دراسات إسلامية
بقلم : الدكتور حامد أحمد الرفاعي
إن الدعوة الإسلامية في كل زمان ومكان، هي تبليغ الإسلام للناس بالقول والعمل، على أساس من الثوابت والمنطلقات التي يكتنزها القرآن الكريم والسنة االنبوية الشريفة القولية منها والعملية، والتي تُشَكِّلُ الأساس والضوابط والمعايير الربانية، في التعامل مع المتغيرات والمستجدات في حياة الناس، مع تبدل الزمان والمكان والأحوال، مما يجعل الإسلام عقيدة وشريعة لايتعارض بحال مع متطلبات وحاجات قطرة الإنسان السليمة في حياته الفردية أو حياته المجتمعة وما يلزمها من قيم ومبادئ ونظم.. وهذا ما سنبينه كما يلي:
1- الإسلام دعوة للناس جميعًا لاتخص جهة بشرية بعينها قومًا أو جنسًا أو عرقًا وهذا في قول الله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاإِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(1).
2- الإسلام دين الله بشربه الأنبياء والرسل جميعًا عليهم السلام كما هو مؤكد في قول الله تعالى ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(2).
3- إن صحة الإيمان بالإسلام وتمامه لاتكون إلا بالإيمان بجميع رسل الله وكتبه من غير تمييز بينهم وهذا ما يبينه قول الله جلّ شأنه ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾(3).
4- الإسلام لا يفرض عقيدته على الآخرين بالقوة التزامًا بقول الله تعالى ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ﴾(4) والتزامًا بقول الله تعالى ﴿لَكُمْ دِيْنُكُمْ وَلِيَ دِيْن﴾(5).
5- الإسلام يقرر علاقة البرّو الإحسان مع غير المسلمين، يوم لا يكون منهم أعتداء وجور وهذا في قول الله تعالى ﴿لايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(6).
6- الإسلام يؤكد على حرمة الإنسان وعدم قتله بغير حق ؛ بل إن الإسلام هو النظام الفريد الذي يعطي قيمة الفرد الإنساني ، قيمة الكل تعظيمًا لحرمته وكرامته، وهذا بيّن في قول الله جلّ شأنه ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾(7).
7- الإسلام يؤكد مبدأ المحبة والتراحم والتعاون ويربط ذلك بالإيمان ربطاً موثقًا كما هو في حديث رسول الله ﷺ «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (8).
8- الإنسان مكرم في الإسلام مصان الحقوق كما هو مؤكد في قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلـٰـى كَثِيْرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلاً﴾(9).
9- إن منهج القرآن يعلّمنا ويؤكد علينا، أن البشرية مدعوة بأمر ربها جلّ شأنه، للتعارف والتعايش وفق القيم والمعايير الربانية، على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم وألوانهم، وأن إتيان الحق ومجانبة الباطل هو أساس التنافس بينهم، وهو أساس معيار القرب والبعد من تقوى الله ومرضاته، وهذا في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَّ أُنْثـٰـى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِيْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾(10).
10- يقرر الإسلام قاعدة العدل بين الأفراد وبين الأمم ويؤكد على العدل مع وجود الخصومة والمنازعات ؛ لأنه الأقرب للتقوٰى| وهذا في قول الله تعالى ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلـٰـى اَلاَّ تَعْدِلُوْا اعْدِلُوْا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوٰى﴾(11).
11- يقرر الإسلام مبدأ التزام العهود والمواثيق بين الناس والوفاء بها وعدم نقضها وهذا مؤكد في قول الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوْا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيْدِهَا﴾(12).
12- يقرر الإسلام عدم الإساءة لمعتقدات الآخرين وسبابها وهذا في قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ فَيِسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾(13).
13- يقرر الإسلام مبدأ النفع للناس جميعًا كما هو في قول رسول الله ﷺ «خير الناس من نفع الناس» (14).
14- الإسلام يقرر قاعدة التدافع والتنافس بين الناس ويؤكد أن التدافع بين الناس يحقق الحياة الأفضل لهم ويصرف الفساد عن الأرض وهذا واضح في قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلـٰـكِنَّ اللهَ ذُوْ فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِيْنَ﴾(15). كما يؤكد الإسلام أن التدافع بين الناس يكفل حماية حرية الناس في معتقداتهم وأنماط حياتهم وتصون معابدهم على اختلاف مللهم كما هو في قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبَيعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيْهَا اِسْمُ اللهِ كَثِيْرًا﴾(16).
15- يقرر الإسلام أن الأمة الإسلامية أمة وسطٌ بين الناس وأنها مكلفة بمهمة الشهود الحضاري على الناس كما هو مؤكد في قول الله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَّسَطاً لِتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُوْنَ الرَّسُوْلُ عَلَيْكُمْ شَهِيْدًا﴾(17).
16- الإسلام يؤكد أن التزام القيم الرّبانية ضمان لصحة وسلامة السير في منهج الاستخلاف لعمارة الأرض وأن تغيب القيم الإسلامية عن منهج الاستخلاف سيؤدي لامحالة إلى فساد في الأرض ودمار حياة الناس وما صنعوا وهذا في قول الله تعالى: ﴿ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوْا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَاَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيْرُوْا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوْا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِيْنَ أَمْثَالُهَا﴾(18) (الآية) أوليس اندحار الشيوعية ومعسكرها الإلحادي الكبير إلا دليلاً قاطعًا على ما يؤكده القرآن الكريم.
17- الإسلام يقرر بأن عمارة الأرض والانتفاع بمكنوناتها وتسخيرها لاتتحقق نتائجه الإيجابية، ولاتدوم إلا بالتزام القيم الرّبانية وتقبلها وعدم الخروج على توازن العلاقة بين عالَم القيم وعالَم الماديات وهذا في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾(19).
18- يقرر الإسلام ألا يبخس الناس أشياءهم وألا يحتقر كدحهم البناء ويعتبر أن احتقار ما عند الناس وبخس مقدراتهم هو من العبث والإفساد الذي يمقته الإسلام وهذا في قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِيْنَ﴾(20).
19- الإسلام يقرر القاعدة الربانية في العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ويبين مقوماتها وشروطها وهذا في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾(21).
20- يقرر الإسلام مبدأ الحواريين الناس لإنهاء أسباب التناقضات العقدية والمنهجية بغيةً لتأكيد وحدة الأسرة البشرية والحرص عليها، والارتقاء بأسباب تعاونها وتضامنها في قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِه شَيْئًا وَّلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِّنْ دُوْنِ اللهِ﴾(22) الآية.
21- اعتنى الإسلام بمنهجية الحواريين الناس وأصل لها أدبيات وقيمًا حرصًا منه على الألفة والاحترام المتبادل وهذا ماتبينه الآيات من كتاب الله تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوْا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ﴾(23)، ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ﴾(24) ﴿وَقُوْلُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾(25).
22- يدعو الإسلام الدعاة والمصلحين بالتزام الحكمة وتخير حسن الموعظة، والأسلوب الأفضل في الخطاب وهم يقدمون دعوة الله تعالى للناس بيّنةً وجليّةً وهذا في قوله تعالى: ﴿اُدْعُ إِلىٰ سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ﴾(26) وكذلك في قوله تعالى ﴿فَقُوْلاَلَه قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشـٰـى﴾(27).
23- يوجه القرآن الكريم الدعاة إلى اتقان مهمتهم والارتقاء بحجتهم موضوعًا وأسلوبًا، بغية التفاعل المثمر مع النفوس وهذا ما يؤكده قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيْغًا﴾(28).
24- ويؤكد المنهج الرباني على الدعاة عدم التناقض بين أقوالهم وأفعالهم حتى لاتفشل دعواهم وتنعكس سلبيًا عليهم وعلى مايدعون إليه وهذا في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لِمَ تَقُوْلُوْنَ مَالاَ تَفْعَلُوْنَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُوْلُوْا مَالاَتَفْعَلُوْنَ﴾(29).
25- يقرر الإسلام حصانة البيوت حماية لحرية الإنسان وكرامته عملاً بما جاء في كتاب الله تعالى: ﴿لاَتَدْخُلُوْا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوْتِكُمْ حَتّىٰ تَسْتَأْنِسُوْا وَتُسْلِّمُوْا عَلـٰـى أَهْلِهَا﴾(30).
26- أكد الإسلام على حقوق الإنسان الخاصة، وعدم الاعتداء عليها وذلك في التوجيه النبوي الكريم – حيث يقول رسول الهدى – صلوات الله وسلامه عليه –: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» (31).
27- يقرر الإسلام مبدأ التكافل بين الناس، من أجل تحقيق كرامة الإنسان وتحريره من الفقر والعوز وهذا في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِيْنَ فِيْ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوْمِ﴾(32).
28- يؤكد الإسلام حق التعليم لأفراد المجتمع ويجعل ذلك فريضة شرعية كما هو في قول الرسول ﷺ: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (33) ويشمل ذلك الذكور والإناث كما في قول الرسول – عليه الصلاة والسلام – «النساء شقائق الرجال» (34) فهما سواء في التكاليف التي من مقتضياتها العلم والدراية.
29- ويقرر الإسلام مبدأ الشورى في الأمة، بين الحاكم والمحكوم وذلك كما هو في كتاب الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُوْرٰى بَيْنَهُمْ﴾(35) ولقول رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال: «لواجتمعتما ماخالفتكما» (36).
30- وقرر الإسلام حق الدفاع عن النفس وسيادة الأمة ، يوم يعتدى عليها ، وتنتهك حرماتها، والاستعداد الكامل لذلك كما هو في كتاب الله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِيْنَ يُقَاتَلُوْنَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوْا وَإِنَّ اللهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيْرٌ﴾(37) ﴿وَاَعِدُّوْا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِه عَدُوَّاللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾(38).
31- ويؤكد الإسلام مبدأ السلم وهو يقرر مبدأ القوة والدفاع كما هو في منهج القرآن الكريم: ﴿وَإِنْ جَنَحُوْا لِلسِّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾(39) .. وقول رسول الله ﷺ «ولا تتمنوا لقاء العدو.. » (40)
32- يقرر الإسلام مبدأ الاعتناء بصحة الأبدان والوقاية من الأمراض ؛ حيث يقول المصطفى ﷺ: «إن لبدنك عليك حقًا» ولقوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف» ويقول في الوقاية: «نحن قوم لانأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لانشبع» وكان يتحرى فيما يشرب من ماء حتى جاء في الحديث: «كان ﷺ يستعذب الماء» وكان عليه الصلاة والسلام ينهي عن التبول والتبرز في المياه الراكدة ، وهو الذي قرّر مبدأ الحجر الصحي في التاريخ البشري ؛ حيث أمر بالحجر الصحي على البلد المطعون وأهله فلا يتركونه ولا ينزله غيرهم وتحذيرهم من العدوى وطلب الفرار من المجذوم وأمر بأنواع من الرياضة كقوله عليه الصلاة والسلام: «من علم الرمي ، ثم نسيه فليس مني».
33- واعتنى الإسلام عناية فائقة بأمر المال الذي هو مادة الاقتصاد وأصّل له قواعد ومعايير منها قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِيْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾(41). ويقول جل شأنه في ضبط موازين الإنفاق: «وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُوْلَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ» (42) ويقول رسول الهدى ﷺ : «ما عال من اقتصد» ولقوله عليه الصلاة والسلام : «نعم المال الصالح للرجل الصالح».
34- قرر الإسلام مبدأ الإجارة وحسن جوار المستجيرين وذلك في قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِيْنَ اِسْتَجَارَكَ فَأَجِرْه حَتّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثـُمّ أَبْلِغْه مَأْمَنَه﴾(43).
35- يحرم الإسلام الاحتكار، وأن يمنع الناس مايحتاجونه في حياتهم بغية التحكم بالأسعار جشعًا وطمعًا وهذا في قول رسول الله ﷺ: «لايحتكر إلاخاطيء».
36- ويحارب الإسلام الغش وينفر منه ويرفض أهله ؛ حيث يقرر رسول الهدى عليه الصلاة والسلام : «من غشنا فليس منا».
37- يقرر الإسلام مبدأ التكافل والتراحم بين الناس حيث يؤكد الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وذلك في قوله : «من عنده فضل ظهر ، فليجد به على من لاظهر له» ويؤكد عليه الصلاة والسلام بأن الناس شركاء بأساسيات الحياة وذلك لقوله : «الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار». ولابد من التوضيح على أنهم شركاء في الانتفاع بدون الاعتداء على حق التملك والحقوق العامة وذلك عبر مسؤولية الدولة وتنظيماتها .
38- يقرر الإسلام مبدا التصنيع والاحتراف، وذلك لقول الله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَه الْحَدِيْدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَّقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوْا صَالِحاً * إِنِّي بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِيْرٌ﴾(44) ولقوله تعالى : ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوْسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُوْنَ﴾(45) ولقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيْدَ فِيْه بَأسٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾(46) وكذلك لقول رسول الهدى عليه السلام : «إن الله يحب المؤمن المحترف» ويقول أيضًا : «إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه» ويقول أيضًا : «ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «لايقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول : اللهم ارزقني ، وقد علم أن السماء لاتمطر ذهبًا ولا فضة».
39- ويقرر الإسلام مبدأ الكشف عن منابع الثروات ووجوب استغلالها، فكل مافي الكون مسخر للإنسان لينتفع به وهذا في قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَافِي السَّمـٰـوٰاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةْ﴾(47) وفي قوله تعالى : ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَافِي السَّمـٰـوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيْعًا مِّنْه إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لَقَوْمٍ يَتَفَكَّرُوْنَ﴾(48).
40- ويقرر الإسلام مبدأ الضمان الإجتماعي والتكافل بين أبناء الأمة ، وهذا مافعله عمربن الخطاب رضي الله عنه وقد مر على يهودي يتكفف الناس، فزجره واستفسره عما حمله على السؤال ، فلما تحقق من عجزه رجع على نفسه باللائمة ، وقال له : «ما أنصفناك ياهذا، أخذنا منك الجزية قويًا وأهملناك ضعيفًا، افرضوا له من بيت المال مايكفيه».
41- يؤكد الإسلام على الزراعة والحرص عليها باعتبارها أساس من مصادر الثروة والاقتصاد ؛ حيث يقول عليه الصلاة والسلام : «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع ألايدعها حتى يغرسها فليفعل».
42- كما يقرر الإسلام مبدأ التجارة والترغيب فيها كمصدر مبارك من مصادر الرزق وتنمية اقتصاد الأمة، وذلك في قول الله تعالى: ﴿لإِيْلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيْلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوْا رَبَّ هـٰـذَا الْبَيْتِ * الَّذِيْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوْعٍ وَّآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾(49) ولقوله عليه الصلاة والسلام : «تسعة أعشار الرزق في التجارة» (50).
الهوامش :
(1) الأعراف: 158. (2) البقرة: 136. (3) البقرة: 285. (4) البقرة: 256. (5) الكافرون : 6. (6) الممتحنة : 8. (7) المائدة: 32. (8) حديث شريف. (9) الإسراء: 70. (10) الحجرات: 13. (11) المائدة: 8. (12) النحل: 91. (13) الأنعام: 108. (14) حديث شريف. (15) البقرة: 251. (16) الحج: 40. (17) البقرة : 143. (18) محمد : 9 و 10. (19) الروم : 9. (20) هود: 85. (21) النساء: 58-59. (22) آل عمران : 64. (23) العنكبوت : 46. (24) النحل: 125. (25) البقرة: 83. (26) النحل: 125. (27) طه : 44. (28) النساء: 63. (29) الصف: 2. (30) النور: 27. (31) حديث شريف. (32) المعارج : 25. (33) حديث شريف. (34) حديث شريف. (35) الشورى: 38. (36) آل عمران: 159. (37) الحج :39. (38) الأنفال: 60. (39) الأنفال :61. (40) حديث شريف. (41) النساء: 5. (42) الإسراء: 29. (43) التوبة: 6. (44) سبأ: 10-12. (45) الأنبياء: 80. (46) الحديد: 25. (47) لقمان : 20. (48) الجاثية : 13. (49) قريش 1-4 . (50) حديث شريف .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1428هـ = ديسمبر 2007م يناير 2008م ، العـدد : 12 ، السنـة : 31.