الأدب الإسلامي

بقلم:  د/ رشيد كهوس (*)

لقد عرض القرآن الكريم قصة أصحاب الكهف بطريقة لطيفة مؤثرة، محبّبة للنفوس، وفق أرقى أساليب العرض الفني؛ حيث أورد قصتهم أولاً على سبيل الاختصار والإجمال، ثم أوردها على سبيل التفصيل والبيان..

       أما سبيل الإجمال والاختصار ففي الآيات الأربع الأولى، وهي قوله عز من قائل في سورة الكهف: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)﴾..

       وأما وجه التفصيل والإجمال ففي ما تلاها من آيات بُدِئت بقوله عزّ اسمه: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى…﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾..

       إنهم أصحاب الكهف والرقيم، وهم من آيات الله تعالى، وهم فتية -(سبعة أفراد)- آمنوا بربهم وأَوَوْا إلى ركنه الشديد.. وقف هؤلاء الفتية المؤمنون وقفةً للبحث والنظر، وخرجوا منها بنتيجة قاطعة هي: أن الله وحده هو رب العالمين، وأنهم لن يؤمنوا إلا به، ولن يعبدوا إلا إياه!!

       لقد عرفوا أن قومهم كافرون ظالمون متجبرون، لأنهم عبدوا غير الله، وكفرُهم هذا أوجد عندهم الظلمَ والكذبَ والافتراءَ والطيشَ والفسادَ وإهلاكَ الحرث والنسل…

       فكّر أولئك الفتية المؤمنون في الخطوة التالية، فوجدوها في العزلة فقرّروا اعتزالَ قومهم،  والتجأوا إلى الكهف في جبال الأردن، واستنجدوا بالله، وطلبوا رحمته ورشده وتوفيقه: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾، وضرب الله على آذانهم في الكهف فناموا، واستمرّ نومُهم سنين عددًا، ثم بعثهم من نومهم..

       واستجاب الله لهم، فكانت رحمة الله عليهم في الكهف، حيث يسّر الله لهم الأمر، وسخر لهم الآيات. فأمر الشمس أن لا تمس أجسادهم، حتى لا تؤذيها، كانت عند الصباح تميل عن أجسادهم، فلا تقع عليها، وكانت عند الغروب تميل عنها كذلك، فلا تأتيها، وكانوا في فجوة وسط الكهف..

       ومن آيات الله عليهم أن عيونهم كانت مفتوحة، فكان الناظر إليهم يحسَبُهم أيقاظاً ينظرون إليه، مع أنهم نيام راقدون..

       وحتى لا تأكل الأرضُ أجسادهم، كان الله يقلّبهم مرةً على اليمين، ومرةً على الشمال..

       وكان معهم كلبهم الذي صَحِبَهم؛ حيثُ جلس على عتبة باب الكهف، وبَسَطَ ذِرَاعَيْه، ونام مثلَ نومتهم..

       وحتى لا يعتدي أحد عليهم وهم رقود، قذف الله في قلب كلِّ من ينظر إليهم الرّعبَ، بحيث لو اطّلع عليهم، لولّى فرارًا، ولَـمُلِئَ منهم رعبا.

       وبعد هذه المدة بعثهم الله من نومهم فصاروا يتساءلون عن مدة نومهم واختلفوا في تقديرها؛ فقال بعضهم: نمتم يوماً أو بعض يوم..

       فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعاماً، وأمروه بالحيطة والحذر، لكن الله تعالى أراد لهم أمرًا آخر.. أراد الله تعالى أن يجعل منهم آية عليه، ودليلاً على قدرته سبحانه على البعث، فكشف أمرهم، وأعثر عليهم قومهم، وكان القوم مؤمنين بالله، إذ زال ذلك الجيل الكافر، الذي هرب الفتية منه إلى الكهف، ونشأ جيل موحد لله تعالى.

       فلما رأى أهل القرية ذلك الرجل المؤمن، لحقوا به إلى الكهف، فلما وصلوا الكهف، وجدوا الرجال المؤمنين السبعة قد ماتوا – موتاً طبيعيّاً هذه المرة!

       فاختلفوا فيهم وتنازعوا بينهم أمرهم، فقرروا أن يبنوا عليهم مسجدًا، وهكذا كان حيث تم بناء المسجد عليهم..

وخلاصة المرام في تحقيق المقام:

       لقد بقيت قصة أصحاب الكهف يتناقلها الناس بمختلف اعتقاداتهم ومللهم ونحلهم، ويقف أمامها المؤمنون، ليأخذوا منها دروساً في الإيمان الصادق الذي سرى في عروق أولئك الفتية وملأ قلوبهم وكيانهم، والإخلاص لله تعالى في القول والعمل، والثبات على الحق وبذل النفس والنفيس في سبيله والدفاع عنه والذود عن حماه…

*  *  *

*  *


(*)        أستاذ بكلية أصول الدين، جامعة القرويين، المغرب.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، شعبان 1434 هـ = يونيو – يوليو 2013م ، العدد : 8 ، السنة : 37

Related Posts