دراسات إسلامية
بقلم : أ. د/ عبد المعبود عمارة
جاء ذكر الماء في آيات الكتاب الكريم في مواضع كثيرة ليذكرنا الله تعالى بأصل الخلق وبدايته فقال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ الأنبياء: آية30.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ النور: آية 45.
وقال جَلَّ من قائل: ﴿وَهُوَ الَّذِيْ خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَه نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ الفرقان: آية45.
والماء سر من أسرار الخالق العظيم، منه خلق الإنسان والحيوان والنبات وبدونه لا تستقيم الحياة؛ فالإنسان وهو سيد المخلقوات على الأرض خُلِق من ماء مهين – وهي النطفة – وجسم الإنسان يحتوي على نسبة كبيرة من الماء تبلغ حوالي 55 إلى 70٪ من وزن الجسم وتقل نسبة الماء في السيدات والأشخاص المفرطين في السمنة، وتكون مرتفعةً في الأطفال حديثي الولادة ثم تنخفض كلما زاد السن.
والماء الموجود في جسم الإنسان لا يكون على الصورة التي تشربه بها؛ ولكنه يدخل في تكوين الخلايا بجميع أنواعها ويكوِّن سوائل الجسم المختلفة كالدم والسوائل خارج الخلايا، ويتكوّن منه البول، وإذا تعرض الجسم لفقدان كمية كبيرة من السوائل فجأةً، فإن ذلك يضر بالجسم ضررًا بالغًا جدًا ويلاحظ ذلك بوضوح في النزلات المعوية في الأطفال حديثي الولادة نظرًا لاحتواء أجسامهم على كمية كبيرة من الماء.
كيف يدخل الماء الجسم : “1500 سم 3 يوميًا“
يحتاج الشخص عن طريق الشرب إلى حوالي 800 سم 15003 سم 3 من الماء يوميًا؛ وكلما زاد العرق احتاج لشخص إلى كميات أكبر، كما يحدث في فصل الصيف، كما أن الفاكهة والخبز واللحوم تكسب الجسم حوالي 300 سم 3 من الماء لاحتوائها على نسبة عالية من الماء؛ كما أن الجسم يكتسب حوالي 200 سم3 من الماء الناتج عن عملية التمثيل الغذائي فمثلاً عند احتراق المواد السكرية في الجسم؛ فإنها تتحول إلى ثاني أكسيد الكربون وطاقة وماء.
توازن كمية الماء بالجسم :
يحتفظ الجسم بكمية ثابتة تقريبًا من الماء في الأحوال العادية بفضل التوازن الذي خلقه الله تعالى من كمية الماء التي تدخل الجسم والكمية التي يفقدها الجسم. وتقوم الكليتان بدور هامّ في حفظ التوازن بواسطة التحكم في كمية البول التي تفرزها؛ وهذا بتوجيهات الحارس الأمين الذي خلقه الله تعالى في الجهاز العصبي، وهي الغدة النخامية وهي التي تفرز الهرمون المضاد للقبول في حالة الجسم إلى الماء.
كيف يتوزع الماء داخل الجسم:
أ – يوجد الماء على هيئة سوائل أو ماء بداخل الخلايا وهو يكون في بروتوبلازم الخلايا: ويوجد به أملاح البوتاسيوم والفوسفات والصوديوم .
ب – يوجد على هيئة سوائل أو ماء خارج الخلايا وذلك في سائل البلازما أو في السائل بين الخلايا؛ ويوجد به أملاح الصوديوم والكلور والبيكربونات والبوتاسيوم أيضًا بكمية قليلة جدًا، والبلازما جزء هام جدًا في تركيب الدم وهي تدور في الدورة الدموية وتحمل المواد الغذائية ويحدث بينها وبين السائل بين الخلايا تبادل المواد المكونة لهما خلال جدار الأوعية الدموية الشعرية – كما يحدث تبادل المواد بين السائل بين الخلايا والسائل داخل الخلايا خلال الغشاء الخلوي للخلايا.
كيف يتخلص الجسم من الماء (فقد الماء):
أ – يفقد الماء بالتبول لحوالي 1500سم3 ويجب ألا تقل كمية البول عن 500-800سم3 حتى يمكن التخلص من المواد الضارة كالبولينا ومادة الكرياتنين وغيرها من الأملاح والتي يضر وجودها في الجسم .
ب – تفقد كمية من الماء عن طريق العرق الذي يفرز بواسطة الغدد العرقية الموجودة في الجلد.
وأهم وظائف العرق هي تنظيم درجة حرارة الجسم والتخلص من الماء الزائد والمواد الضارة والأملاح .
وتختلف كمية العرق من إنسان لآخر ومن فصل إلى آخر وحسب طبيعة عمل الإنسان؛ وتختلف في الشخص نفسه من وقت لآخر تبعًا لكمية ونوع النشاط الذي يقوم به، ونظرًا لاحتواء العرق على كمية كبيرة من أملاح الصوديوم فيجب على الأشخاص المعرضين للعرق الشديد مثل عمال المخابز وعمال البناء، شربُ الماء بكثرة مضافًا إليه كمية من ملح الطعام .
3 – تفقد كميات من الماء لاشعوريًا في هواء الزفير على هيئة بخار ماء؛ وتبخر الماء يحدث أيضًا عن طريق الجلد، ويتوقف على درجة الحرارة ورطوبة الجو وملابس الإنسان، وينظم حرارة الجسم وليس له علاقة بالعرق.
كما يفقد الماء بوساطة التبرز وخاصةً في النزلات المعوية والإسهال الشديد، ويعوض بمحلول معالجة الجفاف إذا رأى الطبيب ذلك.
تنظيم كمية الماء في جسم الإنسان:
تقوم الكليتان بدور هام وإيجابي في تنظيم كمية الماء في الجسم؛ وكذلك هناك دور سلبي للرئتين والجلد .
وتقوم الغدة النخامية بالتحكم في كمية البول التي يتبولها الإنسان؛ فتقل كمية البول إذا زاد إفراز العرق كما في الجو الحار؛ وتزيد كمية البول إذا تناول الإنسان كمية كبيرة من الماء، وهذا من فضل الله تعالى على خلقه .
وقد يفقد الإنسان بعض الماء في حالات مرضية مثل حالات الحروق وحالات القيء والإسهال .
ويجب القيام بنقل السوائل طبقًا لنوع الحالة ونوع المرض وطبقًا لخريطة السوائل وفي بعض الحالات المرضية وبعض العمليات الجراحية يجب عمل كشف يسمى “كشف توازن السوائل”، للمريض؛ ويثبت به السوائل التي يفقدها الجسم والسوائل التي تُعطىٰ للمريض سواء عن طريق الفم أو الحقن وحتى لا تزيد كمية السوائل داخل الجسم .
والسوائل التي تفقد يجب أن تراعى فيها ما يفقد عن طريق البول والبراز والعرق .
والماء المفقود عن طريق الزفير وعن طريق الجلد وكذلك الماء المفقود في القيء والإسهال أو سطح الجلد في حالات الحروق .
والسوائل التي تعطى يجب أن تعادل الكمية المفقودة إما بواسطة الفم أو بالحقن الوريدي؛ ويجب أن تحتوي السوائل على الأملاح الضرورية للجسم حسب توجيهات الطبيب المعالج .
وبعد: فإن كان هذا هو الماء الذي به نحيا الحياة الدنيا فإن لماء الجنة وأنهارها وما فيها من لذة ونعيم مقيم مالا نستطيع وصفه ويكفينا قول الحق تبارك وتعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ محمد: آية 15.
نسأل الله لنا ولكم الجنة ونعيمها وأن يسقينا سبحانه وتعالى من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1430 هـ = مايو – يونيو 2009 م ، العدد : 5-6 ، السنة : 33