دراسات إسلامية

بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه الله-

(المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

عام 1367هـ ، ومبنى جديد لقسم الإفتاء:

       لِتُدرك الأهمية والمكانة التي تحتلها دارالإفتاء التابعة لدارالعلوم/ديوبند، انظر إلى الكم الهائل من الاستفتاءات المنهالة عليها، والهادفة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيها. فلاتخلو بقعةٌ من بقاع شبه القارة الهندية من رغبة أهلها في استفتاء دارالعلوم فيما يهمها من القضايا والمشكلات، وكان مبنى دارالإفتاء القديم يشكو الضيق، ومع تزايد أعضاء هيئة الإفتاء ضاق المبنى عليهم أكثر من ذي قبل، فقاموا بإنشاء مبنى موسع على الدور الثاني من المبنى القائم بالجانب الشرقي من مسجد دارالعلوم، من شأنه أن يغطي حاجة دارالإفتاء، واحتوى هذا المبنى على عدد غرف خصصت واحدة منها لمكتبة دارالإفتاء، وتم نقل دار الإفتاء إلى المبنى الحديث البناء في 19/ربيع الأول عام 1367هـ.

الوقوف في وجه ردة المسلمين في مدينة«دهرا دون»:

       تفاقمت فتنة ارتداد المسلمين في ضواحي مدينـة «دهـرادون» عقب الاضطرابات الطائفية التي شهدتها المنطقة، فقامت دارالعلوم/ديوبند بإرسال البعثات الـدعويـــة لكبح جمـاح هـذه الفتنة العارمــة، واتخـذ دعاتها من «دهرادون» مركزًا انطلقوا منه إلى ضواحيها وجابوا قراها وكفـورها. و وصـول الدعاة إلى المناطق المتضررة من هـذه الفتنــة شــدَ من أزر المسلمين القائمين على دينهم، ولم يدخــر الــدعـاة جهدًا في إعادة إعمار المسلمين وإسكانهم، كمـا عملت جهودُهم على العـودة بكثــير من المرتدين إلى دينهم الإسلام من جديد، و أورثت ذلك المسلمين من سكان القرى والكفــور الهمـةَ والاستقلال والثقة بالنفس في مواجهة الاضطرابات الطائفية التي اكتوى بنارها هذه المنطقة، كما عاد كثير ممن هجروا ديارهم خوفًا و فزعًا إليها من جديد.

عام 1368هـ ، واختيار علماء ديوبند للجامعة الإسلامية /علي كره:

       لقد عملت الكلمات التي ألقاها الشيخ المقرئ محمد طيب (1315-1403هـ/1897-1983م) – رئيس الجامعة سابقًا- عام 1359هـ في «الجامعة الإسلامية علي كره» – عملت على تجسير الهوة القائمة بينها – جامعة علي كره – وجامعة ديوبند، ومن جراء ذلك ولأول مرة قامت جمعية جامعة علي كره باختيار علماء ديوبند، فرشحت من علمائها الشيخ حفظ الرحمن السيوهاروي(1)، والشيخ محفوظ الرحمن نامي(2) والشيخ المقرئ محمد طيب لعضوية الجمعية، وبذلك انفتح باب من التعاون و التعاضد بين المؤسستين العلميتين هاتين.

دار العلوم تتعرض للتفتيش الحكومي، ومصادرة مطويات أحكام عيد الأضحى:

       تعرضت دارالعلوم/ديوبند لموقف مزرٍ تمثل في تدخل السلطات فيها بمناسبة عيد الأضحى في العام الماضي وتكرر ذلك في هذه السنة أيضًا، حيث طال التفتيش – وللأسف – دارالعلوم/ديوبند، ووصل ضابط الشرطة المحلية برفقة ثلاثين أوخمسة وثلاثين من رجال الشرطة المدججين بالسلاح إلى بوابة الجامعة، وداهموا مكتب الإدارة من غير أن يستأذنوا أحدًا من أعضاء المكتب الإداري، ضاربين عرض الحائط بكافة الشروط والضوابط التي يتحلون بها في مثل هذه المناسبات لزامًا، وصادروا المطويات التي تتضمن أحكام الأضاحي، في حين تعودت دارالعلوم/ديوبند نشر مطويات تتضمن أحكام الأضاحي بجانب الإهابة إلى التبرع لصالحها منذ أعوام سابقة، دون أن تُقابَل هذه المطويات باعتراض من قبل السلطات. ولم تنقم السلطات من مضامين هذه المطويات إلا ما خص تفاصيل ما يجوز في الأضاحي من الأنعام، التي تتضمن قائمتها البقرة، فإنهم حملوا إيراد البقرة في قائمة الأنعام على أن دارالعلوم/ديوبند تحض الناس على التضحية بالبقرة على خلاف تعليمات الحكومة وأوامرها، فشرح المسؤولون للسلطات أن إيراد البقرة في هذه القائمة ليس إلا لبيان حكم من أحكام الشرع، فقد تضمنت القائمة التضحية بالإبل، مع أنه لاتتم التضحية بالإبل في الهند على الإطلاق، أضف إلى ذلك أن المطويات كانت تتضمن ملحوظة تفيد دعوة المسلمين إلى مراعاة أوضاع البلاد في الأيام الحاضرة تحقيقا لمصالحهم، وتحذيرَهم اتخاذَ موقف يمس أمن البلاد. وتشكل دارالعلوم مركزًا دينيًا للمسلمين في العالم الإسلامي بشكل عام، ومن واجبها بيان هذه الأحكام الشرعية لهم، كما أن هذه المطويات ترسل بعدد كبير إلى البلاد الأجنبية التي لاتفرض الحظر على ذبح البقرة، كما أن مناطق عدة في الهند لم تفرض الحظرَ على ذبح البقرة، إلا أن السلطات أصروا على رأيهم حتى اضطرت دارالعلوم/ديوبند – نظرًا إلى تماديهم – إلى إصدار إعلانٍ آخر يفيد –كشفًا لشبهاتهم- بضرورة الحذر من التضحية بالبقرة والثور والعجل في مناطق البلاد، التي تفرض سلطاتها الحظر عليها، وذلك مراعاة للأوضاع الراهنة، ورغبة في تحقيق التآلف والالتئام الطائفي بالإضافة إلى التقيد التام بالأحكام الصادرة من الحكومة.

       وقوبل موقف السلطات المهين هذا بالتنديد والاستنكار في أرجاء البلاد، وشهدت مناطق كثيرة احتاجاجات واسعة النطاق ضدها بجانب الإنكار عليه عبر الصحف والجرائد.

عام 1369هـ ، ومساعدة الحكومة الهندية في التحاق الطلاب الباكستانيين بالجامعة:

       بعد ما انقسمت الهند إلى دولتين وتم تنفيذ نظام الرخصة (Permit)(3) توقفَ اختلافُ طلاب المناطق الخاضعة للسيطرة الباكستانية إلى الهند نهائيًا، وخاصةً طلاب باكستان الغربية، الذين انسدت عليهم كافة سبل تلقي الدراسة في دارالعلوم/ ديوبند. وكان طلاب العلوم الدينية على أشد من الجمر للالتحاق بدارالعلوم/ديوبند نظرًا إلى مرجعيتها الواسعة النطاق. وتتابعت الطلبات واحدًا بعد واحدٍ إليها لإيجاد سبل تيسر على الطلاب الباكستانين تحقيق أغلى أمانيهم وهي طلب العلم فيها. فعرضوا هذا الوضع الشائك على الحكومة الهندية، وتلبية لدعوة دارالعلوم وافقت الحكومة الهندية على إصداررخصة لمدة سنة واحدة للطلاب الراغبين في الدراسة في دارالعلوم/ديوبند فيما إذا قدموا الطلب لذلك، و بالإمكان تمديد هذه الرخصة من قبل السلطات الإقليمية لمدة إضافية يحتاج إليها الطالب، غير أن هذا الأمر لم يدم طويلًا للإجراءات الإدارية ولوائحها رغم الموافقة على هذه الرخصة الاستثنائية.

الحكومة الهندية تُعرفُ دارَالعلوم خارج البلاد:

       لمَسَت وزارة الخارجية الهندية ومحطة إذاعة عموم الهند هذا العام فيما يخص نشراتها الحاجةَ إلى تعريف الدول الأجنبية وخاصة بلاد الشرق الأوسط بتاريخ دارالعلوم والأوضاع التي تمر بها البلاد، فتوجه مسؤولون من وزارة الخارجية ومحطة إذاعة عموم الهند إلى دارالعلوم تباعًا، للتعرف على أخبارها و أوضاعها والتقاط صور أبنيتها، وكان من أعضاء محطة إذاعة عموم الهند وكيل إدارة محطة إذاعة عموم الهند للشرق الأوسط(Deputy director of all India radio for middle east) بالإضافة إلى نُظار الإعلام في كل من «إيران» و«مصر». فقاموا بتصوير الأبنية الضخمة في دارالعلوم، وأقسامها وشعبها ومخطوطاتها النادرة. وتجولوا في مرافقها وأعربوا عن انطباعاتهم، من الأجدر أن نحكيها بألفاظ منهم وكلا لوحده  فيما يلي.

       فقال السيد إيم. أي. أين وكيل محطة إذاعة عموم الهند للشرق الأوسط: «تجد بها روح الحياة الساذجة والعزيمة البعيدة بمعنى الكلمة. قد استمعت إلى بعض الدروس والمحاضرات وشاهدت بأم عيني و رأيت كيف أن الطلاب يوزع عليهم الوجبات الغذائية بنظام وترتيب فائقين، فصالات إعداد الوجبات نظيفة للغاية، مع إتقان وضبط وعناية زائدة بالشؤون المالية، وتحتضن دارالعلوم مكتبة عظيمة تحوي مصادر قيمة تخص موضوعات مختلفة، والحق أن هذه المؤسسة جامعة برمتها».

       وقال عبد الفتاح عودة – ناظر الإعلام العربي-: «في الواقع ألفيت في «ديوبند» قلعة من قلاع الإسلام، وملاذًا للإيمان والسنة النبوية، أدركت هنا كيف أن دارالعلوم تجمع بين الكفاءة للدين والدنيا معا، فهي تراث غالٍ للغاية، ومن واجبنا أن نتمسك به، كما يجب أن نتخذها عمادًا في بناء المستقبل»(4).

       وقال السيد علي أمير– ناظر الإعلام الفارسي- : «وهنا استشعرت عظمة الإسلام وقدرته الحقيقية، لقد شاهدت بأم عيني أن الصفوف في المساجد لاتخلو من المسلمين، وهم يتنافسون ويتسابقون إليها، وسيأتي على الناس زمان يسود الإسلام العالم كله بوحدته وسذاجته وإخلاص المسلمين و احتسابهم. وإن عبادة الله على ما وصفه الإسلام – التي ابتعدنا عنها نحن المسلمين في الشرق الأوسط وقد بهرت أعيننا أموال الدنيا وأبهة الجاه وجلالها – قد ألفيناها في هذه البقعة المقدسة، وبصورة وقفتنا على عظمة الإسلام من جديد».

*  *  *

الهوامش:

(1)       هو معز الدين بن شمس الدين السيوهاروي المعروف بـ«حفظ الرحمان السيوهاروي» (1318-1382هـ/1901-1962م)، من مواليد «سيوهاره» من أعمال بجنور، من بيت علم وصلاح وفضل، التحق بدار العلوم/ ديوبند وتخرج في الحديث على العلامة أنورشاه الكشميري. ولي مساعدة التدريس فيها عام 1344هـ من آثاره: «قصص القرآن»-4 مجلدات، ط- و«أخلاق وفلسفه أخلاق»، و«إسلام كا اقتصادي نظام» و «البلاغ المبين»، و «رسول كريم». توفي في الساعة الثالثة والنصف صباحا من غرة ربيع الأول. للاستزادة من ترجمته راجع: مشاهير علماء ديوبند1/597؛ حركة شيخ الهند ص344؛ أكابر علماء ديوبند ص 317؛ تاريخ دارالعلوم/ديوبند2/14.

(2)       هومحفوظ الرحمن نامي بن نور محمد (1331-1383هـ/1912-1963م)، أصله من قرية «رسرا» من أعمال «بليا» بولاية «أترابراديش»، انتقل نور محمد منها إلى «بهرائج» بالولاية، ولد في المترجم له في قرية «رسرا»، وتلقى مبادئ العلوم في مدرسة مفتاح العلوم/مئو، ثم التحق بدارالعلوم/ديوبند عام 1334هـ وتخرج منها عام 1348هـ في الحديث على شيخ الإسلام حسين أحمد المدني والشيخ محمد إبراهيم البلياوي والشيخ إعزازعلي الأمروهوي، ثم شغل منصب سكريتير في مصلحة التعليم، وشارك في الانتخابات العامة عام 1946م، وترشح للبرلمان عن حزب العصبة الإسلامية. أنشأ «مدرسة نور العلوم» عام 193هـ للدراسة الدينية كما أنشأ كلية أزاد (Azad inter collage) في بهرائج، ومن آثاره: «رحماني قاعدة»- بالأردية والعربية-، و«معلم القرآن» و«مفتاح القرآن»-5 أجزاء، من المقررات الدراسية في معظم المدارس الإسلامية. حج وزار مرات آخرها عام 1950م. توفي في «بهرائج» ودفن في مقبرة «مولوي باغ» بها. (أفادني بذلك كله حفيده الشيخ سعيد الرحمن المدرس بمدرسة نور العلوم التي أسسها المترجم له).

(3)       وذلك في حين لم يستلزم حمل الجواز والتاشيرة للتنقل بين البلدين، وإنما كانوا يحصلون على الرخصة (Permit) للتنقل بينهما.

(4)       لم أعثر على النص العربي لهذه القطعة، وحاولت نقل الترجمة الأردية إلى العربية (المترجم).

* * *


(*)    أستاذ التفسير واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1437 هـ = أبريل – مايو 2016م ، العدد : 7 ، السنة : 40

Related Posts