كلمة المحرر
أمريكا أكبرُ دولة نوويّة في العالم ، كما أنّها أكبر قوة عسكرية ، تليها دولةُ الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي ، ودول أخرى تُعَدُّ «دولاً عظمى» أو تتسابق أن تكون «دولاً عظمى» وكلُّها أو جلُّها تتمتع بكامل الحرية في تصرفاتها ، وتصنع كيفما تشاء ، وتتصرف كما تريد؛ وتمارس كذلك الظلم والعدوان مع شعوبها والشعوب الأخرى إذا أحسّت – خطأً أو عن غير خطأ – أن ضررًا ما من قبلها يمسّ مصالحها من قريب أو بعيد؛ ولكن أمريكا لاتمارس عليها ضغطاً ما ، لتمنعها من العمل بإرادتها ؛ لأنها تعلم أنها تليها في القوة إن لم تعادلها فيها . كما أن أمريكا بدورها لا تودّ أن تتخلى عن برامجها النووية والكيماوية الفتاكة التي بفضلها وحدها تسارع إلى «تأديب» كل دولة ولاسيّما إذا كانت إسلامية ؛ لتعود إلى «رشدها» !.
ولكنّه إذا حاولت دولة إسلاميّة أن تكسب قوة ما تقدر بها على رمي حجارة أو طوب إلى عدوّها ، فإنّ أمريكا تسارع إلى ممارسة الضغط عليها من كل جانب ، فتؤلّب عليها الدول ، وتمهّد ضدها الرأي العالمي ، وترفع قضيّتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – التي هي في الواقع جاريتها الذليلة وخادمة الصهيونية العالمية – وتستخدم ضدها القوة العسكرية مهما رضيت الأمم أو سخطت ، ومهما سمحت لها بذلك الأمم المتحدة ، أم لم تسمح ، بل منعتها من الإقدام على ذلك .
في صباح الاثنين 10/ مارس 2003م (6/محرم 1424هـ) كنت أستمع إلى إذاعة «البي بي سي لندن» فسرني حديث المُحَلِّل : إن أمريكا مدفوعة بالغضب ومستعجلة للانقضاض على العراق ، رغم منع الأمم المتحدة لها عن ذلك ، بحجة أن العراق لم ينفّذ القرار 1441 من قرارات الأمم المتحدة ، القاضي بتجرده من الأسلحة !.
وقبل ذلك بيومين استمعتُ إليها في الليلة المتخللة بين 7-8/ مارس 2003م (الجمعة – السبت: 3-4/ محرم 1424هـ) تقول: إن بوش يقول : إنّ العراق يشكّل خطرًا مباشرًا على الولايات المتحدة ، فيجوز لها أن تغزوه في غنى عن السماح بذلك من قبل الأمم المتحدة !.
وضربت العراق ضربًا مبرحًا ودمرته عن آخره ، وتركته يتصارع ويتحطّم داخليًّا ، ولم تجد فيه أيّ شيء يمكنها أن تقدم للعالم بأنه كان من أجله يشكّل تهديدًا لأمريكا فضلاً عن كونه يشكّل تهديدًا للعالم كله . افتضح بوش في قارعة الطريق ، ولكنه لم يَسْتَحْي ، لأنه خُلِقَ من طين غير الذي خُلِقَ منه غيرُه من أفراد البشر ، بل يستعدّ الآن للاشتباك مع الدول الإسلامية الأخرى التي يصفها بأنها تشكّل تهديدًا للعالم ولأمريكا ولإسرائيل : فإيران عاكفة على صنع أسلحة نووية ، وسوريا قائمة بإمداد المقاتلين الإسلاميين الذين يقومون بالمقاومة في العراق ضد الاحتلال الأمريكي وفي لبنان ضد إسرائيل وفي غيرهما .
ورغم أن باكستان بقيادة برويز مشرف كانت ولا تزال حليفة قوية لأمريكا في حربها على «الإرهاب الإسلامي» ولكنها لم تنجُ ولن تنجو من لسعتها المميتة ولدغتها القاتلة ؛ فهي تواصل عليها الضغوط بأسلوب خبيث مثير للغاية ؛ فلم تكن قضية عبد القدير خان موجد البرامج النووية الباكستانية هي وحدها التي أقضّت بها مضجع باكستان ولاتزال ، وإنما هي مستمرة في توجيه اتهامات خطيرة بالجرعة المناسبة في الفرصة المناسبة ؛ فها هي ذه وكالات الأنباء العالمية تذيع يوم الأحد 20/ فبراير 2005م (10/ محرم 1426هـ) ما نشرته الصحف الهندية ، ورد فيه أن وكالة المخابرات الأمريكية «سي آئي إيه» قالت في تقرير لها : «إن باكستان قد تستخدم أسلحة نووية ضد الهند عندما تمس بها الحاجة إلى ذلك» !.
وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن أمريكا لن تقف بجانب حليفتها إذا كانت دولة إسلامية ، وأنها تخذلها وتفضحها وتتناولها بأشنع التهم والافتراءات كلما شاءت .
والدليل على ما نقول هو قضية البرامج النووية لدى كوريا الشمالية التي تبدو من تعامل أمريكا معها أنها تتراجع دائمًا ولا تتجرأ على أن تتخذ ضدها إجراءً عمليًّا ؛ لأنها تعلم أنها قوة غير إسلامية ، قد تساندها أمثالها من القوى غير الإسلامية التي تقدر على إلحاق الأضرار بأمريكا بشكل بالغ لا يكون خدشًا في الجسم فقط ولكن إزهاقًا للروح أو كسرًا لأجنحة الطيران على أقل تقدير !.
إن التنكيل الذي تمارسه أمريكا والقوى الكافرة مع الإسلام ، إنما مردّه إلى الضعف الذي رضيت به الدول الإسلامية في الماضي ، وإلى العبودية الكاملة لأمريكا التي ظلت الدول الإسلامية والعربية تتوسدها . تأكّد أن الدول الإسلامية والعربية لوكانت مضارعةً للدول الأوربية والدول الكبرى الخمس وكانت بحيث تكيل لأمريكا الصاع صاعين أو الصاع صاعًا على أقل تقدير ، لم تكن لتهمّ بالتنكيل بالعالم الإسلامي ؛ ولكن إذا كان الوقت فاتها في الماضي، فلم يفتها في المستقبل ، إذا نهضت بصدق النية ، وعزمت على التخلي عن الضعف ، وقبل ذلك لابدّ من التضامن والاتحاد الذي سيحول دونها ودون تدخل أمريكا والقوى المعادية للإسلام . «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قوةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُوْنَ بـِه عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِيْنَ مِنْ دُوْنِهِمْ لاَ تَعْلَمُوْنَهُمْ اَللهُ يَعْلَمُهُمْ» (الأنفال / 60) [ التحرير ]
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . صفر 1426هـ = مارس – أبريل 2005م ، العـدد : 2 ، السنـة : 29.