كلمة المحرر
منذ مدة غير قصيرة تُؤْوِي الحكومةُ الهنديَّةُ المُلْحِدةَ المسيئةَ إلى الرسول الأعظم سيدنا محمد ﷺ ، وهَيَّأَتْ لها ملاذًا آمنًا بهذا البلد العلمانيّ الدستور الذي نَصَّ دستورُه على أنّ الدولةَ بحكم علمانيّتها لاتقف بجانب ديانة دون ديانة ، وأن الديانات كلّها سواء عندها .
ومنذ أن لَجَأَتِ الملحدةُ إلى الهند ، قَلِقَ الشعبُ المسلم الهندي ، وظلّ يحتجّ ضدّ وجودها بالهند ، ويطالب الحكومة بإلغاء تأشيرتها ، وترحيلها لدولتها «بَنْغَلاَديش» ولكنّ الحكومةَ الهنديةَ ظَلَّتْ صَمَّاءَ ، حتى عِيْلَ صبرُه ؛ فنَظَّمَ بمدينة «كولكاتا» – لأن تسليمة تقيم بها معظمَ الأوقات ولأنّها ملاصقة بـ«بنغلاديش» – يومَ الأربعاء : 21/نوفمبر 2007م = 9/ذوالقعدة 1428هـ مسيرةَ احتجاج حاشدة خرج فيها أهالي المدينة المسلمون على بكرة أبيهم ، كما أن المسيرة شملت معظم مناطق ولاية «بنغال» الهنديّة ؛ حتى تَوَقَّفَتْ حركةُ المرور، وحَصَلَ زِحَامٌ شديد في معظم أحياء المدينة والمناطق الأخرى من الولاية . وبَدَلَ أن تُوَاجِهَ حكومةُ الولاية التي يقودها الحزب اليساريّ الموقفَ بالتحمل والاستراتيجيّة الحكمية التي تتفق وسلوكَ الحكومة في مثل هذا البلد العلماني الكبير الذي يسكنه أبناء شتّى الديانات وعلى رأسها الهندوسيّة ويليها الإسلام ؛ حيث يُشَكِّلُ المسلمون في الهند أقلية أولى كبيرة في البلاد .. بَدَلَ أن تصنع ذلك تَعَامَلَتْ مع الموقف بالعنف فأمرتْ قوات الشرطة وقوات الأمن باستخدام العصيّ وقنابل الغاز المسيلة للدموع وما إلى ذلك من أدوات أدّى استخدامها إلى وقوع عدد من المتظاهرين قتلى وعدد آخر كبير جرحى مما أسخط الشعب المسلم وأثار – طبيعيًّا – استياءً كبيرًا لديه ، وعمّ استنكار موقف الحكومة الإقليمية اليسارية والتنديد به حتى من بعض الزعماء الهندوس المنتمين إلى الأحزاب ذات الاتجاه العلماني . واضطرَّت الحكومة جرّاءَ موقفها الأخرق إلى فرض حظر التجوّل بالمدينة ، مما أزعج الأهالي وأغاظهم حيث حُرِمُوا الحياةَ العاديَّةَ التي لابدّ منها للعيش في مدينة ذات كثافة سُكَّانية مثل مدينة «كولكاتا» .
واضطرت حكومة بنغال لإقصاء الملحدة «تسليمه» عن حدود الولاية ، فحاولت أن تلجأ إلى ولاية «راجستهان» ولكنها اعتذرت عن إيوائها لديها نظرًا لسَخَط الشعب المسلم العارم في طول البلاد وعرضها ، فاحتضنتها ولاية «هاريانا» الملاصقة لدهلي بشكل موقت حتى يهدأ السخط على زعمها ، ثم طلعت الصحف يوم الأحد: 13/11/1428هـ = 25/11/2007م بأنباء تفيد أن «هاريانا» أيضًا رفضتها ، فاحتضنتها «دهلي» التي أنزلتها في دار «راجستهان» تحت حراسة مكثفة .
السؤال الذي يفرض نفسه بإصرار بهذه المناسبة أن الحكومة الهندية لماذا ترغب هذه الرغبةَ الجامحةَ في إيواء هذه الملحدة المرفوضة من قبل بلادها «بنغلاديش» لديها رغم هذه الأخطار والأضرار اللاحقة بها ورغم سخط الأقلية الكبرى من مواطنيها: الشعب المسلم الذي كان له القِدْحُ المُعَلَّىٰ – الحظّ الأوفر – في محاربة الإنجليز المستعمرين وتحرير البلاد ومن قبلُ في تطوير البلاد وبنائها وتوحيدها وتشييدها شامخة البُنْيَان مَوَطَّدَة الأركان واسعةَ الأرجاء .. لماذا ترغب هذه الرغبة التي تحتاج إلى تفسير ؟! هل لديها نزعة في إزعاج الشعب المسلم وإسخاطه مثلما توجد لدى أوربّا الصليبية الصهيونية ؟ أو هي مدفوعة بالوقوف بجانب الهندوس المتطرفين الطائفيين الذين يَثْلَجُون صدرًا بكلّ موقف ينزعج منه المسلمون ويقلقون ويَسْخَطُون ؛ وكأن ذلك عبادة من هؤلاء المُتَطَرِّفين يُؤَدُّونَها !. أو إنّ الحكومةَ تودّ أن تثبت لدى أمريكا ولدى الكيان الصهيونيّ «إسرائيل» أنّها هي الأخرى دولة «معتدلة» تستحق تقديرَهما !.
مهما يكن الأمر فإن هذا الموقف من قبل الحكومة الهندية مثيرة للتساؤلات الكثيرة والشلوك التي لا نهاية لها . إنّها مادامت حكومة دولة علمانيّة ، يجب عليها أن لاتقف موقفًا يَشِفّ عن أنها دولة منحازة إلى ذوي ديانة ما أو اتّجاه ؛ لأنّها إذاً تكون خارقة للإطار العلماني وجارحة للروح العلمانيّة للبلاد .
إنّ الملحدة «تسليمه» وأمثالها ينبغي أن تنال عقابَها اللائق من قبل المحاكم الإسلاميّة في «بنغلاديش» أو غيرها من البلاد الإسلامية التي تعمل فيها المحاكم متحررة من ضغط الحكام والقادة ؛ لأنها أساءت إلى الإسلام وإلى رسوله الأعظم سيدنا محمد ﷺ ، واتخذت الإساءة إلى الدين الإسلامي مصدرًا يدرّ لها المالَ ويضمن العيشَ الرغيدَ لدى مثل الدولة الهنديّة . إن بلادنا الهند ينبغي أن تتخلّص من جميع المواقف التي تجرّ لها الصداع أو الصراع أو أيّ نوع من التعقيد [التحرير]
(تحريرًا في : الساعة :3011 من صباح يوم السبت : 12/11/1428هـ = 24/11/2007م)
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1428هـ = ديسمبر 2007م يناير 2008م ، العـدد : 12 ، السنـة : 31.