الملك فهد إلي رحمة الله
بقلم: محمد بن ناصر العبودي
الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي
قامت سياسة المملكة العربية السعودية على أساس التضامن الإسلامي الذي يتمثل ببذل الجهد فيما ينفع المسلمين ويقوي العلاقة معهم ويؤكد التعاون فيما بينهم الذي أمرهم الله تعالى به في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرّ وَالتَقْوىٰ﴾ فكانت منذ إنشائها على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود – رحمه الله – عامل تضامن وتآلف بين المسلمين.
ولم تكن في مرحلة من مراحل تأسيسها وما بعده عامل شقاق أو خلاف أبدًا، حتى إذا فرضت الظروف الاحتكاك بأحد من المسلمين خارج البلاد مثل الخلاف الذي حصل بين المملكة واليمن في عام 1353هـ ظهر موقفها من التضامن الإسلامي والسعي في حصر الخلاف ثم في إزالته حيث استجابت لوساطة الشفعاء المخلصين من أعيان الأمة العربية الإسلامية وتنازلت في سبيل ذلك حتى عن أراض كانت سيطرت عليها إلى أن حل الوئام وزال الخلاف بعد ذلك.
وفي عهد الملك سعود بن عبد العزيز– رحمه الله– أنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة من أجل توفير الدراسة الإسلامية لأبناء المسلمين من خارج المملكة العربية السعودية على هيئة منح دراسة مميزة .
وفي زمن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – أعلنت سياسة التضامن الإسلامي سياسة ثابتة للمملكة، فكان الملك فيصل – رحمه الله – يعلن ذلك في كل مناسبة وليس ذلك فحسب وإنما كان يعمل بمقتضى ذلك .
وتتلخص سياسة التضامن الإسلامي التي أعلنها الملك فيصل في التعاون بين المسلمين على ما ينفعهم ويفيدهم ويرفع الظلم والحيف الذي قد يكون وقع عليهم دون التدخل في الشؤون الداخلية لهم.
وفي عهده بدأت المساعدات تنطلق من المملكة العربية السعودية إلى المسلمين في الخارج متمثلة في بناء الجوامع والمساجد وفي المساعدة على إنشاء المدارس والكليات الإسلامية في تلك الدول من أجل تيسير الثقافة الإسلامية لأبنائهم فيها.
أما في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، فقد اتسع العمل الإسلامي حتى تضاعف أضعافًا كثيرة ووصل إلى كل ركن من أركان العالم فمثلاً أمر – رحمه الله – بإنشاء المراكز الإسلامية في عدد من البلدان وأن تدار بنفقة الحكومة السعودية، فقد أمر – رحمه الله – ببناء المراكز في كل من إيطاليا، وبلجيكا، وواشنطن، وألمانيا، والبرازيل، ومدريد، وفينا، وغيتيا بجانب المراكز في فرنسا، والدانمارك، وبنين، ونيجيريا، والنيجر، وبولندا، وسويسرا.
كما اهتم – رحمه الله – بمشروع ضخم ألا وهو عمارة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والتي يسرت للزوار والحجاج مناسكهم.
ولأن المملكة العربية السعودية حباها الله بموقع جغرافي متميز. إذ تقع في قلب العالم، في نقطة التقاء القارتين آسيا وإفريقيا بين الجنوب، والشمال، أو إستراليا، وأوروبا، وممرًا تجاريًا بين الشرق والغرب، فضلاً عن كونها مهد الإسلام خاتم الديانات السماوية وفيها قبلة المسلمين التي تتجه إليها الأنظار.
فقد سعت المملكة منذ تأسيسها مع الإخوة المسلمين في كل مكان سعيًا لجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وحل مشكلاتهم ورفعة شأنهم واستقرار أمنهم، وانطلاق من ذلك فقد احتضنت منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست عام 1972م حيث دعت إلى مؤتمر القمة الإسلامي الأول الذي عقد بخصوص حادثة حريق المسجد الأقصى في الرباط عام 1969م، وفيها البنك الإسلامي للتنمية، ورابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة التي أنشئت في 14 من ذي الحجة 1381هـ بهدف:
- تبليغ دعوة الإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه.
- دحض الشبهات عن الإسلام والتصدي للتيارات والأفكار الهدامة.
- الدفاع عن القضايا الإسلامية بما يتفق مع مصالح المسلمين وآمالهم وحل مشكلاتهم على مختلف الأصعدة.
بجانب ذلك فهناك المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد وكذلك وزارة الحج.
إلى جانب الجهود الضخمة التي بذلها الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – لمساعدة المسلمين على مستوى العالم فإن الملك فهد – غفر الله له– قد شجع الشعب السعودي والمؤسسات الخيرية السعودية على الإسهام في ذلك أيضًا، فانطلقت المساعدات السعودية إلى كل الآفاق خاصة مناطق الكوارث الطبيعية والحروب وغيرها.
وكان لي شرف أن كنت رئيس أول وفد ينطلق من المملكة إلى إفريقيا لإيصال المساعدات وكان ذلك في عام 1384هـ آخر عهد الملك سعود بن عبد العزيز – رحمه الله – وقد أعطاني الملك فيصل – رحمه الله – مبلغًا من المال وكان آنذاك نائبًا للملك ورئيسًا لمجلس الوزراء. وقد استغرقت مهمتنا تلك ثلاثة أشهر وسبعة عشر يومًا وكان معي الشيخ أبوبكر جابر الجزائري، والشيخ عمر محمد فلاته الذي أصبح بعد ذلك الأمين العام للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة – رحمه الله – .
وبصفتي شاهد عيان على ذلك أرى لزامًا على أن أذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – استدعاني إلى القصر الملكي في الرياض عام 1398هـ وكان آنذاك نائب الملك خالد ويقوم بتصريف شؤون الدولة طبقًا لتفويض رسمي من الملك خالد – رحمه الله– ولم يكن في مكتبه معنا إلاّ الأستاذ عبد العزيز المسند فشجعني بأن أثنى على ما كتبته في أول كتاب لي في الرحلات وهو (في إفرقية الخضراء: مشاهدات وانطباعات وأحاديث عن الإسلام والمسلمين). وقال: لقد قرأت كتابك كله وكان تحليلك للمسألة الفلانية صحيحًا.
ثم ذكر بعض ما في الكتاب مما أدهشني أن يحمله حبه للاطلاع على أحوال المسلمين على أن يقرأ مثل هذا الكتاب مع ما كان يشغله من أعمال مهمة رسمية ضخمة وتحمل هموم البلاد في الداخل والخارج. من أهم ما ميز سياسة الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – أيضًا أنه كان يتولى منذ أن تحمل المسؤولية في البلاد حل النزاعات بين الإخوة المسلمين والعرب حلاً يرضى الطرفين أو الأطراف المتنازعة، ولكن نذكر شاهدًا واحدًا على ذلك لوضوحه وهو حل النزاع بين اللبنانيين، إذ جمعهم الملك فهد في الطائف بعد حرب أهلية ضروس استمرت بينهم(15) سنة وصار يبذل جهده في أن يتفقوا على ما فيه مصلحة بلادهم، وبالتالي مصلحة العرب والمسلمين، وكان يتابع ذلك بنفسه. وقد أثمرت ذلك الاجتماع الاتفاق الشهير الذي سمي باتفاق الطائف.
ونحن إذ نذكر جهود خادم الحرمين الشريفين ملك هذه البلاد وقائدها إنما نفعل ذلك مهتدين بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بـِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ ومن الحكمة في التحدث بنعمة الله تعالى أن يشكرها الذين منحهم الله القيام بتلك الأعمال الجليلة، ومن أجل أن يكونوا قدوة وأمثلة عليا لخدمة الإسلام والمسلمين.
وقد قدر لي أن أزور أنحاء العالم كله قاصيه ودانيه وأن أثبت ذلك عن طريق كتب الرحلات والصور التي توثق ما ذكر، ولا أعرف زاوية في أنحاء العالم البعيد كجُزُر المحيط الهادئ وأقصى أقاصي قارة أمريكا الجنوبية فضلاً عن جزر البحر الكاريبي ونيوزيلاند وإستراليا من جهة الجنوب إلى أقصى أقاصي الشمال تخلو من مساعدات المملكة العربية السعودية التي وصلت إلى المسلمين في عهد خادم الحرمين الشريفين، إما على هيئة المساعدة على بناء المساجد أو حتى أماكن الصلاة أو على صفة المساعدات للجمعيات الإسلامية لتسيير شؤونها، ودفع الضائقة المالية عنها أو على هيئة منح دراسية لأبناء المسلمين، بل تصرف لهم المكافآت السخية والتذاكر عند قدومهم وانصرافهم بعد الدراسة، أو في عقد الدورات الشرعية التدريبية للأئمة والدعاة وخطباء المساجد، أو عن طريق تشجيع المدارس الإسلامية أو الفصول الدراسية التي تدرس الكبار والصغار أصول الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ قراءة اللغة العربية لغة القرآن الكريم.
فضلاً عن دعوة الشخصيات المسلمة من الزعماء والوزراء والمشايخ وكبار الدعاة إلى الحج ضيوفًا على المملكة العربية السعودية، أو حجاجًا بنفقتها.
وكل ذلك من نعم الله التي أنعم بها على هذه البلاد بأن وفق قادتها لهذه الأعمال الجليلة وقد تم منها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد.
مالم يتم في عهد قبله – أثابه الله – إنه سميعٌ مجيب.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.