محليات

نظمها مجمع الفقه الإسلامي في الهند بالتعاون والتنسيق مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)

الفترة: 28/ شوال – 1/ ذي القعدة 1426هـ الموافق 1-4/ ديسمبر 2005م

جامعة همدرد دهلي الجديدة الهند

اليوم الأول :

       انطلاقًا من توعية الفقهاء الشباب المعاصرين بدورهم الرائد والمتميز في حل قضايا المجتمع البشري المستجدة المعاصرة الشائكة على ضوء فهم وتبيين مقاصد الشريعة الإسلامية، عقد «مجمع الفقه الإسلامي في الهند» بالتعاون والتنسيق مع «المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة» (الإيسيسكو) ورشة فقهية حول «مقاصد الشريعة الإسلامية» في الفترة: 28/شوال-1/ ذي القعدة 1426هـ الموافق 1-4/ ديسمبر 2005م بجامعة همدرد دهلي الجديدة الهند .

أهداف الورشة :

  • تأهيل الجيل الشبابي للفقهاء تأهيلاً فقهيًا وعلميًا متوازنًا حتى يكونوا قادرين على التوجيه والترشيد في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية المعاصرة.
  • تدريب الفقهاء المعاصرين على استخدام مقاصد الشرع كآليات ديناميكية لتفعيل الوظيفة الرسالية لهذه الفئة من الأمة في بعث الأمة الإسلامية من جديد .
  • النهوض والرقي بقدراتهم الفقهية والعلمية والمعرفية إلى مستوى مواجهة تحديات ناتجة عن قيام وظهور ما يُعرَف بثقافة صراع الحضارات والعولمة .
  • بث روح التبادل الفقهي والمعرفي بين مختلف مدارس الفقه الإسلامي ومذاهبه ، للدفع بمسيرة الاجتهاد الجماعي والاجتهاد المقاصدي إلى الأمام .
  • تعزير دور الفقهاء الريادي في توطيد دعائم السلام العالمي وتثبيت جذور الحوار بين كافة الحضارات المتواجدة على الساحة الدولية عن طريق الدين باعتباره مصدرًا استرشاديًا وعاملاً أساسيًا لتنشيط حياة البشرية .

برنامج الورشة :

       تضمن البرنامج العام للورشة الجلسات التالية:

الجلسة الأولى: عُقِدت الجلسةُ الافتتاحية للورشة في تمام الساعة العاشرة صباحًا في قاعة المحاضرات في رحاب جامعة همدرد دهلي الجديدة. وذلك بحضور أكثر من ستين عالمًا وباحثًا ومتخصصًا في مختلف مجالات الاختصاصات العلمية والثقافية والتربوية ، إلى جانب حضور أعضاء المجلس التنفيذي والمجلس العلمي لمجمع الفقه الإسلامي في الهند، وبمشاركة ثلاثين مشاركاً من مختلف معاهد وولايات ومدن الهند .

       وافتتحت الجلسة الأولى بتلاوة آي من الذكر الحكيم. وبعد ذلك ألقى الشيخ خالد سيف الله الرحماني بكلمة الترحيب بالضيوف الكرام والسادة المشاركين، كما تقدم بالشكر الجزيل وعبارات الامتنان لـ «الإيسيسكو» على تعاونها في عقد هذه الورشة بعد الدورة التدريبية للكوادر في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها مباشرة، مشيدًا بدور هذه المنظمة الإسلامية العالمية وجهودها المشكورة المقدرة على الصعيد العالمي في ميادين التربية والعلوم والثقافة. وتمنى لـ«الإيسيسكو» مزيدًا من التوفيق والنجاح في تنظيم مثل هذه الورشات العلمية المتميزة .

       ثم قام ضيف الشرف الدكتور محمد اجتباء الندوي العضو التأسيسي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بتقديم الشكر والتقدير لـ«الإيسيسكو» على إسهاماتها المشكورة في تنسيق وتنفيذ مثل هذه الأنشطة والبرامج العلمية والتربوية والثقافية، وتطرق في كلمته إلى بيان بعض أهم خصائص ومقومات الشريعة الإسلامية قائلاً:

       «إن هدف الشريعة الإسلامية هو فلاح البشرية كافة في الدين والدنيا، وإن جميع التوجيهات الربانية والنبوية تنطلق من اتخاذ الوسائل والأساليب كافة لوقاية المجتمع الإنساني من الشرور الدنيوية والأخروية كلها» .

       وأشار في كلمته إلى دور الفقهاء قديمًا وحديثًا في تجسيد هذه الغاية والوصول بها إلى النهاية، مبينًا أن مثل هذه الأنشطة العلمية والفقهية تبرهن على أن الشريعة الإسلامية ليست في مؤخر الركب للحياة الحضارية المتطورة والمتغيرة في كل آن؛ بل إنها تقودها وتواكب تطوراتها ومتغيراتها جنبًا إلى جنب.

       وفي كلمته الأساسية التي تم نشرها وبثها عبر القرص المدمج هنأ سماحة الدكتور صلاح الدين سلطان عبد الحليم رئيس الجامعة الأميركية بـ شيكاغو (الولايات المتحدة الأميركية) الحضور والمشاركين والعلماء والإخوة العاملين بمجمع الفقه الإسلامي في الهند على تنظيم هذه الورشة كافة قائلاً:

       إن قصدنا من هذه الورشة استيضاح مقاصد الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة: في بناء الفرد، في بناء الأسرة، في بناء المجتمع كله؛ حتى لا تكون فتنة في الأرض، ويكون الدين كله لله تعالى، ويتم التوازن بطريق دقيق بين الأحكام الجزئية الصريحة الصحيحة والمقاصد الكلية العامة .

       وأشاد العلامة الدكتور بالجهود الطيبة التي بذلها علماؤنا السلف في التعريف بهذا العلم وتطويره وإدخال جوانب وأبعاد مبتكرة ومستحدثة فيه عن طريق الاستفادة من معطيات عصورهم. وذلك بدءًا من عصر الصحابة والتابعين وإمام الحرمين والغزالي والعز بن عبد السلام ومرورًا بالشاطبي والدهلوي وابن عاشور وانتهاءًا بالريسوني والقرضاوي وغيرهم .

       كما أكد سماحة الدكتور على ضرورة التعرف على الواقع المعيش ومعرفة آماله وآلامه، وركز على حاجة التحرك باتجاه تغيير الواقع المعيش بكل ما أمكن، وإيجاد التوازن بين حرفية النصوص وتحدي الذوبان، وبعث حركة فقهية وفكرية وفق أصول الشريعة الإسلامية ومقاصدها العليا الحاكمة.

       وفي كلمته الرئاسية ركز الشيخ المفتي محمد ظفير الدين المفتاحي رئيس مجمع الفقه الإسلامي في الهند على ضرورة أداء العلماء لدورهم القيادي كورثة الأنبياء في سبيل النهوض والازدهار بالفرد والمجتمع مشيرًا إلى أن أشكال الخير والبر كافة التي توجد في عالم اليوم رهينة بتطبيق شرع الله على وجه الأرض. وممارسة الإنسان مهامه وواجباته تجاه الحياة الاجتماعية .

الجلسة الثانية : وبعد انتهاء الحفل الافتتاحي كانت هناك فترة للشاي لنصف ساعة، ثم أقيمت الجلسة الثانية للورشة قام فيها فضيلة الشيخ خالد سيف الله الرحماني بتقديم محاضرته حول موضوع: «مقاصد الشريعة وتعريفها» بين فيها الشيخ خصائص وميزات الشريعة الإسلامية المميزة وارتباط أحكامها وتكاليفها بالعلل والمصالح في المعاش والمعاد بالأمثلة من الكتاب والسنة .

       وأشار في محاضرته إلى تقسيم العقليين للعلة إلى ثلاثة أقسام :

  1. العلة المادية .
  2. العلة السببية .
  3. العلة الغائية .

       وتطرقت محاضرته إلى إيضاح أقسام الاستحسان المختلفة، كما أكد هو على مقاصد الشريعة العامة المستقرأة الخمس: من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال .

       وذكر فضيلته إمكانية اتساع هذه الكليات للمقاصد العامة الأخرى كإدخال الشيخ أبي زهرة – رحمه الله – التكريم الإنساني في هذا الإطار وكتوسيع الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله دائرتها إلى الحرية والعدل والمساواة .

       وخلص إلى ذكر مدارج الأحكام وضرورة الوقوف عليها من الضرورة والحاجة والتحسين .

       ثم انفضت الجلسة بالإعلان عن أداء صلاة الظهر وتناول الغداء والاستراحة .

الجلسة الثالثة : وفي تمام الساعة السادسة مساءًا عُقِدت الجلسةُ الثالثة للورشة قام فيها فضيلة الشيخ خالد سيف الله الرحماني بإلقاء محاضرة حول موضوع: «التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم في ضوء مقاصد الشريعة» بين فيها علاقة الإسلام الوثيقة بالسلام مستدلاً بمصطلحين أساسيين للدين الإسلامي: «الإسلام» و«الإيمان» .

       وفي معرض حديثه عن الحضارات أكد على أن الصراع اليوم ليس بين مختلف الحضارات، وإنما هو يدور اليوم بين الدين واللادينية. وموقف المسلمين في هذا الوضع أنهم يحاولون الحفاظ على هوياتهم وقيمهم الحضارية والدينية. وردًا على إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام أشار فضيلته إلى أن دين الإسلام يدعو إلى التسامح والتعايش حيث أن القرآن الكريم خاطب أهل الكتاب بكلمة: «تَعَالَوْا إِلىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلخ». وأنزل الرسول – ﷺ – وفد بني نجران – الذين كانوا نصارى – في المسجد ، وفتح لهم أبواب المسجد النبوي لممارسة شعائرهم الدينية الخاصة، وأوصى النبي – ﷺ – عليًا ومعاذ بن جبل – رضي الله عنهما – حينما بعثهما إلى اليمن لتبليغ دعوة الإسلام بالتيسير والتبشير قائلاً: «يسِّرَا وَلا تُعَسِّرا بشِّرا ولا تُنَفِّرا».

       وقارن فضيلته وضع اليهود والأقليات الدينية الأخرى في البلدان الإسلامية بوضع المسلمين في فلسطين والدول الأوروبية والإفريقية. وانتهى إلى أن الأقليات الإسلامية هي التي تضطهد حقوقها الإنسانية في غالبية دول العالم اليوم.

       هذا ومن أهم جوانب وأبعاد الموضوع التي عالجتها المحاضرة كما يلي:

  1. حدود وأطر تعامل الأقليات المسلمة مع الأغلبية غير المسلمة في المجتمع غير المسلم .
  2. شرعية أقضية القضاة غير المسلمين في البلدان غير الإسلامية .
  3. قضية لزوم الحصول على «شهادة لا مانع» لبناء المساجد والمعابد في الدول غير المسلمة .
  4. قضية تشبه المسلمين بغيرهم في البلدان غير المسلمة.

       وبعد انتهاء المحاضرة طرحت عدة تساؤلات حول محاور الموضوع العملية المتعلقة بالمعاملات المالية والربوية والقضائية والحضارية والطقوس الدينية لغير المسلمين من قبل المشاركين أجاب عنها فضيلة المحاضر .

اليوم الثاني :

الجلسلة الرابعة: وفي اليوم الثاني من أيام الورشة يوم الجمعة 29/ شوال 1426هـ الموافق 2/ ديسمبر 2005م عُقِدت الجلسةُ الرابعة قام فيها فضيلة الشيخ محمد عبيد الله الأسعدي سكرتير قسم الندوات بمجمع الفقه الإسلامي بالهند بإلقاء محاضرته حول موضوع: «أشهر كتب مقاصد الشريعة» ذكر فيها تاريخ نشأة وتدوين علم المقاصد جنبًا إلى جنب علم الفقه وأصوله. وأثبت بالدلائل «أنه ورد في نصوص الكتاب والسنة ما يدل صراحة على اعتبار المقاصد والمصالح. وبالجملة فإنه لم يخل عهد من العهود من اعتناء أولي العلم بهذا العلم الجليل: علم المقاصد إلا أن هذا الموضوع ظل مبحوثًا فيه في الماضي تبعًا. واليوم يُعَالج أصالة. حيث تُعقَد الدوراتُ والندوات والورشات حول مختلف جوانبها ومحاورها بصفة مستمرة .

       وذكر فضيلته في محاضرته الكتب والمؤلفات الشهيرة في هذا الموضوع وأسماء مؤلفيها قديمًا وحديثًا، وخص بالذكر تراث الجويني والغزالي والقرافي والعز والشاطبي وابن تيمية وابن القيم رحمهم الله كما عرف بإسهامات الإمام محمد الطاهر بن عاشور وعلال الفاسي وحمادي العبيدي وأحمد الريسوني وإسماعيل الحسني ومحمد طاهر الميساوي، وذكر خصائص مصنفاتهم في هذا الباب.

       وانتهى الشيخ بذكر الكتب المقاصدية التي تبحث هذا الموضوع في إطار معاصر، فأشار إلى كتاب الفكر المقاصدي لأحمد الريسوني، ونحو تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية للدكتور جمال الدين عطية ومقاصد المكلفين لعمر سليمان الأشقر. والاجتهاد المقاصدي لنور الدين مختار الخادمي .

الجلسلة الخامسة: ثم كانت هناك فترة للشاي دامت نصف ساعة ثم تبعت هذه المحاضرة كلمة سعادة الدكتور صلاح الدين عبد الحليم سلطان حول موضوع: «الاجتهاد المقاصدي، ضرورته ومنهجيته» ركز فيها على أبعاد الموضوع التالية بإسهاب:

       الأول: تعريف الاجتهاد والمقاصد.

       الثاني: أهمية وضرورة الفكر المقاصدي.

       الثالث: الضوابط المنهجية التي تحكم الاجتهاد المقاصدي.

       الرابع: الربط بين النصوص والمقاصد .

       واستخلص أن المقاصد هي الغايات والعلل والأحكام التي توخاها الشارع الحكيم من الأحكام الجزئية أو الكلية مشيرًا إلى أن المقاصد في الفقه بمنزلة الأعصاب في الجسم .

       وأكد الدكتور على ضرورة استخدام المقاصد في حل ما يواجه الفرد والمجتمع المعاصر اليوم من المشاكل والقضايا بالأمثلة التطبيقية من اجتهادات عمر الفاروق – رضي الله عنه – وقدرته الفائقة على الاجتهاد المقاصدي كإشارته على أبي بكر – رضي الله عنه – بجمع القرآن الكريم، وتوحيده المسلمين في صلاة التراويح على عشرين ركعة في شهر رمضان والذي أشاد به علي – رضي الله عنه – قائلاً: «نور الله قبره أي عمر كما نور مساجدنا بتلاوة القرآن الكريم». وكقراره بخصوص توزيع غنائم السواد من أرض العراق والشام.

       وارتأى أن آفاق المقاصد يجب أن تتسع لجميع مجالات الحياة الأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك.

       وبين فضيلته نماذج عديدة لاختلاف الرأي بين الصحابة رضوان الله عليهم في الفروع على ضوء فهم مقاصد الشريعة الكلية العامة، مشيرًا إلى أن النصوص التي تغطي نواحي العبادات كثيرة، ومساحة الاجتهاد فيها ضيقة، بينما لو تتبعنا النصوص في المعاملات لوجدنا أن منطقة الاجتهاد فيها واسعة جدًا، فمثلاً الوضوء فيه سبع وعشرون سنة، وكلها مصرح بها في الحديث الشريف، ولكن آية واحدة: «وَعَاشِرُوْهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ» يمكن أن تأتي وتعالج تحتها ألف مسألة.

       ثم انفضت الجلسة لأداء صلاة الجمعة وتناول الغداء.

الجلسة السادسة: وفي تمام الساعة السادسة مساءًا انعقدت الجلسة السادسة قدم فيها سماحة الدكتور صلاح الدين سلطان محاضرته حول موضوع: «فقه الأقليات» تعرض فيها لذكر تعريف كلمة الفقه والأقلية لغة واصطلاحًا، وركز على بحث قضية الأقلية من الناحيتين العددية والمعنوية، كما عالج الضوابط المنهجية التي تحكم فقه الأقليات بالتفصيل.

       وإضافة إلى هذا فقد تضمنت محاضرته هذه محاور مقاصدية تالية:

       1- فقه ومراعاة الواقع الذي يعيش فيه المسلم في بلد غير إسلامي من إدراك عناصر القوة والضعف، والفرص المتاحة، والتهديدات التي تواجهه داخليًا وخارجيًا حتى يتم التعامل مع المعطيات الجديدة على أحسن أسلوب.

       2- تحديد الأولويات، والعبرة بالمعاني، والنظر إلى مرحلية الأهداف المنشودة.

       3- تبني فقه التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة، والإيجابية في الحياة .

       4- التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة بغية توحيد كلمة المسلمين باعتبارها كالجداول كلها تصب في النهر الأعظم: الإسلام .

       5- الالتزام بطريقة الفتوى الجماعية في القضايا المستجدة الناتجة عن الظروف المتعولمة الخاصة في الدول غير المسلمة كالاستنساخ، وزراعة الأعضاء، والأرحام المستأجرة، وإسلام الزوجة وبقاؤها مع زوجها، ووراثة المسلم للكافر.

       وخلص الدكتور إلى أنه يتطلب العصر تقديم رؤية عالمية عميقة، وخطاب إسلامي عالمي معاصر بإزاء العولمة الغربية.

اليوم الثالث :

الجلسة السابعة: وفي اليوم الثالث من أيام الورشة يوم السبت 30/ شوال 1426هـ الموافق 3/ديسمبر 2005م عُقِدت الجلسة السابعة في تمام الساعة العاشرة صباحًا، وألقى فيها سماحة الدكتور صلاح الدين سلطان محاضرته حول موضوع: «فقه واستخدام المقاصد في القضايا المعاصرة.. استعراضًا وتطبيقًا» حيث عرض الأسس التي يقوم عليها فقه المقاصد واستخدامها في حل القضايا المستحدثة، ثم قدم رؤية معمقة متكاملة ومنظومة منسقة للإسلام تتكون من العقيدة، والأخلاق، والتشريع، وأسهب في شرح الأبعاد المختلفة لكل نقطة من هذه النقاط الثلاث من العبادات والمعاملات بما فيها أنظمة الحياة المختلفة: الدستورية، الإدارية، القضائية، التربوية، الأحوال الشخصية، القانون الدولي وغير ذلك بدلائل مقنعة وأمثلة تطبيقية حية من الكتاب والسنة وآثار الصحابة .

       كما أوضح المقاصد العامة والمقاصد الخاصة الجزئية مشيراً إلى كيفية معرفة وفهم مقاصد الشارع ومقاصد المكلفين، وضرورة تجاوب الأخرى مع الأولى.

       وركز الدكتور في محاضرته على التوازن الدقيق بين إعمال النصوص الصريحة الصحيحة والمقاصد الشرعية الكلية، وحسن تنزيل المقاصد على الواقع المعيش، مبينًا أهمية التلاحم والتناغم بين أتباع ظواهر النصوص، وحملة لواء الفكر المقاصدي بدون إفراط وتفريط ما بهذا الخصوص .

       وانتهى أثناء معالجة قضية توحد الحق وتعدده إلى أن الحق لايمكن أن يتعدد في الأصول من العقائد والعبادات والأخلاق، بينما يمكن أن يتعدد في الفروع والتفاصيل .

الجلسة الثامنة والتاسعة: وبعد فترة الشاي التي استمرت نصف ساعة عُقِدَت جلستان تضمنتا محاضرتين للدكتور صلاح بالتتابع: الأولى حول موضوع: «التطور التاريخي لنظرية المقاصد» والثانية حول موضوع: «نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي والإمام محمد الطاهر بن عاشور» تطرق فيهما لبحث وضع هذه النظرية عبر العصور المختلفة تاريخًا وتنظيرًا وواقعًا وتطبيقًا. وذهب إلى أن الصحابة – رضوان الله عليهم – كانت لديهم ملكة استنباط المقاصد من خلال النصوص نفسها. ولم يكونوا يحتاجون إلى التقعيد والتنظير اللذين ظهرا فيما بعد. وفي سياق إيضاح وجهة أنظار العلماء المقاصديين المختلفة أشار إشارة سريعة إلى خصائصهم وامتيازاتهم في عرض وتقديم وتحديد مدارج هذا العلم منذ عهد الحكيم الترمذي والماتريدي (ت:333هـ) والقفال (ت:365هـ) والأبهري (ت:375هـ) والباقلاني (ت:403هـ) والجويني (ت:478هـ) والغزالي (ت:505هـ) والرازي (ت:606هـ) والآمدي (ت:631هـ) وابن الحاجب (ت:646هـ) والبيضاوي (ت:685هـ) والإسنوي (ت:772هـ) والسبكي (ت:771هـ) والعز (ت:660هـ) والطوفي الشهير بتقديم نظرية المصلحة على النص إلى حد مبالغ فيه وابن تيمية (728هـ) وابن القيم ثم مجدد هذا العلم الشاطبي، وفي العصر الحديث علال الفاسي وابن عاشور ورشيد رضا ومن تبعهم بإحسان من الريسوني والحسني وجمال الدين عطية وغيرهم .

       واختتم محاضرته بمقصد أساسي تندرج تحتها كل المقاصد الشرعية والذي ذكره الإمام محمد الطاهر بن عاشور وهو: «حفظ نظام العالم واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان» معربًا عن أن مسيرة الفكر المقاصدي مع كل هذه التطورات والجهود المتواصلة الحثيثة لترسيخ دعائمها وتجسيدها في أحسن ظروف مازالت كأنها بكر لم تفض .

الجلسة العاشرة: وفي تمام الساعة مساءًا عُقِدَت حلقةٌ مفتوحة لمناقشة قضية «الاقتراض من البنك للاستثمار» تحت إشراف سماحة الدكتور صلاح الدين سلطان. وقبل ذلك تم طرح مجموعة من الاستفسارات من قبل الدكتور على المشاركين حاول من خلالها استطلاع آرائهم في هذا الباب .

       وفي بداية النقاش عرّف سماحة المشرف بالموضوع وأبرز الأزمات والمشكلات العملية التي تتطلب الدراسة والبحث والتشخيص في ظل ظروف خاصة بالأقليات المسلمة في العالم اليوم، ولاسيما في أمريكا والدول والعربية. وطلب الدكتور إلى المشاركين إبداء آرائهم بحرية تامة وبانفتاح يساعد في حل القضايا الواقعية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية العليا الحاكمة، كما أكد على تقديم وإيجاد بدائل عملية نظرًا إلى المخاطر المدمرة التي غالبًا ما تؤدي بالأقليات المسلمة في بعض الدول غير الإسلامية إلى التنازل عن حقوقها الأساسية لصالح أعدائها.

       والتزامًا بإطار الموضوع الأساسي تداخل في الحلقة السادة المشاركون، وأعربو عن آرائهم ما بين مؤيد للاقتراض من البنك بقصد الاستثمار، ومعارض له، احتجاجًا بالكتاب والسنة وقواعد الفقه الإسلامية وأصوله والمقاصد الشرعية، واستغلالاً للواقع المعيش .

       وبعد نهاية كلمات المشاركين كانت هناك ملاحظات من قبل الشيخ أمين العثماني سكرتير القسم الإداري في مجمع الفقه الإسلامي بالهند في الموضوع أكد فيها على ضرورة تشخيص الأزمات وتعيين الإشكاليات والتخطيط المسبق للتغلب على الوضع الاقتصادي المأساوي للأقليات المسلمة، كما لفت انظار المشاركين إلى الحاجة الماسة لتكوين بدائل مقبولة شرعًا من أجل الوقوف في وجه النظام الربوي إلى جانب اتخاذ خطوات وتدابير موقتة حتى لايتتخلف هذه الفئة من الأمة عن ركب الحياة الفائقة في السرعة والتي نجدها لا تقف على حد .

       وأخيرًا تحدث الدكتور عن الموضوع من الناحيتين: التنظيرية والتطبيقية، ورأى أن البحث في هذا الباب من قبيل الاجتهاد في تحقيق مناط الضرورة، وليس بتحليل لحرام أو تحريم لحلال قائلاً: «يجب أن نتبنى بهذا الخصوص رؤية علمية تخطيطية مستقبلية، ونتعلم كيفية التعامل مع فقه الاختلاف بدلاً من التنابذ عملاً بقاعدة: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب».

       وحول القضية المطروحة للبحث خلص إلى أن الأمة الإسلامية لابد أن تكون غنية، وأن فقر الفرد يمكن أن يقبل ؛ ولكن لايمكن بحال تضييق دائرة العمل وقبول الفقر للجماعة كلها .

اليوم الرابع:

الجلسة الحادية عشرة: وفي اليوم الرابع والأخير من أيام الورشة يوم الأحد 1/ ذي القعدة 1426هـ الموافق 4/ ديسمبر 2005م بدأت الجلسة الحادية عشرة في تمام الساعة العاشرة صباحًا تم فيها إلقاء محاضرتين: أولاهما لسماحة الدكتور صلاح الدين سلطان والأخرى للشيخ عتيق أحمد القاسمي .

       وضمت المحاضرة الأولى، والتي كانت حول موضوع: «مشكلات الأقليات المسلمة الواقعية في أمريكا والدول الأوروبية وحلولها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية» محاور الموضوع التالية بتفصيل وعبر استخدام جهاز عرض المعلومات:

       1- أسباب الهجرة إلى الغرب (طلبًا للعلم، أو طلبًا للمال أو الحرية).

       2- عشوائية الهجرات وعدم تواجد التخطيط الدقيق من قبل بعض فئات الجاليات المسلمة بالرغم من إقامتها في الغرب مدة طويلة .

       3- الرغبة في التهوين من عدد المسلمين.

       4- إهمال الإحصاء على أساس ديني مع أن المسلمين ثاني أكبر جالية في أمريكا بعد المسيحيين .

       5- الصفة الشرعية للدول المهاجر إليها من كونها دار حرب أو دار أمن وغير ذلك .

       6- تعميق الشعور بالمواطنة .

       7- ضرورة فقه الواقع والنص معًا ومراعاة التدرج.

       8- الانتقاء أو الإبداع في الاجتهاد .

       9- ضرورة مشاركة المسلمين في الحياة السياسية في الدول غير المسلمة .

       10- الضوابط المنهجية لمشاركة المسلمين في الحياة السياسية .

       وقد عالج سماحة الدكتور كل محور من هذه المحاور، مع بيان أدلتها وتحليلها في ضوء بيانات الواقع المعيش. وأكد على أن الأمة الإسلامية يجب أن تتعامل مع الأمم الأخرى استهداءًا بنور الكتاب والسنة وتراث الأئمة المتبوعين، وتوظيفًا لسبل وحلول تقدمها مقاصد الشريعة الإسلامية العليا الحاكمة. كما ركز على ضرورة إنتاج الفكر المقاصدي والانطلاقة المقاصدية كحل وحيد للخروج من أزمة التراجع المستمر للأمة.

       ثم ألقى فضيلة الشيخ عتيق أحمد القاسمي كلمته الوجيزة حول: «طرق تدريس علم المقاصد في المدارس والمعاهد الإسلامية في الهند» مشيرًا إلى ضرورة إدخال مادة «مقاصد الشريعة» في المقرر الدراسي للمدارس والجامعات الهندية. وذلك لأن نصيب هذه المادة في المناهج الدراسية للمدارس والمعاهد الإسلامية الهندية ضئيل جدًا على العكس من «القياس» و «الإجماع» .

       كما بين ربط المقاصد بعلم أصول الفقه وحاجة توسيع دائرة أصول الفقه إلى المقاصد . واقترح إدخال مباحث مختارة من كتاب «الموافقات» للشاطبي في المناهج الدراسية .

الجلسة الثانية عشرة: ثم كانت هناك فترة للشاي استمرت نصف ساعة .

       وبعد أن تناول المشاركون والحضور الشاي عُقِد الحفلُ الختامي للورشة، وذلك في الساعة الثانية عشرة والنصف تحت رئاسة سماحة الدكتور صلاح الدين سلطان. ودارت أعمال هذا الحفل كما يلي :

       أولاً: تلاوة آيات من القرآن الكريم .

       ثانيًا: تدشين كتابين تمت ترجمتهما إلى لسان الأردو للدكتور صلاح : الأول حول قضية: «المساواة بين الذكر والأنثى في الإرث» والثاني حول: «نفقة الزوجة في الإسلام» وتمت هذه العملية على يد الدكتور صلاح نفسه .

       ثالثًا: كلمات انطباعية حول إنجازات الورشة من قبل اثنين من المشاركين .

       رابعًا: كلمة الرئاسة: بدأها رئيس الحفل ببيان نعمتين من نعم الله الكبرى على عباده المؤمنين:

  1. نعمة الإيمان .
  2. نعمة حب الإخوان .

       وأوجز فيها واستخلص المحاور كافة التي تم طرحها ومناقشتها خلال أيام الورشة الأربع، ووصل بهذه المسيرة المقاصدية إلى قمتها؛ حيث قام بتحريك وتنشيط الحضور بأسلوب نادر للدفع بهذه الحركة الفقهية المقاصدية وتحقيق وتجسيد طموحات وآمال وأحلام الأمة الإسلامية. آملاً في أن ينجز المشاركون في الورشة وعن طريقهم المسلمون الهنود نقلة نوعية في مجالات تالية :

       1- تزكية النفوس وترويضها على طاعة الله ورسوله في المنشط والمكره .

       2- إعمار المساجد وزيادتها، ونشر شبكات المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والطبية.

       3- دراسة وإعداد الكتابات المنهجية لا العشوائية والدراسات والأبحاث المقارنة والإتقان والتمكن من اللغة كأداة فهم للمصادر الشرعية الموثوق بها .

       4- القضاء على العصبية المذهبية، والالتزام بالأخوة الإيمانية، والتحلي بالإيمان العميق، والرباط الوثيق، والعمل المتواصل .

       5- تجنب طريقة الفتوى الفردية وتبني سياسة الفتوى المجمعية المؤسسية .

       6- اختيار منهج الوسطية واللاعنف تجاه الطبقات غير المسلمة حتى يمكن للأمة تبليغ رسالتها لهم بأخلاقها وسلوكياتها وتعاملاتها معها .

       7- الاهتمام بالحياة الزوجية حفاظاً على النظام الأسري والتربوي الإسلامي المترابط والمتماسك العفيف .

       8- مشاركة المرأة في الأعمال الدعوية مع ضوابط تضبط مسارها على المنهج الشرعي القويم .

       9- العمل على نشر الغنى على مستوى الفرد والمجتمع باعتبار المال قوامًا للحياة .

       10- تفادي ردود الأفعال العشوائية والتخطيط المسبق للأهداف والأعمال .

       وبعد هذه الكلمة التي بعثت في النفوس الأمل، ونشطت الهمم، وغيرت مجرى حياة كثير من المشاركين – على حد قولهم هم – قدم الشيخ عتيق أحمد القاسمي كلمته الختامية، وعبر فيها عن الشكر والتقدير باسم المجمع لسماحة الدكتور صلاح الدين سلطان على تشريفه للمجمع وللعلماء الهنود والفقهاء الشباب بغزير علمه وعمق فكره وفقهه من خلال محاضراته القيمة المثمرة البناءة، وأيضًا تقدم بأسمي آيات الشكر والامتنان لـ«الإيسيسكو»، على دعمها وتعاونها الكريم مع مجمع الفقه الإسلامي في الهند في عقد وإنجاح هذه الورشة الفقهية .

       كما توجه بأجزل الشكر والتقدير وأخلص عبارات الامتنان للعلمين الإسلاميين الكبيرين اللذين غرس الله حبهما وأصل وجذر مودتهما في قلوب الإخوة العاملين بمجمع الفقه الإسلامي في الهند أي المفكر الإسلامي المعاصر البارز سماحة الشيخ العلامة الدكتور طه جابر العلواني رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية، والفقيه الإسلامي المعاصر الممتاز سماحة الشيخ جمال البرزنجي نائب رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية، حفظهما الله ورعاهما وجزاهما خيرالجزاء وأحسنه على جهودهما الطيبة المباركة في سبيل إنجاح الورشة .

       وختمت الجلسة بدعاء سماحة الشيخ الدكتور للأمة ولعلمائها وفقهائها وفتيانها وفتياتها وصغارها وأطفالها سائلاً الله تعالى أن يوفقهم لما يحب ويرضى.

بيان الملكية

            اسم المطبوعـة          :           الـداعـي

            الدورة النشرية         :           شهريـة

            الطابع والناشر         :           ( مولانا ) مرغـوب الرحمن

            الجنسيـــة    :           هنــدي

            العنـــوان    :           دارالعلوم ، ديوبند ، يوبي

            رئيس التحرير          :           نور عالم خليل الأميني

            مالك المطبوعة         :           دارالعلوم ديوبند

            أصادق على أن التفاصيل المـذكـورة أعلاه صحيحـة

            حسب علمي واطلاعي                        ( توقيع )

(مولانا ) مرغوب الرحمن

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم – صفر 1427هـ = فبراير – مارس 2006م ، العـدد : 1–2 ، السنـة : 30.

Related Posts