دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ صلاح عبد الستار محمد الشهاوي (*)
ظل الاسم منذ عهد نبينا آدم – عليه وعلى نبينا السلام – في جانب كبير منه لغزاً محيراً حتى آدم نفسه لم يكن يعرف الأسماء لولا أن الله – جل جلاله – علمه إياها. وعُدَّ اسم المرء جزءاً من قدره المغيب عند البعض. وللاسم قوة، وفيه أسرار، وفيه خير وشر، وهذا الأمر يُستخدم عند الفلكيين والسحرة والكهان؛ فلكل حرف من الأحرف رقم معين، ومجموع يعطي ما يعرف بالرقم الفلكي للمرء إذا أضيف إليه مجموع حروف اسم أمه، مما جعل بعض الشعوب كالغجر تسمي أبناءها بثلاثة أسماء، اسم تهمس به الأم في أذن وليدها، واسم يعرف به في مجتمعه، واسم يسجل في دائرة الأحوال المدنية. ولكل اسم دلالة وأثر، وأكثر الأسماء دلالة وأشدها أثراً لفظ الجلالة (الله) ثم أسماؤه الحسني، ودلالة اسم الله معروفة معلومة، وهي التوحيد، وأثرها بيِّن ومُشَاهَد على الكائنات والجمادات كلها، وقد أوضح القرآن الكريم هذا الأثر خاصة على الكافرين والمنافقين والشياطين، ومازال العلم باسم الله الأعظم مطلب عباده المؤمنين لتحقيق الدعوات ونيل الرغبات، ولم يكن صدفة أو اعتباطاً أن يكون حرف العين هو الحرف الأول في أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة، وأن يكون هو الحرف نفسه في اسم عمر بن عبد العزيز الذي لقب بالخليفة الخامس، وأن تكون عصورهم الخمسه أفضل عصور الإسلام،(1).
وإذا تأملنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (خير الأسماء ما حمد وعبد) وتأملنا شغف المسلمين بتسمية أبنائهم محمدًا، وتسمية من لا يعرفون اسمه من الأعاجم باسم محمد، واحتلال هذا الاسم الصدراةَ بين أسماء الشخوص على مستوى العالم، لوجدنا كيف أن ليس اسمه فقط بل وشخصيته – صلى الله عليه وسلم – موضع لاهتمام الكتاب والدارسين على اختلاف نحلهم وشتى مذاهبهم يجدون فيها المادة الخصبة للدراسة الجديدة أو يلتمسون لديها ما يجلو أسرار العظمة الإنسانية كما تمثلت في بشر رسول- بهر الدنيا وصنع التاريخ وأنه ليأكل الطعام ويمشي في الأسواق – واسمه صلى الله عليه وسلم أحد سمات هذه الشخصية الثرية. فبهذا الاسم الكريم تنطق ملايين الشفاه وله تهتز ملايين القلوب كل يوم مرات، وهذه الشفاه والقلوب به تنطق وله تهتز منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وبهذا الاسم الكريم تنطق ملايين الشفاه وتهتز ملايين القلوب إلى يوم الدين، فإذا كان الفجر من كل يوم وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهاب المؤذن بالناس أن الصلاة خير من النوم ودعاهم إلى السجود لله والصلاة على رسوله، فاستجابت له ألوف الملايين في أنحاء المعمورة يبغون بالصلاة رحمة الله وفضله وإذا انتصف النهار أهاب المؤذن بالناس لصلاة الظهر ثم لصلاة العصر فالمغرب فالعشاء، وفي كل واحدة من هذه الصلوات يذكر المسلمون محمدًا عبد الله ونبيه ورسوله في ضراعة وخشية وإنابه، وهم فيما بين الصلوات الخمس ما يكادون يسمعون اسمه حتى تحن قلوبهم بذكر الله وبذكر مصطفاه. كذلك كانوا وكذلك سيكونون حتى يظهر الله الدين القيم ويتم نعمته على الناس أجمعين(2).
وعن الأسماء ورد في القرآن الكريم كما ورد في التوراة والإنجيل تحديد عجيب عن أهمية الأسماء منذ التكوين؛ إذ أن الله سبحانه عندما خلق آدم بدأ أولاً بتعليمة الأسماء كلها: أسماء الحيوانات وأسماء الشجر وغير ذلك علماً بأن هذه الكائنات قد خلقها رب العالمين قبل خلق آدم نفسه والله سبحانه وتعالى بحكمته يلهم النفوسَ أن تصنع الأسماء علي حسب مسمياتها لتناسب حكمته تعالى بين اللفظ ومعناه كما تتناسب بين الأسباب ومسبباتها. يقول ابن جني:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب
إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
لذا قل أن لا نرى اسماً إلا على مسماة.
جاء في كتاب – عمدة الحفّاظ- للسمين الحلبي، أنّ لفظ (الاسم) مشتق من السُّمو، وهذا قول البصـريين. وقيل من الوسم، وهو قول الكوفيين. وعليـه فالأصل في الاسم أنّـه رفعـة وعلامة. وتُسْتَخْدَم الأسماء لتمييز الذوات عن غيرها، ويغلب أن تشير الأسماء إلى صفات؛ ومن هنا يميل الناس إلى اختيار الأسماء ذات الدلالات الإيجابية، وهم يأملون أن يكون للمرء من اسمه نصيب.
ومحمد – الاسم الأكثر شيوعاً في العالم حيث يصل عدد من يطلق عليهم هذا الاسم إلى أكثر من مائة وثلاثين مليون نسمة وإذا أخذنا في الاعتبار اسم الأب والجد فإن العدد يصل إلى مائة وثمانين مليون نسمة .
* معنى اسم محمد:
محمد – مفُعَّل – مبالغه في كثرة الحمد فهو – صلى الله عليه وسلم – أجل من حَمد وأفضل من حُمد وأكثر الناس حمداً(3).
ومحمد اسم علم وهو منقول من صفة من قولهم رجل محمــد وهو الكثير الخصال المحمودة، و المحمد في لغة العــرب هو الذي يحمد حمــدًا بعد حمــد مرة بعد مرة(4).
وما سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه؛ ولهذا كان لواء الحمد بيده وأمته الحمادين وهو أعظم الخلق حمدًا لربه – سبحانه – ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء .يذكر السيوطي في كتابه «الرياض الأنيقة في شرح أسماء الخليقة» أن قريشاً لم تنس أن تسأل شيخها – عبد المطلب – لم عدل عن أسماء آبائه وسمى حفيده محمدًا؟ فقال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض . ويعلق المستشرق – بودلي – على إجابة عبد المطلب وسبب تسميته حفيده محمدًا بقوله «وأيا كان السبب فقد أصبح اسم الطفل محمداً وتسمى به ملايين الأطفال الذين ولدوا بعــد الدين الجــديد الذي قدر لابن آمنة من عبد الله أن ينشره على العالمين(5).
ومن أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم – أحمد – وهو صيغة التفضيل من مادة – الحمد – وهو الثناء والمدح، أي أنه أكثر من غيرة ثناء على ربه وشكرًا لخالقه ومدحاً لبارئة جل جلاله فرسول الله هو أحمد أي أحمد الحامدين لله سبحانه وتعالى وقال السهيلي في كتابه «الروض الأنف»: «لم يكن محمد حتى كان أحمد حمد ربه فنبأه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام باسمه أحمد»(6).
ويقول القاضي عياض: ذكر القرآن الكريم اسم أحمد إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه وفعله فكما يكون النبي باسمه أحمد يكون محمودًا في أخلاقه وأحواله. قال تعالى في سورة الإسراء:
«وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً»(الإسراء: 79).
والمقام المحمود وهو مقام الشفاعه العظمى التي تكون يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم (7).
* اسم محمد في الأمم السابقة:
أخرج أبن عساكر عن كعب الأحبار قال: «إن الله أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والمرسلين فأقبل آدم على ابنه – شيت – فقال أي بني أنت خليفتي من بعدي فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى فكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد – صلى الله عليه وسلم – فاني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ثم إني طفت السماوات فلم أر في السماوات موضعاً إلا اسم محمد مكتوب عليه وإن ربي أسكني الجنة فلم أر في الجنة قصرًا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوب عليه ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجره طوبى وعلى ورق سدرة المنتهى وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها(8) .
وأخرج الشعبي عن ابن كعب القرظي قال: «أوحى الله إلى يعقوب أني أبعث من ذريتك ملوكاً وأنبياء حتى أبعث النبي الحرمى الذي تبني أمته هيكل بيت المقدس وهو خاتم الأنبياء واسمه أحمد(9).
وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه قال: «إن الله أوحى إلى داود في الزبور: يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد أو محمد صادقاً نبياً لا أغضب عليه أبدًا ولا يعصيني أبدًا وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأمته أمة مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء(10).
وجاء في إنجيل برنابا أن محمد هو البشرى المنتظرة ولقد كان هذا الإنجيل – إنجيل برنابا – صريحاً غاية الصراحة في ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتكرر هذا الاسم في عدة مواضع منها ما جاء في الفصل التاسع والثلاثين «فلما انتصب آدم على قدميه رأي في الهواء كتابة تتألق كالشمس نصها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففتح حينئذ آدم فاه وقال أشكرك أيها الرب إلهي لأنك تفضلت وخلقتني ولكن أضرع إليك أن تنبئني ما معنى هذه الكلمات – محمد رسول الله – فأجاب الله: مرحباً بك يا آدم وأنا أقول لك إنك أول إنسان خلقته وهذا الذي رأيته إنما هو ابنك الذي سيأتي – إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة الذي متى جاء سيعطى نور للعالم(11).
* * *
المراجع:
1- ناصر الجاسم – دلالة الأسماء – المجلة العربية العدد 407 ذو الحجة 1431هـ ديسمبر 2010م ص 128.
2- د/ محمد حسين هيكل- حياة محمد– الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الثالثة ص 19.
3- السيوطي: الخصائص النبوية الكبرى، تحقيق حمزة النشرتي ص 34.
4- بودلي – الرسول- الترجمة العربية لعبد الحميد جودة السحار ص 95.
5- النويري- نهاية الأرب، دار الكتب المصرية 1955م، الجزء السادس عشر، ص 75.
6- السهيلي – الروض الأنف – مطبعة الخانجي 1976م، الجزء الأول، ص106.
7- القاضي عياض – الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مكتبة الجمالية 1939م، الجزء الأول، ص 312.
8- السيوطي -الخصائص النبوية الكبرى – مطبعة بولاق 1955م، ص 28
9- المصدر السابق ص 46.
10- السيوطي -الرياض الأنيقة في شرح أسماء الخليقة- دار الكتاب المصرية 1961م، ص 47.
11- صلاح عبد الستار الشهاوي: إنجيل برنابا ومسألة صلب المسيح، مجلة الفيصل، العدد 313، رجب 1423هـ ص 96، نقلاً عن إنجيل برنابا، الإصحاح 94 من 1-2.
(*) مصر – طنطا – دمشيت.
هاتف محمول : 0109356970(002)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذو القعدة 1433 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2012م ، العدد : 11 ، السنة : 36