دراسات إسلامية
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
دأبت بعض أجهزة الإعلام أن تسيء إلى كل صاحب فكر أو عقيدة تخالف هوى القائمين عليها؛ بل ونعته بالكثير من الصفات الغير حميدة، بقصد توبيخه والتقليل من شأنه ودفع الناس للاستهانة به، ومن كان لهم النصيب الأكبر في هذه الإساءة أبناء الجماعات الإسلامية بمختلف أسمائها ومسمّياتها بوجه عام وأبناء جماعة الإخوان المسلمين بوجه خاص، الذين وصفوا بالعديد من الصفات البشعة، واتهموا بالكثير من التهم، وهم من كل هذا وذاك براء.
من هذه الصفات التي وسموا بها التطرف، ولقد لقي هذا اللفظ قبولاً وتداولاً ورواجاً عند أعداء الإسلام، وأعداء الصحوة الإسلامية، وكذلك عند أصحاب فكرة فصل الدين عن الدنيا، والإسلام عن السياسة، ولكن لماذا هذا هكذا؟. فأبناء هذه وتلك الجماعات، لا يريدون إلا أن يهتدوا بشرع الله، وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، في العبادات والمعاملات، وبمعنى أشمل وأوسع في كل شأن من شؤون الحياة؛ فغير ذلك خروج عن ملة الإسلام، فمن ناحية المظهر تجدهم يتقدون برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتمرون بأوامره في مخالفة المشركين والكفار؛ فتجد الأخ منهم يرتدي الجلباب ويطلق لحيته ويحف شاربه؛ فبينما نجد تباين واختلاف أشكال وألوان الملابس بين شعوب العالم فلكل شعب عاداته وتقاليده في ذلك، حتى في المراسم والحفلات الدولية لا تنقص القوانين على زي معين لها؛ فلم يوصم من يأتيها بالجلباب وهم كثير بوصف شائن؛ بل قد نجد من الفنانين والرسامين وغيرهم من أصحاب العقائد والملل المختلفة وقد أطلقوا لحاهم وارتدوا الغريب من الثياب في لونه وشكله؛ بل منهم من يرتدي الملابس الممزّقة في بعض أجزائها والبالية أو الهالكة؛ فاعتبر ذلك رمزًا للعبقرية والإبداع أو الزهد والتقشف، وفي أحيان أخرى موضة؛ بينما إذا جاء هذا الأمر من جانب المسلمين اعتبر تطرفًا؛ فلماذا هذا ؟!!
ومن ناحية أخرى فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب فرضه الإسلام؛ بل وحدد طرق النهي عن المنكر، حسب قدرة الناهي، والأمر المنهي عنه؛ فهناك نهي باليد؛ فإن لم يستطع فباللسان؛ فإن لم يستطع فبالقلب وهو أضعف الإيمان، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الوقت اللازم لارتكاب أية جريمة أقل بكثير جدًا من الوقت اللازم لإبلاغ المسؤولين عن مكافحة الجريمة والإتيان بهم إلى مكان الحادث، كما أنه في كثير من الأحيان لا يستفيد المجني عليه من القبض على الجاني في شيء، رغم أهمية القبض الجاني ومعاقبته لردعه هو وغيره ممن تسوّل لهم أنفسهم بارتكاب هذا الجرم أو مثله؛ فالفتاة التي تغتصب لا يعاد لها بكارتها بالقبض على الجاني، والقبض على تاجر المخدرات لن يشفي من أقدم على الإدمان وسار في دربه أشواط عديدة، والقبض على السارق بعد فراره بالمسروقات والتصرف فيها بالبيع أو الإخفاء لن يعيدها لصاحبها؛ فلا مفر إذن من وجود من يمنع ارتكاب الجريمة قبل وقوعها أو يمنع استمرارها، ولن تستطيع أجهزة الشرطة مهما بلغت قوتها أن تقوم بذلك على أكمل وأتم وجه؛ فلا بد من وجود جماعات من أبناء البلد تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تزرع هنا وهناك وفي كل بقعة من بقاع الوطن، هذا من جانب ومن جانب آخر؛ فإنه لما كانت معظم النار من مستصغر الشرر؛ فإن الوقوف أمام مسببات وقوع الزنا من اختلاط الذكور بالإناث واختلاء بعضهم ببعض في الأماكن والمنتزهات النائية، ومنع حفلات الرقص والغناء التي تسكر العقول وتخدر المشاعر والأحاسيس وتفقد الوعي واجب ديني يُثَابُ فاعلُه بالإضافة إلى إنه أمر يقره كل غيور على عرضه وشرفه وليس تطرفاً. كما أن قول الحق والجهر به وعدم السكوت على الظلم والدفاع عن المظلومين أمر تقره الشرائع التي تبغي العدل في حكمها وعلى رأسها الإسلام، وتحري الحلال في الكسب والبعد عن مواطن الريبة والشبهات والأخذ بالأحوط ومجاهدة النفس والإكثار من العبادات والنوافل بقيام الليل وصيام السنن من بعد الفروض وقراءة وحفظ القرآن وحج بيت الله الحرام والعمرة وتقديم الزكاة كلها أمور يتقرّب بها الفرد المسلم إلى الله عز وجل؛ لينال مرضاته وهي من صلب العبادة في الإسلام. أما الانشغال بتجارة الكتب والأدوات الإسلامية أمر حتمي فرضته ظروف ندرة فرص العمل وانتشار البطالة وقلة الدخل وارتفاع الأسعار. والأخذ برأي أحد الفقهاء الذي اجتمع علماء الإسلام وجامعاته ومعاهده ومدارسه وكل من يعمل في مجال الفكر الإسلامي، على الأخذ برأيه، لا يعيب أبناء الجماعات الإسلامية؛ فمن أهم مميزات الفقه الإسلامي تعدد مذاهبه وكثرة فقهائه وعلمائه.
من هذه الصفات التي نعتوا بها أيضًا؛ بل واختصت بها جماعة الإخوان المسلمين صفةً أو لفظ المحظورة، حقيقة إن من يصفهم بهذا، يثير بداخلي وبداخل كل من يقرأ هذا اللفظ سخريةً واستخفافًا بمن كتب ذلك، وأحيانًا لحد التلفظ بألفاظ نابية في حقه؛ فدول العالم المتقدم مليئة بأحزاب قائمة على أساس ديني؛ بل وسمت نفسها بأسماء دينية، وكذلك هنالك أحزاب وجماعات في صراع مسلح مع أنظمة الحكم في بعض من هذه الدول، ولم تحظر أيّ من هذه أو تلك الدول عمل أيّ من هذه الأحزاب أو تلك الجماعات لصفتها أو لتسميتها أو حتى لأنشطتها، ولم تطلق على أي من المنتسبين إليها تلك المسمَّيات التي يطلقها جباهذتنا، على أبناء جماعة الإخوان المسلمين؛ بل إن في بلادنا كثيرًا من الجماعات والمنظمات الغير رسمية والغير مشهرة، تعمل وتتحرك تمارس أنشطةً غير شرعيّة بصورة عاديّة، دون أن تمتد إليهم يد بسوء، ودون أن توجَّه إليهم إساءةٌ بلفظ أو إشارة من قريب أو بعيد، ولم يضيق على أنشطتها تلك الخناق؛ كما يحدث مع أبناء جماعة الإخوان المسلمين، والأدهى من ذلك أن هناك عددًا لا بأس به من أبناء هذه الجماعة أعضاء في مجلس الشعب المصري، والقاصي والداني وجميع من في الدولة، على علم ووعي ويقين تام، بأنه لو دارت أيّ من الانتخابات السابقة بتراهة تامة؛ كما يدعي القائمون عليها، لتغير الحال وسار أبناء جماعة الإخوان المسلمين هم أصحاب الأغلبية في ذلك المجلس، وهذا هو مربط الفرس.
وأخيرًا لا تبقى أمامنا إلا كلمة التعصب؛ فإذا كان التعصب هو الحب والدفاع المستميت عن المتعصب له؛ فهذا أمر مطلوب وأن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء في الدنيا وأن ندافع عن عقيدتنا حتى ننال النصر أو الشهادة، وإذا كانت أجهزة الإعلام لم تطلق لفظ التعصب إلا على أبناء الجماعات الإسلامية وغضت طرفها عن المتعصبين للفرق الإباحية ولنجوم الكرة والفن والراقصات والمتعصبين من أعداء الظاهرة الإسلامية؛ فما يبقى لنا إلا أن نقول للمسؤولين عن هذه الأجهزة: اتقوا الله. وأن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يهدينا وإياهم إلى الصراط المستقيم. ولا يفوتنا هنا أن نذكر كلمة الشيخ جاد الحق لمجلة التضامن الإسلامي عدد رجب 1410هـ الموافق فبراير 1990م بقوله: لا خطر في أن تظهر فئة من الناس مغالية في الدين؛ فتلك عادة جرت في الشعوب جميعًا وفي تاريخ الإسلام، ولكن وصف هذا الغلو بالتطرف أمر غير محمود؛ فالتطرف معناه الانحراف عن الدين، وهؤلاء المتغالون لا يعتبرون كذلك، وما يؤخذ عليهم أن يقصروا ذلك على أنفسهم وأن يتركوا الآخرين بحريتهم في اتباعهم أو الإعراض عنهم.
* * *
* *
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1433 هـ = ديسمبر 2011م ، يناير 2012م ، العدد : 1-2 ، السنة : 36