دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

أشرطة تسجيلات قراءة القرآن الكريم:

       قامت الحكومة المصرية بتسجيل قراءة القرآن الكريم بصوت المقرئ المصري الشهير الشيخ محمود الحُصري واستوعبت قراءة القرآن الكريم كله أربعة وأربعين شريطًا. وأهدت الحكومة المصرية مجموعةً كاملةً من هذه الأشرطة  إلى «دارالعلوم» وتشرف كاتب هذه السطور بنقلها من دهلي إلى ديوبند.

عام1382هـ و دارالعلوم تتجاوز قرنًا من عمرها:

       وهذا هو العام الذي استكملت فيه «دارالعلوم» قرنًا من عمرها.وظلت «دارالعلوم» تقدم كل خطوة من خطواتها إلى الأمام خلال هذه الدورة الطويلة من الأيام والليالي، وسجَّل رئيس الجامعة في التقارير الدورية السنوية لهذا العام – بالمقارنة مع السنوات المئة السابقة – مايلي:

       «نحمد الله تعالى أن وفقّ «دارَالعلوم» لقضاء مئة سنة من عمرها، والكُتَّاب – الذي أسّسه حجّة الإسلام الشيخ محمد قاسم النانوتوي (1248-1297هـ/1832-1880م) وأصحابه الصالحون في المحرم الحرام من عام 1283هـ- تحول إلى مركز تعليمي وتربوي عالمي عظيم خلال قرن من الزمان. و لاتشكل «دارالعلوم» مؤسسةً تعليميةً يتلقى فيها الطلاب الشهادات العلمية فحسب، وإنما هي مؤسّسة سكنية تهتم بتربيتهم تربيةً إسلاميةً وتُلَقِّنُهم أسلوبَ الحياة الإسلامية بجانب التعليم والتثقيف. فالمتخرج في «دارالعلوم» يحمل الكفاءة في العلوم الدينية في جانب، وفي جانب آخر يُمثِّل أسلوبَ الحياة الإسلامية والسلوك الديني. وستُلفي كل من تخرج في «دارالعلوم» وتَرَبَّى في أحضانها يمتاز عن غيره في العالم كله حيث كان.

       وعلى كلٍ، فإن «دارالعلوم» خرَّجت خلال هذه المدة – المئة سنة – الآلاف من العلماء و البارعين في العلوم الإسلامية في جانب، وفي جانب آخر أعدت الدعاة والمفسرين والقضاة والمفتين و الساسة وممثلي الحياة الإسلامية، يهتدي بهم ملايين من مسلمي العالم كله في ما يهمّهم من أموردينهم.

       وقطعت «دارالعلوم» خلال هذه المدة البالغة مئة سنة أشواطَ التقدم على كافة المستويات، حيث كان عدد الطلاب عام 1283هـ (78) طالبًا، والأساتذة عددهم ستة، وإيراده السنوي يبلغ (649) روبيةً، وفي عام 1382هـ ارتفع عدد الطلاب إلى (1485)، وعدد الأساتذة إلى (49)، والإيراد السنوي بلغَ (687226)روبيةً. وطاقمها كان عبارةً عن شخص واحد، وهو مديرها في حين يضم اليوم نحو مئتي  شخص والحمد على ذلك. وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن الله تعالى تقبّلها قبولاً حسنًا، كما يشكّل ذلك آيةً بينةً على حسن نوايا مؤسّسيها وإخلاصهم واحتسابهم عند الله تعالى، فكل واحد من أعضاء المجلس الاستشاري والمتبرعين والأساتذة والطلاب والعاملين يستحقون التبريك؛ فإن هذه المكانة السامية التي احتلّتها «دارالعلوم» لم تنلها إلا بتعاونهم المثمر ومساهمتهم الفاعلة وخدماتهم المخلصة.

       وندعو الله تعالى أن يُجزل مثوبة الذين قضوا نحبهم خلال المئة سنة هذه، لترتفع مكانتهم و درجاتهم في الآخرة، كما ندعو الله تعالى أن يملأ قبور مؤسّسي هذه الدار المباركين وأساتذتها السابقين و العاملين فيها والمتعاونين معها ضياءً و نورًا، و يرفع منزلتهم في الآخرة، وأن يوفق خلفاءهم في هذه المؤسّسة لخدمة الدين وخدمة هذه المؤسّسة الدينية بصورة أوسع، ويصبَّ عليهم شآبيب رضاه وجزاهم خيرًا.

       ويشكِّل شهر المحرم الحرام من عام1383هـ شهرًا مباركًا وسعيدًا بالنسبة لـ«دارالعلوم»، وذلك  يتطلب أن نحتفل بمرور مئة عام عليها في هذا الشهر، ونعقدَ حفلةً عظيمةً موسعةً، وأن تقوم «دارالعلوم» والمدارس التابعة لها بعقد الحفلات والاجتماعات في الخامس عشر من المحرم الحرام، بهدف تسليط الضوء على تأسيس هذه المؤسّسة العظيمة والتعريف بخدماتها. وهذه الحفلة المئوية لـ«دارالعلوم» ستعكس في الواقع خدماتِ الآلاف المؤلفة من أهل العلم والفضل ومناقبَ أتقياء هذه الأمة وبتعبير آخر: احتفالا مئويا للعلم والفضل، وكان من الطبعي انبعاث عواطف الفرح والسرور، وكان أول من هاج في نفسه هذه العواطف كاتب هذه السطور أحقر عباد الله تعالى: محمد طيب – مدير «دارالعلوم» (1315-1403هـ /1897-1983م) – ثم أعرب عنها أوساط الأساتذة والطلاب والعاملين في محيط «دارالعلوم» بصورة جماعيةً خطًّا وشفويًا حيث قالوا قولاً واحدًا: «يجب أن نتخذ بهذه المناسبة وجهًا لائقًا للاحتفال حتى نتمكن من التعبير عن الفرح والسرور».

       لاشك أن «دارالعلوم» ليست مؤسّسة تتبنّى التقـاليـد والطقـوس، وإنما تعكس حقيقة تترفع عن التقاليـد والطقـوس وتربّي النفوسَ على الحقائق، فلايسعها أن تلجأ – للإبداء عن فرحها وسرورها– إلى طاقات الأزهار، والإضاءات أو المظاهر الرسميـة المعتـادة، وكانت تراود نفوس عامة الناس أن تقوم «دارالعلوم» بعقد اجتماع موسع بهذه المناسبة السعيدة المباركة، يذَكِّر الناس بأوضاع «دارالعلوم» عند نشأتها، وخلفية تأسيسها، وأهدافها، ومواقف مؤسّسيها وخططها المستقبلية ونحو ذلك. كما يتطلّب الأمرُ توعيةَ الناس بخصائص وميزات «دارالعلوم» من جديدٍ وإحياءَها في قلوبهم، غير أن عالم الحظّ والنصيب يختلف كل الاختلاف عن النوايا والعزائم، وصدق سيدنا علي-رضي الله عنه- حيث قال: «عرفت ربي بفسخ العزائم». 

       وصادفَ ذلك إعلانَ جمعية علماء الهند عقدَ اجتماع في «ميروت» في الأيام نفسها، فلوأن «دارالعلوم» عقدت احتفالها المئوي في الأيام نفسها لَزَاحَمَ ذلك اجتماعَ الجمعية ذلك، وكانت مصلحة الأمة الجماعية تأبى ذلك كل الإباء، فنظرًا إلى هذا التزاحم بين الاجتماعين رأوا تأجيل احتفال «دارالعلوم»، واكتفوا بوقف الدراسة في «دارالعلوم» في الأيام التي تعقد فيها الجمعية اجتماعَها في «ميروت»، و أجَّلوا النظر في تجسيد خطة الاحتفال المئوي إلى وقت لاحق.

       ومن المصادفات أيضًا أني– مدير «دارالعلوم» – كنت على جناح السفر إلى إفريقية الجنوبية، و استغرقت هذه الرحلة ثلاثة أشهر ونصف شهر. فتأجل تحقيق هذا الهدف تأجيلاً غير عاديٍ، وآمل أن هذه المناسبة قريب تحققها بمشيئة الله تعالى».

ترتيب جديد للمكتبة:

       تحتضن مكتبة «دارالعلوم» نحو مئة ألف كتابٍ، وإن كان العدد الكبير منها نسخ المقررات الدراسية إلا أن نحوًا من نصفها كتبٌ من غير المقررات الدراسية، ومن هذه الكتب ما هو مطبوع، و منها ما هو مخطوط، فالمكتبة تحتضن عددًا لابأس به من المخطوطات.

       و وُكِل أمر ترتيب الكتب وتنسيقها عام 1355هـ أول مرةٍ إلى كاتب هذه السطور، وانتفع روّادُ المكتبة بهذه الفهارس لمدة من الزمان مديدة. وفي عام 1382هـ بعد مضي ربع قرن من الزمان احتاجوا إلى إعادة ترتيبها وفهرستها من جديد في حين قد ضُمت إلى المكتبة آلاف من المصادر الجديدة، فاختار المجلس الاستشاري لهذا الأمر المفتي ظفير الدين المفتاحي(1344- 1432هــ/ 1925-2011م)، فانصرف الشيخ إلى هذا العمل وبذل فيه من سواد ليله وبياض نهاره مالايعلمه إلا الله تعالى. والأمر الجديد الذي شهدته هذه الفهرسة والصياغة أن أعدت «كروت» تحمل المعلومات عن الكتاب وتمّ ترتبيها على حروف الهجاء شأنَ المكتبات الأخرى في العصر الحاضر، و أعانت هذه الكروت في البحث عن الكتاب والمصدر كثيرًا، كما تمّ إعداد كتاب يعرِّف المخطوطات المتوفرة في المكتبة بصورة مستقلة، و طبع في مجلّدين. وسيمرّبك تعريف مفصّل بالمكتبة في موضعه بعنوان «المكتبة».

وفاة الشيخ حفظ الرحمان السيوهاروي(1):

       من أهم أحداث هذا العام وفاة مجاهد الملّة الشيخ حفظ الرحمان السيوهاروي، وكان الشيخ شخصيةً ممتازةً وبارزةً في أوساط دارالعلوم؛ بل كان يحتلّ مكانةً سياسيةً ساميةً، شغل منصب مديرعام جمعية علماء الهند مدة من الزمان، بدأ مشوارحياته العلمية بالتدريس في «دارالعلوم»، وفي نهاية المطاف اختير عضوًا للمجلس الاستشاري بها، وقضى الشيخ معظم حياته في خدمة «دارالعلوم»، ونَوَّهَ أعضاء المجلس الاستشاري بخدماته بالقرار الذي أصدروه بهذه المناسبة، فيقول القرار: «تعرب دورة المجلس الاستشاري هذه عن بالغ أسفها وقلقها العميق على وفاة مجاهد الملّة الشيخ حفظ الرحمان السيوهاروي، و يعتبر قبضُ هذه الشخصية الفذّة من الأمة فاجعةً لها وخسارةً لاتعوض، فلم يكن الشيخ عالمًا فاضلاً  و مصنفًا وخطيبًا منقطع النظير فحسب، وإنما كان مجاهدًا لصالح الملّة بمعنى الكلمة، وتستحقّ مساعيه وتفاديه لصالح الأمّة أن تكتب بحروف من النور في تاريخ الهند السياسي والديني. فلم يكن قائدًا بارزًا من قيادات البلاد، وإنما كان رائدًا إسلاميًا علميًا وسياسيًاكذلك. وكانت شخصيته شخصيةً عامةً شاملةً من غير تفريق بين الأديان في الهند كلها نظرًا إلى كفاءته الشاملة وشعبيته العامة. وكان الناس- أنصاره وأعداؤه- يعترفون له بالفكر النافذ والفطنة العظمية، والتبصر بالأوضاع والثبات والاستقلال، فمغامراته عام 1947هـ – عام التقلّبات والفتن العارمة – وخدماته الجليلة وخاصّةً لصالح المسلمين كان هو لها. وقد استفاد المجلس الاستشاري والمجلس التنفيذي بـ«دارالعلوم» كثيرًا في الماضي من سعة نظره الإداري وتوسع أفقه فيه. فقد كان الشيخ يحمل ملكةً منقطعة النظير للتوصل إلى حقائق الأمور وكشف القناع عنها و إيجاد حلولٍ للعقد التي لاتنحلّ، فحياته لايكاد ينساها الأمة والبلاد أبدًا، فـ«دارالعلوم» هذه ومن والاها تشعر بالألم الممضّ على وفاة أحد أبنائها العظماء».

*  *  *

الهوامش:

(1)       هو معز الدين بن شمس الدين السيوهاروي المعروف بـ«حفظ الرحمان السيوهاروي» (1318-138هـ/ 1901-1962م)، من مواليد «سيوهاره» من أعمال بجنور، من بيت علم وصلاح وفضل، التحق بدار العلوم/ ديوبند وتخرج في الحديث على العلامة أنورشاه الكشميري. ولي مساعدة التدريس فيها عام 1344هـ من آثاره: «قصص القرآن» -4 مجلدات، ط- و«أخلاق وفلسفه اخلاق»، و«اسلام كا اقتصــادي نظام» و «البلاغ المبين»، و «رسول كريم». توفي في الساعة الثالثـة والنصف صباحا من غرة ربيع الأول. للاستزادة من ترجمته راجع: مشاهير علماء ديوبند1/597؛ وموسوعة علماء ديوبند؛ حركة شيخ الهند ص344؛ أكابر علماء ديوبند ص 317؛ تاريخ دارالعلوم/ ديوبند 2/14.


(*)   أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الأولى  1438 هـ = فبراير2017م ، العدد : 5 ، السنة : 41

Related Posts