دراسات إسلامية

بقلم: أبو عائض القاسمي

1. غزوة الحديبية (في ذي القعدة سنة 6هـ):

       يقول ابن الجوزي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للعمرة في ذي القعدة سنة ست، فاستنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج معه، فأسرعوا وتهيأوا، وَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بيته فاغتسل ولبس ثوبين، وركب راحلته القصواء، وخرج في يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ولم يخرج بسلاح إلا السيوف في القرب، وساق بدنا، وساق أصحابه أيضا بدنا، فصلى الظهر بذي الحليفة، وأحرم ولبى، وخرج معه من المسلمين ألف وست مئة، ويقال: ألف وأربع مئة، ويقال: ألف وخمس مئة وخمسة وعشرون رجلا، وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وبلغ المشركين خروجه فخرجوا من مكة صادِّين له عن الاعتمار هذا العام، فرجع رسول الله بعد أن صالحوه على أن يأتي العام القادم، ولا يقيم أكثر من ثلاثة أيام، وعلى أن يأمن بينهم وبينه عشر سنين، وعلى أن يرد رسول الله من قصده من الكفار مسلماً، و ألا يردوا هم من قصدهم من المسلمين كافراً. وبلغ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عثمان قد قُتل، فذلك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة وبايع لعثمان فضرب بشماله على يمينه لعثمان، وقال: إنه ذهب في حاجة الله ورسوله. وجعلت الرسل تختلف بينهم، فأجمعوا على الصلح، فبعثوا سهيل بن عمرو فِي عدة رجالهم فصالحه على ذلك، وكتبوا بينهم: «وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم فعل، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده إليه، وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا قابلا في أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب».

       وقد أثنى الله على المؤمنين وأنزل فيهم قرآناً (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْـمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثٰبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح:18](1).

2. عمرة القضاء (في ذي القعدة سنة 7 هـ):

       وهي التي قاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً عليها في الحديبية. قال الطبري: عن ابن إسحاق، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوالا، يبعث فيما بين ذلك من غزوه وسراياه، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها، وخرج معه المسلمون ممن كان معه في عمرته تلك، وهي سنة سبع، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها أن محمدا وأصحابه في عسر وجهد وحاجة.

       قال ابن عباس: اصطفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند دارالندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله المسجد، اضطبع بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة! ثم أقام بمكة  ثلاثا ثم انصرف(2).

3. خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لأداء حجة الوداع (في ذي القعدة سنة 15هـ):

       قال الطبري: فلما دخل ذو القعدة من هذه السنة- أعني سنة عشر- تجهز النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج، فأمر الناس بالجهاز له. وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة، لايذكر ولايذكر الناس إلا الحج، حتى إذا كان بـ«سرف»، وقد ساق رسول الله معه الهدي وأشراف من أشراف الناس. وأمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي(3).

       ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم، وخطب الناس خطبته التي بيَّن للناس فيها ما بيَّنَ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبدًا. أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا، وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكم رؤوس أموالكم، لاتظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله، وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- وكان مسترضعا في بني ليث، فقتلته بنو هذيل- فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية. أيها الناس، إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم»(4).

3. معركة ( الفراض) بين المسلمين وتحالف جيوش الفرس والروم والعرب (في ذي القعدة سنة 12هـ):

       يقول الطبري: قصد خالد بعد «الرضاب» إلى «الفراض»- والفراض: تخوم الشام والعراق والجزيرة – فأفطر بها رمضان في تلك السفرة التي اتصلت له فيها الغزوات والأيام، ونظمن نظما.

       ولما اجتمع المسلمون بالفراض، حميت الروم واغتاظت، واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس، وقد حموا واغتاظوا واستمدوا تغلب وأياد والنمر، فأمدوهم، ثم ناهدوا خالدا،حتى إذا صار الفرات بينهم، قالوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم قال: خالد: بل اعبروا إلينا، قالوا: فتنحوا حتى نعبر، فقال خالد: لا نفعل، ولكن اعبروا أسفل منا وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة. فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل على دين، وله عقل وعلم، و والله لينصرن ولنخذلن ثم لم ينتفعوا بذلك، فعبروا أسفل من خالد، فلما تتاموا قالت الروم: امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح، من أينا يجيء! ففعلوا، فاقتتلوا قتالًا شديدًا طويلًا ثم إن الله عز وجل هزمهم، وقال خالد للمسلمين: ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه، فإذا جمعوهم قتلوهم، فقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب مئة ألف، وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشرا، ثم أذن في القفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم، وأمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم، وأظهر خالد أنه في الساقة(5).

معركة فحل بيسان (في ذي القعدة سنة 13هـ):

       انسحبت فلول القوات البيزنطية بعد معركة أجنادين إلى دمشق، وتحصنت فيها، في حين عاد «تيودور»، – أخو هرقل- إلى القسطنطينية، وكان الإمبراطور يتابع تطورات الموقف العسكري، فأمر بتجميع القوات البيزنطية المنتشرة في جنوبي بلاد الشام، في «فحل بيسان»- الواقعة على الطريق بين الأردن ودمشق- وأرسل في الوقت نفسه جيشًا من حمص يقدر بعشرة آلاف مقاتل باتجاه دمشق، وذلك بهدف الإطباق على المسلمين من الجنوب والشمال، والقضاء عليهم، وإنقاذ دمشق المحاصرة من قبلهم، ثم غادر حمص إلى أنطاكية.

       نتيجة لهذه التطورات العسكرية، عقد أبوعبيدة وخالد اجتماعًا تشاورا فيه بشأن كيفية الخروج من هذا المأزق، فتقرر أن يهاجم خالد القوة البيزنطية المتمركزة في بعلبك لمنعها من التقدم، ومساعدة القوى البيزنطية في جنوبي بلاد الشام، ومن جهة أخرى، تلقت قيادة الجيش البيزنطي في بعلبك أمرًا من هرقل بالتقدم إلى الجنوب، والانضمام إلى القوة المتمركزة في فحل بيسان، وعندما وصل خالد إلى بعلبك على رأس خمسة آلاف مقاتل، لم يجد فيها الجيش البيزنطي، وأخبر بأن أفراده توجهوا إلى الأردن، فأغار على نواحي المدينة.

       وتوافد المسلمون إلى «فحل بيسان»، وانحاز إليهم بعض العرب المتنصرة من لخم وجذام وغسان و غيرهابعد أن أدركوا أن كفة الصراع بدأت تميل لصالح المسلمين، وتردد نصارى فحل، والواقع أن القبائل المتنصرة كانت تغير مواقفها من المسلمين كلما جمع البيزنطيون حشدًا جديدًا، وكانت أكثر القبائل التي كانت لها مصلحة بالارتباط بالبيزنطيين هم الغساسنة، وهزم فيها الجيش الرومي هزيمة نكراء، وقد تراوح جيش المسلمين في هذه المعركة ما بين 26 إلى 30 ألفاً، مقابل50 إلى 80 ألفاً عدد جيش الروم(6).

4. فتح مدينة [جلولاء] (في ذي القعدة سنة16هـ):

       وكانت جيوش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد ألحق الجيش المسلم هــزيمــة كبرى بجيــوش الفـرس، وكان ذلك بعد سقوط المدائن في أيدي المسلمين بتسعة أشهر(7).

5. اجتياح التتار لبلاد ما وراء النهر (في ذي القعدة سنة 617هـ):

       قال ابن الأثير في «الكامل»: في هذه السنة ظهر التتر إلى بلاد الإسلام، وهم نوع كثير من الترك، ومساكنهم جبال طمغاج من نحو الصين، وبينها وبين بلاد الإسلام ما يزيد على ستة أشهر(8).

       وكان هذا الاجتياح بمثابة النكبة التي حلَّت بالأقاليم والممالك الإسلامية الواقعة فيما وراء النهر، وخاصة بلدتي «الكرج» و«تفليس» حيث قتلوا في هاتين البلدتين وغيرهما ما لا يحصى عدده.

6. معركــــة [نيكوبلي] (في ذي القعدة سنة 798هـ):

       وكانت في شمـال «بلغاريا» على حدود «رومانيـا» وبين المسلمين بقيـادة السلطان العثماني «بايزيد خان الأول» وبين جيوش تحالف أوروبا الغربية: المجر، وفرنسا، وبلغاريا، وتمكن السلطان «بايزيد» من هزيمة جيوش التحالف كلها، وأسر معظـم قادتهم وأمرائهم(9).

7. سقوط المجر في يد الخلافة العثمانية (في ذي القعدة سنة 932هـ):

       وذلك في معركة تُسمى معركة [واري موهاكس]، وقد انتصر فيها السلطان العثماني «سليمان القانوني» انتصارًا ساحقًا، وقُتل ملك المجر في هذه المعركة، ولذا اضطر أهالي مدينة [بود] عاصمة المجر إلى إرسال مفاتيح المدينة إلى السلطان، وإعلان الخضوع الكامل غير المشروط للسلطة الإسلامية(10).

*  *  *

الهوامش:

(1)     المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 3/267؛ تاريخ الإسلام للذهبي 2/363؛ وابن كثير في البداية والنهاية4/188.

(2)     تاريخ الطبري 3/24؛ تاريخ خليفة بن خياط1/86.

(3)     تاريخ الطبري 3/148؛ تاريخ خليفة بن خياط1/94؛ المنتظم 4/5؛ الكامل لابن الأثير2/166.

(4)     نفس المصدر3/150.

(5)     تاريخ الطبري3/384.

(6)     تاريخ الخلفاء الراشدين للدكتورمحمد صهيل طقوش 1/239 ط:دار النفائس.

(7)     تاريخ خليفة بن خياط1/136؛ فتوح البلدان 1/260؛ تاريخ الطبري3/578.

(8)     الكامل في التاريخ 10/334.

(9)     تاريخ الدولة العلية العثمانية 1/140.

(10)   تاريخ الدولة العلية العثمانية 1/199.

***

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1436 هـ = أغسطس – سبتمبر 2015م ، العدد : 11 ، السنة : 39

Related Posts