الفـــكر الإســـلامي
بقلم : أ. د/ عبد المعبود عمارة
قال تعالى: ﴿وإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلىٰ الرَّسُولِ تَرىٰ أعْيُنَهُمْ تَفِيْضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ المائدة: آية 83.
والعين مرآة لكثير من المشاعر، فقد تكون العين قريرة وسعيدة بما منحت من الخير، قال تعالى: ﴿فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْينٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ﴾ السجدة: آية 17، ويقولون هذه عين صادقة وأخرى زائغة.
والجهاز الدمعي أحد أجهزة الوقاية للعين التي خلقها الله، كما خلق الله الجمجمة لتحمى المخ والقفص الصدري لحماية القلب، والرئتين والأوعية الدموية، والكليتين لتنقية الدم من البولينا والسموم الضارة بالجسم، ونعم كثيرة لا تحصى ولا تعد. ﴿وإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ تُحْصُوهَا﴾ النحل: آية 18.
والجهاز الدمعي جهاز مائي يطهر وينظف العين على مدى الأربع والعشرين ساعة، ولو توقف هذا الجهاز لما استطاعت العين أن تصبر وأصيبت القرنية الشفافة بالتقرحات، والعمى..
وغرف العين لها ضغط معين لو زاد أصيبت العين بمرض الجلوكوماً أو المياه الزرقاء وتسبب تليف الشبكية. والسائل الزجاجي العيني سائل مائي شفاف خلقه الله تعالى ذو ضغط معين، لو فقد هذا السائل لما استطاعت العين أن تبصر فسبحان من خلق من الماء كل الأحياء.
تكوين الجهاز الدمعي:
يتكون الجهاز الدمعي في الإنسان من الآتي:
1 – الغدة الدمعية: وتُوجَد فوق كرة العين من الناحية الخارجية من الحفرة العينية من أعلى وإلى الأمام في تجويف يسمى تجويف الغدة الدمعية.
2 – القنوات الدمعية: وتخرج من الغدة الدمعية وتصب في تجويف كيس الملتحمة.
3 – الملتحمة: وهي غشاء شفاف يغلف السطح الداخلي للجفن العلوي والسفلي، كما تغطى الملتحمة السطح الأمامي من الصلبة، ولها جيب علوي وجيب سفلي، وحينما نعلق العين فإن تجويف الملتحمة يصبح مغلقًا بواسطة الجفنين؛ ولذلك يجب أن نغلق العين بعد وضع القطرات فيها (في تجويف الملتحمة) بعضًا من الوقت لتتم الفائدة من وضع الدواء بإذن الله تعالى.
4 – القناتان الناقلتان للدموع: وهما ينقلان السائل الدمعي الزائد من كيس الملتحمة إلى الكيس الدمعي.
5 – الكيس الدمعي: ويوجد في حفرة عظمية خاصة في الجهة الداخلية من الحفرة العينية، ويتجمع فيه الدموع الزائدة عن حاجة العين، ويقوم الكيس الدمعي بتوصيل هذه الدموع الزائدة إلى القناة الدمعية الأنفية.
6 – القناة الدمعية الأنفية: وهي تقوم بتوصيل الدموع إلى الكيس الدمعي إلى تجويف الأنف. وكذلك نقل القطرات الزائدة بعد وضعها في العين؛ ولذلك نحس بطعم القطرات في البلعوم الأنفي بعد وضع القطرات في العين.
فوائد الدموع: تعمل الدموع على ترطيب العين وخاصة القرنية الشفافة باستمرار، حتى لا تجف العين وتتقرح القرنية ويفقد الإنسان (لا قدر الله) بصره. وهي رحمة من رحمات الله تعالى، وتعمل الدموع على تنظيف كيس الملتحمة من الأتربة وهو الكيس الذي تعمل داخله الدموع حركة ونشاطاً. كما تقوم الدموع بتسهيل حركة مقلة العين.
وكما أن الدموع من الوسائل المهمة جدًا لحماية العين؛ إلا أن الله سبحانه وتعالى قد جعل للعين وسائل حماية كثيرة منها إفرازات الغدد المخاطبة في الملتحمة، ووجود العين داخل الحفرة العينية وهي حفرة عظمية قوية، كما خلق الله تعالى للعين جفنين جفن علوي وجفن سفلي، ويتكون كل جفن من نسيج عضلي ليفي يغطيه الجلد من الخارج ويبطنه غشاء الملتحمة من الداخل. ويقي الجفنان العين من الضوء الشديد والأجسام الغريبة. كما أن للجفون رموشًا تحمي العين من الأتربة.
فسبحان الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أعطاك عينًا تبصر بها، وأذنًا تسمع بها، وأنفًا تشم، ولسانًا للتذوق وجلدًا للإحساس، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا.
وانظر – رحمك الله – إلى رحمة الله كيف أوج للعين، هذا الجهاز الحساس الرائع، أوجد له جهازًا دمعيًا وقائيًا يقوم بتنظيف العين وغسلها طول اليوم وحتى لا تغلق بالعين الأتربة والأجسام الغريبة وتزيد الدموع وتكثر كلما تعرضت العين للمواد المهيجة كالدخان والمواد الحريفة والمواد الكيميائية الضارة.
ولم يترك الله سبحانه الدموع لتستقر في العين، فتدمع العين وتلتهب؛ ولكن أودع جهازًا يقوم بطرد الدموع الزائدة إلى جهاز الطرد في الأنف.
ونحن نلاحظ الدموع في حالة البكاء تزرف بشدة وتنزل من العين ومن الأنف ﴿وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَه بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ الْكَبِيْرُ المُتَعَال﴾ الرعد: الآيتان 8-9.
وللبكاء أسباب عديدة منها التوبة الصادقة، والعودة إلى الحق واتباع النور، قال تعالى ﴿وإذا سَمِعُوْا ما أُنْزِلَ إلىٰ الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيْضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَاهِدِيْنَ﴾ المائدة: آية 83.
وقد يكون البكاء من الحب والشوق في الله تعالى، وقصر الهمة لعدم استطاعة عمل المزيد من الخير ﴿تَوَلَّوا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيْضُ مِنَ الدَّمْعِ حزنًا ألاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُون﴾ التوبة: آية 92.
والدمع قد يكون من خشية الله تعالى، وهو حينئذ دليل على قوة الإيمان وثبات العقيدة فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، عين دمعت من خشية الله، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه كما جاء في معاني الأحاديث النبوية الشريفة.
والبكاء من خشية الله تعالى، يكون من كثرة التضرع والدعاء والخوف، والتقرب، وطلب الدرجات العلى في الجنة. ويدل البكاء على طهارة القلب، وحسن السيرة والإقبال على الله بقلب سليم وصادق. قلب ترك شهوات الدنيا وآمن بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومره.
والمؤمن إذا أصابه مكروه (ولا قدر الله) فعليه بالصبر وقول ﴿إنّا لله وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، ولا يجزع وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حينما تُوُفِّي ولده إبراهيم فكان قوله صلى الله عليه وسلم : «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
فلتكن دموعنا من خشية الله، لا جزعًا ولا ضجرًا، ولتكن أعمالنا في رضا الله وشكر نعمه وآلائه، ولننظر فيما خلق الله لنا من آيات في أنفسنا لنتدبرها ونشكره عليها وسبحان القائل: ﴿وَفِيْ أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُوْنَ﴾.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان 1432هـ = يوليو 2011م ، العدد : 8 ، السنة : 35