كلمة المحرر
رغم استنكارنا الصارخ ، وتنديدنا الواضح بجميع أشكال الإرهاب بمعناه الصحيح العادل – الذي يقرّره علماؤنا صادرين عن روح الشريعة الإسلامية ، وثوابت الدين ، ونصوص الكتاب والسنة ، واجتهادات الفقهاء الراسخين – نسجّل استنكارنا الشامل وشجبنا الكامل لما تصنعه أمريكا على المسرح العالمي من شن حرب شاملة ضدّ المسلمين ، ولاسيّما المتدينين منهم ، باسم محاربة الإرهاب والإرهابيين . كما ندين الحكامَ وولاةَ الأمر في بلادنا الإسلاميّة الذين ركبوا موجةَ محاربة الإرهاب ، ومارسوا ويمارسون موضةَ محاربة الإرهابيين ، جريًا وراء سادتهم وقادتهم الأمريكان والصهاينة الذين قاموا بحركة محاربة الإسلاميين مُرَدِّدين هتافات «الحرب ضد الإرهاب» .
إنّ غير المسلمين من شتى الملل والنحل أكثر إرهابًا – إذا سلمنا أن في المسلمين من يجوز أن يُصَنَّفُوا «إرهابيين» بالمعنى الصحيح العادل المُحَدَّد من قبل العلماء الراسخين الثقات ، على أن المسلم الصحيح لن يكون إرهابيًّا بهذا المعنى – من المسلمين بكل معنى من معاني الكلمة التي يتفق على قاسمها المشترك المسلمون وغير المسلمين .. فالصهاينةُ كلهم إرهابيون ، وإرهابُهم حقيقةٌ مكشوفةٌ لدى العالم كله ، لاينكرها إلاّ من تَعَمَّدَ الإنكارَ لكل حقيقة سافرة في الكون؛ والأمريكان المتصهينون كلّهم إرهابيون ، رغم زعمهم أنهم مسيحيون ، منتمون في الظاهر إلى تعاليم سيدنا عيسى المسيح عليه السلام الذي عُرِفَ بحمله ونعومته ورأفته بين الأنبياء . وإرهابُهم تجلّى بأشنع صوره وأوضح أشكاله وأسوأ أساليبه في كل من أفغانستان والعراق وعبر التعذيبات والإيذاءات الوحشية التي اعترفوا بها بدورهم وندد بها العالم ، وافتضح بها جميع دعاويهم وحججهم بنشر الديموقراطية وتطبيق العدل وتحرير الإنسانين الأفغاني والعراقي في قارعة الطريق . وقد ندّد بها وبالحرب الأمريكية ضد أفغانستان والعراق الراحلُ رئيس دولة الفاتيكان والحبر الأكبر للكنيسة الكاثولوكية : البابا يوحنّا بولس الثاني بأكثر من أسلوب وأكثر من مرة ، واصفًا اليوم الذي شَنَّتْ فيه أمريكا الحربَ بأنه ليومٌ حزين في تاريخ العالم !.
والهندوس المتطرفون لدينا الخارجون على جميع قوانين وأعراف الدولة ، الذين هدموا المسجد البابري الأثري في مدينة «أجودهيا» على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام العالمية ، ساخرين من الحكومة الهندية وشرطتها وجنودها وإدارتها المسؤولة عن تنفيذ القانون والدستور، وقتلوا أكثر من ألفي مسلم في «غوجرات» تحت رعاية كبير وزرائهم المتطرف ، وشنوا منذ استقلال الهند عددًا لا يُحْصَى من الاضطرابات والصدامات الطائفية حصدوا خلالها أرواحَ المسلمين ، ونهبوا ممتلكاتهم ، وانتهكوا حرماتهم ، واغتصبوا فتياتهم ، وكسروا عظام شبابهم ، وضيّقوا فرصَ العمل على المسلمين في الوظائف الحكومية ، وحرّموا عليهم التمتعَ بالثرة القومية بشكل عادل وحسب نسبتهم السكانية .. هؤلاء كانوا ولازالوا إرهابيين بكل تفسير من تفسيرات الكلمة وكل مدلول من مدلولاتها .
وكذلك هناك عددٌ وجيهٌ من الإرهابيين في كل ديانة ، وكل طائفة من الطوائف البشرية ، في كل جزء من أجزاء العالم . ولكن المؤسف جدًّا ، والباعث على الاستعجاب المتناهي أن العالم – الذي يدّعي دونما تعب التنوّر والعدل وينادي بالحقوق الإنسانية ، والحرية في الرأي والعقيدة ، واختيار طريقة الحياة وأسلوب العيش – لا يفكر – فضلاً عن أن يُقْدِمَ – في وصف غير المسلمين هؤلاء بـ «إرهابيين» وإنما يكتفى ، إذا أراد ، بإدانتهم والتنديد بهم وشجب صنيعتهم في إطار القول الذي لاينفع دون العمل الذي هو الذي ينفع .
ولكن المسلمين مهما تلازموا العدل ، ومارسوا الإنصاف ، وعملوا بالهدوء ، واجتنبوا كلَّ نوع من العنف والتطرف ، وتحاشوا عن كل شكل من الظلم والأذى الذي يُحَرِّمه شرعهم ويُشَنِّع عليه دينهم ؛ يوصفون بالإرهاب والعنف والتطرف ، بمجرد أن يعملوا بدينهم ، ويتقيدوا بعباداتهم ، ويلتزموا بأوامر ونواهي ربّهم .
وكذلك الحكامُ والقادةُ في دول العالم غير الإسلامية لايصفون شعوبهم بالإرهاب ، ولا يُقْدِمُون على ملاحقتهم ومعاقبتهم مهما مارسوا الإرهاب ، وعملوا بالعنف والتطرف ، وألحقوا أضرارًا فادحة بالممتلكات الحكومية والثروات القومية . وإنما يكتفون بأخذهم ببعض العقابات الخفيفة ، ويلازمون الصمت تجاه كل ضجيج يطلقه العالم ضدهم وضد العناصر الإرهابية من شعوبهم .
أما الحكام لدينا نحن المسلمين والعرب ، فهم يبدون أكثر اندفاعًا إلى محاربة «الإرهاب الإسلامي» من الأمريكان والصهاينة ، والمسيحيين المتصهينين ، والوثنيين المتهايدين ؛ فهم يحاربون المسلمين بأيديهم ، ثم يُسْلِمُونهم بالقبض عليهم إلى الأمريكان لينالوهم بتعذيب تقشعر منه الجلود .
السؤال : لماذا يتولّد الإرهاب – إذا تولّد – في الدول الإسلامية وحدها ؟ الجواب : يتولّد بالصنيع الظالم والمعاملة اللاعادلة التي يمارسها أولاً القوى الكافرة مع المسلمين هؤلاء ويمارسها ثانيًا القادة والحكام المسيطرون على كراسيّ الحكم في الدول الإسلاميّة ، المحسوبون على الإسلام ، والنابذون له في قرارة أنفسهم . إنّ التفريط في حق الإسلام والمسلمين هو سبب رئيس لتولّد الإرهاب إذا أخذناه بالمعنى العادل الصحيح . ولن يُزَالَ الإرهاب هذا ، إذا وُجِدَ ، إلاّ بالعمل بالعدل ، والإنصاف مع المسلمين ، وإعطائهم حقَّهم ، وإيقاف الظلم الواضح الصريح الذي يُمَارَسُ معهم في داخل دولهم وخارجها ، وبأيدي القوى العظمى وبأيدي عملائها في داخل دولهم .
وكلُّ طريق يُسْلَك لإزالة الإرهاب غير هذا الطريق ، لن يُثْمِرَ – ولو بدا أنّه يثمر مُوَقَّتًا – مهما بُذِلَت القوة ، واستُخْدِمَ التعذيب ، ومُوْرِسَ الإرهاب الحكومي ، وأُعْمِلَت المؤامرة الصليبية ، واستُعْمِلَت الدسيسة الصهيونية ، وانتُفِع بالنفاق العالمي ، وعُمِلَ بالمكر الأوربيّ ، واعْتُمِدَ العداء الدوليّ ضد الإسلام والعروبة ، وجُرِّبَتْ أساليب داهية لمحاربة الرسالة الإلهية التي ظلَّ ولا زال وسيظلّ مدُّها متناميًا ، وانتشارها متصاعدًا . «وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلـٰـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُوْنَ» (يوسف/21) [ التحرير ]
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل – يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.