إشراقة

       أن يشعر المرأ بأنه يفقد كلَّ سند، هو السندُ الكبيرُ بدوره؛ لأنه حينئذٍ يثق بنفسه، ويستند إليها، ويعتمد كلَّ الاعتماد عليها؛ فتتفجّر المواهب الكامنة فيه، وتختمر بسرعة مدهشة للغاية، فيعود فَطِنًا ذكيًّا، قويًّا متماسكاً، ويعود شابًّا وهو طفل في الواقع؛ لأنه يُزَايِلُه فجأةً كلُّ ما فيه من الإهمال واللامبالاة، ومعاني الدلال ونقاط الضعف التي تكون قد نشأت في شخصه من أجل استناده البالغ إلى سند زائل كان يحظى به من قبلُ. كما تتلاشى فيه خصلةُ الرجوع في كل قضية في الحياة إلى غيره؛ لأنه الآن أصبح يرجع إلى ذاته، ولايسائل إلاّ شخصَه، ولايستشير إلاّ مع ما فيه من فهم وذكاء ووعي للأمور؛ حيث أدرك الآن أنه لن يحكّ جلدَه مثلُ ظفره، ولن يناصره في شؤونه كلِّها مثلُ الثقة بالنفس والصدور عنها في حلّ كل القضايا التي يتعرّض لها .

       إنّ أدنى تأمل في نفسيّة الإنسان، يتوصّل بالمُتَأَمِّل إلى أن السندَ البشريَّ يُضعف شخصيةَ الإنسان – إذا اتَّكَأَ عليه طويلاً وتأكّد في قرارة نفسه أنه هو الذي يكفيه شؤونَ الحياة – ويجعلها مهزوزةً مُفَكَّكَة عارية من القدرة على اتّخاذ قرار حاسم، فيظلّ هو مُتَرَدِّدًا هائمًا على وجهه في غير جهة مستقيمة مُحَدَّدة. كما أنّ هذا السندَ البشريَّ يجعله يستغني قليلاً أو كثيرًا عن السند الأصليّ الذي ينفع كلَّ وقت ويعمل في كلّ فصل، وهو السند الإلهيّ الذي لايخون الإنسانَ أبدًا مهما خانته الأسنادُ .

       من هنا ظلّ العلماء الصالحون والأتقياء الزاهدون من عباد الله تعالى، يُرَكِّزُون على أن يعيش المسلم حياةَ زهدٍ وتقشفٍ وكفافٍ وإعراضٍ عن اتّخاذ الكثرة الكاثرة من الوسائل والأسباب وزينات الدنيا وبهارجها التي تجعله في الأغلب يتّكئ عليها؛ فيستغني عن الإنابة إلى ربّه الذي خَلَقَه فَسَوَّاه وأنعم عليه . الاتّكالُ الزائد على الأسناد الدنيوية والوسائط الماديّة يُحَوِّل الإنسان >مادِّيًّا< في التفكير والسلوك؛ فينقطع عن خالقه إلى الأسباب الدنيوية الظاهرة الماثلة، وقد يتّخذها إلهًا من دون الله، فيخسر الدنيا والآخرةَ. وذلك هو الخسران المبين .

من هنا لم يَعِشْ مُؤَسِّس الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ ديوبند الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله (1248-1297م) – وزملاؤه الآخرون الذين كانوا من كبار الصالحين – الحياةَ المجردةَ من الوسائل والإمكانيات فحسب ، وإنّما رَكَّزَ بشأن الجامعة هي الأخرى على أن تظلّ مُتَمَسِّكَةً بجانب الكفاف، ولا يكون لديها مصادرُ دخلٍ ثابتٍ ومواردُ ماليّةٌ تُدِرّ كلَّ وقت ما يكفل حاجاتِها إلى الوسائل، فتجعلها تستغني عن الإنابة إلى ربّها، إيمانًا منها بأن حاجاتها كلَّها مكفولةٌ، ومُسَتْقَبَلَها مضمونٌ بالنسبة إلى التقدّم والازدهار والمصروفات اليوميّة. وإنّما رَكَّزَ – رحمه الله – على ذلك ليكون القائمون عليها والعاملون فيها من المسؤولين والمنسوبين والأساتذة واجدين دائمًا ما يدفعهم إلى التضرّع إلى الله والاِطِّراح على عتبته وسؤاله الدائم؛ فيظلّون أقوياءَ الصلة به تعالى، ومُتَمَسِّكين بحبله المتين وعروته الوثقي. وقد ظلّت – ولله الحمد – على هذه الصفة التي أرادها الإمام – رحمه الله – أن تبقى عليها؛ فرسخت جذورُها في تربة قلوب الشعب المسلم الهندي بشكل لم تعرفه مدرسةٌ أو جامعةٌ في شبه القارة الهنديّة، وأَكْرَمَها الله من الحبّ والقبول بما جعلها مغبوطةً بين شقيقاتها من المدارس والجامعات الإسلامية؛ لأن صفة الإنابة الدائمة إلى الله والاتكال الكامل عليه أَضْفَتْ عليها البراءةَ والقداسةَ اللتين لم تُعْرَفَا بشأن أيّة مؤسسة أُنْشِئَتْ للتعليم والتربية في أيِّ جزءٍ من أقطار الدنيا كلِّها . وتلك مزيّة سَجَّلَها المُثَقَّفُون ورجالُ الإعلام الذين زاروا الجامعة من أنحاء العالم، ودُهِشُوا من هذه الشعبية الفريدة التي حظيت بها ، ولم تحظَ بها أيٌّ من دُور التعليم والتربية في العالم رغم ضخامتها الظاهرة وفخامتها الباهرة .

       وكأنّ الإنابة المخلصة الدائمة إلى ربّ العزّة والجلال تُكْسِبُ كلَّ شيء في الدنيا >الجمالَ الساحرَ العجيبَ< الذي لايُكْسِبُه إيّاه أيٌّ من العوامل المادِّيَّة التي يَتَشبَّعُ بها الإنسانُ وأعمالُه وصنائعُه التي قد يظنّ هو في شأنها أنّها لن تنمو وتتقدّم وتتجمّل إلاّ بالعوامل المادّية الكثيرة التي تفتح أمامها مجالاً رحبًا للنموّ والتجمّل .

       إن القليل من عباد الله الصالحين هم الذين يَفْطَنُون أن الصنائع والأعمال البشريّة هي الأخرى – كالإنسان نفسه – تَكْسِبُ النموَّ والقوةَ والازدهارَ عن طريق العوامل المعنويّة الروحيّة. والأقلُّ منهم يدركون أن العواملَ المعنويةَ الروحيّةَ لاتتوفّر إلاّ عن طريق الإقلال من الاتّكال على العوامل المادية والاهتمام بها والحرص على توفيرها بكل حيلة مُتَاحَة، والاستبدال به – الاتّكال على العوامل الماديّة – الاتّكالَ على الله عَزَّ وجَلَّ الذي له القدرة المطلقة على التصرف في الكون وتغيير الليل والنهار ومداولة الأيّام بين الناس؛ فالاتّكالُ على الله تعالى قيمةٌ كبيرةٌ في حياة المؤمن، يُحَقِّق بها مُعْظَمَ المُهِمَّات في حياته بعد ما يكون قد اسْتَوْفَىٰ الشروطَ التي لابدّ أن تسبق الاتّكالَ عليه تعالى من اتّخاذ اللازم المستطاع من الإجراءات التي تُعَدُّ ضمنَ العوامل والأسباب الماديّة التي ليست هيَ كلَّ شيء في الحياة، كما يزعم بل يعتقد الذين لايؤمنون بالله العظيم أو الذين لايَصِحُّ إسلامُهم .

       وقد صَدَقَ تعالى إذ قال: >ومن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه< (الطلاق/3) .

       وقال تعالى: >وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ< (آل عمران/122؛ آل عمران/160؛ المائدة/11؛ التوبة/51؛ إبراهيم/11؛ المجادلة/10؛ التغابن/13)

       وقال تعالى: >وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ< (إبراهيم/12) .

       وقد قال النبي ﷺ فيما يرويه عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: >لَو أنكم تتوكّلون على الله حقَّ توكّله ليرزقكم كما يرزق الطير تعذ وخماصًا وتروح بطانًا< (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) .

       والتوكُّل كما قال العلماء أن يَبْذُلَ في تحقيق أَمْرٍ، ما يستطيعه من الجهد والمال والوقت والوسائط، ثم يثق بالله تعالى أنّه سيحقّقه له إذا شاء. أمّا أن يتقاعد عن العملِ وبذلِ ما يستطيعه من الجهد واتّخاذ التدبير اللازم والحيلة الناجعة، ويقول: إنه يتوكّل عليه تعالى، فذاك ليس من التوكّل في شيء.

       توكُّلُ المؤمنِ على ربّه بعد ما يَتَّخِذ اللازمَ المستطاع لديه يُفَجِّرُ فيه مواهبَ كامنةً مذخورةً بحيث يُدْهَشُ لها هو أيضًا، فيعود غيرَ ما كان هو عليه من قبل، ويصير إنسانًا >غير عاديّ< وقد كان من قبل عاديًّا.

*  *  *

       في الليلة المتخللة بين السبت والأحد: 30/ رمضان وغرة شوال 1382هـ الموافق 26-27/ يناير من عام 1963م تُوُفِّيَتْ جدّتي من الأب – رحمها الله – ليلةَ عيد الفطر . وقد كانت لي هي السند الوحيد بعد الله عزَّ وجلَّ؛ حيث كانت تتحمـــل مسؤولية تربيتي وتنشئتي نشأةً خاصّةً؛ إذ تُوُفِّــيَ والدي – رحمــــه الله – وأنــــا ابـــن ثلاثة شهور؛ فأظلمت عليها الدنيا؛ لأنه – رحمه الله – كانَ دنياه كلّها؛ فاختصرت أمانيها كلُّها فيَّ بصفتى ذكرىً لابنها الوحيد؛ فتَوَفَّرَتْ على تَعُهُّدِى بالتـــربيــة والإنشاء والتثقيف؛ لأكون يومًا سندًا لها مكانَ ابنه البارّ الذي اختطفه الموتُ بإذن الله. ولكنها استوفت ظَمَأَ حياتِها وأنا ابن نحو 11 عامًا فقط، وظلتُ لشهر شعبان طالبًا في المدرسة الإمدادية بمدينة >دربنجه< بولاية >بيهار< بالهنـــد. وكنتُ لاَمُبَــالِيًا لحدّ ما بحكم كونى غلامًا يتحلّى الطفولةَ، ويتمتّع بالجهل بلذّة الهموم التي إنما تشغل بالَ الرجال والكهول والشيوخ المُسِنِّين .

       بعد وفاتها فَاجَأَني الشعورُ بالوحدة والوحشة وفقدِ السند الذي كنتُ أستند إليه في شؤون الحياة الصغيرة والكبيرة، والعمدةِ التي كنتُ أتَّكِئُ عليها في حلّ كل الصعوبات والتعامل مع المشكلات؛ فثار فيَّ كلُّ ما كان قد أودعه الله تعالى إيّايّ من المواهب الكامنة والملكات المذخورة، وصِرْتُ كأنّي وُلِدْتُ ولادةً جديدةً، وأصبحتُ >رجلاً< بل >كهلاً< وأنا في نحو العاشرة والنصف من عمري. وأوَّلُ مظاهر هذا >النضج< أنّي عُدْتُ أُمَيِّزُ الخير من الشرّ والخسارةَ من الربح، وأعرف الفرق بين ما يضرّ وبين ما ينفع، وأضحيتُ >جادًّا< في مُعْظَمِ أمور الحياة بعدما كنتُ >هازلاً< في مُعْظَمِها، بحكم خفّة الروح، والصدور عن إملاءات الذكاء الطبيعيّ، الذي حَظِيْتُ بفضل الله تعالى منه بنصيب ليس بقليل إن لم يكن كثيرًا .

       بعد مناسبةِ عيد الفطر، التي تُوُفِّيَتْ فيها جدّتي من الأب – رحمها الله – قصدتُ مدرسةَ دارالعلوم الكائنة بمدينة >مئوناث بهنجن< بولاية >أترابراديش< فيمن قصدوها من أبناء قريتي. والتحقتُ فيها بالصف الأوّل من الصفوف الثمانية التي يجتازها في الأغلب طُلاَّبُ المدارس والجامعات الأهلية الإسلامية في شبه القارة الهندية، ليتخرَّجوا >علماء< حاملي شهادة الفضيلة في علوم الشريعة الإسلاميّة .

       وبما أن القلب كان قد تكسّر، وكياني كلُّه كان قد تحطّم، ومشاعري كلُّها قد سيطرت عليها الأحزان المريرة والآلام القاتلة، بفقد جدتي الصالحة المُرَبِّيَة التي كانت كلَّ سند لي بعد الله عزّ وجلَّ؛ فعكفتُ على الدراسة، وأصبحتُ أَعُبُّ الموادَّ الدراسيَّةَ عبًّا، أَحُلُّ المعضلاتِ، وأَتَعَمَّقُ في النصوص، وأَتَوَسَّعُ في فهمها واستظهارها وأَسْهَرُ معظمَ أجزاء الليل ولا أشبع نومًا إلاّ في ليلة الخميس والجمعة، وربّما كنتُ اَصِلُ الليلَ بالنهار. وسَيْطَرَتْ عليَّ الدراسةُ بحيث أصبحتْ همّيَ الوحيدَ الذي عُدْتُ أعيش فيه وبه ومن أجله. وربما حَسَدَني الأترابُ من قريتي، فأجمعوا على تزهيدي في الدراسة وكثرةِ التَوُفُّرِ عليها بأساليب كثيرة كانوا يبتكرونها؛ حتى لا أَبُذَّهم في الدراسة، وإنما أظلّ أقلَّ منهم حظّاً من العلم والأهليّة أو مُسَاوِيًا لهم؛ ولكنّي لم أتفاعل مع حِيَلهم التي كانوا يصنعونها ويُجَرِّبُونها فيَّ حتى أزهد في الوظيفة الدراسيّة . وكنتُ أقول لهم دائمًا: إخوتي في الإسلام! لا تُضِلُّوني عن طريقي؛ لأني يتيـمٌ فاقدُ الأبِ يُعَانِي قلّةَ الوسائل؛ فإن لم أجتهد في الدراسة للحدّ المنشــود، فسأكون أَحْقَرَ من الكلاب التي تُبَصْبِصُ بأذنابها فتجـد من سادتها العنايةَ الكاملةَ؛ حيث يقذفون إليها كِسَرًا من الخبز، تَتَلَقَّفُها بسهولــة؛ فتقتات بها. أمّا أنا فــربمـا لا أجد >كِسْـــرَةً< من خبـــزٍ فيما إذا أعرضتُ عن الاجتهاد الذي أُوَفَّقُ لـــه الآن بفضل من الله وحــده. على أن آباءَ مُعْظَــمِ الطلاب منكم لايــــزالـــون على قيــد الحيــاة. فهم قد يُظَلِّلُون رؤوسَكم إذا وجـــدوها تحترق من لوافــح السمـــوم في الحياة. أمّا إني فقد فقدتُ أبي – كما تعلمون – وأنا ابن ثلاثــة شهــور، فليُسْعِــدْني الاجتهادُ في الدراسة إن لم يُسْعِـــدْني أن أجــد والدي حيًّا يقف بجانبي في مواجهة مشكلات الحياة؛ فأنا أَحْوَجُ مايكون إلى أن أجعل من نفسي سندًا لنفسي. وذلك لايَتَأَتَّىٰ إلاّ بأن أعكف على صناعة الذات وتربية الصفات وصقل المواهب المذخورة لدى الذات؛ فدَعُــوْنِي – إخواتي في الإسلام، ورفاقي في مدارج الصبا، وأتــرابي في السنّ، وزملائي في ملاعب الطفـــولة وفي الجلوس على حصير الكُتَّاب إلى فقيه صالح! – أن لا أُضَيِّع دقيقةً من فُرَصِ حياتي الذهبيّة في التحادث العابث، وممارسة الهوايات الفارغة، فأُضَيِّعَ – بالتالي – حياتي التي هي لاتزال بدورها في مَهَبِّ عواصفِ الضياع.

       وبذلك وحدَه، استطعتُ أن أصنع الذات وأصوغها في قالب ينفع ولايضرّ، ويتقدّم ولايتخلّف، ويُقَدَّرُ ولايُهْمَلُ، وكسبتُ من المؤهّلات العلمية ما ظَلَّ دائمًا يشفع لي إلى كلّ من نفعتني الشفاعةُ لديه دينًا ودنيًا، حسب ما كان الله تعالى قَدَّرَ لي؛ لأن أحدًا من البشر لن يَتَخَطَّىٰ الحدودَ التي رسمها له التقديرُ الإلهيُّ والقضاءُ الربّانيُّ .

*  *  *

       على كل فالشعور لدى أحد بأنّه لايَحْظَىٰ بسند، ويفقد كلَّ من كان ليقف منه موقفَ الوليّ والنصيــر، يثيـــر فيـــه المواهبَ الكامنةَ، ويجعله يثق بذاتــــه، ويتــــوكّل على ربّـه، فينفض عنه كلَّ شيء اسمه الكسل والتقاعد، والدلال والإخلاد إلى السنــد البشــري الـــذي مُعَرَّضٌ دائمًا للزوال، وإنّما يتوكّل على الله أولاً، ثم يتــوكّل ثانيًا على ما يكون قد كَسَبَ من المؤهلات، بفضل اعتماده البالغ على الذّات، والثقة بها، والصدور عنها، في تحقيق كلّ مُهِمٍّ من مهمّات الحياة .

(تحريرًا في الساعة 8 من الليلة المتخللة بين الثلاثاء والأربعاء:يوم السبتاللائقَ والتقديرَ الذي يستحقّه، وأن تدعو ربّك أن يديمه على ما هو عليه ما تطول به الحياة. ينتمي إليه؛ فلا بدّ أن تمنحه 8–9 /صفر 1427هـ الموافق 27–28/ فبراير 2007م) .

*  *  *

*  *

أبو أسامة نور

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الثاني 1428هـ = مايو  2007م ، العـدد : 4  ، السنـة : 31.

Related Posts