيسها على ميوله إلى عدم التسامح الديني، علماً بأنه سبق أن رفضت أمريكا منحه- «ناريندرا مودي»-تأشيرة الزيارة لها حين كان يشغل منصب كبير الوزراء في ولاية «غجرات»، ولايزال يتعرض لتهمة عدم التسامح الديني بعد أن أصبح رئيسًا للوزراء في الهند. ما أعجب أن تقول صحيفة أمريكية لـ«ناريندرا مودي»–الذي كان يَتَّهِم رئيسَ الوزراء الهندي السابق: «مان موهان سينغ» بأنه «رئيس وزراء صامت»- بأن صمتك رهيب مفزع، فهلا قطعته؟!. وليت شعري هل تدفع نصائح متتالية من الرئيس الأمريكي، وكلمـة تحرير صحيفة «نيو يورك تايمز» (The New York Times) التي هزَّت كيانَ رئيس الوزراء الهندي: «ناريندرا مودي» -تدفعه إلى قطع صمته الرهيب أو يوغل في الصمت ليقف بجانب العناصر المتطرفة أمثال «أشوكا سينغل» المعروف بتصريحاته الاستفزازية، والذي يَعتبر القلعة التي بناها الإمبراطور «أكبر» على ضفاف نهر «يمنا» –مَعلَماً على استعباد الهندوس واسترقاقهم مطالِبًا بتحويله إلى مأوى للهندوس القليلي الدخل القادمين للغوص في مجمع البحرين هذا، بجانب تصريحاته المسمومة الاستفزازية بأن العهد الإسلامي في الهند شهد تخريب مالايحصى من المعابد الهندوسية وتحويلها إلى مساجد يذكر فيها اسم الله تعالى.
(صحيفة «سهارا» الأردية اليومية، دهلي الجديدة/ص 7، المجلد:15، العدد:5563، الثلاثاء: 20/ربيع الآخر 1436هـ الموافق 10/فبراير 2015م).
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1436 هـ = أبريل – مايو 2015م ، العدد : 7 ، السنة : 39