دراسات إسلامية

بقلم: فريد الدين أحمد(*)

يعد فضيلة الشيخ العلامة الأستاذ شيخ الحديث أحمد علي البدرفوري من أشهر كبار علماء الحديث النبوي الشريف بمدرسة «دار العلوم بانشكاندي» الذين لهم سمعة طيبة في الأوساط الدينية و العلمية و الاجتماعية والسياسية بولاية «آسام» خاصة و الولايات الشمالية الشرقية  في الهند عامة.

       تنتمي أسرته إلى أسرة مثقفة متدينة إسلامية، و اشتهرت هذه الأسرة بالزهد و التقوى و الأعمال الصالحة منذ قديم الزمن، و ينتهي نسبه إلى جده الأعلى شاه سكندر رحمه الله(1)، أحد رفقاء و خدام شاه جلال مجرد اليمني رحمه الله الذي جاء إلى «سلهيت» (Sylhet)  بغزاة وحارب ضد ملك «غورغوبند» و نشر الإسلام في المناطق الشمالية الشرقية للهند خاصة كاتشار (Cachar)(2)، و كان والده المرحوم محمد نصير علي رجلاً متقياً ورعاً زاهدًا في الدنيا راغباً في الآخرة، متقشفاً في اللبس و الطعام و مجتهدًا في عبادة الله تعالى، و كذلك كانت أمه «بي بي فريدة» امرأة صالحة، ولدت بنات فَتَمَنَّتْ لو ولدت ذكرًا نفع الله به الأمة الإسلامية جميعاً! فأخذت تتضرع إلى الله سبحانه و تعالى و تبكي حتى تفيض عيناها بالدموع و تناجي ربها: «ربّ هب لي من لدنك ولدًا صالحاً!» فاستجاب ربها و رزقت ولدًا صالحاً سمّته «أحمد علي». 

       تفتحت زهرة حياة الشيخ «أحمد علي» رحمه الله في سنة 1919م(3) في أحضان الشرف و التقوى يوم الخميس بقرية «بدرفور» في مديرية «كريم غانج» بولاية آسام، نشأ و ترعرع في جو علمي و تلقى مبادئ القراءة و الكتابة في كتّاب القرية حيث قرأ جزءًا من القرآن الكريم وحفظ كثيرًا من الأدعية المأثورة من الأستاذ  الشيخ مزمل علي رحمه الله، ثم ألحقه أبوه بمدرسة متوسطة حكومية بديو رائل، و في سنة 1933م التحق بمدرسة عالية بديورائل، حصل على شهادة الفضيلة من مدرسة شهيرة بمدرسة عالية حكومية بسلهيت سنة 1938م، حيث نجح  في الامتحان النهائي بدرجة ممتازة ثم تخرج في شعبة دار الحديث من نفس المدرسة، و تتلمذ على يد أساتذة كبار كأمثال الشيخ شير زمان بشاوري و الشيخ عبد العزيز هزاروي رحمهما الله.

       و من المعروف أن الشيخ حسين أحمد المدني رحمه الله كان يقضي شهر رمضان المبارك مع أصحابه  في ديار سلهيت (Sylhet)(4)، و طبعا قدم الشيخ المدني إليها في سنة 1938م، قابله أحمد علي البدرفوري في أول وهلة، و تأثر به كثيرًا و تاقت نفسه أن يلازمه سفرًا و حضرًا ولكنه كان طالبا آنذاك فذهبت أمنيته هباءً منثوراً فبعد سنتين عام 1940م حينما تخرج من قسم الحديث النبوي الشريف من مدرسة عالية حكومية بسلهيت، و قام بملاقة حسين أحمد المدني رحمه الله في سلهيت حيث كان الشيخ المدني يعتكف في شهر رمضان المبارك، فاغتنم أحمد علي الفرصة الذهبية و لازمه كخادم متواضع، و في يوم من الأيام وصل أستاذه الشيخ شير زمان بشاوري إلى الشيخ حسين أحمد المدني و قال: «أيها الشيخ! ها هو ذا تلميذ ذكي و مجتهد، أتوقع كل التوقع، أنك لم تجد مثله من قبل، قدمته إلى خدمتكم» ثم التفت إلى تلميذه أحمد علي قائلا: «قد فوضتك اليوم إلى شخص ذاع صيته عرباً و عجماً شرقاً و غرباً آلا وهو شيخ الإسلام، قطب العالم  المتضلع  من علم الحديث حسين أحمد المدني – رحمه الله – لتترقى بصحبته علماً و أدباً و خلقاً»(5).

       فأسرع أحمد علي رحمه الله للمبايعة على التربية الروحية، و امتثالاً لأمر شيخه التحق بجامعـة دارالعلوم/ ديوبند و قضى فيها فترة من الزمن بين الأساتذة الأجلاء و البيئة العلمية و الروحانية و نهل من مناهل العلوم و المعارف، واستقى من منابعها العلمية والروحية، و في عام 1950م  حصل على شهادة «الفضيلة» في علم الحديث الشريف و واصل دراسته في علم التفسير إلى عام 1951م(6)، و كان الشيخ متوقد الذهن ذكي الفؤاد قوي الحافظة ولوعاً بالقراءة والدراسة فحفظ القرآن الكريم خلال ثلاثة أشهر أو أقل منها(7).

       إبان دراسته خاصة في زمن الاختبار في جامعة ديوبند أصيب أحمد علي رحمه الله بمرض، وكان له امتحان في كتاب «نخبة الفكر» لدى الأستاذ ضياء الحسن وصل إلى قاعة الامتحان بكل استعداد فلما اختبر ضياء الحسن بمؤهلاته تحير شديدًا و قال: «نعم الطالب هذا!، حافظ نخبة الفكر» فلم يعد أحمد علي إلى غرفته إلا و قد ازداد مرض الإسهال ربما أصابه عين، تناول أدوية كثيرة و لكنه لم يبرأ ولم يشف حتى اضطر إلى مغادرته إلى البيت و ترك الدراسة، و استغرق مرضه سبع سنوات و منذ ذلك الحين بدأت صحته تتدهور ولم ينفعه الدواء فأخيرًا رجع للعلاج عن طريق الأدعية وآيات القرآن الكريم فعادت صحته بفضل الله تعالى(8).

       و انقطعت دراسته في الفـترة ما بين عام 1941م و عام 1950م، و في أثناء ذلك قـام  أحمد علي  بخدمات لجمعية علماء الهند و اشتاق إلى أن يوسع معلوماته عن تلك المنظمة في اللغة البنغالية؛ لهذا بدأ يتعلم اللغة البنغالية اللغة السائدة في تلك المنطقة و ذهب إلى ولاية بنغال الغربية و عمل كموظف فيها و تعلم اللغة في سنة و عاد إلى بيته و ترجم لسيد محمد مياں كتاباً عنوانه «جمعية علماء کيا ہے» (ما هي جمعية العلماء؟) من اللغة الأردية إلى اللغة البنغالية كما أمره بذلك أستاذه شيخ الإسلام حسين أحمد المدني و أعطاه بعضاً من الرسائل الأخرى ليترجمها، و ألف الشيخ كتباً كثيرة حول موضوع «منظمة جمعية علماء الهند» التي نالت قبولاً حسناً عند القارئين و استفاد الناس بها استفادة تامة(9).

       قصد الشيخ حسين أحمد المدني مكةَ المكرمة لأداء الحج عام 1955م و كان ذلك آخر حج في حياته، التف حوله في هذه الرحلة المباركة  آلاف من تلاميذه، ورافقه أحمد علي أيضاً إلى المدينة المنورة و أقام بها لسنة واحدة مشتغلاً بالعبادة و ذاكرًا لله، و في يوم من الأيام عقد أستاذه مجلساً لمناقشة الحياة الوظيفية لتلميذه أحمد علي رحمه الله و استشار الحاضرين، فأشار أكثرهم على أن يلازمه أستاذه سفرًا و حضرًا ولكن لم يقتنع بهذا الرأي وفي اليوم التالي عقد نفس المجلس و قدّم الأستاذ كوباً من الشاي إلى أحمد علي و أحدق إليه و سأله: «قل لي، أيها الطالب ما ذا تريد أن تعمل؟ فأجاب أنه يريد ملازمته وصحبته، فسأله الأستاذ: هل تريد أن تكون أستاذًا في جامعة ديوبند؟ فأخذه الصمت و لم يقل شيئًا، فأمره أن يذهب إلى «بانشكاندي» و يشتغل بالتعليم و الدعوة الإسلامية لأنه رأى فيها نورًا و خيرًا و حاجة الناس إلى مثل هذا العالم!»(10).

       استجابة لأمر الشيخ عاد من مكة المكرمة وتولى مسؤلية إدارة دار العلوم/ بانشكاندي عام 1955م، و اشتغل بتدريس الحديث الشريف فيها بشكل مستمر، فكرس طيلة حياته لتدريس كتاب البخاري و الترمذي و قام بخدمات لمصالح المجتمع الآسامي من الناحية  الدينية و الاجتماعية و السياسية  إلى أن جاءه أجل مسمى وانتقل إلى رحمة الله سنة 2000 م(11) فإنا لله و إنا إليه راجعون.

مؤلفاته:

       رغم اشتغاله بتدريس الصحيح للإمام البخاري و السنن للإمام الترمذي رحمهما الله، و كان مشرفاً على منظمة جمعية علماء الهند وأسدى خدمات في كثير من المجالات العلمية و الدينية وألف كتباً كثيرة في اللغة الآسامية و البنجالية و الأردية، و من أهمها:

       1- «سلاسل طيبة» في سيرته الذاتية باللغة البنجالية، 2- «فيوض مدني» باللغة الأردية، 3- «عالم برزخ» في اللغة الآسامية، 4- «تاريخ حرم الكعبة» في اللغة البنجالية، «حرم پاک کي  تاريخ»، 5- «الكلمات الأساسية لمنظمة جمعية العلماء الهند» في اللغة الأردية  «جمعيت کي بنيادي باتين»، 6- «ظهور مهدي»، 7-  «نزول عيسى» في اللغة الأردية، 8- «فضائل رمضان» في اللغة الأردية، 9- «ظهور مهدي» في اللغة البنجالية، و10- «نزول عيسى» في اللغة البنجالية.

خدماته الدينية الإسلامية و الإصلاحية:

       كانت الأحوال التعليمية لولاية «آسام» سيئة للغاية و لم تكن فيها مدارس دينية إسلامية إلا قليلاً في بعض المناطق و لهذا السبب كان الناس في هذه الولاية خاصة و في المناطق الشمالية الشرقية عامة متخلفين في المعارف الدينية الإسلامية حتى إن بعض المسلمين لا يعرفون عن الكلمة الطيبة، فكانت الولاية بأمسّ حاجة إلى شخصية كبيرة تقوم بخدمات جليلة و تتحمل مسؤوليات المسلمين كلها و تنير قلوبهم من كل النواحي الدينية و الأخلاقية و الاجتماعية و تبعد الناس عن الجهالة و الضلالة و الشرك و البدعة التي شاعت في تلك المناطق الشمالية الشرقية من الهند، فوجدت ولاية آسام أخيرًا تلك الشخصية العملاقة في هـذا البطل الإسلامي و العالم الرباني الكبير الذي بدّد ظلام الجهل و نفض غبار البدعة وأشعل نور الإيمان في قلوب عامة المسلمين و تاب على يديه كثير من الناس من البدعة و الخرافات و المعاصي و هبت ريح الإيمان و انتشرت الدعوة الإسلامية و امتلأت المساجد بالمصلين و المدارس بالطلاب و بدأ الناس يرجعون إلى الإسلام رجالاً و نساءً شباباً و كهولًا و غلب الدين في تلك المنطقة.

       و لم يتوقف الشيخ أحمد علي رحمه الله عن الوعظ و الإرشاد بل واصل جهده في إنشاء المدارس الإسلامية و قد اهتم بهذا الأمر و اتجه إلى جميع القرى والمدن و شجع الناس على التعاليم الإسلامية. و بسبب جهوده الجبارة أسست في ولاية آسام عديد من المكاتب و المدارس و المساجد خلال أربعين سنة. و إضافة إلى ذلك حينما بدأت بوادر «فتنة القادينية» في ولاية آسام حاول الشيخ أحمد علي محاولة شديدة لقمعها و القضاء عليها و عقد اجتماعًا في مدرسة دار العلوم «غاري غاون» بغواهاتي تحت إشراف مدير المدرسة الشيخ عبد الحق رحمه الله عام 1992م حذّر المسلمين فيـه عن هذه الفتنة و مكرها و دهائها وضلالها و مشروعها المشئوم و نصحهم أن يبتعدوا عنها، و هكذا استأصلت تلك الفتنة من جذورها من هذه المنطقة.

       و من الخدمات الهامة التي قام بها الشيخ أحمد علي رحمه الله في حياته نشر علم الحديث الشريف  في «دارالعلوم/بانشكاندي» بالتدريس وقد أصبحت دارالعلوم هذه بعد ذلك مركزًا كبيرًا و ذاع صيتها في كل مكان في ولاية آسام وازداد عدد الطلبة فيها يوماً فيوماً. و تخرج منها كثير من الطلبة في علوم الحديث و التفسير و انتشروا في مختلف أنحاء الهند، و قدموا خدمات عظيمة في مجال الحديث الشريف في مختلف المدارس الإسلامية لولاية آسام. و قد كان يدرس فيها أستاذه الكبير الشيخ حسين أحمد المدني وحينما تخلى عن منصب «شيخ الحديث» تولاه أحمد علي رحمه الله، و قد قال له أستاذه المدني رحمه الله: «يا أحمد علي! ستكون خليفتي في هذا المنصب لأني واثق بكفاءتك»(12).

       و من خدماته الروحية التربوية التي قام بها أحمد علي رحمه الله في مجال الإحسان والتزكية في حياته الكريمة هي اعتكافه  ببانشكاندي في شهر رمضان و كذلك في مناطق أخرى مثل نوغاون و ميراباري، و كان يعتكف في المساجد مثل المسجد الجامع بهوجائ و في المدارس الإسلامية مثل مدرسة «جامعة إسلامية جلالية» فانتهزت عامة الناس هذه الفرصة السانحة للاستفادة من معارفه الغزيرة عن طرق التربية و التزكية و الإحسان.

       و بالإضافة إلى الخدمات الدينية التي أسداها الشيخ أحمد علي رحمه الله تعالى خدمات أخرى لإصلاح المجتمع الآسامي، و هي كما يلي:

جهوده لوحدة المسلمين:

       نشبت خلافات كثيرة بين فرقتي «جمعية علماء الهند» و «مسلم ليگ» (العصبـة الإسلاميــة) إبان تحرير الهنـد حول انفصال بعض مناطق سلهيت عن الهنـد و انضمامهـا إلى باكستان الشــرقيــة، مالت الفرقــة الثانيـة إلى انضمام منطقة سلهيت إلى باكستان، و أما الفرقــة الأولى فكانت على خــلاف، و بسبب هذا الخلاف بدأت الصراعات بين هاتين الفــرقتين و قد بذل الشيخ جهدًا كبيرًا في اتحاد رأى المسلمين في ولايــة آسام  لكي لا تنفصل سلهيت عن الهند و تجول في كل المناطق و شجع الناس على حد كبير، و قد كانت تلك المنطقــة حينئذ متخلفــة إلى حد كبير حيث لم يتوفر فيها أي نوع من وسائل التنقل، مع أن الولاية  تفيض بالسيـول و الفيضانات في كل سنــة، و كان أحمد علي و زملاؤه يسافرون دوماً ماشيًا على الأقدام  إلى تلك المنطقــة لمشاهـدة الأحــوال و المعانــاة وهكذا كانوا يتحملون أنواعــاً من المشقات كي يجمعوا شمل المسلمين و يوحدوا صفوفهم. و على الرغم من ذلك انفجر بركان الفتنة في ولاية آسام من جهة السياسيين الفاشسيين  (Fascists) و من بعض المتطرفين الذين كانوا يتآمرون على المسلمين؛ ولكن الشيخ مع رجال السلام و الإصلاح وقف ضد تلك المؤامرات. و كذلك في سنة 1950م حينما اشتعلت نيران الفتن بين الناس حاول الشيخ محاولة شديدة لاسترداد الأمن و السلام في الولاية حتى إنه ذهب مرة إلى كبير الوزراء و أطلعه على المؤامرة، هكذا نرى أنه بذل كل ما بوسعه في توحيد الناس وإزالة التشتت و التفرق بين الشعب(13).

كفاحه ضد الظلم و الاستبداد:

       منذ استقلال الهند تعرض مسلمو ولاية آسام  لهجمات سياسية  شديدة من قبل الهندوس و من أهمها التهمة التي وجهت إليهم بأنهم غير مواطنين للهند وينتقدونهم بأنهم هاجروا من «بنغلاديش» و ليس من حقهم أن يستنشقوا الهواء في الهند، و الجدير بالذكر أن تلك الطائفة ما زالت و لا تزال تنظر إلى المسلمين بعين الشك و الارتياب، و قد ساعدت الحكومة الآسامية أيضاً أولئك المتطرفين و بدأت تقبض على المسلمين و تخرجهم منها و تطردهم إلى بنغلاديش أي «باكستان الشرقية» حتى قيل إن خمسة آلاف من المسلمين أجبروا على الهجرة من آسام إلى بنغلاديش، وكان ذلك المنظر منظرًا رهيبًا جدًا، أينما وجد المسلمون قبض عليهم و طردوا إلى خارج الهند، و مما لا شك في أن تلك الصورة كانت مؤلمة بالنسبة للمسلمين و لن ينسى التأريخ هذا العمل الوحشي أبدًا(14).

       و كان الشيخ أحمد علي بعد رؤية هذه الصورة المؤلمة أصبح متألماً جدًّا و فكر أن تتوقف هذه المصيبة الداهمة و قد بذل جهدًا كبيرًا كي يساعد المسلمين و اتجه إلى كل أنحاء الولاية من القرى و الأرياف و عقد الاجتماعات و رفع صوته ضد الظلم و الاستبداد و شجع الناس على الكفاح و النضال و نادى الشعب أن يصمد ضد ظلم الشرطة و قد ساعده في هذه المهمة الوزير المركزي الهندي السابق معين الحق جودهاري، و بسبب تقديمه طلبًا جاءت وفود كثيرة إلى آسام من القادة المركزية تضم المسلمين و الهندوس، و قد رأى القادة تلك الصورة السيئة من الظلم و الاعتداء بأم عيونهم، و قد قدموا تقريرًا لكي تحل الحكومة هذه المشاكل بشكل عاجل. نتيجة لهذه الجهود الفعالة التي قام بها الشيخ حينذاك أجبرت الحكومة الهندية على إيقاف الظلم و الاعتداء و سوء المعاملة مع المسلمين في آسام، هكذا نرى مساهماته الفعالة في خدمة المسلمين و حل كل المشاكل التي حلت و نزلت بهم آنذاك(15).

«جمعية علماء الهند»:

       و من الخدمات الإصلاحية و الاجتماعية التي قام بها الشيخ أحمد علي رحمه الله صلاته الوثيقة بالمنظمة المعروفة وهي جمعية علماء الهند حتى عيّن رئيسًا لها على مستوى «آسام» سنة 1957م، و بعد ما تولى هذا المنصب قدم خدمات كبيرة لمسلمي ولاية آسام إلى آخر حياته، وقد كان دائماً يفكر عن المسلمين و إصلاحهم و لم يسترح في حياته كلها و كيف يستريح وقد قال له أستاذه الجليل الشيخ حسين أحمد المدني رحمه الله: «اذهب إلى آسام، و قدّم خدمات لخلق الله تعالى»(16).

منصب إمارة الشريعة:

       فضلا عن ذلك حاز الشيخ منصب أمير الشريعة عام 1994م للولايات الشمالية الشرقية بالهند، و قد عقد الشيخ اجتماعاً كبيرًا في نوغاون و ميراباري لم ينعقد اجتماع مثله من قبل في الهند حيث شارك آلاف من المسلمين و اختاروه كأمير الشريعة. و قد سافر الشيخ إلى جميع المناطق الشمالية الشرقية وألقى محاضرات قيمة لنشر المعارف الإسلامية بين مسلمي الولايات الشمالية الشرقية للهند، و بايعه الناس على الإمارة الشرعية. و قد قال الشيخ أحمد علي رحمه الله عن منصب الإمارة الشرعية:

       «حينما تم اختياري كأمير الشريعة كنت مترددًا في تحمل هذه المسؤولية  أصبحت حيران، ثم فكرت في هذا الأمر كثيرًا، و أنا حيران جدًا كيف أتحمل هذه المسؤولية الكبيرة… فسمعت هاتفاً يقول: «أنت أمير الشريعة بالهند كلها»(17).

أعماله الإصلاحية العامة:

       و على الرغم من هذه الإصلاحات الاجتماعية و السياسية حاول الشيخ في إصلاح الناس خاصة في شأن التربية الروحية؛ لأنه كان رجلاً ربّانيًّا بل كان رجلاً تقيًّا على مستوى الإحسان و التزكية و كان معه أتباع كثيرون شكلوا شرذمة من الذاكرين الله في مناطقهم، وهكذا خلقت للمجتمع الآسامي بيئة دينية إسلامية صالحة.

       و بالإضافة إلى هذا الإصلاح الديني إنه شجّع الناس على نشر الصحافة في آسام، هذه حقيقة ناصعة كانت الولاية فقيرة جدًّا في هذا المجال، لذا نالت طائفة من محرري الجرائد الهندوسية فرصة كبيرة و هاجموا على المسلمين بجرائدهم و اتهموهم بشتى التهم من ناحية دينية و اجتماعية و غيرها وفي المقابل ما كانت للمسلمين أي وسيلة أخرى لردها، و كان أحمد علي رحمه الله فكر في هذا الموضوع و شجع على نشر الصحافة، و قد صدرت مجلة أسبوعية تحت إشرافه باسم «جمعيت» و كان عبد الجليل راغبي رئيسًا للتحرير و قد تلقت هذه المجلة قبولاً حسنًا في المجتمع الآسامي و هي ما زالت  تصدر منذ سبع عشر سنة مستمرة و بذلت جهدًا فعّالاً لنشر الأخبار الحقوقية و الإسلامية، و بالإضافة إلى هذه المجلة قد صدرت عدد من المجلات الشهرية و الأسبوعية و اليومية ولكنها لم تستمر بل توقفت بعد ثلاث سنوات(18).

       و جملة القول أن الشيخ أحمد علي رحمه الله كما تتجلى من الدراسة المذكورة كان شخصاً عملاقاً ذا موهبـة عظيمـة ساهم مساهمــة فعالـة في خدمة الدين و صالح المجتمع الآسامي، و قد أثمرت جهوده المتنوعة في شتى المجالات من التعاليم الدينية الإسلامية و التربية الروحية و الإصلاحية، و كان يخطو في كل ذلك خطواته المذكورة بكل إخلاص و جدّية، لهذا تأثر جميع المسلمين في آسام و المناطق الشمالية الشرقية المجاورة بخدماته الجليلة و قضى حياته مصلحاً و زاهدًا و محباً للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يؤثر بالبساطة و السذاجة و التقشف و الزهد في الدنيا و مفاتنها حتى وافته المنية و لبى نداء ربه مستبشرًا وانتقل إلى رحمة الله و خلف أجيالاً على الدين و التربية الإسلامية، و ترك مآثر جليلة و مدارس و كتاتيب ليتعلم أولاد المسلمين ومؤلفات و كتباً دينية وله في مختلف الميادين أعمال تشكر وتقدر. جزاه الله عنا وعن جميع المسلمين خير الجزاء و أسكنه فسيح جنانه.

*  *  *

الهوامش:

مشاهير علماء أور مشائخ آسام، ص41.

المصدر السابق، ص37، وأيضًا: Azan Fokiror Jivonkotha, page 54.

المصدر السابق، ص43، وهناك قول آخر في تأريخ ولادته كما ذكر في كتاب «فيوض مدني» ص10؛ حيث قيل ميلاده عام 1915م، ولكن راجح القول أنه ولد عام 1919م.

كانت هذه المنطقة أثناء عهد الهند البريطاني جزءًا من ولاية آسام، وبعد الاستقلال وتقسيم الهند بين الهند وباكستان أصبحت جزءًا من شرق باكستان بناء على استفتاء، وهي الآن جزء من بنغلاديش.

فيوض مدني، ص12.

مشاهير علماء أور مشائخ آسام، ص71.

نفس المصدر، ص71.

فيوض مدني، ص12-13.

مشاهير علما أور مشائخ آسام، ص69.

المصدر السابق، ص77.

دور علم الحديث في تعزيز العلاقات الهندية العربية، ص311.

مشاهير علماء أور مشائخ آسام، ص85.

مشاهير علماء أور مشائخ آسام، ص 67-68.

فيوض مدني، ص21.

نفس المصدر، ص22.

مشاهير علماء أور مشائخ آسام، ص 86-87.

نفس المصدر، ص91.

المصدر السابق، ص 102-103.

*  *  *

المصادر و المراجع:

*           شيخ الحديث مولانا أحمد علي، فيوض مدني،  1997م

*           مولانا عبد الجليل راغبي، مشاهير علماء أور مشائخ آسام، ج1، نيل  باگان، نوگاوں، 2007م

*           دور علم الحديث الشريف في تعزيز العلاقات الهندية العربية، نشرها قسم اللغة العربية و آدابها، الجامعة العثمانية، حيدرآباد، الهند 2008م.

*           Dr. Painuruddin ahmed, Azan Fokiror  Jivonkotha, Ambari, Guwahati-1  1st Pub 2004.

*           Nadeem  Hasnain, Islam and Muslim Communities in South

*           Asia, serials publications, New Delhi, 1st publish 2006     

*           Pradyot Kumar Guha, The Moria Muslims of Assam, Abhijit publications, Delhi, 1st pub; 2007

*  *  *


(*)    باحث في الدكتوراه بجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدرآباد، الهند.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، محرم – صفر 1435 هـ = نوفمبر – ديسمبر 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 38

Related Posts