كلمة العدد

          ما صنعته المملكة العربية السعودية من قيادة التحالف العربي الإسلامي الذي يقوم بعاصفة الحزم ضدّ التمدد الحوثي، الذي جرّ ويلات متناهية على اليمن الشقيق وفساد ودمار لانهاية له، رافضًا جميع نداءات الحوار والإصلاح، ومتنكرًا جميع المواثيق الدولية، لهو جدير بالشكر والتقدير والتحبيذ والتأييد من جميع أشرحة وقطاعات المسلمين في العالم. وفعلاً وَجَّهَ عدد لا يُحْصَىٰ من علماء المسلمين في العالم ومفكريهم ودعاتهم وقادتهم خطابات تأييد واستحسان للخطوة المباركة التي قامت بها المملكة السعودية متمثلةً في قيادتها للتحالف العربي الإسلامي القائم بالعمليّة العسكريّة الجويّة لمكافحة الحوثيين والعودة بهم إلى رشدهم.

       ومن المعلوم أن الحوثيين فرقة شيعية ضالة مارقة من الدين تدثّرت بشعارات زائفة، وشذّت عن المنهج الإسلامي الحق؛ ولذلك وقفت إيران الشيعية بجانب هذه الفرقة بالمال والرجال والأسلحة والتدريب العسكري، بغية إيجاد حصار شيعي حول البلاد العربية الخليجية والمملكة العربية السعودية بالذات، فأثارت قلاقل في كل من سوريا والعراق ولبنان والبحرين وأخيرًا في اليمن، وأيّدت بجميع الوسائل والأساليب الشريحة الشيعية في كل منها، وحرضتها دائمًا – ولا تزال – ضد الأغلبية من أهل السنة. وإن إيران نواياها الشريرة ومطامعها التوسعيّة ليست بخافية؛ لأنّها عاملة جاهدة وباستمرار على إقامة إمبراطويتها الفارسية العظمى على كل الأراضي العربية ولاسيما أراضي الحجاز والحرمين الشريفين. وقد ظلّ علماؤها وقادتها الدينيون يُصَرِّحون بأننا نحن الشيعة نستهدف الاستيلاء على الأراضي العربية وإنشاء دولتنا الشيعية العظمى عليها وعلى أراضي الحرمين بالذات. وعندها سنستخرج جثتي أبي بكر وعمر من قبريهما بجنب قبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وننبذهما خارج المدينة؛ لأنهما  صنما قريش ولم يسلما قطّ وإنما ظلاّ على كفرهما، وإنما لازما الرسول – صلى الله عليه وسلم – باقيين على كفرهما لكي يحتلاّ الإمارة من بعده مباشرة ويحرما عليًّا – رضي الله عنه – إيّاها وكان هو الأحق بها دونما فصل.

       ولذلك يجب على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عمومًا وعلى الدول الإسلامية العربية في الخليج العربي خصوصًا أن يتيقّظوا لخطورة المشروع الصفوي الطائفي الشيعي الإيراني الذي يحاك ضدّهم، وأن يجابهوه متحدةً صفوفهم، مجتمعة كلمتهم منسية من عندهم خلافاتهم، واعين وعيًا كاملاً أنّ هذا المشروع الصفوي الإيراني الشيعي يستطير شره في مختلف البلدان وعلى رأسها اليمن والعراق والشام، كما أنه يحرض الشيعة ضد أهل السنة في كل من البحرين ولبنان ويعضدها بجميع الأشكال، ويمارس القتل والعدوان في كل من اليمن والعراق وسوريا.

       ومنذ أن بدأ التحالف العربي يقوم – بناء على طلب من الرئيس اليمني الشرعي الحالي عبد ربه منصور الهادي إلى المملكة والدول العربية الأخرى يوم الاثنين 23/مارس 2015م (2/جمادى الآخرة 1436هـ) بدءًا من 26/مارس 2015م (5/جمادى الآخرة 1436هـ) وضمن البند 51 من بنود الأمم المتحدة – بـ«عاصفة الحزم» في اليمن ضدّ الحوثيين بدأوا يُرَوِّجُون الشائعات مُمَّدِين بإيران الشيعية بأن طيران التحالف يستهدف المدنيين. وذلك بغية كسب تأييد المجتمع الدولي وتشويه هذه العاصفة.

       ولم يَخْفَ على العالم تأييد إيران المطلق للحوثيين على غرار تأييدها للنصيريين العلويين البعثيين في سوريا، والشيعة الخبثاء في البحريين وحزب الله الشيعي في لبنان. وظلّ قادة إيران ينتقدون السعودية ويتناولونها باتهامات شنيعة وشتائم قارصة، ومنذ ثلاثة أيام، أي يوم الأحد: 29/جمادى الآخرة 1436هـ = 19/أبريل 2015م نشرت الصحف الهندية أن الرئيس الإيراني حسن الروحاني شنّ ضد السعودية انتقادات عنيفة لاذعة قائلاً: إنها بذرت الكراهية في المنطقة كلها، بقصفها الحوثيين، فقد صَرَّح في خطابه الذي نشره التلفاز مباشرة بمناسبة اليوم الوطني للجيش الإيراني في طهران: إن المملكة العربية السعودية ستواجه عاجلاً أو آجلاً النتائج الوخيمة لما بذرته من الكراهية في المنطقة لشنها الحرب ضدّ الحوثيين، مؤيدًا التصريحات التي كان قد أطلقها القائد الروحاني في إيران آية الله الخامنئي والتي اعتبر فيها خطوة السعودية تجاه الحوثيين «الإبادة الجماعية».

       ورغم أن إيران بدورها يؤيد الشيعة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن بالمال والرجال، ولكنها ترفض ذلك، وتتهم المملكة السعودية بأنها تؤيد «الإرهابيين» – تعني أهل السنة – في هذه البلاد.

       ولا شكّ أن إيران تعادي أهل السنة أشد مما تعادي – أو تتظاهر بأنها تعادي – أمريكا أو إسرائيل أي الصليبيين والصهاينة. وقد وَقَّعَتْ مؤخرًا مع أمريكا على اتفاقية نوويّة وتعاهدت معها ومع حلفائها بأن برامجها النووية لأغراض سلميّة إيجابية، وأنها لا تنوي إنتاج أسلحة نووية؛ ولكنها – كما تؤكد كل القرائن – عازمة على إنتاج أسلحة نووية تتظاهر إسرائيل بمخاوفها منها؛ ولكنها إنما تزمع على إنتاج ما أنتجت أو تود أن تنتجه من الأسلحة النووية لابتلاع الأراضي العربية الإسلامية والانتصار على أهل السنة الموجودين فيها، وهي في الواقع لا تعادي أيًّا من القوى العالمية بمثلما تعادي وتحارب أهل السنة، والقوى العالمية كلّها تعلم ذلك عن دراسة ويقين؛ ولذلك زعم أنها – إيران الشيعية – تطلق تحديات كثيرة نحوها – القوى العالمية – ولكنها لا تتخذ أي إجراء عسكري ضدّها، وإنما تمارس معها الإهمال والمماطلة والمساومة واللفّ والدوران، وتتظاهر بالوعيد والتهديد لذر الرماد في عيون العالم؛ لأنها – القوى العالمية – تعرف جيدًا أن إيران ليست مسلمة بالمعنى الإسلامي الصحيح وإنما هي مسلمة بالمعنى المغلوط للإسلام الذي أوجده عبد الله بن سبأ اليهودي الذي كان مؤسس هذه الطائفة في المسلمين بهدف إيجاد إسلام من نوع آخر يفسد على المسلمين الإسلام الصحيح المتوارث عن نبيه – صلى الله عليه وسلم – فهي – القوى العالمية – تعلم أن إيران خدمت وستظل تخدم مصالحها ولا تضرها مضرةَ أهل السنة.

       وقد نشرت الصحف الهندية يوم الثلاثاء: غرة رجب 1436هـ = 21/أبريل 2015م أن إيران لم تحتمل قيادة المملكة السعودية التحالف العربي الذي يقوم بعاصفة الحزم ضدّ الحوثيين وإنما هدّدت السعوديةَ بشن هجوم عسكري ضدّها، فقد هَدَّدَ رئيس أركان القوات البرية الإيرانية اللواء أحمد رضا بوردستان بأن المملكة العربية السعودية لئن لم تَنْتَهِ عن الإجراءات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، فإن طهران لا تتردّد في القيام بالإجراء العسكري المماثل ضدّ الرياض. فقد قال تقرير صادر عبر موقع قناة «العالم» التلفزيونية ضمن النشرات العربية المقدمة من إيران: إن «بوردستان» قال في حوار له ضمن برنامج تلفزيوني بعنوان «من إيران»: إن بلاده لا تود التوتر مع السعودية؛ ولكن بشرط أن توقف العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن؛ ولئن لم توقفها فإن نطاق الحرب قد يتوسع ويتمدد، وإذن قد نضطر أن نقوم بعملية عسكرية ضدّها.

       الجدير بالذكر أن هذا التصريح الصارخ أطلقته إيران ضد السعودية في الوقت الذي تقود فيه السعودية التحالف العربي القائم بعاصفة الحزم في نجاح وحكمة وتعقل عسكري؛ ولكن إيران لم ولن تحتمل أي إجراء ضدّ الشيعة في أي مكان وإنما هي تحارب كل من يحاربهم؛ ولذلك يقول المحللون السياسيّون: إن قائد القوات الإيرانية أطلق نحو المملكة السعودية إنذارًا واضحًا لالبس فيه بأنه سيقصف الرياض إذا لم تنته عن قصفها للحوثيين بنى دينه وعقيدته؛ ولكن إيران ليس بوسعها في الموقف العالمي الحالي أن تقوم بعملية عسكرية ضدّ المملكة العربية السعودية. وذلك لأسباب، منها أن إيران مشغولة بسحق الثورة الشعبية في سوريا ضد حكومة بشار الأسد النصيري العلوي الشيعي، كما أنها مشغولة بالتدخل العسكري السافر في كل من العراق ولبنان، فهي لا تقدر على فتح جبهة عسكرية جديدة، رغم أن إيران تتوهم أن المملكة السعودية ليس لديها خبرة حربية ميدانية، فقواتها لا تعدو أن تكون مجموعة عسكريّة غرة، فهي تطالب المملكة بأن الخير لها أن تترك العملية العسكرية في اليمن، وأن تساهم في إيجاد حل للقضية اليمنية عن طريق الحوار والدبلوماسية والتفاوض السياسي، وإلاّ فإن الحرب ستمتدّ إلى داخلها. وقالت إيران – حسب الصحف الهندية – إنها لا تنوي الحرب معها؛ ولكن الأمر بيديها، هل هي تريد أن تنهِيها باللجوء إلى المحادثات أو تريد إطالة الحرب وتمديدها إلى حدودها بل إلى داخلها. ولو اضطررنا لم نتلكأ من القيام بعملية عسكرية داخل الأراضي السعودية. وقد حَرَّضَ قائد القوات الإيرانية بشكل غير مباشر الحوثيين والمليشيا الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح على شن الهجوم على المملكة السعودية. ومنذ أيام كان نائب رئيس الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي حَرَّضَ الحوثيين على الهجوم على المملكة؛ حيث كان قد صَرَّح أن الحوثيين لديهم صواريخ بوسعها أن تستهدف المملكة.

       وعلى إيران أن لاتنسى أن أهل السنة وهم المسلمون بمعنى الإسلام الصحيح يشكلون أغلبية ساحقة بين من يُصَنَّفُون مسلمين في العالم كله، وكلهم مستعدون أن يفدوا المملكة بأرواحهم وممتلكاتهم، لكونها خادمة للحرمين الشريفين و حارسة للأراضي الإسلامية المقدسة التي طلع عليها فجر الإسلام وكان بها آخر اتصال للسماء بالأرض.

       إن إيران عندما ترى أن أهل السنة يكادون يتحدون ويتضامنون حول قضية من القضايا تبادر إلى إطلاق هتاف الوحدة الإسلامية، وأن المسلمين يجب أن ينسوا الخلافات المذهبية والطائفية، أي أنها توهم أنها أيضًا مسلمة وإنما تختلف عن مسلمي العالم، كما تختلف المذاهب الإسلاميّة، مثلاً المذاهب الأربعة المنتمية إلى أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله جميعًا؛ ولكن المسلمين من أهل السنة عمومًا والعلماء الثقات خصوصًا يعلمون جيدًا أن إيران الشيعية لديها ديانة مستقلة تختلف عن ديانة الإسلام السنية الحقيقة، كما تختلف الأخيرة – ديانة الإسلام – عن الديانات الأخرى في العالم بما فيها اليهودية والمسيحية والوثنية وغيرها؛ من ثم هي – إيران – تحارب أهل السنة داخلها محاربتها لأبناء الديانات الأخرى، ففي طهران كلها لايوجد مسجد واحد لأهل السنة، وفي أراضي إيران كلها هناك حظر شديد على أهل السنة فيما يتعلق ببناء المساجد والعمل بالأحكام الدينية، ففي «زاهدان» وهي منطقة متأخمة يوجد بها أهل السنة بعدد لابأس به يُضَايَقُون دائمًا من قبل السلطات الإيرانية، ومن وقت لآخر يُفْرَضُ الحظر على ما يقومون به على نطاق محدود ضئيل من برامج التعليم والتربية اللذين يتلقونهما في باكستان التي يوجد بها أهل السنة بأغلبية كاسحة.

       ولسائل أن يتساءل: لماذا لا تتململ إيران الشيعية على تقتيل المسلمين من أهل السنة في العراق وفي سوريا وفي كثير من الأمكنة مثلما تتململ على أي سوء يمسّ أي شريحة من الشرائح الشيعيّة في أي مكان في العالم، ولماذا تحرض وتمد الشيعة في البحرين وفي داخل المملكة العربية السعودية وفي الكويت وفي باكستان وفي أفغانستان ليثوروا ضد الحكومة السنيّة، وليثيروا من وقت لآخر اضطرابات ومشاكل للحكومة وللشعب السني فيها.

       من وقت لآخر تثير إيران الشيعيّة التي تُسَمِّي نفسَها خداعًا وتغريرًا «جمهورية إيران الإسلاميّة» مشاكل في السعودية وتدعو لتدويل الحرمين الشريفين ونزع الوصاية عليهما من أيدي آل سعود وحكومة المملكة العربية السعودية، إشباعًا لهوى في نفسها وهي تمهيد الطريق إلى تدخّلها في شؤونهما – الحرمين الشريفين – دونما جدارة واستحقاق، وإضعاف شأن المملكة العربية السعودية، وسلبها مركزيتها الإسلاميّة وكونها محطّ أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حسدًا منها إيّاها النعمةَ التي أنعمها الله تعالى عليها – المملكة – بفضل وحكمة منه «أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَآ اٰتٰهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ» (النساء/54).

       إن المسلمين من أهل السنة وهم كثر – ولله الحمد – مع المملكة العربية السعودية قلبًا وقالبًا لحبّ مركوز في قلوبهم نحوها من أجل خدمتها المثالية المنقطعة النظير للحرمين الشريفين وضيوف الرحمن ومن أجل وقوفها بجانب المسلمين في العالم لدى كل ملمة تلم بهم في دينهم أو دنياهم. صانها الله من شرّ كل حاسد إذا حسد، ووفق المسلمين لتوحيد الصف لمجابهة المشروع الصفوي الإيراني الشيعي. إنه على كل شيء قدير.

       إن الإسلام لا يواجه تحديًا فقط من قبل الصهاينة والصليبيين والوثنيين بأنواعها، وإنما يواجهه من قبل الشيعة وأمثالهم، وإنهم حقًّا يمثلون سرطانًا في الجسم الإسلامي، الذي تتوقف صحته على نزعه – السرطان – واستئصاله منه.

(تحريرًا في الساعة 5 من مساء يوم الثلاثاء: غرة رجب 1436هـ = 21/أبريل 2015م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، شعبان 1436 هـ = مايو – يونيو 2015م ، العدد : 8 ، السنة : 39

Related Posts