دراسات إسلامية

بقلم: خلف أحمد محمود أبو زيد (*)

          البيمارستان كلمة فارسية مركبة من كلمتين، أولهما بيمار ومعناها المريض، وثانيهما ستان ومعناها مقر، فالكلمة أذن تعني مقر المرضى، أو ما نسميه نحن اليوم المستشفى أو المشفى(1)، وقد ازدهرت هذه البيمارستانات في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيراً، فتعددت أنواعها، فكان منها من هو خاص بعلاج الأمراض العقلية والجذام، ومنها ما هو  عام لجميع الأمراض، حيث انتشرت هذه البيمارستانات في شتى بقاع الإمبراطورية الإسلامية، من بغداد شرقاً، إلى بلاد المغرب والأندلس غرباً، كما عمت هذه البيمارستانات بلاد الشام ومصر، حتى السجون كان الأطباء يدخلونها لعلاج المرضى فيها، ونتعرف عبر السطور القادمة على البيمارستانات في الحضارة الإسلامية، وكيف جعل المسلمون الرعاية الطبية حقاً لكل المواطنين  .

أنواع البيمارستانات:

       قد انقسمت البيمارستانات في الحضارة الإسلامية، إلى قسمين، بيمارستانات متنقلة، وأخري ثابتة:

أولاً البيمارستانات المتنقلة:

       وهي كانت عبارة عن خيام لعلاج المرضى وما أشبهها، حيث كانت تحمل وتنتقل من مكان إلى مكان حسب الظروف والأحوال، والأماكن المنتشرة فيها الأوبئة، وكانت هذه البيمارستانات المتنقلة، تجهز بما يلزم من الفرق الطبية، من أطباء ومعاونين وصيادلة، وبما يلزم العلاج من أدوات وأدوية وأطعمة وأشربة وملابس تنتقل من مقر إلى آخر وخصوصاً في الأطراف النائية لخلوها من الأطباء، وحاجة الأهالي إليها، على نحو ما نرى الآن من أنواع القوافل الطبية في هذا العصر التي تجوب المناطق النائية والبعيدة وهي تقدم يد العون والمساعدة لمن يحتاج ذلك، ومن أنواع البيمارستانات المتنقلة أيضاً البيمارستانات العسكرية، التي ترجع بداية ظهورها إلى عصر الرسول – صلى الله عليه وسلم -، حيث ذكر ابن إسحاق في السيرة  النبوية لابن هشام «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لأمراة من أسلم، يقال لها «رفيدة» في مسجده؛ حيث أصيب يوم الخندق، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على ضعة من كانت به ضيعة من المسلمين»(2)، ثم انتشرت بعد ذلك هذه البيمارستانات العسكرية المتنقلة حتى أصبحت سمة تميز الجيوش الإسلامية في شتى أصقاع الأرض، بما تحويه من أدوية وأدوات طبية وأطباء ومشرفين وخدم، وأفضل وصف لتلك البيمارستانات العسكرية المتنقلة، هو ما كتبته الكاتبة الألمانية الشهيرة «سيجريد هونكه»، وهي تصف رحلة الطبيب والجراح البولوني المصاحب لإحدى الحملات الصليبية على مدينة «دمياط»، وما لاحظه من تفضيل بعض القادة الصليبيين وجنودهم العلاج لدي أعدائهم العرب في مستشفياتهم العسكرية المتنقلة، على الرغم من تحذير رجال الكنيسة لهم، حيث كتبت «إن هذه الكلمات لم تكن لتغير من موقفهم شيئاً، وظلوا يفضلون التداوي على أيدي أطباء الأعداء، ولم يكن هذا بأمر مشرف لرجل وطبيب قد بلغ من العمر ما بلغه «هوجو»، وفي خلال هذه السنوات الثلاثة توافرت له أكثر من مناسبة للتعرف على هؤلاء الجراحين المسلمين، الذين كثر فيهم المدح والذم في آن واحد، ورؤية  عظمتهم وزيارة مستشفاهم العسكري، الذي كان يحمله إلى ساحة المعركة ثلاثون أو أربعون جملاً )( 3).

ثانياً:- البيمارستانات الثابتة:

       والبيمارستانات الثابتة عبارة عن أبنية ثابتة في جهة من الجهات، لا تنقل منها، وكان هذا النوع من البيمارستانات كثير الوجود في البلدان الإسلامية، حيث كان يشيدها الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء وأهل الخير عامة صدقة وخدمة للإنسانية وتخليداً لذكرهم، ويذكر «المقريزي»، أن أول من بنى البيمارستانات الثابتة في الإسلام الخليفة الأموي «الوليد بن عبد الملك»، وذلك في سنة 88هجرية – 707ميلادية، حيث جعل الوليد فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق، وأن يعزل المجذومين والعميان وأجرى لهم وعلى العميان الأرزاق، إلا أن هناك رأيًا أخر يعتبر بيمارستان الرشيد، والبيمارستان الكبير في بغداد أول مستشفى ثابت شيد في الإسلام، بناه الخليفة «هارون الرشيد»، في أواخر القرن الثاني الهجري، وأوائل القرن الثامن الميلادي، حيث جمع هذا البيمارستان جميع التخصصات المعروفة في ذلك الوقت، وأوكل الرشيد الإشراف على بنائه وتنظيمه لطبيبه الخاص جبرائيل بن بختيشوع، وبرئاسته إلى الطبيب مأسويه الجوزي»(4)، ومنذ  ذلك التاريخ انتشرت البيمارستانات الثابتة في جميع مدن الدولة الإسلامية، من حدود الصين، إلى حدود بلاد الغال، وجري تنظيمها وتحسينها وتطويرها لتصل إلى أعلى درجات الرقي ولتضاهي في نفس الوقت، ما وصلت إليه المستشفيات الحديثة في هذا العصر، حيث إنها لم تكن فقط إمكان لعلاج المرضى فقط، بل كانت في نفس الوقت معاهد ومدارس لتعليم الطب بكل فروعه. 

أقسام البيمارستان:

       كانت البيمارستانات الكبيرة تنقسم إلى قسمين منفصلين، أحدهما للذكور وثانيهما للإناث، ويحتوي كل واحد منهما على عدة قاعات تخصص كل واحدة منها لأحد الأمراض، فقاعة للأمراض الباطنة، وقاعة للجرحى، وثالثة للرمد ورابعة للتجبير، كما عرفوا نظام العزل لأصحاب الأمراض المعدية، وخاصة الجذام، كما كان البيمارستان يحتوي على صيدلية، كانت تعرف بقاعة الشراب، وكانت هذه البيمارستانات تضم فئات من العاملين، أولهم رئيس الأطباء، ثم تضم الفراشين من الرجال والنساء والمشرفين.

ضوابط صناعة التطبيب:

       يصف لنا ابن أبي أصيبعة طرق مزاولة مهنة الطب في أول عهد إنشاء البيمارستانات الإسلامية فيقول «إن الطب كان في أول عهده عن طريق الممارسة، ثم صار دراسة وامتحاناً وأجازه، حيث كان الطبيب في أول عهد الدولة الإسلامية يكتفي لممارسة التطبيب بقراءة الطب على أي طبيب من النابهين في عصره، فإذا أنس من نفسه القدرة على مزاولة الصنعة بأشرها بدون قيد أو شرط»(5)، إلا أنه يرجع الفضل في تنظيم صناعة التطبيب وتقيدها بنظام خاص حرصاً على صحة المرضى، إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله «جعفر بن المعتضد» الذي تولي الخلافة سنة 295هجرية، حيث فرض على من يريد معاناة التطبيب تأدية امتحان للحصول على إجازة تخوله هذا الحق بين الناس، والسبب الذي دعا الخليفة المقتدر إلى هذا التقييد، هو ما يرويه سنان بن ثابت رئيس الأطباء في عصره، وطبيب الخليفة، ومن النابهين بين الأطباء،حيث يقول «لما كان في عام 319 هجرية 931 ميلادية، اتصل بالمقتدر أن غلطاً جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل، فأمر الخليفة أبا إبراهيم بن محمد بن أبي بطيحة المحتسب بمنع سائر المتطببين من التصرف إلا من أمتحنه سنان بن ثابت بن قرة، وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة فصاروا إلى سنان وامتحنهم، وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمان مئـة رجل ونيف وستين رجلاً سوي من استغنى عن مهنته باشتهاره بالتقدم في صناعته، ومن كان في خدمة السلطان»(6) وصار النظام بعد ذلك على هذا الطريق، متي أتم الطالب دروسه يتقدم إلى رئيس الأطباء الذي يطلب إليه إجازته، لمعاناة صنعة التطبيب، وكان الطالب يتقدم إليه برسالة في الفن الذي يريد الحصول على الإجازة في معاناته، وهذه الرسالة أشبه بما يسمى اليوم «أطروحة»، وتكون هذه الرسالة له أو لأحد مشاهير الأطباء المتقدمين أو المعاصرين، يكون قد أجاد دراستها فيمتحنه فيها ويسأله في كل ما يتعلق بما فيها من الفن، فإذا أحسن الإجابة أجازه الممتحن بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة، كما كان المحتسب، أن يأخذ عليهم عهدًا بقراط الذي أخذه على سائر الأطباء ، ويحلفهم إلا يعطوا أحداً دواءً مرًّا ولا يركبوا له سماً، ولا يصفوا التمائم عند أحد من العامة، ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة، ولا للرجال الدواء الذي يقطع النسل، وليغضوا أبصارهم عن المحارم وعند دخولهم على المرضى، ولا يفشوا الأسرار ولا يهتكوا الأستار، وينبغي للطبيب أن يكون عنده جميع آلات الطب على الكمال، مما يحتاج إليه في صناعة الطب»(7).

عمارة البيمارستانات:

       لقد تطورت عمارة البيمارستانات خلال عصور الحضارة الإسلامية، حيث كان لها نظام وطابع معماري مميز، يقوم على مجموعة من الشروط الضرورية التي يجب أن تتوافر في المكان الذي يبني فيه البيمارستان، ويمكن أن نلخص هذه الشروط فيما يلي:

1- اختيار الموقع:

       اختيار الموقع الذي يبني فيه البيمارستان كان من الأمور الضرورية التي أولاها العرب اهتماماً كبيراً، حيث كان يجب، أن تتوافر في المكان الذي يبني فيها البيمارستان الهواء الصحي، ولقد ورد أن الرازي عندما أراد اختيار موقع للبيمارستان العضدي، وضع قطعاً من اللحم في أماكن مختلفة من بغداد، واختار الموقع الذي بقيت فيه قطعة اللحم سليمة أكثر من غيرها في المواقع الأخرى»(8)، ونفس القصة تكررت عند إنشاء البيمارستان النوري في «حلب»، حيث أحضروا خروفاً وقطعوه أربعة أرباع، وعلقوها بأرباع المدينة ليلاً، فلما أصبحوا وجدوا أحسنها رائحة الذي كان في هذا القطر فبتوا البيمارستان فيه»(9).

2- مصدر المياه:

       كما حرص العرب على أن يكون البيمارستان قربياً من الأنهار ومنابع الحياة، وذلك رجع إلى حرصهم الشديد على إيصال الماء الجاري إلى بيمارستاناتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالمستشفي العضدي، كان الماء يدخل إليه من دجله، والمستشفي النوري بـ«حلب» كان به بركتا ماء تأتي إليهما الماء الحلو من قناة «حبلان»، وأيضاً بيمارستان غرناطة له باحة داخلية وسطها حوض عميق لدخول الماء من عينيين، كل عين عبارة عن أسد جاث، بل في بعض الأحيان حرص العرب على إيصال المياه  إلى جميع عنابر المرضى، كما كان الحال في بيمارستان مراكش، حيث أجريت فيه مياه كثيرة تدور على جميع العنابر، زيادة على أربع برك في وسط إحداها رخام أبيض»(10).

3- مخطط البيمارستان:

       كما كان لكل بيمارستان مخطط يحتوي على:

       1- أقسام خاصة بالرجال، وأخري خاصة بالنساء منفصلة عن الأولى.

       2- قاعات للمرضى حسب التخصصات، فهناك قاعات أو عنابر مخصصة للمرضى المصابين بالحمى، والأخرى للأمراض العقلية والنفسية، وغيرها لمرضى الرمد وهكذا.

       3- عنابر خاصة للناقهين من المرضى إلى أن يتم شفاؤهم، يحكي لهم فيها الحكايات المسلية.

       4- غرف للأطباء وبقية الإداريين.

       5- غرف للأطباء للكشف على المرضى غير المنومين «عيادات خارجية بلغة العصر». 

       6- قاعة محاصرات يلقي فيها رئيس الأطباء دروسه ويجتمع فيها مع تلاميذه.

       7- مكتبة تضم الكتب والمعارف الطبية.

       8- مطبخ لطبخ الأغذية الصحية، حيث كان الغذاء أحد طرق العلاج الرئيسية، وكذلك لتجهيز الأشربة وغيرها من المواد العلاجية.

       9- صيدلية لتحضير الأدوية.

       10- مخازن.

       11- قاعة لغسل الموتى.

       12- مصلى مسجد.

       13- مراحيض وحمامات.

       بالإضافة إلى الباحات والأفنية والحدائق التي تحتوي على الأشجار والشمومات والمأكولات، والكثير من هذه البيمارستانات، كانت تحتوي على سكن للعاملين فيها»(11).

4- تأثيث البيمارستان:

       عندما تنتهي عمارة البيمارستان يقوم ناظره بتأثيثه بما يحتاج إليه لإيواء المرضى ومعالجتهم، والعناية بهم، وقد يختلف الأثاث من بيمارستان لأخر من حيث الفخامة، ولكنها اتفقت جميعها على «توفير سرير بكامل تجهيزاته لكل مريض، بالإضافة إلى الأدوات الطبية اللازمة لكل تخصص، وأدوات العقاقير وتحضير الأغذية للمرضى المنومين، فهذا الرحالة الأندلسي ابن جبير يصف البيمارستان الصلاحي البيمارستان العتيق في القاهرة بقوله «ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسي»(12).

البيمارستانات الشهيرة في العالم الإسلامي:

       يقول الدكتور «جوزيف جارلند» في كتابه قصة الطب «وقد أسس العرب عدداً من المستشفيات الممتازة، جعلوها مراكز لدراسة الطب لعلاج المرضى كأحدث المستشفيات، وقد بلغ عدد هذه المستشفيات أربعة وثلاثين موزعة بين أنحاء الإمبراطورية، وإن كان أهمها مستشفيات بغداد ودمشق وقرطبة والقاهرة»(13)، ونعرض فيما يلي لأهم البيمارستانات التي كانت منتشرة في بلاد الإسلام خلال ذلك الزمان.

1- بيمارستانات بلاد الشام:

       تذكر المصادر التي أرخت لتاريخ الطب في الدولة الإسلامية، أن أول مستشفى ثابت أقيم في بلاد الشام، كان في دمشق، ويرجع تاريخ إقامته إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك، ثم بيمارستان أنطاكية، الذي بناه المختار بن الحسن بن بطلان الذي توفى عام 455هجرية، ثم البيمارستان الكبير النوري الذي شيده الملك العادل «نورالدين محمود ابن زنكي» بدمشق، حيث اشترط أن يخصص للفقراء والمساكين، ولكنه إذا وجد فيه دواء ليس موجوداً في البلاد فلا يمنع عن الأغنياء، حالة تعذر حصولهم عليه، وقد جاء وصف هذا البيمارستان في كتاب رحلة بن جبير قال «دخلت دمشق عام 580هجرية وبها مارستانان قديم وحديث، والحديث أحفلهما وأكبرهما والأطباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى، ويأمر بإعداد ما يصلحهم من الدواء والغذاء»(14)، وفي مدينة حلب بنى الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بيمارستاناً داخل باب «أنطاكيه»، وقف عليه الأموال لنفقات المرضى والأطباء، وقد عمل في هذا البيمارستان الطبيب ابن بطلان، وهاشم بن محمود ناصر السروجي الحسيني، وفي القدس بني الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بيمارستاناً كبيراً قد عمل فيه من الأطباء، يعقوب بن صقلاب المقدسي، ورشيد  الدين أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري، وبيمارستان «عكا»، حيث أمر الناصر صلاح الدين أن تكون أسقف «عكا» مستشفى لعلاج المواطنين.

2- البيمارستانات في شبه الجزيرة العربية:

       كما كانت توجد في شبه الجزيرة العربية عدداً من البيمارستانات الهامة من أشهرها بيمارستان مكة المكرمة، والذي عرف بالبيمارستان المستنصري العباسي، وكذلك بيمارستان المدينة، والذي عمل فيه بأمر الملك الظاهر بيبرس ـ الطبيب محي الدين أحمد بن الحسين ابن تمام.

3- البيمارستانات في بلاد العراق:

       كما كان يوجد في العراق العديد من البيمارستانات الهامة والشهيرة التي لعبت دوراً بارزاً في مسيرة الحياة الطبية الإسلامية، ويأتي في مقدمة هذه البيمارستانات، بيمارستان بغداد الشهير الذي بناه هارون الرشيد وأسماه بيمارستان الرشيد، وتولى إدارته الطبيب «ماسويه الخوزي»، الذي انتدبه الرشيد لذلك العمل من جند يسابور، وتولى مراقبته جبرائيل بن بختيشوع، وأيضًا بيمارستان، أبي الحسن علي بن عيسى الجراح، وبيمارستان بدر غلام المعتضد بالله، أنشأه من ماله الخاص، وكذلك علي بن عيسى أنشأه من ماله الخاص، وبيمارستان السيدة أم المقتدر التي توفيت عام 321هجريه، وقد تولي رعايته الطبيب سعيد بن سنان بن ثابت، وكذلك البيمارستان المقتدري والذي أشار ببنائه على الملك المقتدر بالله سنان بن ثابت بن قرة، والذي أشار على الملك المقتدر ببناء مستشفى للمرضى وتسمى بإسمه، ومن الأطباء الذين عملوا فيه جبرائيل بن بختيشوع، ويوسف أبي الحسن بحكم الذي توفي عام 329 هجرية، وأيضاً البيمارستان العضدي، أنشأه عضد الدولة البويهي عام 732هجرية، وعين فيه جبرائيل بن عبد الله بن بختيشوع، ومن البيمارستانات بالعراق – البيمارستان الفاروقي، وبيمارستان الموصل الذي بناه الأمير «مجاهد فايماز»، نائب قلعة الموصل عام 512هجرية.

4- البيمارستانات في المغرب والأندلس:

       لقد تعددت وانتشرت البيمارستانات في الأندلس حتى كثر عددها، حتى يذكر أن قرطبة وحدها كان فيها خمسون مستشفي، ومن بمارستانات الأندلس المشهورة بيمارستان غرناطة الذي بدأ السلطان  محمد الخامس في بناه عام 767هجرية، وفي المغرب الأقصى كان يوجد بيمارستان مراكش الذي بناه المنصور أبو يوسف، وكان كل يوم جمعة بعد الصلاة يخرج ويذهب إلى المرضى ويسألهم عن أحوالهم، ومازال مستمراً على هذا حتى توفي عام 595هجرية، وفي تونس بيمارستان تونس، ومن الأطباء الذين عملوا فيه الطبيب محمد الشريف الحسني الزكراوي المتوفي عام 874 هجرية.

5- البيمارستانات في مصر:

       وإذا تنقلنا إلى الحديث عن البيمارستانات في مصر، نجد العديد من البيمارستانات الشهيرة، نذكر منها بيمارستان زقاق القناديل، من أزقة فسطاط مصر، وبمارستانات المعافر في حي المعافر بالفسطاط قرب القرافية، بناه الفتح بن خان في أيام الخليفة المتوكل على الله، والبيمارستان العتيق الذي أنشأه احمد بن طولون داخل بعض الأبنية منها دوره الأساكفة والقيسارية وسوق الرقيق، وشرط إلا يعالج فيه جندي ولا مملوك، وجعل له حمامين: أحدهما للرجال والأخر للنساء، وأدخل «ابن طولون» في هذه البيمارستانات ضروباً من النظام جعلته في مستوى أرقي المستشفيات في الوقت الحاضر، وبلغ من عناية أحمد بن طولون بهذا البيمارستان، أنه كان يتفقده بنفسه يوماً كل أسبوع، كان في الغالب يوم الجمعة، فيطوف على خزائن الأدوية ويتفقد أعمال الأطباء ويشرف على سائر المرضى، ويعمل على مواساتهم وإدخال السرور عليهم، ولعل أشهر البيمارستانات في العصرين الأيوبي والمملوكي ذلك التي أنشئت في عهد كل من صلاح الدين الأيوبي، والناصر قلاوون، فقد افتتح السلطان صلاح الدين الأيوبي ثلاثة بيمارستانات، الأول في إحدى قاعات القصر الفاطمي الكبير، وهو البيمارستان العتيق، كما أمر بإعادة فتح بيمارستان الفسطاط القديم، وفي أثناء زيارته للإسكندرية عام 577هجرية 1182ميلادية، أمر بإقامة مدرسة وألحق بها بيمارستاناً وتولي الإنفاق على هذه البيمارستانات ديوان الأحباس ( الأوقاف ) على اعتبار أن الرعاية الصحية في ذلك العهد كانت من أعمال البر والخير، أكثر منها من مهام الدولة الحاكمة.

       أما في العصر المملوكي، فمن أشهر البيمارستانات التي أنشئت في ذلك العهد، وذاع صيتها في أنحاء مصر وخارجها، وحظيت برعاية سلاطين المماليك وأمرائهم، وكان البيمارستان المنصوري، الذي أنشأه الملك الناصر قلاوون الألفي الصالحي، ذلك في موضع قاعة ست الملك ابنة الملك العزيز بالله الخليفة الفاطمي، والتي عرفت فيما بعد باسم دار الأمير فخرالدين جهاركس، ثم دار موسك، ثم عرفت بالدار القطبية نسبة إلى الملك المفضل قطب الدين أحمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فقد ظلت في ورثته حتى أخذها السلطان قلاوون من ابنة الملك العادل مؤنسة خاتون، وعوضها عن ذلك بقصر الزمرد برحبة باب العيد، ورسم السلطان بعمارتها مارستاناً وقبة ومدرسة، وتولى الإشراف على هذه العمارة «الأمير علم الدين سنجر، ابن عبد الله الشجاني»، فأبقى القاعة على حالها، وجعلها مارستاناً(15).

أخيراً:

       وفي النهاية نقول، هذا حال البيمارستانات في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى، بينما كانت مستشفيات أوربا وكراً للأمراض والجراثيم، ولم يكن لدى الأوربيين إنسانية نحو المرضى، فقد كان بعض ملوكهم يحرقون المجذومين ويعذبون المجانين، ولا يكترثون لصحة المسجونين وحياتهم، وقد انتقد «ماكس توردو» ما جاء في مستشفيات أوربا في القرون الوسطى فأشار إلى مستشفى أونيل دبو المعاصر لمستشفيات العرب في ذلك الزمان فقال «إنه كان مثالاً للفوضى والقذارة، في حين كاتبه مثل «سيجر يد هونكه» تعترف بفضل العرب الطبي على الغرب بقولها «ان كل مستشفى مع ما فيه من ترتيبات ومختبر وصيدلية ومستودع أدوية في أيامنا هذه، إنما هو في حقيقة الأمر نصب تذكارية للعبقرية العربية»(16).

*  *  *

الهوامش:

(1)           الأوقاف والحضارة الطبية الإسلامية، د/ أحمد عوض عبد الرحمن، سلسلة قضايا إسلامية، العدد 136، ص 45.

(2)           السيرة النبوية، لابن هشام، الجزء الثالث، ص 157.

(3)           شمس العرب تسطع على الغرب، سيجريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون، وكمال الدسوقي، دار الجيل بيروت عام 1993، ص 300 .

(4)           تاريخ البيمارستانات في الإسلام، الدكتور أحمد عيسي، دار الرائد العربي، بيروت عام 1981، ص 178.

(5)           المستشفيات الإسلامية في العاصمة المصرية، د/ حسين نصار، مجلة الهلال، عدد يونيه عام 2009ميلادية، ص 71 .

(6)           في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية، د/ عامر النجار، دار المعارف مصر، عام 1987 ص 88، 89.

(7)           مجلة الهلال مصدر سابق، ص 72، 73 .

(8)           الأوقاف والحضارة الطبية الإسلامية، مصدر سابق 68.

(9)           تاريخ البيمارستانات في الإسلام، مصدر سابق، ص 224.

(10)         المصدر السابق، ص 281.

(11)         الأوقاف والحضارة الطبية الإسلامية، مصدر سابق،ص 70.

(12)         المصدر السابق، ص 72.

(13)         أضواء على تاريخ الطب، د/ محمود السعيد الطنطاوي، سلسلة دراسات في الإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، العدد 183، ص 558.

(14)         الأوقاف والحضارة الطبية الإسلامية، مصدر سابق 82.

(15)         المصدر السابق، ص 88.

(16)         شمس الإسلام تسطع على الغرب، مصدر سابق، ص 334.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الثانية – رجب 1435 هـ = أبريل – مايو 2014م ، العدد : 6-7 ، السنة : 38


(*)         جمهورية مصرالعربية – محافظة سوهاج، مدينة ناصر، شارع المملوك، منزل رقم (5)

           رقم الهاتف المحمول : 01066380935(002)

           Ka_abozed_1969@yahoo.com

Related Posts