دراســة عاجلــة لدور علماء دارالعلوم/ ديوبند، الهند في خدمة الحديث النبوي وعلومه

دراسات إسلامية

بقلم:     أسامة  نور  (*)

       إثر انقراض دولة العرب من القارة الهندية أي من بلاد السند والهند حكمها الملوك المسلمون من ديار العجم أي بلاد السند والهند ولاسيّما ملوك الأسرة الغزنوية والأسرة الغورية، وتتابع الناس من «خراسان» و«ماوراء النهر» والبلاد المجاورة فصار الحديث فيها غريبًا، وتشاغل الناس بالعلوم العقلية أو الشعر والنجوم والفنون الرياضية أو الفقه والأصول نادرًا، وإن لم تخل تلك الفترة من بعض الأعلام في العلوم الإسلامية والنوابغ في الحديث؛ غير أن الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان أن حظ بلاد الهند كان ضئيلا جدًّا من علوم السنة في عصور كانت بلاد العراق والشام ومصر فيها زاخرةً بالمحدثين. وفي تلك العصور ظل كتاب «مشارق الأنوار» للصغاني (أبي الفضل الحسن بن محمد 577هـ /1181م – 650هـ/1252م) مدارًا في دراسة علم الحديث في بلاد الهند قرونًا، ثم ضُمَّ إليه كتاب «مشكاة المصابيح» لأبي عبد الله ولي الدين محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي الشافعي (المتوفى 741هـ/1340م).

       وفي القرن العاشر الهجري انتعشت الهند من جديد ولحقت بالأقطار والبلاد الإسلامية والعربية وحملت لواء السنة والحديث، فنبغت فيها شخصيات كبيرة كالشيخ علي بن عبد الملك حسام الدين المتقي (888هـ/1483م – 975هـ/1567م) مؤلف كتاب «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» والشيخ المحدث محمد بن طاهر الفتني الصديقي الهندي جمال الدين (910هـ/1504م – 986هـ/1578م) مؤلف «مجمع بحار الأنوار» و«المغني» في علم أسماء الرجال و«تذكرة الموضوعات» وغيره، والشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي المعروف بـ«مجدد الألف الثاني» (971هـ/ 1563م – 1034هـ/1625م)، والشيخ العلامة عبد الحق الدهلوي (959هـ/ 1552م – 1052هـ/ 1642م) مؤلف «أشعة اللمعات» و«لمعات التنقيح» وهو يعتبر حقًّا رائد العلماء المحدثين في الهند، وإليه يرجع الفضل في إحياء علوم السنة ونشر معارف الحديث في بلاد الهند؛ حيث ظلّ عاكفًا على التدريس والتأليف أكثر من نصف قرن، اغترف خلال ذلك من علومه رجال بارزون وتخرجت عليه جماعة كبيرة.

       وبدأت نهضة جديدة في بلاد الهند وازدهرت فيها علوم السنة، ثم بلغت نهايتها في القرن الثاني عشر الهجري على أيدي الإمام ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (1114هـ/1703م – 1176هـ/1762م) وأنجاله الكرام وتلاميذهم النوابغ، وازدادت عناية العلماء بشرح الحديث، واطّردت الكتب والمؤلفات في سائر فنون الحديث، ونبغ في علوم الحديث والشريعة أمثال الشيخ المحدث محمد إسحاق الدهلوي (1196هـ/1781م – 1262هـ/1845م) سبط الإمام عبد العزيز (1159هـ/1746م – 1239هـ/ 1824م) بن ولي الله الدهلوي، والشيخ عبد الغني المجددي (1235هـ/1819م – 1296هـ/1878م) والعلامة المحدث أحمد علي السهارنفوري (1225هـ/ 1810م – 1297هـ/1879م)، والنواب صديق حسن خان (محمد صديق خان بن حسن بن علي 1248هـ/1832م – 1307هـ/ 1890م)، ومؤسس جامعة ديوبند الإمام محمد قاسم النانوتوي (1248هـ/1832م – 1297هـ/1880م)، وزميله في الدراسة و الفكر والعمل العلامة المحدث الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي (1244هـ/1829م – 1323هـ/1905م) والعلاّمة عبد الحي اللكنوي (1264هـ/ 1848م – 1304هـ/1886م) إن هؤلاء كلهم وغيرهم قاموا بخدمات مشكورة في نشر الحديث وعلومه. واعترف بدورهم العلماء العرب كذلك. يقول العلامة رشيد رضا المصري (1282هـ/1865م – 1354هـ/1935م) في مقدمة «مفتاح كنوز السنة»:

       «لولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقُضِيَ عليها بالزوال من أمصار الشرق؛ فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر للهجرة حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل هذا القرن الرابع عشر».

       ويقول الأستاذ عبد العزيز الخولي: «لا يوجد في الشعوب الإسلامية على كثرتها واختلاف أجناسها من وَفَّى الحديثَ قسطه من العناية في هذا العصر مثل إخواننا مسلمي الهند».

       أما دور علماء جامعة ديوبند: أبنائها وبُناتها في نشر علوم السنة وخدمة الحديث النبوي فمعروف لايحتاج إلى طول العناء والبحث، فإن مدرسة ديوبند الفكرية والعلمية ليست إلا حلقة من حلقات الجهود الرائعة للإمام ولي الله الدهلوي وأسرته، وصورة منقحة لأفكاره وعلومه، وتمثيل عملي صادق قوي لمهمته العلمية والعملية.

       وقد كان الشيخ المحدث عبد الغني المجددي والشيخ محمد إسحاق سبط الإمام عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي مدارًا للحديث في منتصف القرن الرابع عشر في بلاد الهند، وقد نفع الله بهما كثيرًا، وازدادت علوم السنة ازدهارًا في بلاد الهند الواسعة بفضل جهودهما، ولما هاجر أحدهما إلى مكة وثانيهما إلى المدينة المنورة، شغل مكانهما العلماء النوابغ من تلامذتهما.

       وفي طليعة من تلمذ على الشيخ عبد الغني المجددي الإمام المحدث أحمد علي السهارنفوري، والإمام الكبير الشيخ محمد قاسم النانوتوي مؤسس جامعة ديوبند ورفيقه على درب العلم والعمل العلامة الفقيه المحدث رشيد أحمد الكنكوهي، ولكل واحد منهم دور مشكور في نشر علوم الكتاب والسنة.

       فقام الشيخ أحمد علي بنشر صحيح الإمام البخاري لأوّل مرة في بلاد الهند بعد التصحيح والتعليق عليه والتحشية والطبع لكل من سنن الإمام الترمذي ومشكاة المصابيح، ولا تزال تلك النسخ هي المتداولة بين العلماء إلى هذا اليوم في الديار الهندية.

       أما الإمام الكبير محمد قاسم النانوتوي – رحمه الله – فقد ساعد أستاذَه الشيخ أحمد علي في التعليق على صحيح البخاري؛ حيث وَكَّلَ إليه الشيخ التعليقَ على الأجزاء الخمسة الأخيرة، كما قام بإنشاء أكبر مصدر إشعاع ديني ومركز علمي في «آسيا» لنشر علوم الكتاب والسنة، وهو جامعة ديوبند الإسلامية الشهيرة بـ«دارالعلوم/ديوبند».

       أما الشيخ المحدث الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي الذي كان زميل الإمام النانوتوي في الدراسة وفي كثير من محطات العلم والعمل فقد عكف على التدريس والإفادة، وقد صدر من أماليه في تدريس الحديث «لامع الدراري على جامع الإمام البخاري» و«الكوكب الدُرِّيّ على سنن الإمام الترمذي» قام بضبطهما تلميذه المبرز الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي (1288هـ/ 1871م – 1334هـ /1916م)، وقد قام بالتعليق عليهما نجله العظيم فضيلة المحدث محمد زكريا الكاندهلوي (1315هـ/ 1897م – 1402هـ/ 1982م).

       وقد تخرج على هؤلاء المحدثين عدد لا يحصى من علماء الكتاب والسنة الذين أدوا دورًا تاريخيًا في ترويج علوم السنة، وساروا سيرة الإمام ولي الله الدهلوي في الإفادة والتدريس.

       ومن أبرز من تخرجوا عليهم من الأئمة المحدثين العالم العبقري النحرير العلامة محمود حسن الديوبندي المعروف بـ«شيخ الهند» (1268هـ/1851م – 1339هـ/ 1920م) صاحب المواقف المحمودة ومؤسس خطة الرسائل الحريرية لتحرير البلاد الإسلامية والهند من براثن الاستعمار الإنجليزي، أسند الحديث عن الإمام محمد قاسم النانوتوي والعلامة الفقيه المحدث رشيد أحمد الكنكوهي والشيخ عبد الغني المجددي والمحدث أحمد علي السهارنفوري، وتخرج عليه علماء  فطاحل أمثال الشيخ أشرف علي التهانوي المعروف عن حق بـ«حكيم الأمة» (1280هـ/1863م – 1362هـ/1943م)، والعلامة المحدث محمد أنور شاه الكشميري (1292هـ /1875م – 1352هـ/ 1933م) وشيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني (1295هـ/ 1879م – 1377هـ/1957م).

       من آثاره – الشيخ محمود حسن – تعليقات على سنن أبي داؤد، وأماليه الوجيزة على سنن الترمذي وشرح تراجم أبواب البخاري وترجمة معاني القرآن الشهيرة في شبه القارة الهندية.

       ومن تلامذة الإمام محمد قاسم النانوتوي النابغين الشيخ فخر الحسن بن عبد الرحمن الكنكوهي المتوفى سنة 1315هـ/1897م، له تعليق على سنن أبي داؤد سماه «التعليق المحمود» وحاشية مختصرة على سنن ابن ماجه. ومن تلامذته أيضًا الشيخ المحدث أحمد حسن الأمروهي (1267هـ/1850م – 1330هـ/ 1912م)، ومن تلامذة الكنكوهي الشيخ محمد حسن السنبهلي (1275هـ/1861م – 1364هـ/ 1944م) صاحب المؤلفات القيّمة في الفقه والحديث، وانتفع بهما خلق كثير، وتخرج عليهما كبار العلماء المتضلعين من علم الحديث. كما يعتبر الشيخ ماجد علي المانوي الجونبوري (المتوفى 1353هـ/1935م) من تلامذة العلامة رشيد أحمد الكنكوهي من كبار علماء الحديث.

       وقد نبغ من تلامذة «شيخ الهند» الشيخ العلامة محمود حسن أمثال حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التهانوي، أكبر من انتفعت بهم الهند في العهد الأخير في إصلاح المجتمع من البدع وبث الوعي الديني، يبلغ مؤلفاته حوالي ألف كتاب، ومن مؤلفاته في الحديث «جامع الآثار» و«تابع الآثار» و«التشرف» ولكن العمل الذي يكفي لتخليد ذكره في سائر العصور هو إشرافه على إعداد موسوعة حديثية ضخمة منقطعة النظير باسم «إعلاء السنن» قام به ابن اخته العلامة ظفر أحمد العثماني الديوبندي التهانوي (1310هـ/1892م – 1394هـ /1974م) وهي في ثمانية عشر مجلدًا، وهو في الحقيقة عمل عظيم، وجهد جليل لتقريب الفقه من الحديث، وتحقيق لحلم الإمام ولي الله الدهلوي، وخدمة مشكورة للسنة لايَكاد يوجد لها نظير في القرون المتأخرة.

       أما إمام العصر في الحديث الشيخ محمد أنور شاه الكشميري فحدث عن البحر ولاحرج؛ حيث يصحّ أن يقال: إنه ما أنجبت البلاد الإسلامية مثله خلال قرون في استحضاره المدهش وذاكرته القوية وتضلعه من سائر أنواع العلوم الشرعية. أما علم الحديث فكان شعاره ودثاره، عاش له وعاش به وعاش فيه، وقضى حياته في خدمة السنة وناهيك أماليه على صحيح الإمام البخاري المطبوع باسم «فيض الباري» لتقدير مدى سعة علمه واستيعاب أدلة المذاهب الأربعة وترجيح ما هو الراجح. وقد اعتنى كثيرًا بذكر مالم يأت به أحد من شراح صحيح البخاري بعد نقل غرر النقول من كلامهم، والإشارة إلى مواضع الضعف إذا دعت إليه الحاجة، كما التزم بذكر أبحاث البلاغة والعربية وأصول الفقه. وله «نيل الفرقدين في رفع اليدين» و«عقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه الصلاة والسلام» و«التصريح بما تواتر في نزول المسيح» و«فصل الخطاب في مسألة أم الكتاب» و«كشف الستر عن صلاة الوتر» و«العرف الشذي على جامع الترمذي» و«الإتحاف في التعليق على آثار السنن للنيموي» كما أن له زيادات قيمة على مصطلحات بعض الفنون.

       ومن تلامذة «شيخ الهند» النوابغ العلامة المحقق الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي (1305هـ/ 1887م – 1369هـ/1949م) الذي قام بتأليف «فتح الملهم بشرح صحيح الإمام مسلم» وقد أفرد الشيخ العلامة المحدث الشامي عبد الفتاح أبو غدة (1336هـ /1917م – 1417هـ/1997م) مقدمة ضافية للكتاب تشتمل على أصول علم الحديث ونُشِرَت المقدمة مفردةً باسم «مبادئ علم الحديث وأصوله» وقد جمع بعض أصحابه أماليه على صحيح الإمام البخاري ونشره باسم «فضل الباري» في مجلدات ضخمة.

       أما تلميذ «شيخ الهند» شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني (1295هـ/ 1879م – 1377هـ/ 1957م) فكفاه فضلاً أنه ظل يدرس الحديث الشريف حوالي اثني عشر عامًا في الحرم النبوي، واستفاد منه عدد كبير من علماء العرب والعجم، وظل يشتغل بتدريس الحديث طول حياته الحافلة بالكفاح والجهاد إلى جانب العبادة والإنابة إلى الله، وقد أنيطت به رئاسة هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ديوبند، فكان يدرس صحيح الإمام البخاري وسنن الإمام الترمذي، وكانت لدروسه مكانة عظيمة في نفوس الطلاب والعلماء. قد طبعت أجزاء من أماليه على سنن الإمام الترمذي باسم «المعارف المدنية» قام بضبطها أحد تلاميذه وهو الشيخ محمد طاهر، كما طبع جزء من أماليه على صحيح الإمام البخاري.

       أما أحد أبناء جامعة ديوبند النوابغ العلامة خليل أحمد السهارنفوري (1269هـ/1852م – 1346هـ/ 1927م) فقد اشتهر في العرب والعجم بتأليفه العظيم «بذل المجهود في حل سنن أبي داؤد» وهو من أصحاب المحدث الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي متقدم على الذين سبق ذكرهم، وكتابه «بذل المجهود في حل سنن أبي داؤد» أروع وأبدع وأحسن ما ألف من شروح سنن أبي داؤد. وقد طبع في ستة عشر مجلدًا تحت إشراف تلميذه النابغة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي وهو أيضاً كان من كبار علماء الحديث في هذا العصر، قد نالت مؤلفاته قبولاً وتقديرًا في الأوساط العلمية. ومن أهمها «أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك» في مجلدات، وله كتاب حافل في شرح تراجم صحيح البخاري وتعليقات وأمالٍ تدل على طول باعه في علم الحديث.

       وقد خرّجت جامعة ديوبند علماء كثيرين بارعين في علوم الشريعة ولاسيّما في علم الحديث، وإحصاءُ عددهم واستيعاب خدماتهم وتعداد مؤلفاتهم وإنتاجاتهم العلميّة يقتضي مجلدات كبيرة. من بينهم المفتي مهدي حسن الشاهجهانفوري (1301هـ/ 1883م – 1396هـ/1976م) رئيس قسم الإفتاء السابق بجامعة ديوبند، كان طويل الباع في علم الحديث والفقه، طبعت تعليقاته على كتاب «الحجة على أهل المدينة» في أربعة مجلدات من دائرة المعارف العثمانية، وكتابه «قلائد الأزهار في شرح كتاب الآثار» قد طبعت منه أجزاء، وله كتاب «السيف المجلي في الرد على المحلي» في أربعة أجزاء وكتب وأبحاث أخرى تدل على سعة علمه. أما المحدث المتضلع الشيخ فخر الدين أحمد (1307هـ/1889م – 1392هـ/ 1972م) فقد كان مثالاً نادرًا في الذكاء وقوة الاستحضار، تلمذ على الشيخ محمد أنورشاه الكشميري، كما أسند الحديث عن شيخ الهند محمود حسن، وانتهت إليه الرئاسة في علم الحديث في الزمن الأخير لم يأت مثله في حسن الإلقاء وقوة البيان وعذوبة اللسان، طبعت أجزاء من أماليه على صحيح البخاري قام بضبطها وتدوينها الشيخ رياست علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ ديوبند، وله «القول الفصيح في نضد أبواب الصحيح للبخاري» و«القول النصيح» أيضًا.

       وكان من تلاميذ شيخ الهند محمود حسن الديوبندي العلامة محمد إبراهيم البلياوي (1304هـ/ 1886م – 1387هـ/1967م) نابغة عصره؛ حيث كان جامعًا بين العلوم العقلية والعلوم النقلية، وله شرح على سنن الإمام الترمذي، وهو غير مطبوع، وقد تخرج عليه عدد كبير من علماء الهند، كان من تلامذة شيخ الهند محمود حسن الديوبندي رحمه الله الكبار المبرزين الأذكياء الذين يضرب بهم المثل.

       أما تلامذة إمام العصر المحدث الكبير الشيخ محمد أنور شاه الكشميري فهم كانوا أعلام عصرهم، وخدماتُهم في نشر علوم الحديث معروفة ومشكورة، فمن تلاميذه العلامة محمد إدريس الكاندهلوي (1318هـ/1900م – 1394هـ/1974م) الذي ألف «التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح» في 8 مجلدات ضخمة، ومثله العلامة المحدث المؤلف الكبير محمد يوسف البنوري (1326هـ/ 1908م – 1377هـ/1977م)، فكان مثل شيوخه الأجلاء في التضلع من علوم الحديث ومقدرته الفائقة على العربية والأردية والإنشاء والترسل فيهما، وكتابه «معارف السنن» في 6 مجلدات كبيرة كفاه فخرًا وتخليدًا لاسمه إلى جانب ما قام به من خدمات علمية ودعوية متنوعة.

       أما العلامة المحدث المتضلع من أسماء الرجال حبيب الرحمن الأعظمي (1319هـ/1901م – 1412هـ/1992م) فكان حقًّا من العلماء المعدودين في التضلع من علوم الحديث، وسعة الاطّلاع على التراث ودقة النظر في رجال الحديث وغريبه وسائر فنونه. وقد اعترف بفضله علماء الحديث في العرب والعجم معًا، وها هي ذه تعليقاته على كتاب الزهد لابن المبارك، وسنن الإمام سعيد بن منصور، والمسند للإمام الحميدي، والمُصَنَّف للإمام عبد الرزاق. كلها تشهد صارخًا بعلو كعبه. وهو أول من أخرج هذا الكنز الثمين من دواوين الحديث إلى النور وجعله في مقدرة الباحثين، وكذلك تحقيقه وتعليقه على كتاب «المطالب العالية» لابن حجر. وله كتاب عن رجال الطحاوي؛ وأبحاث ومؤلفات أخرى، وتعقيبات على تعليقات أحمد محمد شاكر على مسند الإمام أحمد بن حنبل. وكتابه «الألباني شذوذه و أخطاؤه» طارت به الآفاق.

       وكان من تلاميذ الكشميري الكبار العلامة بدر عالم الميرتهي (1316هـ/ 1898م – 1385هـ/ 1965م) قام بتأليف «ترجمان السنة» إلى جانب ضبطه لأمالي شيخه العلامة محمد أنور شاه الكشميري وترتيبها باسم «فيض الباري». وكان من تلاميذ شيخ الهند والعلامة الكشميري النوابغ الشيخ العلامة مناظر أحسن الكيلاني (1310هـ/1892م – 1375هـ/ 1956م) وله كتاب «تدوين الحديث» وكان قد ضبط أمالي شيخه على صحيح الإمام مسلم. ومن تلاميذ العلامة الكشميري كان الشيخ محمد منظور النعماني (1323هـ/1905م – 1417هـ/ 1997م) الذي قام بتأليف «معارف الحديث» في 8 مجلدات في أسلوب سهل يستفيد منه العالم والعامي على حد سواء، وله «ألفية الحديث» وهو مدرج في المقررات الدراسية في المدراس. ومن تلاميذ الكشميري أيضًا الشيخ العلامة المقرئ محمد طيب (1315هـ/1897م – 1403هـ/ 1983م) رئيس الجامعة الأسبق كان قد جمع أمالي شيخه العلامة محمد أنور شاه الكشميري، وله كتاب في حجّية الحديث. ولتلميذ الكشميري الشيخ السيد محمدميان الديوبندي الدهلوي (1321هـ/1903م – 1395هـ/1975م) كتاب «مشكاة الآثار» وهو من كتب المقررات الدراسية في دارالعلوم/ ديوبند والمدارس التابعة لها.

       أما تلميذ الكشميري الشيخ المحدث السيد محمد رضا البجنوري (1324هـ/ 1907م – 1418هـ/ 1998م) فقد قام بشرح صحيح الإمام البخاري باسم «أنوارالباري» وهو من أشمل وأروع ما ألف في شرح البخاري، ويحفل بالأبحاث العلمية المتنوعة التي تدل على سعة دراسة المؤلف وتضلعه من علم الحديث والخلافات الفقهية. ومقدمة الكتاب جاءت شبه موسوعة علمية وقد جمع المؤلف في جزء منها تراجم المحدثين الأحناف.

       ومن كتب علماء ديوبند في الحديث الجديرة بالذكر والتنويه هو كتاب «فضل الله الصمد في شرح الأدب المفرد» للعلامة المحدث فضل الله الجيلاني، وله كتاب في شرح علل الترمذي وتعليق على شرح سنن الترمذي لأستاذه العلامة المفتي عبد اللطيف ولا يزال غير مطبوع.

*  *  *


(*)      المتخرج من الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند والحامل لشهادة الماجستير في الفلسفة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دهلي، دهلي 110007.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، رمضان – شوال 1435 هـ = يونيو – أغسطس 2014م ، العدد : 9-10 ، السنة : 38

Related Posts