دراسات إسلامية

بقلم:  الأستاذ/ عثمان جمعة ضميرية

صلاح القلب أساس لصلاح الفرد:

       لعل أعظم ما في هذا الإنسان وأشرفه، هو القلب الذي يفقه به، ويتعرف من خلاله على خالقه -سبحانه وتعالى- ولذلك نعى الله تعالى على أولئك الذين وهبهم القلب فعطلوه عن الفقه والفهم، فقال: ﴿ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الجِنِّ والإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ اٰذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلٰئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلٰئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ﴾ [الأعراف:179] .

       وقد جعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هذا القلب وصلاحه سببًا لصلاح الإنسان، كما أن فساده سبب لفساد الإنسان فقال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»(1).

       والقلب الحي السليم أصل كل خير وسعادة وحياة: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنٰهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ [الأنعام:122].

أقسام الناس في هذا القلب:

       والناس في هذا القلب ثلاثة أصناف:

       – قسم ألهمه الله رشده، وأسعده بمعرفته، وهدى قلبه، فجعله سالـمًا من أن يكون فيه شائبة من شوائب الشرك؛ بل أصبح خالصًا لله تعالى في عبوديته: إرادة ومحبة، وتوكلًا وإنابة، وخشية ورجاءً، وعملًا ومتابعة. وهذا القلب هو الذي ينفع صاحبه يوم القيامة: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ ولا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:89].

       – وقسم استهوته الشياطين، فأخلد إلى الأرض، وكأنه تجرد من إنسانيته، وأقام على حيوانيته، فمات قلبه وأصبح لا يعرف حياة ولا نورًا، فحقت عليه كلمة العذاب، وكان من الغاوين: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَذِي اٰتَيْنٰهُ اٰيٰتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطٰنُ فَكَانَ مِنَ الغٰوِينَ * ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنٰهُ بِهَا ولٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوٰﯨـهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَذِينَ كَذَّبُوا بِاٰيٰتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:175-176] ، ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ﴾ [الزمر:19] .

       – وقسم ثالث؛ له قلب به هدى وإيمان ورشد، شرح الله صدره للإسلام فعرف الله بعض المعرفة، ولكنه وقع تحت سيطرة بعض الشهوات فهو يغالبها، والشيطان يزين له السوء والرغبات، فهذا الصنف من الناس ينازع الخير والشر، وكثيرًا ما يشعر المؤمن هنا بحلاوة المجاهدة، إذ المجاهد من جاهد نفسه في الله.

       ويشعر بمرارة الهزيمة أمام الشيطان، فهو بحاجة إلى جرعات من المضادات، بحاجة إلى معالجة الأعراض التي قد تبدو عليه فتكون مؤشرًا على خطر كبير ومرض قد يستعصي علاجه ما لم نبادره بذلك. فعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم -: «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا (منكوسًا) لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشْرِب من هواه. وقلب أبيض، فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض»(2).

المجاهدة وإصلاح القلب:

       وما أحوجنا إلى أن نجاهد أنفسنا وأن نجاهد الشيطان، وما أحوجنا إلى أن نجلو قلوبنا، وأن نسأل الله تعالى أن يثبتها وأن يصرفها إلى طاعته، فقد ورد في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. والميزان بيد الرحمن –عز وجلّ- يخفضه ويرفعه». وفي رواية: «والميزان بيد الرحمن يرفع أقوامًا ويضع آخرين إلى يوم القيامة»(3). وفي حديث آخر: «مثل القلوب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الريح ظهرًا لبطن»(4).

طرق الإصلاح:

       ولعله مما يساعدنا على ذلك أن نتبصر بعيوبنا، ونتعرف على أمراض نفوسنا وقلوبنا، ليكون ذلك سبيلًا إلى علاجها ودوائها، ومن أراد ذلك – وينبغي له أن يفعل – فإن أمامه أربع طرق:

       الطريق الأول: العلم الذي يبصرنا بذلك ويوضح الطريق أمامنا، فهو الكشاف الذي يكشف لنا خبايا العلل. وسبيل ذلك والطريق إليه هو: مصاحبة كتاب الله تعالى ومدارسته، ومدارسة حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم– والتأسي به واتباعه.

       والطريق الثاني: أن تطلب لك أخًا ناصحًا شفيقًا، وصديقًا صدوقًا، يبصرك بعيوبك، ويرى أن ذلك واجب عليه يفرضه الإسلام عملًا بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»(5).

       وقد كان أمير المؤمنين الفاروق عمر -رضي الله عنه- يقول: رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا. ولنذكر أن المؤمن مرآة أخيه المؤمن.

       الطريق الثالث: أن تنظر إلى ما يقوله فيك خصومك، فإنهم يتلمسون لك المعايب، فلا تأس على فعلهم ذاك، فإنهم بهذا يعرفونك بعيوب نفسك التي قد تغفل أنت عنها، أما هم فلا يسكتون. وقديمًا قال الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

       والطريق الرابع: مخالطة الناس ومعايشتهم، فإذا رأيت منهم مالا تحمده من الصفات التي نهى الله تعالى ورسوله عنها فخذ نفسك بالابتعاد عنها والحذر منها، وتحل بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات التي تحبها في الناس وتحببك أنت إليهم. فهلا حاولت ذلك أيها المسلم وجربت وجاهدت نفسك ليكتب الله تعالى لك الهداية إلى السبيل الأقوم وإلى الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69].

*  *  *

الهوامش:

(1)        متفق عليه.

(2)        رواه مسلم.

(3)        أخرجه أحمد وابن ماجه والبغوي بإسناد صحيح.

(4)        أخرجه مسلم.

(5)        أخرجه مسلم.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، المحرم – صفر  1438 هـ = أكتوبر – نو فمبر 2016م ، العدد : 1-2 ، السنة : 41

Related Posts