مؤتمر التضامن الوطني يجمع مختلف شرائح المجتمع الهندي على الحرب ضد الطائفية

محليات

مؤتمر التضامن الوطني يجمع مختلف شرائح المجتمع الهندي على الحرب ضد الطائفية

تعقده جمعية علماء الهند برئاسة القيادي الإسلامي البارز الشيخ السيد أرشد المدني

جمعية علماء الهند: «سنواصل الجهود حتى آخر لحظة من الحياة حفاظًا على دستور البلاد وعلمانيتها»

غلام نبي آزاد: «إنما الحرب بين الطائفيين والعلمانيين، وليست بين الهندوس والمسلمين»

بقلم : مساعد التحرير

       عقدت جمعية علماء الهند- أعرق المنظمات الإسلامية الخيرية الهندية – مؤتمرًا للتضامن الوطني يوم الأحد 2/جمادى الآخرة عام 1437هـ =12/مارس عام 2016م في ملعب «إندراغاندي أندور» في دلهي عاصمة الهند، وجمع المؤتمر– الذي حضره نحو خمسين ألف نسمة من مختلف أنحاء البلاد – مختلفَ القيادات الدينية والسياسية ورؤساء عدة جمعيات إسلامية في البلاد، يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية على رصيف واحد؛ ليقولوا قولتهم فيما يمر به الهند من التوتر والأوضاع الطائفية المتدهورة وتوسع الفجوة بين مختلف أطياف المجتمع الهندي.

       وقال فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني – رئيس الجمعية في كلمته إلى الحضور و هو يحذر الطائفين مغبةَ مواقفهم الشائنة-: «إن البلاد تعيش حالةً من القلق والاختناق والذعر والهلع، فهذه الطائفية ترقص على مرآى ومسمع من الناس رقصات سافرة، ويسود البلاد كلها قلقٌ واضطراب متناميان، مما لم يسبق له مثيل في تاريخها، وقد أحكمت الفوضى والشغب على البلاد قبضتها، وهي– البلاد- في حاجة ماسة إلى أن يقوم – قومة رجل واحد- كل من يؤمن بعلمانية البلاد و دستورها لكبح جماح هذه الظاهرة المؤلمة والمشؤومة،  و وأدها في مهدها قبل أن يستفحل شرها، ويتسع الخرق على الراقع؛ فإن البلاد يتفرق شملها ويتناثر عقدها فيما إذا تلاشت سيادة القانون فيها، وانحرفت عن مسار العدل والإنصاف، مما يجرعلى الأقليات والأكثرية من سكان البلاد ويلات وبلايا لايعلم مداها إلا الله تعالى».

       وقال الشيخ المدني – وهو يشير إلى قيادات الحزب الحاكم- بي جي بي (B.J.P)-: «أنى لهم أن يصدروا شهادات حب الوطن و الولاء له، أوخيانة البلاد وغدرها؟ إنه يجب عليهم – أولًا وقبل كل شيء- أن يشرحوا لنا ما قاموا به من خدمات للوطن، وما قام به آباؤهم من الجهود لتحريرها وفيما بعد تحريرها؟»

       واستطرد فضيلته قائلًا: «إن ما عقده آباؤنا من الآمال والأحلام الحلوة لبناء البلاد وتطويرها و رفاهيتها قد بدأ يدمره ويخربه الذين خلفوهم في حكم البلاد، بضيق نظرتهم والعصبية في تفكيرهم ومواقفهم. وعليه حُرِمَت شريحةٌ واسعة من سكان البلاد وخاصة الضعفاء والمغلوبون على أمرهم من الأقليات الإسلامية والمسيحية والمنبوذين – ثمراتِ رقيها و ازدهارها. وإن المواقف التي يتخذها حكام البلاد تعدُّ صفحة سوداء من تاريخها السياسي. ورغم أن الأوساط الثقافية و الفكرية تحتج ضد هذه الظاهرة وترد الجوائز والوسامات الحكومية إلا أن ذلك لم يحرك ساكنًا من الحكومة، في حين أنها تركت حبل العناصر الطائفية على غاربها لتبيض وتفرخ، حيث وجدت الجوخاليا للتحويل إلى الهندوسية قسرا؛ فهذه المساجد والكنائس تتعرض للاعتداءات والانتهاكات الصارخة في وضح النهار، والمدارس الإسلامية- التي لعبت دورًا رياديًا في تحرير البلاد – مستهدفة من قِبَل هذه العناصر، وتُشَوَّه سمعتها، كما يحاولون فرض الحظر على سكان البلاد في مأكلهم و مشربهم بالتستر برداء ذبح البقرة، وتلفيق تهم كاذبة بذبحها وبالتالي اعتقال المسلمين الأبرياء وضربهم ضربا مبرحًا يؤدي إلى قتلهم».

       وأضاف الشيخ المدني قائلا: «والمسلمون مهددون بالإجلاء إلى «باكستان» على أيدي السلطات، ولقد تجاوزوا كل الحدود والمنطقية؛ إذ تجرأوا على نصب تمثال قاتل «مهاتما غاندي» – داعية الأمن واللاعنف وتحرير البلاد من الاستعمار الغاشم – على سمع الأرض وبصرها باعتباره – قاتل غاندي- «بطلًا وطنيا».

       وقال الشيخ المدني: «لقد فشلت الحكومة – فشلًا ذريعًا – في السيطرة على العناصر التي تصب الزيت على نار الطائفية والنفور، وتعيش البلاد اليوم من أقصاها إلى أقصاها حالةً من الخوف والذعر، وقد تم خلق الفجوة بين الهندوس و المسلمين. وإن الزعماء والورزاء وممثلي الحزب الحاكم يلهجون بما يزيد الطين بلة ويزيد قلوب الشعب نفورًا وكراهية بعضهم ضد بعض… وإن جمعية علماء الهند قلقة على ظاهرة اعتقال الشبان المسلمين الأبرياء بتهمة الإرهاب زورًا وكذبًا، وقواتُ الأمن دائبة في اعتقالهم والزج بهم في السجون من غير شهادات كافية، وإنهم حين يُفرَج عنهم بتبرئة المحاكم يكون قد ضاعت سنوات غالية ثمينة من أعمارهم، ومن المؤسف جدًا أن ضباط الشرطة الذين دمروا حياتهم وحياة عوائلهم بتوريطهم في قضايا مزورة لايُسألون عما يفعلون، فضلًا عن معاقبتهم على سوء تصرفاتهم. والجمعية ترى بكل وضوح أن المسلمين لا يقفون بجانب الإرهاب وليسوا ضالعين فيه، وإنما أُلزِمُوه وهم له كارهون، وهو – فيما نرى- يدمر مصالح الأقليات والأكثرية في البلاد على حد سواء، ويدركه كل أحد بشدة في هذه الأيام…. وترى الجمعية أن «داعش» لاتمت بصلة إلى نظرة الإسلام الأمنية، و بدأ الحق يحصحص اليوم بأن إسرائيل هي الواقفة وراء «داعش».

       وأضاف الشيخ المدني: «إن هذا المؤتمر لايستهدف حزبًا من الأحزاب، ونحن ندين بالطائفية في أي حزب سياسي أو ديني، ونرفض مثل هذي السياسة رفضًا باتا. ومن الخطإ مواجهة الطائفية بالطائفية مثلها فعلَ بعض المنتمين إلى الإسلام الذين يشوهون سمعة المسلمين في الواقع».

       وبهذه المناسبة أصدرت الجمعية بلاغًا يحذر سكان البلاد الوقوعَ فريسة للدعايات الكاذبة التي تثيرها العناصر الطائفية، ويدعو كل واحد منهم أن يقوم بدوره في بسط الأمن في البلاد، ولايدع ما ورثه عن آبائه وأجداده من التعايش السلمي والتناغم الطائفي يُفلت زمامه من يده.

       والجدير بالذكر أن «سونيا غاندي» – رئيسة حزب المؤتمر الوطني في البلاد – بعثت برسالة إلى الشيخ المدني تهنئه على عقد هذا المؤتمر للتضامن الوطني، وقام بتلاوتها على الحضور القيادي غلام نبي آزاد- زعيم المعارضة في البرلمان-.

       وأعربت «غاندي» عن قلقها العميق على الأوضاع الحرجة التي تشهدها البلاد، وحذَّرت من أن بعض العناصر الطائفية مكبة على تشتيت شمل البلاد بزرع النفور والكراهية في القلوب وتسخين الجو الطائفي، مما يوجب وقاية البلاد شرها ولَاواءَها، و وصفت «غاندي» مؤتمر التضامن الوطني بإشراف جمعية علماء الهند بأنه حاجة الوقت، كما طالبت بضرورة وقوف أصحاب الاتجاهات العلمانية في البلاد صفًا واحدًا وعلى رصيف واحدٍ، ولم يَفُتْها التنويهُ بدور جمعية العلماء في تحرير البلاد وجهود القائمين عليها بإخلاص وفاءً للوطن، وبأنها- جمعية علماء الهند- وقفت منذ نشأت في وجه الظلم والاضطهاد، وهي خطوة تستحق التقدير والتثمين. ثم سلط «آزاد» الضوء على تضحيات العلماء في تحرير البلاد وقال: «يستحيل نكران التضحيات والخدمات التي قام بها العلماء في تحرير البـلاد التي تمر في هذه اليوم بمرحلة عصيبة من تاريخها، وما تقـوم به جمعية علماء الهند بقيادة السيد أرشد المدني خطوة تستحق التقدير والثناء. وإنما الحرب بين الطائفيين والعلمانيين، وليست بين الهندوس والمسلمين.

       وتحدث إلى المؤتمر الشيخ محمود أسعد المدني – قيادي في جمعية علماء الهند- فقال: إن الأوضاع التي تمر بها البلاد لاتشكل بلاء على المسلمين فقط، وإنما على الإنسانية جمعاء؛ فإن البلاد تعاني أزمة فادحة، والإنسانية في مشكلة وقلق اليوم. وطالما يقال: لِمَ ينادي المسلمون وحدهم دائمًا بالتضامن الوطني؟ والجواب عنه أن سلفنا استرخصوا دماءهم في سبيل تحرير البلاد، فهذه البلاد بلادنا، ونحن نحبها، فلايسعنا أن نلتزم الصمت حيال ذلك.

       وممن حضر من الهندوس المؤتمر «آتشاريه برمودكرشنن» الذي قال في كلمته – وهو يشير إلى رئيس الوزراء الهندي-: «إنه – رئيس الوزراء- سبق أن قال بالأمس: «إن العالم كله عائلته». ونعما هي، ولكن الأسف أنه يتردد في احتضان عائلته هو في حين يعتبر العالم كله عائلة له…. وإن جدران النفور بدأت ترتفع اليوم، فيجب أن نزيحها و ندمرها على الفور وقبل فوات الأوان…. وإن المسلمين ليسوا إرهابيين، وإنما أُلزِمُوهُ على كُرهٍ».

       واستغرب «كرشنن» أن يتحدث بعض الأحبار الهندوس المزعومين بتهجير المسلمين إلى «باكستان»، وقد مضت سنتان على ذلك ولم يتمكنوا من تهجير أحد منهم إليها، في حين وصل رئيس الوزراء الهندي إلى «باكستان» دون دعوة موجهة إليه منها، ومن غير إشعار الهنود بذلك.

(صحيفة «راشتريه سهارا» الأردية اليومية، دهلي الجديدة، ص1، السنة:16، العدد:5956، السبت 3/جمادى الآخرة 1437هـ الموافق13/مارس 2016م).

*  *  *

*  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1437 هـ = يونيو – أغسطس 2016م ، العدد : 9-10 ، السنة : 40

Related Posts