الفكر الإسلامي
بقلم : الأستاذ محمد رجا حنفي عبد المتجلي
لقد قام الإسلام على مبدأ المساواة بين الناس، فلا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى والعمل الصالح ، وليس هناك نفس شريفة وأخرى وضيعة، بل الجميع سواء ، لأن كل الناس سواء ، وربّما تفرق بينهم الأحوال ولكن لا يفرِّق بينهم الشرع والحق ، كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه : «كلكم لآدم وآدم من تراب» ، وكما قال ﷺ : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم».
وقد حارب الإسلام العادات السيئة التي كانت منتشرة في العالم في ذلك الوقت ، من ظلم الأكاسرة والقياصرة والأباطرة ، ومن جبروتهم وطغيانهم ، حارب الإسلام كل هذه العادات ، وجعل مكانها العدل والمساواة والرحمة ، يدلّ على ذلك قول المولى تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوْا الأَمَانَاتِ إِلىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوْا بِالْعَدْلِ﴾(1)، وقوله عزّ وجلّ : ﴿وَلَوْ كُنْتُ فَظّاً غَلِيْظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ﴾(2)، وقوله تقدَّست أسماؤه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُوْنُوْا قَوَّامِيْنَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِيْنَ إِنْ يَّكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيْرًا فَاللهُ أَوْلىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوْا الْهَوٰى أَنْ تَعْدِلُوْا وَأَنْ تَلْوُوا أوْ تُعْرِضُوْا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِيْرًا﴾(3).
وقد وردت أمثلة وشواهد من أحاديث رسول الله ﷺ في حياته وحياة صحابته – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – تؤيّد ذلك .
فقد سرقت امرأة من «بني مخزوم» في عهد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، فخافت قبيلتها من قطع يدها ، لأن تطبيق الحدّ على هذه المرأة يعتبر فضيحة تَلْحَقُ بقبيلتها ذات الحسب والنسب، فما كان منهم إلاّ أن استشفعوا بأسامة بن زيد حبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ليكلمه في عدم قطع يدها ، فقال له رسول الله ﷺ: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟،» ثم خطب في المسلمين قائلاً : «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .
فهذه مساواة بين الشرفاء والضعفاء في الحدود، فلا توضع عن شريف لشرفه إذا ارتكب ما يوجبها ، ولقد بيّن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أن التفرقة بين الشرفاء والضعفاء في الحدود كانت العلة في ضلال الأمم السابقة .
وحدث أن سواد بن غزية اعتبر أن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه قد آلمه عندما كان يسوّي بين الصفوف يوم غزوة «بدر» ، بسيفه لأنه كان متقدمًا على الصّف ، فقال لرسول الله ﷺ : «لقد أوجعتني فأنصفني» ، فقال له عليه الصلاة والسلام: «دونك بطني فاقتص مني» ، فأقبل سواد على الرسول ﷺ وقبّل بطنه ، ثم أخذ يكرّر هذا القول: «هذا اليوم الذي أفدى فيه المصطفى بحياتي».
وتخاصم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مع شخص أمام رجل من المسلمين يسمّى شريحًا، اختاره خصم عمر بن الخطاب ليفصل بينهما ، فحكم شريح على عمر ، فعيّنه عمر قاضيًا على «الكوفة» .
وتنازع عليّ بن أبي طالب – كرّم الله وجهه- وهو أمير على المؤمنين مع يهودي ، فاحتكما إلى شريح ، فسأل عليّ بن أبي طالب البيّنة فعجز عن إقامتها ، فوجّه اليمين إلى خصمه اليهودي فحلف، فقال شريح : «البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر» ، وحكم بالدرع لليهودي ، فاستغرب اليهودي ذلك الأمر، وقال : «قاضي أمير المؤمنين يحكم لي عليه! » ، ونطق بالشهادتين وأسلم .
وتحدث القرآن الكريم عن مبدأ المساواة بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّنْ ذَكَرٍ وَّأُنْثىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ﴾(4).
فالعمل الصالح هو المبدأ والأساس في التفاضل بين الناس ، وهو الميزان الحق الذي يُوزَن به الناس.
إن الإسلام عندما جاء بمبدأ المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات لم يكلّف العبد بأكثر ممّا كلّف به السيد ، ولم يجعل للسيّد من الحقوق ما ليس للعبد، بل الجميع أمام المولى تبارك وتعالى وأمام شريعته سواء، فلم يُفْرَضُ الجهادُ مثلاً على الضعفاء والفقراء وحدهم ، ولم تُرْفَعْ التكاليفُ عن الأغنياء ، ولم يُسْتَثْنَ الشرفاءُ من إقامة الحدود ، ولم يُجْعَلْ غفرانُ الذنوب وقفًا على الأغنياء والموسرين، بل الكل متساوون في الحلال والحرام ، وفي الفروض والواجبات .
يقول ابن حزم في كتابه «الأحكام» : «فكل خطاب منه ﷺ لواحد فيما يفتيه ويعلمه إياه ، هو خطاب لجميع أمّته إلى يوم القيامة» .
ولم تقتصر المساواة في الإسلام على الحقوق والواجبات والأحكام ، بل شملت العلم والمعرفة والدعوة أيضًا ، فقد كان المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يدعو سادات «قريش» إلى الإسلام وهم يعرضون عنه ؛ ولكنه ﷺ كان يُلِحُّ في دعوتهم، وفي ذات يوم كان عليه الصلاة والسلام متصديًا للحديث مع الوليد ابن المغيرة ، يحاول أن يهديه إلى الإسلام ، والوليد بن المغيرة في ذلك الوقت سيّد من سادات «قريش» وكبير من كبرائها، وفي إسلامه كسب عظيم ومغنم كبير، ومن أجل ذلك كان المصفطى صلوات الله وسلامه عليه مستغرقًا كل الاستغراق في الحديث معه ، ومشغولاً به عن أي شيء آخر.
وفي هذه اللحظات مرّ به عبد الله بن أم مكتوم – وكان أعمى – وجعل يستقرئه القرآن ، وألحّ عليه قائلاً : «أقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله» ، فشقّ ذلك على رسول الله ﷺ، وآلم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصرفه عبد الله بن أم مكتوم عن الحديث مع الوليد بن المغيرة ، الذي كان يطمع في إسلامه ويتمنّاه ، فعبس في وجهه وأعرض عنه ، فنزلت الآيات الكريمة : ﴿عَبَسَ وَتَوَلّىٰۤ. أَنْ جَاءَهُ الأَعْمىٰ . وَمَا يُدْرِيْكَ لَعَلَّه‘ يَزَّكّىٰۤ . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرىٰ . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنىٰ . فَأَنْتَ لَه تَصَدّىٰ . وَمَا عَلَيْكَ ألاَّ يَزَّكّىٰ . وَأَمَّا مَنْ جَآءَكَ يَسْعىٰ . وَهُوَ يَخْشىٰ . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّىٰ﴾(5) ، تعاتب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، وصار رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد ذلك يكرم عبد الله بن أم مكتوم كلّما مرّ به ويحسن استقباله ، ويقول له : «مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي».
إن رسول الله ﷺ كان يعتقد أن الفرصة التي يمكن أن تتمّ بإسلام الوليد بن المغيرة سوف يترتّب عليها إسلام عدد كبير من «بني مخزوم». وذلك تبعًا لإسلام زعيمهم ، أمّا عبد الله بن أم مكتوم فيمكن أن يتعلّم ما يريد في أي وقت آخر، وبالتالي لا تضيع فرصة وجود الرسول ﷺ مع الوليد .
وقد طبّق المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام مبدأ المساواة على نفسه ، فلم يكن يحبّ أن يتميّز على أصحابه ، بل كان يرى نفسه بهم ، فكان يقول لأصحابه إذا قاموا له : «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضًا».
وأمر الرسول ﷺ بالمساواة بين الخدم والمخدومين ، فقال : «هم إخوانكم وخولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل ويلبسه ممّا يلبس ، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم ، فإن كلّفتموهم فأعينوهم».
ومن هنا تتجلى الحكمة العظيمة في تقرير مبدأ المساواة في الشريعة الإسلامية ، فالجميع أمام شريعة المولى تبارك وتعالى سواء ، يسري على الغني منها ما يسري على الفقير، وتُطَبَّق أحكامُها على الكبير كما تُطَبَّق على الصغير، بدون أدنى يعة المولى تبارك وتعالى سواء ، يسرى على التمييز لمركز اجتماعي، أو اعتبار وظيفي ، فقد ألغى الإسلام الفردية والطائفية، وأزال ما بين الطبقات من الفروق في الحقوق والواجبات ، ووحّد الشريعة وأخضع لها كافة الناس ، والعدالة تامة للجميع .
إن المساواة تامة في كل شيء بين الناس ، عامة في الإسلام ، مساواة في الحقوق والواجبات ، وفي الكرامة وأمام القانون؛ لأن الناس خُلِقُوا متساوين في حكم المولى تبارك وتعالى ، فلا فضل لأحد على آخر إلاّ بالتقوى والعمل الصالح ، يقول الحق جل وعلا: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ﴾(6).
ويقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : «أما والله ما أرسل عمّالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم ؛ ولكن أرسلتهم ليعلّموكم دينكم وسنة نبيكم ، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إليّ ، فوالذي نفسي بيده إذن لأقصنّه منه، وقد رأيت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يقصّ من نفسه».
لقد سوّى الإسلام بين الناس في الحقوق والواجبات ، وجعلهم سواء أمام الشريعة ، فالشريعة ماضية عليهم أجمعين .
ومبدأ سريان قانون الشريعة على جميع الناس واضح كلّ الوضوح فيما قاله رسول الله ﷺ قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى ، وقت أن استقبل المسلمين بهذه الكلمات الكريمة : «أيها الناس ! من كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت شتمت له عرضًا فهذا عرضى فليستقد منه، ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ، ولا يخشى الشحناء فهي ليست من شأني».
ولقد ذهب الإسلام في الحقوق مذهبًا أبعد وآصل ، إذ جعل كفالة العاجز عن الكسب حقًا مفروضًا يؤدي إليه من بيت المال في الدولة ، ولصاحبه كلّ الحق في أن يطالب به في حالة إذا لم يصل إليه ، ولا اعتبار لأي شيء آخر إلاّ اعتبار إنسانية الإنسان وبشريته .
وحسب الإسلام أن يحفظ على الإنسان حقّه، فلا يسمح بالاعتداء على هذا الحق ، ولو كان هذا الاعتداء تطاولاً باللسان .
وحسب الإسلام – أيضًا – أنه يدفع أصحاب الحقوق إلى الحصول عليها إذا تراخوا في طلبها ، ويحمّلهم أوزار التراخي ، كما يدفع من لديهم هذه الحقوق إلى بذلها ، ويحمّلهم أوزار التراخي في البذل.
وفيما يتعلّق بحقوق المرأة ، فإن الإسلام كان له في شأنها فضل السبق ، برغم ما يزعمه البعض من الناس في وقتنا الحاضر من أن «أوروبا» هي السابقة في هذا المجال .
لقد جاء ليقوّم اعوجاج أعداء المرأة من أهل الجاهلية ، وأهل الأديان على السواء ، وكان من أهمّ ما أعلنه في هذا الصدد أن الخطيئة قد وقعت من آدم وحواء ، وأن القرآن الكريم لا يعترف بعداء موروث إلا عداء الشيطان لبني آدم من ذكور وإناث، وحياتنا على هذه الأرض تمثّل الصراع بين الخير والشر، بين الإنسانية والشيطان ، وقد غفر المولى تبارك وتعالى لآدم وحواء هذه الخطيئة ، وحوّاء ليست مسؤولة عنها بعد غفرانها ، على أن الإسلام لا يعترف بتوارث الخطيئة ، ولا يؤخذ الأبناء بما ارتكبه الآباء ، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُوْنَ عَمَّا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ﴾(7)، وهذه الآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في شأن أهل الكتاب إلاّ أنه يصحّ الاستئناس بها فيما نحن بصدده من مبدأ عدم توارث الخطيئة ، وممّا يدلّ على ذلك – أيضًا – قول الله جلّ شأنه : ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾(8)، وقوله جلّ وعلا: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِّزْرَ أُخْرٰى﴾(9).
وقد بيّن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن النساء شقائق الرجال في الأحكام ، فكل حق يملكه الرجل تملكه المرأة أيضًا ، ويجب عليها مثل الذي يجب عليه عند التساوي في المهمات ، فهي تشاركه في الفرائض والمحرّمات ، وهما سواء في الثواب والعقاب إذا تساوت أعمالها .
وكان هذا هو نقطة البداية في تحرير المرأة ، فهي تماثل الرجل في حق الحياة ، وفي حق الكرامة، وفي حق الحريّة ، وهي شريكة له أيضًا في الواجبات.
وبذلك أظهر الإسلام حقيقة المرأة واضحة جليّة، فهي إنسان ، وعضو في المجتمع له شأنه ، وله حقوق وعليه واجبات ، وأبطل الإسلام بذلك خرافة العقيدة الجاهلية ، التي تتمثّل في إسطورة الخطيئة الموروثة عند الغربيين في النظرة إلى المرأة.
ولقد اهتمّ الإسلام بالمرأة من أول طفولتها ، وحرص على الاهتمام بها في هذه المرحلة المهمة من حياتها بحسن تربيتها ، وتلقينها مبادئ دينها ، حتى تشبّ على خلق رفيع ، ويشهد على ذلك قول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه : «ما من أحد يدرك ابنتين أو أختين فيحسن إليهما ما صحبتاه إلاّ أدخلناه الجنّة» ، فقال رجل : «وواحدة يا رسول الله! » فقال عليه الصلاة والسلام : «وواحدة» .
ولم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في حقّ التملّك والتصرف في ملكها ، يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيْبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوْا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيْبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾(10) وقال جلّ شأنه مؤكدًا حقّها في الميراث: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيْبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُوْنَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيْبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُوْنَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيْبًا مَفْرُوْضًا﴾(11)، وجعل لها نصف نصيب الرجل في الميراث بقوله تقدّست أسماؤه: ﴿يُوْصِيْكُمُ اللهُ فِيْ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾(12).
وهذا لا يتعارض مع مساواتها بالرجل ، لأن الرجل مكلّف بالإنفاق عليها وعلى أولاده ، وليست المرأة ملزمة النفقة ، كما أن الرجل يدفع الصداق للمرأة عند الزواج بها فيزيد في ملكيتها ، لذلك تجلّت حكمة التشريع الإسلامي في جعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل في الميراث .
وسوّى الإسلام بين الرجل والمرأة في التعليم والتثقيف ، يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة» ، وسوّى بينهما أيضًا في العمل الصالح والتقرّب إلى المولى تبارك وتعالى ، يقول عزّ وجلّ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ﴾(13) ، ويقول جلّت حكمته : ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالَقَانِتِيْنَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِيْنَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِيْنَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِيْنَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِيْنَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِيْنَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللهَ كَثِيْرًا وَّالذَاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهَ لَهُمْ مَّغْفِرَةً وَّأَجْرًا عَظِيْمًا﴾(14)، وبالنسبة للعمل الدنيوي فإننا نجد المرأة كانت تزاوله في عصر صدر الإسلام ، فقد ولّى خليفة المسلمين عمر ابن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – امرأة تسمّى «الشفّاء» سوق «المدينة» .
وقد نالت المرأة حقوقها السياسية في الإسلام، يقول المولى تبارك وتعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلىٰ أَنْ لاَيُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَّلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِيْنَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِيْنَ بِبُهْتَانٍ يَّفْتَرِيْنَه بَيْنَ أَيْدِيْهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِيْنَكَ فِيْ مَعْرُوْفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غَفُوْرٌ رَّحِيْمٌ﴾(15).
إن الإسلام هو النظام الوحيد الذي سما بالإنسان وكرّمه ، وأزال الفوارق في الحقوق، وفي المعاملات بين جميع أفراده ، وإن ما تدعيه الأمم الديمقراطية اليوم من أن العالم مدين لها بمبدأ المساواة يناقضها واقعها ، وسياستها ، وقوانينها ، فحقوق الإنسان التي تتصارع الأمم على تنازع شرف وضعها، قد أعلنها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه منذ بدء الدعوة الإسلامية مع تطبيقها، وسار على منواله الخلفاء الراشدون من بعده ، وكثير من فضلاء الأمة الإسلامية الذين كانوا مفخرة التاريخ الإسلامي.
* * *
الهوامش :
- الآية (58) من سورة النساء .
- الآية (159) من سورة آل عمران .
- الآية (135) من سورة الأنعام .
- الآية (13) من سورة الحجرات .
- الآيات (1-10) من سورة عبس .
- الآية (13) من سورة الحجرات .
- الآية (134) من سورة البقرة .
- الآية (286) من سورة البقرة .
- الآية (164) من سورة الأنعام .
- الآية (32) من سورة النساء .
- الآية (7) من سورة النساء .
- الآية (11) من سورة النساء .
- الآية (97) من سورة النحل .
- الآية (35) من سورة الأحزاب .
- الآية (12) من سورة الممتحنة .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب 1426هـ = يوليو – سبتمبر 2005م ، العـدد : 7–6 ، السنـة : 29.