دراسات إسلامية

بقلم :  محمد أبرار كليم القاسمي(*)

       إن الإسلام دين شامل للحياة البشرية، صالح لكل زمان ومكان، ضامن لكل أمة وطبقة، فيه النفع للدولة والمجتمع والفرد معًا، فلا صلاح ولاأمان للعالم إلا به، والمهمة الأخلاقية في نظره أشد ضرورة، ولذلك نرى أن الأخلاق هي من أهم الدعائم والأسس التي يقوم عليها نظام الحياة البشرية، ومما لاشك فيه أن المستوى الأخلاقي للأمة مقياس حضارتها وأساس بناء مجتمعها، فيقول الشاعر أحمد شوقي:

وإنما الأمم بالأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

       وقد تكلم بعض علمائنا بكلام جامع بيّن فيه حقيقة حسن الخلق، فقال: هو أن يكون الرجل كثير الحياء، قليل الاذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، برًّا وصولاً، وقورًا صبورًا، رضيًا حليمًا، رفيقًا عفيفًا شفيقًا، لا لعانًا ولا سبابًا، ولانمّامًا ولامغتابًا ولاعجولاً ولاحقودًا ولا بخيلاً ولاحسوداً، بشاشًا هشاشًا، يحب في الله ويبغض في الله ويرضى في الله، ويغضب في الله.

       ونرى أن الأخلاق الحميدة عند الإسلام احتلّت مكانة مرموقة وأخذت حيزًا متسعًا في أحكامه وتعاليمه، فقد يظهر ذلك في الحث والتشديد على الاستمساك بها وتأكيده على التحلّي بها، ودعوته إلى التخلّي عن أضدادها.

       ونصح الشاعر مخاطبه قائلاً :

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبـــد الإنسانَ إحسانُ

       ويعتبر مكارم الأخلاق علامةً لكمال الإيمان وسمة من سمات المؤمن ومقصدًا لرسالته ومهمته، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا وألطفهم بأهله»، وروي عنه صلى الله عليه وسلم  «لاتحقرن ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».

       وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: «وخالق الناس بخلق حسن» معنى ذلك أن الرسول جاء بالإسلام منفتحًا على الآخر حيث «وخالق الناس» وليس المسلم فقط، وهذا لعلّ وعسى أن يراك الآخر متحلّيًا بالأخلاق الحميدة، فيكون سببًا في هدايته للإسلام، ولايفوتنا في هذا المقام عند ما جاء الأعرابي لرسول الله، وأمسك ثوبه عند رقبته حتى أنه من تأثير ذلك ترك علامةً على رقبة الرسول وسأله، أعطني يا محمد مما أعطاك الله وهمّ الصحابة بضرب الأعرابي، ولكن الرسول أشار لهم بأن يمهلوا وعند ما انتهوا قال لهم: يجب أن تنصحوه بحسن الطلب وتنصحوني بحسن الأداء.

       إن خيرية الرجل لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ًولا متفحشاً وكان يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً)

       وقد بيّن ابن مبارك رحمه الله حسن الخلق فقال: هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى .

       وعرف القزويني رحمه الله: ومعنى حسن الخلق: سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى، وقد يكون فيما بين الناس.

       وقال الإمام الغزالي رحمه الله: إن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحابب، والتآلف، والتوافق، وسوء الخلق يثمرالتباغض، والتحاسد، والتدابر(إحياء علوم الدين) 1/181.

       وقد قيل قديمًا: اتباع الهوى يفرق كما أن الحب والإخاء يجمع وإن الاتحاد قوة، والتفرق وهن وضعف، وإن سبيل الله واحد، وسبل الشيطان متفرقة، فمن تبعها فقد ضل وغوى.

       وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته، يقول الشاعر:

يا أيها المتحلي غــــير شيمـته

ومن سجيتـــه الإكثار والملق

عليك بالقصد فيما أنت فاعله

إن التخلق يأتي دونــه الخلق

       فمكارم الأخلاق أشد حاجة للافراد والمجتمع البشري، وغاية من أسمى الغايات الإنسانية، ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية، لايمكن الاستغناء عنها لأي نوع من الأنواع البشرية ولا لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، من أجل ذلك منذ أول وجود المجتمع الإنساني كانت المهمة الأخلاقية من أحسن المهمات لسائر الأديان والمذاهب .

       وحسن الخلق من أفضل ما يقرب العبد إلى الله تعالى، وإذا أحسن العبد خلقه مع الناس أحبّه الله والناس، وحسن الخلق يألف الناس ويألفه،  حسن الخلق يدل على سماحة النفس وكرم الطبع، حسن الخلق يرفع الدرجات وعلوالهمم، وحسن الخلق يحول العدو إلى الصديق .

       كما أن حسن الخلق أمر مطلوب وواجب على المؤمن، فتجنب أخلاق السوء أمر لازم مؤكد؛ لأن سوء الخلق باب من أبواب الإثم، وينفر الناس مما اتصف به، ولذلك قيل: من ساء خلقه قل صديقه .

       فما أحوجنا – نحن المسلمين – أن نتحلّى أنفسنا بالأخلاق الرفيعة، وسيرة النبي العاطرة التي وصفها خالقه ومربيه في كتابه الحميد ناصحًا لعباده المؤمنين، «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» ونجنب أنفسنا عن مساوئها وأضدادها التي تنتج التفكك والتشتت والانهيار والانحلال، والدمار والهلاك .

       قال القاضي الفضيل بن عياض «إذا خالطت فخالط حسن الخلق؛ فإنه لايدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولاتخالط سيئ الخلق؛ فإنه لايدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارئ سيئ الخلق، إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله، وخفّ على الناس وأحبّوه، وإن العابد إذا كان سيئ الخلق ثقل على الناس ومقتوه».

       فهذه المبادئ الأخلاقية ضرورة في بناء المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا وثقافيًا، كما هي محاور فكرية متباينة مستنيرة ترسي دعائم قيام المجتمع الإنساني، كما يريد خالق البشر، ويشعر الإنسان من خلالها أنه خليفة الله في الأرض بماناله من تكريم إلهي يحيا من خلاله حياة آدمية كما ينبغي أن تكون.

*  *  *


(* )      أستاذ مادتي الدراسات الإسلامية واللغة العربية بمدرسة التكامل الهندية – جليب الشيوخ – الكويت

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، شعبان 1433 هـ = يونيو- يوليو 2012م ، العدد : 8 ، السنة : 36

Related Posts