كلمة المحرر
تمر الأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة بأنواع من المحن والجراح، مالم يسبق له مثيل في تاريخها الطويل، الممتد على نحو أربعة عشر قرنًا من الزمان، فلاتطلع شمس يوم جديد إلا ومعها جراح جديدة تنزف في أدنى الأرض وأقصاها، فمرة في القدس الشريف، ومرة في سورية و….، و هذه الغيوم في سماء المسلمين حجبت كثيرًا شمسَ الإسلام ونورَه عن البشرية، وبعثت في نفوس بعض المسلمين اليأسَ و القنوط، و زعزعت ثقتهم بربهم وبدينهم، وجعلت قلوبهم مثلوجة متلبدة بضرب من الفزع والهول، و حسبوا أن الإسلام يلفظ نفسه الأخير، وأوشكت شمسه على المغيب؛ لكن هيهات وهيهات؛ فإنها لاتعدو سحبًا عما قريب ستنقشع وستتبدد؛ ليعود الإسلام من جديد بنوره الوهاج يضيء العالم بسنا برقه، فتنحل المشكلات وتسكت حركة الشكوك والشبهات التي كانت أمواجها تتلاطم وتنهمر ثجاجًا. لقد نسي هؤلاء أن الإسلام قد كتب الله تعالى له البقاء حتى تطلع الشمس من مغربها، وأن سنة الصراع بين الحق والباطل ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن هذا الدين لن يزيده العقبات التي توضع في سبيله والأشواك التي تفرش بها طريقه إلا صمودًا وتمكينًا ورسوخًا؛ فليكن المسلم على يقين من نصر الله تعالى؛ لأنه- سبحانه وتعالى- وعد عباده المؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض قال تعالى:﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفٰسِقُونَ﴾ [النور/55]، وقال تعالى :﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة/33]. وبشر الرسول –صلى الله عليه وسلم- هذه الأمة بالتمكين والنصر، فروى الإمام أحمد عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة، والدين، و النصر، و التمكين في الأرض». وروى الإمام مسلم وغيره عن ثوبان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض».
وإذا كانت الأمة الإسلامية تعيش اليوم مرحلةً عصيبة للغاية مرحلةَ الجراح والهموم والنكبات والمشاق؛ فإن هذه الأوضاع الحرجة من حياتها لا تعدو مشاق المخاض الذي يعقبه الميلاد، ميلاد مبارك، ميلاد النصر والفتح المبين. ويجب تنبيه المسلم إلى أن الشدة يعقبها الفرج؛ فلاييأس من روح الله ورحمته وفرجه. قال تعالى: ﴿وَلَا تَايْئَسُوْا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَايْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰفِرُونَ﴾[يوسف/87]. وفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- له أسوة حيث عانى الصراع بشتى صوره وألوانه فكان ثابتًا صابرًا محتسبًا لم يتزحزح عن موقفه قيد أنملة، ولم ييأس من روح الله ورحمته وفرجه، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق/2). [التحرير]
(تحريرًا في الساعة الثانية عشرة من يوم السبت: 3/جمادى الأولى 1437هـ = 13/فبراير 2016م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1437 هـ = أبريل – مايو 2016م ، العدد : 7 ، السنة : 40