دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي رحمه الله
(المتوفى 1399هـ / 1979م)
ترجمة وتعليق: الأستاذ محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)
الإمام محمد قاسم النانوتوي :
(1248ــ1297هـــ/ 1832ــ1880م)
هو آخر من تطفل على مائدةِ عائلة ولي الله العلمية، ولد عام (1248هـ/1832م) ببلدة «نانوته»(1) إحدى ضواحي مدينة «سهارن فور» العامرة. ولقد برز من المعدن نفسه هذا الجوهرُ الفرد الذي أضاء بنوره المجالس والحلقات الدينية والعلمية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري. تلقى العلوم الابتدائية في وطنه، وأنهى دراسته في الكتّاب، فأُرسِلَ إلى «ديوبند» ليتلقى زمناً على المنشي مهتاب علي(2) في كُتّابه، ثم توجه إلى جده في «سهارن فور» الذي كان يمارس المحاماة بها، وقرأ بها على الشيخ محمد نواز الكتب الابتدائية في الصرف والنحو، و في أواخر عام 1259هـ /1843م استصحبه الشيخ مملوك العلي النانوتوي إلى «دهلي» حيث قرأ بها كتاب الكافية – في النحو – وغيره من الكتب المنهجية. ثم ألحِقَ بكلية دهلي، إلا أنه لم يحضر الاختبارات السنوية المنعقدة في الكلية. ويقول الشيخ محمد يعقوب النانوتوي(3): «وألحق والدي رحمه الله – حضرة الشيخ بالمدرسة العربية الرسمية(4) و قال له: «عليك بالأقليدس و قواعد الحساب» تَمَرَّن عليها أياماً حتى تضبطها. فلم تمضِِ أيامُ حتى ذاع أن الشيخ قد أنهى مقالات يسيرة و انتهى من الحساب. فقدم إليه الكاتب ذكاء الله(5) أسئلة بلغت منتهى الصعوبة، فرد عليها حضرة الشيخ رداً شافياً زاد من صيته وصوته. وأظلت أيام الاختبارات في المدرسة فغاب عنها ولم يحضرها، و انفصل عن المدرسة مما بعث مسؤولي المدرسة ولاسيما عميد الكلية – وهو أحد الإنجليز – على الأسف الشديد(6).
وكان الشيخ قد تلقى على الشيخ مملوك العلي كتب المنطق والفلسفة والكلام من «مير زاهد»، و «قاضي مبارك»، و«صدرا»، و«شمس بازغة» في بيته. وانتهى به المطاف إلى مجلس العلم والدراسة الذي يمثل أكبر مركز لعلوم الكتاب والسنة في أرجاء الهند كلها. حيث كان الشيخ عبد الغني المجددي (1235- 1296هـ /1819- 1878م) يسد مسد الشاه ولي الله الدهلوي (1114- 6 117هـ/1702-176م) في العلم والتدريس، فأسند عنه الحديث. وقد عُرِف بالذكاء المفرط، و النبوغ في العلم، والفهم والفراسة وهو طالب يتلقى العلم على مشايخه.
ويصف السر سيد أحمد خان (123-1306هـ/ 1817م–1889م) – وهو أحد أبرز معاصريه – ذكاءه، وفضله ونبوغه، وزهده وتقواه وفهمه وفراسته فيقول:
«كان الناس يرون أن الزمان لن يجود بمن يداني الشيخ محمد إسحاق فيما كان يحمله من مواصفات وقدرات، إلا أن الشيخ محمد قاسم النانوتوي أكد – بصلاحه الكبير، وتقواه وورعه وهضم ذاته – أن الله تعالى قد جاء بمن يشبه الشيخ محمد إسحاق – بفضل دراسته في دهلي وتربيته فيها- وربما يفوقه بعض الشيء. ولايزال كثير من الناس على قيد الحياة ممن شاهدوا الشيخ محمد قاسم النانوتوي وهو يتلقى العلم في «دهلي»، ويقرأ الكتب على الشيخ مملوك العلي، فكان دله و سمته يفيضان بالتقوى والورع، والصلاح ومخافة الله تعالى.
«وفي أيام دراسته وتحصيله للعلم كان معروفاً بصلاحه ومخافة الله تعالى بين الأوساط العلمية بجانب صيته الذائع في ذكائه وذهنه الوقاد، وفهمه وفراسته؛ حيث حَبَّبَت إليه – كثيراً – مجالسةُ الشيخ مظفر حسين(7) اتباعَ السنة والاستقامة على الشريعة، كما أن ملازمته للشيخ المربي الحاج إمداد الله المهاجر المكي أثَّرتْ فيه تأثيراً عظيماً، سَمَا بقلبه إلى منزلةٍ عظيمةٍ، فإنه كان بدوره مستقيماً على الشريعة، ويسعى سعياً لامزيد عليه لينفخ روح الاستقامة والالتزام بالدين في الناس. كما أنه كان حريصاً على ما ينفع الناس. وبمساعيه الجميلة المشكورة أقيمت مدرسة دينية في ديوبند، أعطت أكلها بإذن ربها. كما أنشئ مسجد في حرم المدرسة في غاية الروعة والجمال.
«أضف إلى ذلك أنه تم إنشاء مدارس إسلامية في أماكن عديدة أخرى بجهوده المباركة. وكان يكره لنفسه أن يظهر مظهر مرشدٍ أو شيخٍ إلا أن هناك آلافاً من الناس في أرجاء البلاد عقدوا صلتهم به، و اعتبروه مرشداً لهم، و اتخذوا منه قدوة صالحة.
«و أبغض ناسٌ الشيخَ محمد قاسم في المسائل الخلافية، وأبغض هو بعضاً منهم، إلا أنه لايسعنا – فيما نرى – أن نحمل تصرفه – من بغضه لأحد أو رضاه عن أحد- على الهوى أو الشنآن والعداوة؛ فإن تصرفاته كلها في مكرهه ومنشطه كانت نابعةً عن حب الله وابتغاء رضوانه، وكان يتبع من الآراء ما يراه حقاً وصواباً. لا يبغض أحداً إلا لله تعالى، ولا يحب أحداً إلا له. فلم يكن يبغض أحداً أو يحبه لهوى في نفسه، وإنما يبغض من يبغضه لأنه يرتكب السيئات، أو يقول ما لايرضي الله تعالى ورسوله، وإن الحب في الله والبغض في الله مما كان يغلب تصرفاته كلها. وخصاله كلها خصال الملائكة، كنا جميعاً نحبه من أعماق القلوب، وإن الذي يعيش حياة الصلاح والتقوى مثله أحق أن يحبه المرء حباً جماً.
«وإن الناس كلهم وربما كذلك الذين اختلفوا معه في بعض القضايا يعترفون اليوم بأن الشيخ قاسم النانوتوي كان وحيد دهره على وجه البيسطة، وإنه ربما يقل درجةً عن الشاه عبد العزيز في العلم والمعرفة أما في غيره من الصفات فكان فوقه ليس دونه، وإنه إن لم يكن فوق الشاه محمد إسحاق الدهلوي في إنكار الذات والصلاح والسذاجة، فليس دونه قطعاً. إنه يشبه الملائكة في سيرته وسريرته وخصاله الحميدة، وإن حرمان الزمان من أمثاله ليبعث على عميق القلق والألم كلَ من يعيش بعده»(8).
واختار الشيخ النانوتوي – بعد ما أنهى دراسته – لنفسه العمل كمصحح للنصوص في مطبعة أحمدي بـ«دهلي»(9) لصاحبها الشيخ أحمد علي السهارن فوري(10)، ليكسب به عيشه. كما قام بالتعليق على الأجزاء الأخيرة من «صحيح البخاري» بإيعاز من الشيخ أحمد علي رحمه الله. و يقول الشيخ محمد يعقوب النانوتوي:
«وفوض الشيخ أحمد علي السهارن فوري تعليقَ وتحقيق الأجزاء المتبقية – الخمسة أو الستة – لصحيح البخاري، فقام به الشيخ النانوتوي خير قيام، يسرُّ القارئ، ويبعث على الإعجاب به، والتقدير له. وأنى لأحد أن يعمل عمله؟!. وخفي على بعض الناس مقدرته العلمية وكفاءته المعرفية فأفضوا مخاوفهم إلى الشيخ أحمد علي، قائلين له: «ما بالك وكلتَ هذا الأمر إلى شاب قليل المراس؟ فرد عليهم الشيخ أحمد علي قائلا: «لستُ بهذه المثابة من السفاهة فآتي أمراً دون بصيرة». وعرض عليهم تعليقات أعدها الشيخ النانوتوي، فإذا هي من أصعب وأدق المواضيع التي تناولها الإمام البخاري، وخاصةً تأييد المذهب الحنفي، الأمر الذي تقيد به الشيخ أحمد علي حين بدأ تعليقاته على «صحيح البخاري». وقد تعقب الإمام البخاري مذهب الأحناف بتعقبات يشق الرد عليها كما لا يخفى. فمن شاء فليراجع هذه التعليقات التي عملها الشيخ النانوتوي ثم لينظر مدى صعوبتها ودقتها في جانب، ومدى كفاءة صاحبها في جانب آخر، فنعما هي. كما التزم الشيخ النانوتوي أن لايأتي فيها بشيء إلا عن دليل يساعده دون إيحاء عن عقله وفهمه»(11).
ولم يصرح شىء من تراجم النانوتوي بسنَة فراغه من الدراسة والتحصيل، وبالسنة التي قام فيها بالتصحيح والتعليق على صحيح البخاري.
ومجمل ما يشير إليه كتاب «سوانح قاسمي» أنه بدأ عمله كمصحح في مطبعة أحمدي بـ«دهلي» بعد ما قرأ فاتحة الفراغ من الكتب المنهجية السائدة يوم ذاك. وفي أواخر هذه المدة – عام 1267هـ/1851م – توفي الشيخ مملوك العلي، فيقول الشيخ محمد يعقوب النانوتوي: «وخلال هذه المدة توفي الوالد في11/ذي الحجة عام 1267هـ/1851م. وبعد ما توفي الوالد تحولت إلى الدار التي نملكها، والتي تقع في حارة «جيلان»، والشيخ النانوتوي بدوره صحبني إليها، وعلي السقف سرير مفكك يرمي بنفسه فيه… وقضيتُ في «دهلي» – بعد ما توفي الوالد – مايقارب سنة ثم تمَّ تعييني في «أجمير»(12) مما اضطرني إلى مغادرة «دهلي»، ومفارقة الشيخ النانوتوي، وهو بدوره أمضى أياماً في تلك الدار وحيداً لايشاركه فيها أحد، ثم تحول إلى المطبعة، ولبث أياماً في «دارالبقاء»(13).
* * *
الهوامش:
(1) «نانوته»: بلدة قديمة على بعد 16ميلاً غرباً من ديوبند، سكنها عائلة صديقية شهيرة من القرن السابع الهجري، وإليها ينتمي الإمام محمد قاسم النانوتوي.
(2) الشيخ مهتاب علي (….- 1293هـ /….- 1876م): الأخ الأكبر لوالد الشيخ محمود حسن الديوبندي: الشيخ ذوالفقار علي الديوبندي في طليعة الدعاة إلى إنشاء جامعة ديوبند، خدمها بآرائه القيمة السديدة، سابع سبعة من القائمين على الجامعة آنذاك. راجع: الإمام النانوتوي حياته وآثاره للأدروي ص 47.
(3) هو محمد يعقوب بن مملوك العلي (1249-1302هـ/1833 – 1884م): من أتراب الإمام النانوتوي، عالم جيد واسع الشهرة، بعيد الصيت، أخذ العلم عن أبيه مملوك العلي، في «دهلي»، وتنقل في عدة مدارس، وعندما اتسعت هيئة تدريس الجامعة تعين أول رئيس لها ،قضى حياته يشغل هذا المنصب العظيم. وممن أخذ عنه: حكيم الأمة أشرف علي التهانوي وشيخ الهند محمود حسن الديوبندي . للاستزادة من أخباره راجع: الإمام النانوتوي حياته وآثاره للأدروي ص36، و مقدمة شيخنا الكاتب الإسلامي / نورعالم خليل الأميني على كتاب ” الإمام محمد قاسم النانوتوي كما رأيته” من منشورات أكاديمية شيخ الهند .
(4) كلية دهلي ـ التي أطلق عليها الشيخ يعقوب النانوتوي ” المدرسة العربية الرسمية “،كان يطلق عليها “مدرسة غازي الدين خان ” . أسسها غازي الدين جنك أول(…ـ 1222هـ/ … ــ 1710م ) قبل موته بأعوام خارج البوابة الأجميرية ، وُرِّيَ جسمانه بساحتها، ولايزال قبره مشهوداً ، وغازي الدين هذا كان والد “نظام الدين آصف جاه الأول”،وإليه ينسب العائلة الحاكمة في ولاية حيدرآباد الدكن المنقرضة .
وكانت بناية مدرسة غازي الدين من الحجارة الحمراء بناية رائعة شامخة . حولتها حكومة شركة الهند الشرقية إلى كلية عام 1241هـ/ 1825م ، وتعين المستر تايلر (Taylor) أول عميد لها، و افتتحت الفصول الدراسة الإنجليزية فيها عام 1244هـ/1828م ، وضمت العلوم العصرية الحديثة إلى منهاجها الدارسي في حين كانت المدرسة مدرسة عربية من النوع الشرقي .
وفي عام 1258هـ / 1842م تم نقل “كلية دهلي” من مقرها : البواية الأجميرية ، إلى بنايةٍ عظيمةٍ رائعةٍ بالبوابة الكشميرية حيث استمر نشاطها إلى عام 1857م . وخربت الكلية في ثورة عام 1857م ،وقتل المستر تايلر ، بعد أن قضى قرابة ثلاثين عاماً في الكلية . ثم استأنفت مدرسة غازي الدين نشاطها باسم ” الكلية الإنجليزية العربية ” في بنايتها القديمة . (راجع: وقائع دارالحكومة لصاحبه: بشير الدين أحمد 2/562ـ 573ط: مطبعة شمسي ، آكره، عام 1237هـ/1919م ) .
وتعرف الكلية منذ عدة أعوام بـ “كلية الدكتور ذاكر حسين ” (سيد محبوب رضوي)
(5) الكاتب ذكاء الله الدهلوي(1248ـ 1328هـ/1833ـ 1910م):مؤرخ عالم بالرياضيات ،مترجم،عُيِّنَ مدرساً بـ كلية دهلي ” ، و ظل مشتغلا بالكتابة والتأليف وهو أحد المؤلفين البارزين أولي المؤلفات الكثيرة باللغة الأردية ، وقد بلغ عدد مؤلفاته نحو 175 كتاباً،من أهمها “تاريخ الهند” ـ في 14مجلداً ـ ،و”تاريخ رقي الحكم الإنجليزي” . راجع : قاسم العلوم للكاندهلوي ص183.
(6) راجع: ترجمة الإمام النانوتوي ص8 ط: مطبعة المجتبائي ، دهلي ، عام 1311هـ /1894م .
وعميد الكلية هو المستر «تايلر» كما يقول الشيخ عبد الحق في كتابه ” مرحوم دهلي كالج “ـ كلية دهلي الراحلة ـ: “إن المستر «تايلر» شغل رئاسة التدريس في كلية “دهلي”، وإدارتها قرابة ثلاثين عاماً. راجع ص:15.
هذا وإن المستر “تايلر” قتل في ثورة عام 1857م ، حيث بدأت رئاسته لهيئة التدريس عام 1241هـ /1825م ، وتوجه الإمام النانوتوي إلى الكلية عام 1259هـ /1843م ، مما يقتضي أن المستر “تايلر”هذا هو الذي كان يشغل رئاسة التدريس بالكلية آنذاك .
(7) هو الفقيه الصالح مظفر حسين بن محمود بخش الحنفي الكاندهلوي(1220ـ 1283هـ/1805-1866م ): عالم رباني ، من كبار علماء عصره، وُلد في”كاندهله”، وبها نشأ وترعرع وشب، وتلقى العلم عن أمثال: المفتي إلهي بخش ـ قاضي بهوبال ـ ، والشاه محمد إسحاق ، مُلئَ إيمانا وإحياءً للسنة النبوية إلى مُشَاشِه، صبت عليه المتبدعةُ مصائبَ تقشعر لها الجلود ؛ إذ ركز جهوده على الرد على البدع والخرافات التي تسربت إلى المسلمين ، وهذه النوائب لم تزلزل أقدامه ،ولم يُنَهنِهْهُ لقاؤُها .ولم يأكل قط لقمةً مشتبهةً ، وكان إذا أكل بغير وقوف عليها قذفتها المعدة . واجتهد في تزويج الأيامي وتجهيزهن ،واحتمل المشاق والمحن ، وحج وزار مرتين ،و وافته المنية في المدينة المنورة . راجع: نزهة الخواطر7/1115،والإمام النانوتوي حياته ومآثره ص 289،والكيلاني 1/397.
(8) راجع مقال السر سيد المنشور في مجلة (Aligarh institute gazette) 24/ أبريل عام 1880م ص 47، 47. وللاستزادة منه راجع :مقال كاتب السطور بعنوان :” النانوتوي كما يراه السر سيد ” في كتاب” سوانح قاسمي ـ ترجمة النانوتوي ـ ج 3. (رضوي)
(9) ولعبت مطبعة أحمدي دوراً ملموساً في نشر وطبع مصادر الحديث، وهي أول مطبعة هندية قامت بنشر كتب الحديث، حيث طبعت “سنن الترمذي عام 1265هـ /1848م ، وصحيح البخاري عام 1270هـ /1853م ، ومشكاة المصابيح” عام 1271هـ /1854م بعناية عظيمة. وهذه المطبعة أنشأها الشيخ أحمد علي عقب عودته من الحجاز عام 1262هـ /1845م،و تحولت إلى مدينة “ميروت” في أعقاب ثورة عام 1857م،وقد اطلعت على نسخ صحيح البخاري ومشكاة المصابيح من طبعة “مطبعة أحمدي” تحتفظ بها مكتبة جامعة دارالعلوم /ديوبند، ويبدو لي أن التعليقات بخط يد الشيخ أحمد علي نفسه،وأما متن الحديث فهو بخط الناسخ .(سيد محبوب رضوي)
(10) هو الشيخ المحدث أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري(1225ـ 1297هـ /1810ـ1880م): ولد في “سهارن فور”،وتلقى العلم على الشيخ مملوك العلي والشيخ وجيه الدين،وأسند الحديث عن الشيخ محمد إسحاق الدهلوي في مكة المكرمة ،حيث كان ينسخ الأحاديث ابتداءً من عقب صلاة الفجر حتى صلاة الظهر وهو في الحرم المكي،ثم يستمع لما نسخه من الأحاديث على الشيخ محمد إسحاق عقب صلاة الظهر حتى صلاة العصر، و هكذا دواليك، حتى أنهى الكتب الحديثية كلها ليعود إلى الهند وعاءً للعلم والمعرفة ، فتصدر لتدريس الحديث النبوي . وقام بطبع “سنن الترمذي” عام 1265هـ /1846م من مطبعته التي أنشأها ،و هو مستمر في دراسة الحديث وتدريسه كما اعتنى ـ عنايةً بالغةً ـ بنشر وطبع كل من” صحيح البخاري”عام 1270هـ / 1853م ،و”مشكاة المصابيح “عام 1271هـ /1854م مصححةً محشاةً . وأنفق عشر سنوات في تصحيح نصوص صحيح البخاري والتعليق عليه . وهذه هي أول المصادر الحديثية التي تشهد الهند نشرَها وطبعَها على أراضيها . قضى الشيخ حياته في تدريس الحديث ونشر و طبع مصادره . وهو من أبرز العلماء والمحدثين في عصره . أخذ عنه فطاحل العلماء في عصره أمثال الشيخ محمد قاسم النانوتوي ،والشيخ محمد علي المونغيري والعلامة شبلي النعماني .وكان العلامة شبلي يقول: “إن معظم كبار علماء الأحناف في عصره قد استقوا من منهله العذب”.
واسترزق المحدث السهارن فوري بالتجارة والمطبعة ، ومنَّ الله سبحانه عليه بحظٍ كبيرٍ من العلم بجانب المال،فكان طويل اليد، رحب الصدر على طلبة العلم . وكان يلقي درس الحديث والتفسير في أخرياته . وعُرِف بالتواضع وإنكار الذات والرخاء . ولعب دوراً بارزاً ملموساً في الرقي بمستوى جامعة مظاهر علوم بـ”سهارن فور”فقدم له النفس والنفيس، وكان لا يتقاضى منها راتباً ولايريد جزاء ولا شكوراً . توفي في 6/من جمادى الأولى عام 1297هـ /1880م،بـ “سهارن فور”، وُرِّيَ جثمانه في مقبرة عائلته بجوار المصلى . و للاستزادة من أخباره راجع : مقال كاتب السطور المنشور في مجلة “برهان”شهر نوفمبر عام 1974م، الصادرة في دهلي (محبوب رضوي ).
قال المترجم: راجع أيضا : نزهة الخوطر7/907،وتذكرة مشاهير الهند ص 22ـ 23.
(11) راجع :سوانح قاسمي ـ ترجمة النانوتوي ـ ص 9، ط: مطبعة المجتبائي، دهلي، عام 1311هـ/1894م. وقد تم تعريب الكتاب إلى اللغة العربية ،ونشرته أكاديمية شيخ الهند التابعة للجامعة الإسلامية دارالعلوم ديوبند/الهند، بتقدمةٍ ضافيةٍ من الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ نورعالم خليل الأميني،وعنوانه” الإمام محمد قاسم النانوتوي كما رأيته “.
(12) أجمير(AJMER):مدينة معروفة بولاية “راجستهان” غربَ الهند، بها ضريح لخواجه معين الدين الجشتي الأجميري( 1141 – 1237هــ / 1728-1821م) من أشهر الشخصيات الصوفية الإسلامية ،وهي على نحو (440) ك م من دهلي العاصمة .
(13) دا رالبقاء :مدرسة قديمة جنوبَ المسجد الجامع بـ”دهلي” العاصمة ، بناها الملك “شاه جهان” ، لقيت إهمالاً ولامبالاة في آخر العهد المغولي، فعادت خراباً يباباً،ثم أعاد بناءَها المفتي”صدر الدين آرزده”وعينَ فيها مدرسين، وتكفل بنفقات الطلاب،حتى حدثت ثورة عام 1857 م فهدمها الإنجليز، وسووها بالأرض . (قاسم العلوم للكاندهلوي ، ص 186.
* * *
* *
(*) المدرس بالجامعة Email: almubarakpuri@gmail.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1434 هـ = نوفمبر ، ديسمبر 2012م – يناير 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 37